” فتنة بيطار”… حول صناعة السرديّة والحدث وتبرير التعسف


2021-10-27    |   

” فتنة بيطار”… حول صناعة السرديّة والحدث وتبرير التعسف
تصوير داليا خميسي

شهد التحقيق القضائي في قضيّة مرفأ بيروت مناورات عدة على المستوى القضائي والتشريعي هدفت إلى إفلات موظفين ووزراء ونواب من العقاب، ورافقت المناورات ضغط إعلامي تصاعدي وصل إلى حد التنمير والتخويف والتطويق بالشائعات للمحقق العدلي القاضي طارق بيطار. وكان القاسم المشترك بين سرديّات مختلف أحزاب السلطة سعيها إلى تسييس الملف للإيحاء بأن القاضي يصطفّ سياسياً مع طرف سياسيّ ضدّ آخر… هذه الهجمة بلغت أوجّها مع ربط أدائه بمشروع “فتنة تحضر”. ولم ينقضِ وقت إلا وشهدنا مشهدية فتنة على مستديرة الطيونة استخدم فيها أسلحة ثقيلة وذهب ضحيتها 7 أشخاص، فضلا عن إعادة إحياء ذاكرة الحرب 1975-1990.

وفي موازاة المطالبة بالتحقيق، سارع الفريق المناوئ لبيطار إلى تفسير مجريات الطيونة بالفتنة، عملا بمنطق “هم ونحن”. وهذا ما عبّر عنه الإعلامي علي حجازي بقوله أنّه “هم لديهم شهداء ونحن لدينا شهداء”. وعليه، تقدمت ثنائيّة “هم ونحن” على ثنائيّة “المواطن والدولة”، مع عودة الترويج لفكرة أن استمرار عمل المحقق العدلي هو “فتنة”، وصولاً إلى التعبير بالقول أنّ “الدم برقبتك يا بيطار”… ويمكن أن نختصر ما جرى هذا بانقلاب لمشهد تمثّله رمزيّة القاضي بيطار ويتمثّل بتجرؤ منطق الدولة على منطق العصبيات، إلى مشهد “تسجيل حضور سطوة عصبيات مسلّحة تدّعي كل منها تمثيلها شرعيّة الدولة”.

فيما يلي رصدنا تطوّر الحملة التي شنت على القاضي بيطار، قبل أحداث جريمة الشياح ومن بعدها…

 

الفتنة مرتقبة قبل تظاهرة العدليّة

بعد فترة من رفض محكمة الاستئناف في 4 تشرين الأوّل، طلب رد القاضي البيطار لعدم الاختصاص، وضمن سلسلة شائعات دأبتْ مواقع على ترويجها بشأن لقاءات لم يقم بها أو أقوال لم يقلها، (أكثرها صدرت عن موقع “الشرق”، ويديره عوني الكعكي، وموقع “أساس” وصاحبه نهاد المشنوق)، انتشرت شائعة جديدة مفادها أن القاضي طارق بيطار سيستدعي كلّا من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري وأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله إلى التحقيق. وكرر محامي الوزير السابق يوسف فنيانوس، طوني فرنجية الشائعة في اتّصالٍ له مع موقع “ليبانون ديبايت”، مُدّعياً أن القاضي البيطار أبلغه نيته باستدعاء سياسيّي الصف الأول إلى التحقيق.

إضافة إلى الشائعات قدّمت مجموعة من الحجج الدائرية التي تبرر الارتياب بالارتياب، وهو ما نستشفه من خطابات المستدعين والمدافعين عنهم. فقبل يوم من رفض محكمة التمييز طلبات الرد الجديدة المقدمة من النائبين والوزيرين السابقين غازي زعيتر وعلي حسن خليل، صرّح خليل لموقع “الشرق” بالآتي: “نحن اليوم قدمنا طلب رد للقاضي وهناك طلبان قدمهما زملاء بالارتياب المشروع لنقل الدعوى، وهذا كله يؤكد أننا أمام ملف مستوى التسييس فيه أصبح عاليا جدا إضافة إلى الاستنسابية”.  أي أن خليل اعتبر أن ارتيابه وزملائه من التحقيق هو دليل كافٍ على أنّ التحقيق مسيّس.

ويوم رفض طلب الرد في 11 تشرين الأوّل، كانت خطبة لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله تحدث خلالها عن قضية المرفأ، مكرراً الكلام حول وجود تسييس واستنسابيّة في التحقيق العدلي. ورأى أن الموضوع “لم يعد موضوعاً شخصياً بل له تداعيات على مستوى البلد”. وأضاف: “هذا الموضوع لا يمكن أن يكمل على هذا النحو خصوصاً في الأيام القليلة المقبلة”. لم يتوقّف نصرالله هذه المرة عند حدود التشكيك والتحذير والهرسلة على القاضي،  بل دعا مجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى إلى الإجتماع ومعالجة هذا الموضوع، وأضاف أنّه يتكلّم باسم شريحة كبيرة من البلد وأنّه “من حقنا أن تستمعوا لنا”، وحذّر من “كارثة كبيرة سيذهب إليها البلد إن أكمل القاضي بهذه الطريقة”.

هنا إشارة إلى الزعامة التي تختزل بشخصها الجماعة والتي يجب أن يخشاها القضاء. وقد أوحى نصر الله باحتمال حصول كارثة محمّلا سلفا مسؤوليتها للقاضي بيطار.

ثمّ، بدأ الحديث من قبل معلقين صحافيين وعلى المواقع عن فتنة يتم تحضيرها، ولم يجر بدايةً الربط بين موضوع الفتنة والقاضي طارق بيطار، بل في سياق بعيد تماماً عن القضيّة. ففي 12 تشرين الأوّل، تحدّث الصحافي غسان سعود على موقع سبوتشوت عن أزمة يعانيها حزب القوات فيما يتعلّق بالإنتخابات اللبنانيّة، وقال أنّ لديه معلومات عن خضّات أمنيّة ستقوم بها القوات بهدف تخريب الانتخابات النيابيّة. وفي إطار منفصل، تحدّث موقع التحرّي عن مخاوف من تحوّل التظاهرات التي دعتْ إليها حركة أمل وحزب الله إلى “صراع طائفي”.  وقد بدا القرب الجغرافي لمنطقة العدليّة مكان الدعوة إلى الاعتصام من منطقة ما يسمى “خط تماس الشياح \عين الرمانة” بمثابة طبق جاهز لتوجيه الرسائل المتبادلة إلى القواعد الشعبيّة من جهة، ورسالة إلى القاضي بيطار من جهة أخرى.

 

الحملة تشتدّ

في 12 تشرين الأول، أصدر المحقق العدلي مذكرة توقيف غيابية بحق علي حسن خليل. بالمقابل، ترجم وزير الثقافة القاضي محمد مرتضى كلام نصر الله بدعوته مجلس الوزراء لإيجاد “علاج” أو فتوى ما للقضيّة. وقد ذهب مرتضى داخل مجلس الوزراء إلى وصف بيطار بالعميل، وفق تغريدة نشرها الصحافي فراس حاطوم. وتحدثت مواقع إخباريّة عن تهديدات وزراء أمل وحزب الله وتيار المردة بالاستقالة من الحكومة أو تعليق مشاركتهم وسط جدل لم يخلُ من العنف الكلامي. على الإثر، أنهى رئيس الجمهورية ميشال عون الجلسة، وبقيت الأمور معلقة.

كما تحرّك رئيس مجلس النواب نبيه بري على خطّ موازٍ. فقد صرّحت الأمانة العامة لمجلس النواب في بيان في 13 تشرين الأول أن “أي إجراء من قبل القضاء العدلي بحقّ الرؤساء والوزراء والنواب يعتبر تجاوزاً لصلاحيته لأن هذا الأمر ليس من اختصاصه”.

تلا ذلك أربعة مواقف في 12 تشرين الأوّل التقت في مضمونها، لكل من الوزير خليل، والمفتي أحمد قبلان والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ورابطة العلماء المسلمين:

في بداية مقابلة مع خليل على قناة الميادين طرحت مقدمة البرنامج سؤالا إذا ما كان من “أحد يخطّط لفتنة طائفيّة وتفجير السلم الأهلي”، وإذا ما كان من “تدخل خارجي في هذا الملف”. وقد اعتبر خليل أن هناك “تركيز على جهة سياسية معينة، ومن هنا أتت حجة الاستنسابية والتسييس في هذه القضية”. وكرر خليل الحجج السابقة ذاتها حول وجود تسييس فعقبت المقدمة “أفهم من هذا الكلام، هناك توظيف لدماء الشهداء بالنسبة لحسابات سياسية معينة وأيضاً في توقيت له دلالة كبيرة!” أجاب خليل أنّ القاضي بيطار “في كل الاتّصالات أو اللقاءات االجانبية التي يعقدها يُنقل عنها كلام لا يلتقي مع الصفات التي يجب أن يتمتع بها قاض يتحمل مسؤولية قضية كالمسألة المطروحة، هو يقول بكل صراحة آن لهذه الطبقة السياسية أن تتغيّر”. واعتبر أن القاضي أصبح جزءاً من حركة احتجاج سياسي على “الطبقة السياسية” وأضاف “بغض النظر عن حقه”، معتبراً أن القاضي “تأثّر بالشعبويّة والرأي العام”. وادعى خليل أن بيطار “التقى وفدا أجنبيا لا علاقة له بالقضاء اللبناني بعد صدور مذكرة التوقيف”، وأضاف “الأمر نفسه حصل عند صدور مذكرة توقيف في حق الوزير السابق يوسف فنيانوس”. وتابع قائلاً أنّ “كل الاحتمالات مفتوحة لتصعيد سياسي وربما تصعيد من نوع آخر”. والأهم هو أنه أضاف أن “هناك مشروع فتنة كبيرا يمثله أداء هذا القاضي، ونحن نريد تجنيب البلد الوصول إلى هذا المأزق… ولا يمكن استبعاد أن ما يحصل هو جزء من ماكينة عمل إقليمية وداخلية تتصل بتغيير الوقائع السياسية والتوازنات داخل البلد”. وتابع “أنا اشفق على القاضي بيطار بما وضع نفسه فيه”.

المفتي الجعفري ​أحمد قبلان​ الذي تميز بخطاباته النارية مؤخرا، توجه للقاضي بيطار بالقول أنّ “القضاء يبدأ برؤوس الأفاعي وليس بالعمل للأفاعي”. كما اعتبر في بيان أن المحقق العدلي “وضع الدولة بالنفق، وحول السفارات ” وتابع أنّه “يكاد يحول الحكومة إلى متاريس ويدفع بالبلد والشارع نحو كارثة، لذلك المطلوب إقالته الآن، وحذار اللعب بالنار”.

وأصدر المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى بيانا حذّر فيه من “تحويل القضاء أداة للانتقام السياسي”. وأضاف أن أداء قاضي التحقيق في هذه القضية “يوم بعد يوم يبتعد كليا عن مسار العدالة من خلال الاستنسابية والمزاجية اللتين كرّستا الارتياب به وبعمله”. واستهجن “الصمت المطبق الذي يخيّم على الهيئات القضائية العليا” مطالباً ب “تصحيح المسار قبل فوات الأوان والوقوع بما لا تحمد عقباه”.

تجمع علماء المسلمين اعتبر أن المحقق العدلي يتصرف في الملف بطريقة مشبوهة، لأنه يستدعي بعض النواب والوزراء ورئيس حكومة “مستضعف”، “ضارباً بعرض الحائط الحصانة النيابية والوزارية واختصاص مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء بمحاكمتهم لينال بعد ذلك تنويهاً من الكونغرس الأمريكي”. ودعا البيان الحكومة لاتخاذ قرارات حاسمة وحازمة بتنحية المحقق العدلي والطلب من المجلس العدلي تعيين بديل له .

 

بالتوازي وتجاوباً مع خطاب نصرالله، كان هناك حملة بين 11 وحتى 14 تشرين الأوّل على مواقع التواصل الإجتماعي، وتويتر بالأخص، جرى التركيز فيها هذه المرة على التأثير البصري من خلال نشر “البوسترات”. وبدأت الحملة تحت هاشتاغ أساسي (#مع_حزب_الله)، إضافة إلى هاشتاغات أخرى ( #البيطار_يُسيّس_القضاء) (#البيطار_يلعب_بالنار) (#البيطار_بالسياسة_بيندار) مع نشر بوسترات مهينة للقاضي، كصورة له مع عبارة “مع هذا القاضي لن تصلوا إلى الحقيقة”، أو مع عبارة “القاضي بيطار في عالم آخر”، أو صورة له وضعت إلى جانب صورة لرئيس حزب القوات سمير جعجع”…

الصحافي غسان سعود ذهب أكثر هذه المرة في توصيف الفتنة المنتظرة. ففي مقابلة له على “يوتيوب” على قناة “بالمباشر” في 13 تشرين الأوّل، وبعدما سأله المقدّم إذا ما سنشهد “شارع مقابل شارع” في الأيام المقبلة، قال أنّ “هناك فريق سياسي تتقدمه القوات اللبنانية وعدد صغير من المجموعات التي تدور في فلك  القوات هي ترفع شعارات سياسية في الشارع منذ انفجار 4 آب وتسعى إلى أخذ الرأي العام والتحقيق في اتجاه سياسي معيّن”. وتابع أنّه “أقل ما هو متوقّع أن يصبح هناك شارع مقابل هذا الشارع”. وكرّر سعود المنطق ذاته الذي ساقه كل من نصر الله وخليل حول اتهام القاضي ب”الشعبوية” إذ قال أن هذا الشارع كان صامتاً بانتظار نتيجة التحقيق. “إلّا أنه بعد أن رأى أنّ القضاء يسير مع هذا الجو الإعلامي والشعبي فمنذ الغد سيكون هناك شارع آخر”. وبرر سعود ما حصل من تخويف وتنمير سابق بحق القاضي إذ قال: “بالنسبة لي أرى أن القاضي كان يتلقى تهديدات أولاً ويتلقى إحاطة سياسية وإعلاميّة وتطبيليّة وفي الشارع من فريق سياسي واحد… القاضي بيطار اليوم أصبح أمام فريقين”.

بالمحصلة، جرى الربط إعلامياً بين القاضي بيطار و”مشروع الفتنة”، وبين القاضي بيطار وحزب القوات. وتمّت الدعوة إلى تظاهرة لمحامين وأصحاب القطاعات المهنية في “حركة أمل” و”حزب الله” أمام قصر العدل في بيروت. وقد توسعت التظاهرة مع مشاركة من مختلف مناصري حركة أمل. وصرّح عضو المكتب السياسي في”حركة أمل” علي رحال لـ”سبوتنيك” حول أسباب التظاهرة وهي الأحاديث المكررة حول تسييس القضية مع إضافته أنّ “الخلفية السياسية هدفها جر البلد إلى الفتنة”، واعتباره أنّ الاعتصام هو للقول “كلا لن نقبل أن تحدث فتنة في البلد”.

 

مواقف بعد 14 تشرين الأول

انزلقت الأمور بسرعة يوم 14 تشرين إلى حرب شوارع نقلتْ بعض أحداثها مباشرةً على الهواء وأدّت إلى سقوط 7 ضحايا وإلى ترهيب أهالي منطقة بدارو وعين الرمانة والطيونة. ومن دون الغوص في تفاصيل ما تزال موضع تحقيق وسط تضارب معلومات، ما يهمّنا في هذا المقال هو كيفية استكمال سرديّة “فتنة بيطار” من قبل الفريق المناوئ لهذا الأخير. ففي حين حمّل قسم من هؤلاء المسؤوليّة كاملة لحزب القوات عما جرى، لم يغفلْ قسم آخر عن تحميل القاضي بيطار مسؤوليّة ما جرى مطلقا ضده حملة جديدة.

المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى كرر في بيان موقفه في قضية المرفأ مطالباً الحكومة والجهات القضائية المختصة تحمل المسؤولية “في مواجهة الفتنة التي تسبب بها قرار المحقق العدلي المسيّس الذي يطمس الحقيقة ويحرف العدالة عن مسارها الصحيح”.

المفتي أحمد قبلان عاد ليعتبر في بيان ناريّ آخر أن “كل دم وفتنة وتهديد للسلم الأهلي وفلتان أمني وقع اليوم على المحتجين العزل أو سيقع هو بعنق السفارة الأمريكية والقاضي طارق البيطار الذي يجب عزله وتوقيفه ومساءلته بشدة”. وأضاف أن “الفتنة بدأت بالقاضي البيطار ويجب إقالته فورا”. وتوجه تجمع علماء جبل عامل في بيان إلى المحقق العدلي بالقول “إتقّ الله في البلاد والعباد، ولا تكنْ وقودا أو أداة للفتنة التي تريدها أميركا وربيبتها إسرائيل وعملاؤها في الداخل”.

بدوره دعا تجمّع العلماء المسلمين في بيان الحكومة “إلى اجتماع عاجل تقرر على أساسه إقالة القاضي البيطار وإلغاء القرارات الصادرة عنه “. وعلّق وزير الزراعة عباس الحاج حسن أثناء جولة له في النبطية أنّه “من غير المسموح مطلقا أن يسيس القضاء وأن يكون هناك استهداف من قبله”، وتحدّث عن استهداف القضاء لفئة معينة دون سواها. واكتفى القسم الثاني من المواقف المعلّقة من قوى وأحزاب -من غير مناصري أو حلفاء القوات- بالدعوة إلى التحقيق ومعاقبة المجرمين، وذهب قسم من هذه المواقف إلى الثناء على موقف قيادتي حركة أمل وحزب الله في “وأد الفتنة” وعدم الانجرار إلى حرب.

واختلفت حدّة بعض المواقف يوم 14 تشرين الأوّل عما بعده، فذهبت الجيوش الإلكترونية (وأغلبها بأسماء وهميّة) إلى التعليق على ما جرى تحت هاشتاغ (#الدم_برقبتك_يا_بيطار) مقدّم نشرة الأخبار في قناة المنار سهيل دياب كان كتب تويت في 13 تشرين الأوّل عن مؤامرة انتخابية جاريّة للاستثمار في الانتخابات النيابية حتى “لو حرق البلد!”، ولكنه ذيلها بهاشتاغ (#البيطار_يلعب_بالنار). عاد وكتب في اليوم التالي عن سقوط شهداء برصاص قنص، وذيّلها هذه المرة بهاشتاغ (#الدم_برقبتك_يا_بيطار). إلاّ أنه اكتفى في الأيام اللاحقة بالحديث عن القوات وقائدها سمير جعجع وحدهما. كذلك كتب المراسل علي شعيب تحت الهاشتاغ ذاته عن دفاع يائس لجعجع “عن أداة الفتنة بيطار”. وعاد في الأيام اللاحقة ليصوّب على القوات وجعجع وحدهما. وكان ملفتاً في التعليقات تحت هذا الهاشتاغ وضع صور لكل من السفيرة الأميركيّة دورثي شيا ورئيس حزب القوات سمير جعجع إلى جانب صورة القاضي بيطار، وصور أخرى تحت هذا الهاشتاغ لرئيس الجمهوريّة ميشال عون عليها تعبير “ارحل” ولطخات دماء.

في اليوم التالي كررت مصادر، لم يفصح عنها، من حركة أمل وحزب الله لـ“الجمهورية” الحديث عن مشروع فتنة معتبرين أن القاضي بيطار إحدى أدواته. كذلك كرر المفتي قبلان موقفه في خطبة الجمعة في 15 تشرين الأوّل  معتبراً أنّ “القاضي طارق البيطار مسؤول عن مذبحة كمين الطيونة، وعن كل فلتان أمني وخراب يصيب هذا البلد”، وتابع محملاً مجلس الوزراء مسؤولية إنقاذ البلد من “فتنة البيطار”. وبدأت حملات المعلقين السياسيين الصحافيين المعتادة على البرامج التلفزيونية والمواقع. فمثلاً وضعت ملاك عقيل الصحافية في موقع “أساس”، ما جرى ضمن سياق رسالة واضحة استهدفت حزب الله، لكنها تابعت متحدثة عن احتضان أميركي- فرنسي لـ”حالة البيطار” معتبرةً أنّ قضية المرفأ “ترسم ملامح المرحلة المقبلة”.

الصحافي علي حجازي في دفاعه عن حملة التهجّم على القاضي بيطار، خلال مقابلة له في 16 تشرين الأوّل على تلفزيون الجديد، اعتبر أنّ هناك فريقاً سدّت في وجهه كافة السبل القضائيّة للدفاع عن نفسه في قضيّة المرفأ. ثم قال حجازي ما حرفيته “برأيك هل جرى اختراع كل هذه الضجة حول القاضي بيطار لو لم يكن من إجماع عليه (على أدائه)، فحتى الفريق الذي بمكان ما لا يتهجم عليه يتحدّث عن استنسابية بالتعاطي في الملف”. وأعاد حجازي تكرار إشاعات المواقع السابقة الذكر حول علاقة القاضي بيطار ووزير العدل السابق سليم جريصاتي، (وفي مقابلة أخرى قال أنه “صبيب قهوة عند جريصاتي”). وخلص إلى أنه “هلق طلعو ما بيعرفو وما خصن فيه!”. وشبّه حجازي كل من بيطار والقاضي سهيل عبود بالمحقّق دتلف ميلس، ووضعهما في موقع الشبهة “حتى لا أقول العمالة”، مدّعياً أنهم يحضرون “مضبطة إتهام للمقاومة”. وحول سبب الريبة، اعتبر أنّ “لحظة صدور بيان نواب من الكونغرس الأميركي تحدثوا فيه عن نزاهة القاضي بيطار أصبح بالنسبة لنا مشبوها (علما أن الحملات ضد بيطار بدأت قبل أسابيع من هذا البيان). وقال أنّ “هناك قراراَ مأخوذاً عند كتلة كبيرة هي حزب الله وحركة أمل بأنه لا يمكن للقاضي بيطار الاستمرار بالتحقيق”. وفي مقابلة أخرى على يوتيوب قال حجازي “إذا ما كان (بيطار) يعتقد أنه تحت حجة الدماء وأهالي الشهداء يمكنه أن يضع (يزرك) فريق سياسي في الزاوية فهناك يوجد دماء وهنا أيضاً أصبح يوجد دماء”. وأضاف “كل من استدعي خط أحمر إلى حين استدعاء الجميع”.

مؤخراً، وضمن سياق استمرار الهجوم ضد بيطار وتحميله مسؤولية الفتنة، تقدمت المحامية مي الخنساء في إخبار في 22 تشرين الأوّل ضد رئيس حزب القوات سمير جعجع والقاضي بيطار، وكل من يظهره التحقيق “فاعلا أو متدخلا أو شريكا أو محرضا، بجرم ارتكاب الإرهاب وتمويل الإرهاب، والنيل من هيبة الدولة، وارتكاب جرائم الفتنة، والتحقير وجرائم ضد القانون وضد الدستور اللبناني”. في إيحاء بترابط بين ما يقوم به حزب القوات من استثمار في قضيّة المرفأ، وبين المحقق العدلي.

وفي حين عاد حسن نصرالله للتهجم على بيطار في خطابه بتاريخ 18 تشرين الأول واتهامه بالاستنسابية، فمن اللافت أنه تراجع عن كل ما كان يروّجه أنصاره لجهة وجود استهداف للمقاومة مدعيا أن معارضة حزب الله لبيطار تندرج ضمن واجبه بالدفاع عن حقوق الضحايا بالوصول إلى الحقيقة فقط.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، سياسات عامة ، أحزاب سياسية ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجزرة المرفأ ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني