حاولت في سابقة مميزة مجموعة من نواب المجلس الوطني التأسيسي التونسي استعمال القضاء الدستوري الذي يخطو خطواته الاولى كجبهة من جبهات حرب تعزيز حقوق المرأة وتدعيمها. فتولت المجموعة الطعن في الفصل 24 من مشروع القانون الانتخابي بدعوى ان رفض مقترحهم الذي تقدموا به بمناسبة مناقشة المجلس التشريعي لمشروع القانون الانتخابي المذكور يشكل تعديا على احكام الدستور التونسي. والمقترح موضوع الطعن هو مقترح تقدمت الكتلة النيابية به وقد رمى الى تعزيز التناصف الحاصل في كل قائمة بين الجنسين (التناصف العمودي) من خلال الزام كل الاحزاب والائتلافات الانتخابية التي تترشح في أكثر من دائرة انتخابية بضمان التناصف في رئاسة قوائمها بين الجنسين. وهو أمر يعطي حظوظا هامة لرئيسات القوائم بالفوز في الانتخابات.
انطلق الطعن من فكرة أن احترام احكام الدستور يقضي العمل على تحقيق التناصف بين الرجل والمرأة في المجالس المنتخبة. واسس على ذلك مقولته المركزية التي تعتبر ان الاكتفاء بالتنصيص على التناصف العمودي دون التناصف الافقي يخرق احكام الدستور لكونه لا يحقق التناصف الفعلي بين النساء والرجال في تولي المناصب العامة بالمجالس المنتخبة، سيما وان نتائج انتخابات المجلس الوطني التاسيسي في 23 اكتوبر 2011 جعل تمثيل النساء بالمجلس لا يتجاوز 27% رغم انه تم تطبيق التناصف العمودي بتلك الانتخابات. وقدر ذات النواب ان من شأن مقترحهم لو تم اقراره أن يحقق الهدف الدستوري خصوصا وان النظام الانتخابي الذي وقع اعتماده يعطي اوفر الحظوظ لرؤساء القوائم في الفوز بالمقاعد الانتخابية في سياق توزيع البواقي. وانتهى الطعن الى اعتبار ان اسقاط مقترح التناصف الافقي يشكل تخاذلا من المشرع في تحقيق مقتضيات الدستور ويتعين على الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين التصدي لذلك والتصريح بكون رفض مقترح تعديل يضمن المناصفة الفعلية يشكل خرقا لأحكام الدستور ويعيب النص الذي وقعت المصادقة عليه.
كانت فكرة المطعن الدستوري جريئة في بنائها على اعتبار انها بحثت عن خرق الدستور من خلال التقصير في تحري تنفيذ الدستور لا في اصل المادة القانونية. كما شكلت اثارة مسالة المناصفة امام الهيئة القضائية الدستورية مناسبة لطلب موقف قضائي دستوري من الاختلاف بين الفصلين 34 و46 من الدستور، خصوصا وان الفصل الاول نص على ان الدولة تضمن تمثيلية للمرأة في المجالس المنتخبة دون ان يربط تلك التمثيلية بنسب معينة، فيما نص الفصل 46 "على ان الدولة تسعى لتحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة". ويبدو التضارب بين الفصلين المتعلقين بذات الموضوع جليا ومن شأنه أن يؤدي الى التباس في تحديد مسؤوليات الدولة في هذا المجال.
مكن الطاعنون الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين من فرصة نادرة لبناء فقه قضاء دستوري يوضح المفاهيم الدستورية التي تتعلق بالتمييز الايجابي للمرأة و يؤسس لتحديد واضح لمسؤوليات الدولة في المجال. وكان ينتظر من الهيئة الا تكتفي بالبت في المطعن وان تتجاوز ذلك لايجاد تصور فقه قضائي يشرح الدستور و يتمم نصه. وكان قرار المحكمة الدستورية بالتالي منتظرا لاهميته النظرية التي تتجاوز التجاذبات السياسية التي حامت حول الموضوع.
جعلت اهمية الانتظارات التي تسلطت على قرار الهيئة خبر رفضها بتاريخ 19-5-2014 للمطعن مجرد محطة، باعتبار ان العنصر الاهم الذي كان يرتقب هو كيفية اسناد القرار وتأسيسه. وبعد ان تم نشر القرار بحيثياته بموقع المجلس الوطني التأسيسي تبين ان الهيئة القضائية اكتفت في ردها للطعن بتسبيب وحيد جاء فيه "ان المقصود بالسعي نحو التناصف هو بذل عناية لا غير"، فخاب رجاء من كان ينتظر.
لم توضح الهيئة معنى بذل العناية في مادة اختصاصها وحدود المسؤولية في مجالها وافرغ القرار بضعف بنائه الزخم الذي فرضته المداولات حول المناصفة والطعن المثار. فكان الطعن فرصة لفقه قضاء اضاعتها هيئة الرقابة على دستورية القوانين في سياق سعيها لرفض يضمن المصادقة على مشروع القانون مع اهمال الالتفات لدورها في شرح الدستور وتأصيل مفاهيمه.
الصورة منقولة عن موقع www.swissinfo.ch
متوفر من خلال: