استفاق أهالي صور، جنوب لبنان، صباح اليوم على تهديد الناطق باسم جيش الإحتلال الإسرائيلي لهم بإخلاء ثلثي الأحياء السكنية للمدينة التاريخية، وتحديدًا المنطقة الرملية التي بُنيت بطوابق عدة مع التمدد العمراني لصور التاريخية. وعند الساعة 11، أي بعد 3 ساعات على التهديد، باشرت إسرائيل عدوانها على “سيدة البحار”، لقب صور الأشهر، كونها من المدن الساحلية الأقدم على ساحل المتوسط، وتتمتع بقيمة تاريخية عريقة وشاهدة على حقبات وحضارات بشرية متعددة. وتتعدى أهمية صور كمدينة تحتضن جزءا كبيرًا من تاريخ لبنان، إلى غناها بتاريخ الأمبراطورية الرومانية والحضارات المتعاقبة، مما يجعلها حافظة تاريخ البشرية، وتتجاوز خسارتها لبنان لتعم العالم كله.
وتقع منطقة المنطقة الرملية المهددة في صور على مقربة من المنطقة الأثرية في المدينة والمدرجة في لائحة التراث العالمي للمواقع الأثرية لدى اليونيسكو، ولا يفصلها عنه سوى 8 أمتار، هي مساحة الشارع بينهما. وعليه، فإن المنطقة الرملية التي استهدفتها عدد من الغارات تقع ضمن محيط الموقعين الأثريين، وتكون تاليا أجزاء كبيرة منها تحظى بالحماية الدولية طالما أن حماية المواقع الأثرية يشمل إليها محيطها على مدار 500 مترا.
ويذكر هنا أن الموقعيّن الرئيسيين المحاذيين للمنطقة المستهدفة والمدرجين على لائحة التراث العالمي هما:
موقع البص وفيه قوس النصر الروماني والمقابر الرومانية والبيزنطية وميدان سباق الخيل وهو ثاني أكبر ميدان سباق خيل روماني في العالم، وفيه أيضًا الطريق الروماني.
آثار صور البحرية في منطقة جل البحر وفيه أول بازيليكا (كنيسة بنيت على شكل بازيليكا في العالم) تعود الى القرن الرابع ميلادي، إضافة إلى الحمامات الرومانية، ما يسمّى بمركز ألعاب روماني كبير، وتنتهي بالطريق التي تصلها بالبحر وتزنّرها الأعمدة الرومانية التي تتصدر صور المناظر الأثرية التقليدية للبنان، وتشكل هويته. ويزخر الموقع البحري بأرضيته الفسيفسائية النادرة أيضًا.
وهما محميان بموجب اتفاقيتين لليونسكو هي اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح 1954 واتفاقية لحماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي 1972 وهما يحملان الدرع الأزرق على مرافقها عملا بالبروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي 1945.
ويخشى أن تتضرر هذه الآثار بشكل هائل، لأنها، ووفق الخبراء، ليست بقوة ولا ضخامة ولا هيكلية قلعة بعلبك الرومانية، كما أنها موجودة على أرض رملية غير صلبة، كما بعلبك. وهذه المواقع، الآثار البرية والبحرية منها، محمية بموجبوإضافة إلى تضرر المنطقة الأثرية، يستهدف القصف، وهذا خطير جدًا، المدينة المصنفة أثرية وما زالت غير مكتشفة و تحت الأرض وممنوع الحفر فيها، وهي امتداد للمدينة الرومانية، وجزء لا يتجزأ من مواقعها الأثرية.
وصور هي أكبر مصدر للمتحف الوطني في لبنان حيث تشكل آثارها نصف محتوياته، ومنها أيضًا جاءت الآثار الرومانية الأضخم المعروضة فيه، وهي فريدة في العالم، أي لا مثيل لها. وصور من أهم المدن الرومانية حول المتوسط في العالم، تحظى بخاصية ثراء أثري يظهر في حجم المباني الأثرية ونوعية القطع الأثرية الموجودة فيها، ونوعيتها وحرفيتها، واكتنازها بوجود أكبر نواويس رومانية، سواء تلك الموجودة في المتحف الوطني، أو ما زالت في موقعها في المدينة الأثرية، وتحديدًا في المقابر الرومانية، وجميعها اليوم مهددة إن لم يكن بالدمار المباشر، بالخلخلة والتضعضع الذي قد يؤدي إلى انهيارها.
ومع الآثارات الممعنة في القدم، تحوي صور التاريخية أيضًا مباني من القرن الثامن عشر في المنطقة المحاذية لمرفأ المدينة وفيها دور تقليدية، ومنها المدرسة الجعفرية ودور عبادة وبيوت تتميز بعمارتها الجميلة.
وصور التي منحها موقعها البحري على المتوسط خاصية فريدة، تُعتبر أهم حواضره (حواضر المتوسط)على مستوى العالم منذ الألف الثالث قبل الميلاد، حيث شكلت حاضنة جاذبة لحضارات متعاقبة من الإغريقية إلى البيزنطية والعربية والعثمانية، إضافة إلى دورها في التجارة العالمية في الحضارة الفينيقية، كما أسطورتها الشهيرة في بناء قرطاجة في تونس، ودورها الكبير في تصدير الحرف إلى العالم.
وتحظر قوانين الحرب ارتكاب أي عمل عدائي موجه ضدّ الممتلكات الثقافية، كما يحظر استخدامها في دعم المجهود العسكري. ويميّز القانون الدولي بين الآثار التاريخية والأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكّل التراث الثقافي أو الروحي لشعب معين ويعطيها درجة حماية عامّة، وبين تلك التي تشكّل التراث الثقافي أو الروحي لجميع الشعوب والتي تتمتّع بدرجة حماية خاصة وأكبر. ينظّم القانون شروط رفع الحماية عن هذه الممتلكات وآليتها شكل صارم.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.