غبش في قضية تلفيق العمالة لدغيم: لم أكن أعرف أن ضحيتي اعترفت تحت التعذيب


2019-02-11    |   

غبش في قضية تلفيق العمالة لدغيم: لم أكن أعرف أن ضحيتي اعترفت تحت التعذيب

بتاريخ7 شباط 2019، مثل المدعى عليه إيلي غبش أمام المحكمة العسكرية الدائمة، وذلك في قضية تلفيق تهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي للعريف المتقاعد في الجيش اللبناني إيزاك دغيم. يلحظ أن محاكمته في هذه القضية جرت قبل بدء محاكمته في قضية تلفيق العمالة الثانية والتي ادّعي عليه وعلى المقدّمة السابقة سوزان الحاج فيها، وهي قضية تلفيق عمالة زياد عيتاني. أثناء محاكمة غبش، تم استجوابه كما تم الاستماع إلى أقوال دغيم على سبيل المعلومات بصفته شاهداً. أكثر ما يلفت في هذه المحاكمة، هو سعي غبش لتخفيف مسؤوليته من خلال الزعم أن دغيم اعترف بما كان لفقه له، وأنه لم يكن يعرف أنه اعترف على هذا الوجه تحت وطأة التعذيب. وقد بدا غبش من خلال ذلك وكأنه صدق كذبته. ولكن، السؤال الكبير الذي يطرح في هذه الدعوى كما في دعوى تلفيق عمالة زياد عيتاني، يتصل بما يجدر بالمحكمة العسكرية والنيابة العامة القيام به بعد تواتر المعلومات على أعمال تعذيب لدى أجهزة أمنية لانتزاع اعترافات غير صحيحة.

تلفيق “شبهة العمالة” لعبة غبش

يسكن دغيم في نفس المبنى الذي يقع فيه منزل شقيق غبش، وهو ضابط في الجيش اللبناني. وإذ وقعت بين الجارين خلافات عادية تتعلق بالمياه ووجود حيوانات في المبنى، قام شقيق غبش بتهديد دغيم، الذي إشتكى عليه لدى المؤسسة العسكرية. أعقب هذا الأمر توقيف الضابط لمدة 15 يوم، وهي الواقعة التي دفعت غبش إلى تلفيق تهمة العمالة لجار شقيقه.

ينفي غبش أن يكون قد فبرك لـ دغيم تهمة تعامل “إنما شبهة تواصل”. يقول غبش أن “هناك فرقا بين الأمرين: فالتعامل يقتضي أن يضع المتعامل مصلحة العدو فوق مصلحة بلده وأن يعطيه معلومات، أما التواصل فهو لا يحتم ذلك بالضرورة، فقد يكون مجرد تواصل مع شخص من الدولة المعادية”. إذن اختار غبش أن يثير شبهة “التواصل مع العدو” حول جار شقيقه –دغيم – من خلال الإتصال به مستخدماً تقنية “crazy call والتي يظهر من خلالها أنه يتلقى إتصالات من أرقام إسرائيلية، ثم يبلغ أمن الدولة بصفته مخبراً لديهم بأن هناك شبهة في هذا المجال حول دغيم ليستدعوه”. يضيف غبش أنه “عندها يتم إستدعاؤه وبعدها التأكد من داتا إتصالاته، ولن يظهر إذ ذاك أي رقم إسرائيلي لأن الإتصالات ببساطة وهمية وغير حقيقية”. لكن ما حصل وفقا لغبش أن “أمن الدولة تحقق من الداتا قبل ان يستدعي دغيم” فلم تنجح الخطة. عندها قام غبش بعملية ثانية تمثلت في خرق الـ IP الخاص بـ دغيم ليرسل من حساب الأخير رسالة على وبسايت تابع للموساد الإسرائيلي يطلب فيها عملاً بسبب ضيق حالته المادية. ثم أرسل صورة عن هذه الرسالة لجهاز أمن الدولة الذي سارع إلى توقيف دغيم.

يقول غبش أنه “يستغرب كيف لم يلتفت أمن الدولة إلى أن رسالة دغيم لم تصل إلى الموساد أصلاً، لا سيما أنه من الواضح في الصورة التي سلمتهم إياها وجود error ما يدل على عدم وصولها”. يكمل أنهم عندما استدعوا دغيم “أخبروني أنه اعترف بأمور وطلبوا منّي أدلة إضافية بعد إعطائي كلمة سر لحساب معين أرادوا مني أن أعرف إن كان هو مشغّله، وقتها قلت أنه لا يمكنني فعل ذلك تقنياً مع العلم إني في الواقع أستطيع، لكنني تراجعت بعدما رأيت أنه يعترف بأمور”.

يعلّق رئيس المحكمة العميد حسين العبدالله أن “دغيم أوقف شهرين، ولم يكن ليخرج لو لم يخلِ سبيله قاضي التحقيق رياض أبوغيدا بعدما شعر أن تهمته ليست ذات أهمية”. إذ ذاك أجاب غبش في تعبير واضح عن استخفافه العالي بالقدرات التقنية لمشغّليه في أمن الدولة: “وأنا كيف بعرف إنو أمن الدولة ما بيعرفوا أنو الدليل غير صحيح على الرغم من وضوح كلمة error  بالصورة؟”

اعتراف تحت التعذيب

أبرز ما يخرج عن شهادة دغيم، هو أنه تعرّض للتعذيب والإهانات خلال التحقيقات معه بهدف إجباره على الإعتراف بأنه مرسل الرسالة. يقول دغيم أن “التحقيق معي في البداية، في الجديدة، لم يتطرق لمسألة العمالة بل سألوني عن كلام قلته عن زوجة الضابط”. بعدها، “تم نقلي إلى الرملة البيضا حيث عرضت علي رسالة باللغة الانكليزية، وأنا لا أعرف القراءة بهذه اللغة فطلبت مترجما”. ويظهر بعدها أنه استمر بالتعرض للضرب والإهانة بهدف الإعتراف أنه مرسل الرسالة بينما استمر بالإنكار حتى طلب منه وفق ما قاله للمحكمة أن يوقّع “على أوراق بيضاء، فرفضت، فبدأ الضرب أيضاً”. بالنتيجة “وضعوا في المحضر أنني اعترفت أنني طلبت عملا ولكنني لم أتعامل”، ثم سلّموني إلى وزارة الدفاع.  يضيف “هناك بقيت سبعة أيام سألوني فيها مرتين فقط، وقالوا أنني لست متعاملاً وأن لا أدلة علي ولكنني لا أستطيع أن أنكر إفادتي لديهم”. وعندما اعترضت، قال لي الضابط هناك “إنت حقك (تسعيرتك) تابوت، ببعتك عند إبنك خلي يبكي دم عليك، بدك تمضي على نفس الافادة”.

على الإثر طلب غبش الكلام في محاولة منه في محاولة للتبرؤ من علمه بممارسة التعذيب من قبل المحققين، فيقول أنه “أول مرة أسمع هذه الأمور عن دغيم اليوم، لم أكن أعلم”. وهنا يأتي تعليق العبدالله اللافت والذي يستدعي الوقوف عنده: “ممكن الذي يقوله غير صحيح، تعلم (متوجهاً إلى غبش) القصة في هذه المواضيع نفسية، تختلف من واحد للتاني، في ناس بتحكيهن كلمة بيبكو!”

وقد أرجئت المحاكمة إلى تاريخ 21 شباط 2019.

خلاصة وأسئلة

خلال المحاكمة، أشار رئيس المحكمة حسين عبدالله مرارا على إستسهال غبش تلفيق تهمة العمالة.. إلا أنه عند الاستماع إلى شهادة دغيم، نعلم أن هذا التلفيق ما كان ليتسبب له بهذا الضرر الكبير لولا مخالفات التحقيق المرتكبة من عناصر أمن الدولة، وخاصة لجهة ارتكاب أعمال تعذيب بحقه. وعليه، وإذ يخضع غبش لمحاكمة أعماله، يزداد السؤال بشأن أعمال أمن الدولة، التي لا تقل خطورة، إلحاحا. فهل ستخضع هذه الأعمال يوما للملاحقة، أم أنها ستبقى بحماية سياسات العصبية والتطييف؟

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني