معتصمة فلسطينية في مسرحية تجسّد حرب الإبادة في غزة من مخيّم جامعة جورج واشنطن، العاصمة الأميركية، أبريل 2024
منذ بداية حرب الإبادة في غزّة في أكتوبر 2023، انقلب العالم الأكاديميّ في الدول الغربيّة رأسًا على عقب وكسر حاجز الصمت عن جرائم إسرائيل والدول المناصرة لها. وجدت نفسي كطالبة تونسية في أكبر جامعة كندية، جامعة تورونتو، في قلب العاصفة التي اجتاحت العواصم الغربيّة منذ بداية العدوان من تظاهرات واعتصامات وحملات مقاطعة. أصبحت جزءا من روتيني اليومي بحكم دراستي للعلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة. في أواخر شهر أبريل الماضي كنت في محاضرة بجامعة برينستون فوجدت نفسي في خضمّ الاعتصامات. ثم وفي بداية شهر ماي الماضي، خلال زيارتي للعاصمة الفيدرالية واشنطن، اكتشفتُ حجم التعبئة الطلابيّة المساندة لفلسطين في جامعة جورج واشنطن.
يكاد منظر مخيّمات الاعتصام المتناثرة في الجامعات الأميركية والكندية يشعر المتفرج بأنّه في القصبة بتونس العاصمة أو ميدان التحرير بالقاهرة. هنا ايضا تسود نفس الحماسة التي غمرت المعتصمين التونسيين والمصريين في 2011. فقد قُدّر عدد مخيّمات الاعتصام في الجامعات الأميركية ببضع المئات موزّعة على أكثر من 130 جامعة أهمّها تلك الواقعة في الساحل الشرقي بولايات نيويورك والعاصمة الفيدرالية ومنطقة نيو انكلند وولاية فلوريدا وجامعات ولاية كاليفورنيا. شارك في هذه الاعتصامات آلاف الطلبة[1]. كما بلغ عددها في كندا زهاء 100 مخيم موزعة بين أهم الجامعات كماكجيل وتورنتو وألبرتا وأوتاوا وجامعة كيبك بمونتريال.
مثّلت مشاهد الاعتصامات المناهضة للفصل العنصري الإسرائيلي والمنادية بقطع العلاقات مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية المشاركة في الإبادة، منذ بداية أول اعتصام جامعي في منتصف أبريل الماضي بجامعة كولومبيا الأميركية بمدينة نيويورك، نقطة فارقة في حياة الطلاب الأميركيين بخاصة من جيل GenZ الذين لم يعيشوا ما عاشه أجدادهم خلال حرب الفيتنام وآباؤهم خلال الاعتصامات الطلابية المنادية بقطع العلاقات مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. لكن سرعان ما احتدّ عنف الشرطة ضدّ المعتصمين السلميين وتفاقم تدخل إدارة الجامعات خاصة في جامعة كولومبيا بنيويورك وجامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس لوضع حد للحراك الطلابي. وساند عمدة مدينة نيويورك فض الاعتصام.
التحدّيات والعراقيل في مواجهة مُساندي إسرائيل
خلال زيارتي لجامعتيْن أميركيتيْن: جامعة برينستون في ولاية نيوجيرسي وجامعة جورج واشنطن بالعاصمة الأميركية واشنطن لفت انتباهي الجانب التنظيمي لمخيمات الاعتصام. فكل المخيمات تنسق مع أكثر من جامعة في مدينة مختلفة مثل جامعة جورج واشنطن مع جورجتاون ومكغيل مع جامعة كيبك بمونتريال وكونكورديا. في جامعة تورنتو بكنداـ بدأ طلبة الجامعة اعتصامهم في أول شهر ماي ونشروا خيام اعتصامهم على غرار اعتصام جامعات مكغيل وجامعة كيبك بمونتريال في كيبك في الحرم الجامعي.
يوجد لكل مخيم ناطق رسمي وأحيانا اثنان لتسهيل التواصل مع الإعلام المحلي والوطني والعالمي. تضمّ المخيمات مكتبة ومطبخا وحماما ومكتب استقبال وبيت صلاة، إلى جانب خليّة إنصات تديرها مختصة نفسية. وقد تشكّلت لجان متعدّدة منذ بداية الاعتصامات تسهر على راحة المعتصمين والحراسة والتواصل مع الزائرين للمخيم وإرشادهم والتنسيق مع المعتصمين من حيث الإمدادات العينية من أكل وشراب. ينظم مخيم جامعة تورنتو مثلا ندوات يومية وأسبوعية يحضرها أكاديميون وأكاديميات وناشطون مدنيون ووعاظ دينيون من مختلف أنحاء العالم. كما تقام ندوات علميّة وتظاهرات ثقافية للأطفال وتلاميذ المدارس الابتدائية. يسعى المنظمون إلى إضفاء صبغة روحانية ودينية للمخيمات كما هو الشأن في جامعة تورنتو حيث تنظيم صلاة الجمعة وقداس الشابات في نفس اليوم.
شيّد هذه المخيمات طلاب ينتمون إلى مختلف الأقسام خصوصا العلوم السياسية من ضمنهم منحدرون من الأقليات العرقية من سود ولاتينيين وعرب فضلا عن مجتمع الميم. حضور أفراد هذا الأخير هو تعبير عن رفضهم لسياسة إسرائيل فيما يسمى “الغسيل الوردي” أي توظيف قضية المثليين من قبل الكيان الصهيوني عبر تصوير المجتمع الفلسطيني والمقاومة كممارسين لأعمال عنف وقتل لهذه الفئة، بينما يقدم نفسه على أنه جنة ديموقراطية للأقليات العرقية والدينية والجنسية.
ما يلفت الانتباه أيضا هو الحضور البارز لليهود الأميركيين والكنديين المناهضين للصهيونية في اعتصام الجامعات الأميركية والكندية. ففي جامعة جورج واشنطن بالعاصمة الفيدرالية الأميركية وجامعة برينستون بولاية نيو جيرسي، خرج طلاب يهود أميركيون معادون للصهيونيّة مع رفاقهم من جنسيات مختلفة في تظاهرات عديدة. كما اعتصموا في حرميْ الجامعتيْن، منددين بالإبادة ضدّ الفلسطينيين في غزة واستغلال إسرائيل لمعاداة السامية ومأساة المحرقة النازية ضدّ يهود أوروبا في محاولة المزج بين اليهودية والصهيونية وتقديم إسرائيل على أنها الدولة الضامنة للهوية اليهودية والحامية ليهود الشتات.
في بداية مايو/ أيار 2024، أتمّ معتصمو جامعة جورج واشنطن أسبوعهم الأول في مخيماتهم المتناثرة في حرم الجامعة غير البعيد عن البنك الدولي والبيت الأبيض. كان بعضهم يغطي وجهه بالكوفية الفلسطينية بسبب حملات التشويه والثلب وإفشاء المعلومات الشخصية لأغراض خبيثة (doxxing) التي طالت الطلبة المنحدرين من الدول العربية وأوروبا وأوقيانوسيا وأميركا الشمالية. في مقابلات معهم، أبدى العديد من المعتصمين تخوفهم من استبعادهم لاحقا من سوق الشغل بسبب قوة اللوبي الصهيوني في أميركا الشمالية. لذلك كان تكتيك استعمال الكوفية للتخفي أحد أشكال انخراطهم وتنظيمهم في الحراك.
في كندا وتحديدا في مدينتي تورنتو ومونتريال، مثّل عنف المتظاهرين المساندين لإسرائيل أحد أهمّ التحديات التي واجهت معتصمي الجامعتين العريقتين ميكغيل وتورنتو. ففي هذه الاخيرة روى لي العديد منهم ما تعرضوا له من عنف لفظي وحتى جسدي إلى جانب التهديدات التي سلطت عليهم خلال الساعات الأخيرة من الليل قرب مخيماتهم.
وبرغم ذلك، فإنّ بعض المعتصمين لم يتردّد في الكشف عن هويّته، كما الحال مع تشارلي طالب العلوم السياسية من جامعة جورج واشنطن الذي تحدّثت إليه. تشارلي الذي لا انتماء حزبيّ له، يعتبر أن القضية الفلسطينية هي قضيّة إنسانية بالأساس، وقد دفعته حرب الإبادة في غزة إلى الالتحاق بصديقه الطالب التركي، فنصبا معا خيمة اعتصام في الحرم الجامعي.
عرف الاعتصام تغطية إعلامية هامة بما فيها من وسائل اعلام عربية حاورت الطلاب من مختلف الجنسيات. كان ملفتا للإعلام الغربي حضور ماريون إنغرام وهي ناشطة ومناضلة أميركية يهودية من أصول ألمانية من ناجيات المحرقة النازية التي اختطفت كل عائلتها. تحدثت معها وزوجها دانيال عن أسباب مساندتها للاعتصام وعن حياتها منذ نجاتها في سن الثامنة من مخيم الإبادة النازية في ألمانيا و تعرفها على زوجها، ثم اختيارهما الحياة في الولايات المتحدة الأميركية حيث أصبحا مواطنين أميركيين وعايشا محطات تاريخيّة كحرب الفيتنام وحراك السود الأميركيين المدني ضد العنصرية. تمثّل حرب الإبادة على غزة محطة تاريخية أخرى في حياتهما جعلهما يسافران إلى مختلف الدول الأوروبية للحديث عن تجربة ماريون في معتقل الهولوكوست بألمانيا. وخلال حديثي معها قارنت تلك التجربة بما يعانيه سكان قطاع غزة منذ عقود من طرف جيش الاحتلال الإسرائيلي من تضييقات على السفر والتنقل خارج القطاع وإدخال المؤن والتداوي في المستشفيات حتى أضحى سجنا مفتوحا لساكنيه. وزادت حرب الإبادة الحالية على غزّة وأعمالها العدائية للسّكان العزّل في القطاع من قناعتها عن التقارب بين بشاعة الإبادة لليهود في المعتقلات النازية وجيش الاحتلال الإسرائيلي. شكّلت الحرب الحالية على غزّة منعطفا تاريخيا في حياتها جعلها تنحاز للفلسطينيين وتدافع عن حقّهم في تقرير مصيرهم وبناء دولتهم. تعرّضت ماريون إنغرام لمضايقات من قبل الإسرائيليين والصهاينة ومنعت من دخول إسرائيل بسبب مواقفها المساندة لفلسطين. خلال الاعتصام، توجّهت ماريون وزوجها مع متظاهرين أميركيين إلى البيت الأبيض للاحتجاج على سياسة الرئيس الأميركي وإدارته في مساندة حرب الإبادة على غزة.
استراتيجيات النضال الطلابيّ من فيتنام وجنوب أفريقيا إلى غزة في مواجهة العنف البوليسي
لجأ المتظاهرون والمعتصمون في الجامعات الأميركية لإيصال أصواتهم إلى صناع القرار وإدارة الجامعات لإيقاف حرب الإبادة إلى نفس التكتيكات التي اعتمدها قبلهم الطلاب في الجامعات الغربية ضدّ حرب فيتنام وضدّ نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) في جنوب أفريقيا. فقد أقام هؤلاء خلال الثمانينات اعتصامات في الحرم الجامعي، ونظّموا التظاهرات المنادية بالمقاطعة الاقتصادية لكلّ منظّمة أو شركة تساند نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا. وقد كانت جامعة تورنتو حينها إحدى الجامعات في شمال أميركا التي اعتصم فيها طلّاب نادوا بقطع العلاقات الأكاديمية مع نظام الفصل العنصري فواجهوا تعنّت إدارة الجامعة الرافضة للرضوخ لمطلب قطع الاستثمارات مع النظام العنصري. وأصبحت الجامعة من المتخلفين عن ركب المقاطعين الأكاديميين للنظام وكان ذلك سنة 1990. كما فرضت حملة المقاطعة الأكاديمية نفسها منذ انطلاقها في 2004 في معاقل جامعات أميركا الشمالية العريقة وشكّلت ضغطا على إدارات الجامعات لقطع العلاقات مع جامعات إسرائيلية.
يرى المتظاهرون أن الثبات والعزيمة على الاعتصام في الجامعات على الرغم من العنف المسلط من الشرطة وقوات الأمن في الولايات المتحدة وكندا هما السبيلان الوحيدان لنجاح اعتصامهم في تنفيذ مطالبهم. وقد استندوا إلى التاريخ الذي يعيد نفسه في الجامعات في شمال أميركا خلال حرب الفيتنام والمناداة بقطع العلاقات مع نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا عندما تمّ قمع التظاهرات ووصل ذلك إلى حدّ قتل أربعة متظاهرين في أوهايو عام 1970.
نظم المعتصمون التظاهرات والاعتصامات وقطعوا الطرقات وحاولوا إغلاق مصانع تصنيع الطائرات وأدوات التسليح في الولايات المتحدة وكندا إلى جانب مقاطعة الدروس في الجامعات. وشهدت الساحة الطلابية منذ السابع من أكتوبر 2023 عمليّة مدّ وجزر بين الإدارة المتكلسة المساندة من أفراد الشرطة الفيدرالية والطلاب الصامدين والعازمين على الثبات على مبدئهم في إنهاء الحرب على غزة. لكن عنف قوات الأمن والاعتقالات العشوائية للمعتصمين ومسانديهم طالتْ كلّ الجامعات الأميركية كما حصل ذلك في جامعة برينستون خلال زيارتي لها في 29 أبريل حيث اعتقلت شرطة الجامعة اعتقال 12 طالبا وتم لاحقا إطلاق سراح اثنين منهم. فحتى منتصف شهر يونيو 2024، اعتقل زهاء 3000 متظاهر في مختلف الجامعات الأميركية وجهت لهم بصفة عامة تهم متعلقة بالقيام بأعمال شغب وعنف خلال التظاهرات.
طالت الاعتقالات بعض الأساتذة الجامعيين لمشاركتهم في تلك التظاهرات. فتمّ إيقاف حوالي 50 استاذاً جامعيا إلى حدود منتصف شهر ماي الماضي من مختلف الجامعات الأميركية على غرار أستاذة بجامعة أموري بجورجيا خلال تصديها لاعتقال الطلبة المتظاهرين وأستاذين آخرين بجامعة دارتموث لتصويرهما التظاهرات ومساندتها للطلبة المتظاهرين. وقد أصيبت أستاذة جامعية بضرر في رأسها جراء اعتقال الشرطة لها[2].
مساندون ايرلنديون ومساندة كندية-مسلمة لفلسطين، جامعة تورنتو، ماي 2024.
الناجية من المحرقة النازية ومساندة لفلسطين، ماريون إنغرام أمام البيت الأبيض، واشنطن دي سي، أبريل 2024
دور اليهود المناهضين للصهيونية
تمثل مشاركة طلبة أميركان بيض من جامعات عريقة ينتمون إلى طبقات مرفهة في الاعتصام لأجل فلسطين، منعرجا في النضال الطلابيّ الذي لم تشهد البلاد مثيلا له منذ سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في 1994. فهم جازفوا بمستقبلهم الأكاديميّ بمعارضتهم لحرب اسرائيل على غزة وذلك على الرغم من حملات التشويه التي طالتهم والتهم التي وجهت إليهم من قبل أنهم ممثّلون لحماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني. لم يسلم الطلاب والمناضلون اليهود المعادون للصهيونية في جامعات كاليفورنيا وكولومبيا وجورج واشنطن وغيرهم من اتهامات معاداة السامية واليهود، والخيانة والتآمر مع النازيين الجدد.
فقد وصف بعض الصحفيين والنشطاء والأكاديميين، على غرار الصحفي الفلسطيني فريد طعم الله، هؤلاء الطلبة بأنهم يعدّون من القادة المستقبليين في الإدارات الأميركية باعتبار قدرتهم على المساهمة في إحداث تغيير جذري في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية[3]. إذ يوجد بوْن شاسع بين الجيل القديم من الساسة الأميركيين وهؤلاء الطلبة من حيث رؤيتهم لسياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل. فهؤلاء الطلبة اختاروا الخروج من منطقة الرفاه الاجتماعي التي نشأوا فيها مخيرين الجهر بأصواتهم ضد حرب الإبادة[4]. وهم يعتبرون المساندة العمياء لإدارة بايدن لإسرائيل ليست فقط هدرا لأموال دافعي الضرائب، بل سببا في تفاقم معاداة السامية.
تمثل مشاركة اليهود في الاعتصامات في جامعات شمال أميركا من طلاب وغيرهم نقلة نوعية في النضال العالمي المساند لفلسطين منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023 خصوصا بالنظر إلى تزايد الضغوط الممارسة عليهم من الأغلبية الصهيونية في الدول الغربية. وقد وجدوا في التحالف الطلابي بين مختلف الأعراق والأديان وسيلة لممارسة الضغط على إدارة الجامعات. لمست خلال زيارتي القصيرة لجامعة برينستون نفس الوتيرة في النشاط الطلابيّ ضد الحرب على غزة من طلاب أميركيين من مختلف الأجناس والأديان على الرغم من صغر مدينة برينستون وكون الجامعة العريقة تجلب الكثير من الطلبة اليهود الأميركيين. كان حضور البعض منهم لافتا مع تأكيدهم على يهوديتهم كمكون أساسي لهويتهم الرافضة للصهيونية. ففي جامعة تورنتو بكندا بدأ طلبة الجامعة اعتصامهم في أول شهر ماي ونشروا خيام اعتصامهم على غرار اعتصام جامعات مكغيل وجامعة كيبك بمونتريال في كيبك في الحرم الجامعي.
أضحى مخيّم الصمود الفلسطيني في جامعة تورنتو مقصدا للزوار من مختلف الأعراق والأديان وصارت عشية يوم الجمعة الموعد الأسبوعي للاحتفال بالكيدوش أو قداس الشابات اليهودي في المنطقة المحررة والتي أسماها المعتصمون غزة الصغرى. وقد شكل اليهود المعادون للصهيونية والمساندون لفلسطين وأولئك المدافعون عن السلام النواة الرئيسية للحراك الطلابي ضد حرب الإبادة.
حضرت الكاتبة الكندية اليهودية ناوومي كلاين والحاخام ديفيد ميفيسر بجامعة تورنتو، وكانا أهمّ الشخصيات التي صدحت بصوتها ضد حرب الإبادة باعتبارهما أهم رمزين في الدفاع الشرس عن حقّ الفلسطينيين في تقرير المصير. لكن ما جعل قداس الشابات ذا أهمية هو محاولة إيجاد تلاقٍ بين الديانة اليهودية والإسلام من خلال خطاب السلم وحبّ الآخر ودحض الدعاية الصهيونية التي تروّج لكون المسلمين معادين للسامية واليهود. ندّد المشاركون اليهود بسياسة إسرائيل في ما نعتوه “باختطاف الدولة العبرية يهوديتهم” وربط الصهيونية باليهودية وهو خلط يرفضونه.
شرطة جامعة برينستون يراقبون الطلبة المساندين لفلسطين في تظاهرتهم في حرم الجامعة، ولاية نيو جرسي، أبريل 2024تظاهرة صغيرة لطلبة جامعيين مساندين لفلسطين في الحرم الجامعي لجامعة برينستون، بولاية نيو جرسي، أبريل 2024
كيف تمّ إخماد أصوات المناهضين للحرب على غزة في جامعات أميركا الشمالية؟
بعد حوالي أربعة أشهر من النضال الطلابيّ من أجل العدالة في فلسطين وإيقاف حرب الإبادة في غزة، تمّ تفكيك كلّ مخيمات الاعتصام بالجامعات الأميركية بالقوة. اختلف الأمر قليلا في الجامعات الكندية بحكم غلبة ثقافة التفاوض والحوار وعدم استعمال القوة القصوى إلا في ظروف قاهرة. الاستثناء الوحيد كان اعتصام جامعة ألبرتا الكندية الذي تمّ تفكيكه بقوة الشرطة. في جامعة ميكغيل بمونتريال، أقامت إدارة الجامعة دعوى قضائية لدى محكمة الكيبك العليا بهدف تفكيك مخيمات داخل الحرم الجامعي. في مرحلة أولى، تمّ إنصاف المعتصمين وتثبيت حقّهم في الاعتصام. وعليه تم درء التهم الموجهة لهم من اللوبي الصهيوني ضدّهم متهما إياهم بمعاداة السامية وممارسة العنف الرمزي ضد اليهود من خلال شعارات ك”انتفاضة”، أو”من النهر إلى البحر، فلسطين ستصبح حرة” . كما التجأت جامعة تورنتو إلى محكمة مقاطعة أونتاريو ورفعت دعوى قضائية لتفكيك المخيمات بحجّة تمثيلها لخطر على الأمن العام من خلال شعارات وصفتها إدارة الجامعة والكنديون اليهود الصهاينة بمعاداة السامية. وقد استندت في ذلك إلى تعلة أن مكان الاعتصام يمثل ملكية خاصة للجامعة وهو ما اعتبره المعتصمون حجّة سخيفة باعتبار أن الجامعة توجد على أرض تعود ملكيتها لقبائل من السكان الأصليين الكنديين من ميسيسوغا وهيورون-ويندات وسينيكا، لم يتنازلوا عنها.
بعد أخذ وردّ وصراع عنيف بين الطلبة المعتصمين وإدارة جامعة تورنتو دام شهريْن، أصدرت محكمة أونتاريو العليا يوم 2 جويلية 2024 حكما نهائيا يقضي بوضع حدّ لاعتصام طلبة الجامعة. وفي يوم 3 جويلية 2024، أمر القاضي المتظاهرين المؤيدين لفلسطين بتفكيك جميع المخيمات بحلول الساعة السادسة مساء. يأتي هذا القرار بعد رفع إدارة الجامعة الكندية شكوى حول الضرر الذي ألحقه الاعتصام بالجامعة وبعد تجاهل المتظاهرين لإشعار الجامعة ب” تعدّيهم على ممتلكات الغير” ومطالبتها لهم بمغادرة مكان التظاهر بصفة نهائيّة. وقد أخذ هذا القرار على خلفية مطالبة المتظاهرين للجامعة بقطع الشراكات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية على غرار الجامعة العبرية بالقدس وجامعة تل أبيب لتعاملهما مع شركات تسليح وتجسس إسرائيلية.
تميّزت اعتصامات الطلبة بجامعات الولايات المتحدة وكندا بدرجة عالية من التنظيم والإبداع، إذ تحولت مجالات الاعتصام إلى مدن مصغّرة اتّخذت أسماء عدة، مثل “غزة الصغرى” تعبيرا عن الرمزية النضالية لهذه الاعتصامات المساندة لفلسطين. وبرغم تفكيك المخيّمات، لم ينتهِ نضال طلاب الجامعات في أميركا الشمالية نصرة لفلسطين، فقد واصلوا تظاهراتهم في مدن مونتريال وتورونتو ونيويورك ولوس انجيليس وواشنطن.
لافتات مساندة لفلسطين من مجتمع الميم عين خارج مخيم جامعة تورنتو، ماي 2024مكتبة مخيّم الاعتصام لفلسطين، جامعة تورنتو ، ماي 2024
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.