عويدات يقبل إهانة فهمي ويحصّنه


2021-07-09    |   

عويدات يقبل إهانة فهمي ويحصّنه
(الوكالة الوطنية)

بتاريخ 3/6/2021، اعتبر وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي عبر برنامج “صار الوقت” أنّ نسبة القضاة الفاسدين 99%، مستهزئًا بالسلطة القضائية وعموم القضاة. وبذلك كرر فهمي ما كان صرّح به في تشرين الثاني الماضي وعبر البرنامج نفسه معلنا آنذاك أن 95% من القضاة فاسدون. إزاء ذلك، طلب رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود عبر وزيرة العدل ماري كلود نجم من النائب العام التمييزي غسان عويدات التقدّم بكلّ مراجعة قضائيّة لازمة بحقّ فهمي بسبب إساءاتِه المُتكرّرة بحقّ القضاء ككلّ. إلا أن عويدات حفظ الطلب بقرار أعلن فيه عدم صلاحية القضاء العدلي لملاحقة فهمي لكونه وزيرًا، مستندًا إلى المادتين 70 و71 من الدستور وأيضا لاجتهادات محكمة التمييز في 3 قضايا وهي قضايا الوزراء السابقين جوزف الهاشم وشاهي برصوميان وفؤاد السنيورة. 

يستدعي قرار عويدات بإعلان عدم الصلاحية وتبريراته الملاحظات التالية:

1-قرار خطير من حيث توقيته

صودف صدور هذا القرار قبل أيام من تسريب معلومات عن توجه المحقق العدلي طارق بيطار لملاحقة عدد من الوزراء السابقين من بينهم رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. وقد اعتبر المحقق العدلي ضمنا أن ملاحقة وزراء ووزراء سابقين في جريمة المرفأ تدخل ضمن صلاحية القضاء العدلي ولا تحتاج إلى أي إذن مسبق. وقد جاء قرار بيطار ليؤكد على القرار الذي كان أصدره سلفه فادي صوان في نفس القضية حيث طلب استجواب عدد من الوزراء من دون أي إجراء سابق. 

وعليه، جاء قرار عويدات بنفي صلاحية القضاء العدلي في القضية المطروحة عليه بمثابة توجه مناقض تماما لتوجه بيطار وصوان. فكأنّه بذلك يعزّز مواقف القوى السياسية التي كان سبق وأبدتْ تمسكها برفض صلاحية القضاء العدلي في قضية المرفأ كما في قضايا أخرى. ويلحظ أن النيابة العامة التمييزية كانت تمسكت بقراءة مماثلة لهذه المادة حسبما نستشف من كتابها الذي قدمته بتاريخ 23/12/2020 لمحكمة التمييز الناظرة في تنحية المحقق العدلي السابق في قضية تفجير المرفأ فادي صوان.

2– قرار يؤدي إلى تعميم الإفلات من العقاب وإباحة الجريمة 

خلافا لما يرد في الخطاب الرسمي، فإن الخيار المطروح عند معاقبة الوزراء ليس بين المحاكمة أمام القضاء العدلي والمحاكمة أمام المجلس الأعلى للرؤساء والوزراء، بل بكل بساطة ما بين المحاسبة والإفلات التام من العقاب، بما يبيح الجريمة. وهذا الأمر يتأتّى من شبه استحالة تحقيق شرط الملاحقة أمام المجلس الأعلى للرؤساء والوزراء والذي يفترض موافقة ثلثي المجلس النيابي عليها. وهي استحالة تتأكد بانتفاء أي ملاحقة لأي وزير في العقود الثلاثة الماضية وفق هذه الأصول. 

وما يؤكّد خطورة الإفلات من العقاب في هذا الخصوص هو أنّ فهمي استفاد من تقاعس النيابة العامة عن ملاحقته عقب تصريحه الأول ليصرّح مجددا في الاتجاه نفسه، مع رفع نسبة الفساد في القضاء من 95% إلى 99%. وقد بدا فهمي من خلال ذلك وكأنه يتبجّح بالضمانات المعطاة له بعدم لملاحقة لرفع منسوب التحدي ضد القضاة.       

3- تشويه قرارات محكمة التمييز 

استند عويدات في قراره بنفي صلاحية القضاء العدلي إلى المادتين 70 و 71 من الدستور، اللتين تنيطان بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء محاكمة الوزراء بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس النيابي على ملاحقتهم بجرائم “ارتكاب الخيانة العظمى أو الإخلال بالواجبات المترتبة عليهم…”. وقد تذرع عويدات بأن قراءته لهاتين المادتين تتماشى مع القرارات السابقة الصادرة عن محكمة التمييز.  

وبالرجوع إلى القرارين الصادرين عن هذه المحكمة في قضيتي برصوميان والسنيورة، يتبين بوضوح أن عويدات عمد إلى تشويه معناهما وتحديدا التفسير الذي اعتمداه للمادتين 70 و71 من الدستور وقلبه تماما. وهذا ما يتحصل بوضوح من المعطيات الآتية: 

  • إن القرار الصادر في قضية برصوميان أكّد على مبدأ عدم حصرية صلاحية الاتّهام والاختصاص، بمعنى أنه بإمكان القضاء العادي محاكمة الوزراء ما لم يتدخّل المجلس النيابي لاتّهامهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وفي حالتنا الراهنة، لم يتدخّل المجلس النيابي لاتّهام فهمي وإحالته إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ما يُبقي وفق هذا القرار على صلاحية القضاء العدلي، وهو عكس ما ذهب إليه عويدات. 
  • أما بالنسبة إلى القرار في قضية السنيورة، فقد اعتبرتْ الهيئة العامّة لمحكمة التمييز أنّه عند النظر في مدى تطبيق المادة 70، يجب التمييز بين الأعمال المرتكبة من الوزراء وفق طبيعتها، وتحديدا فيما إذا كانت مرتبطة مباشرة بالوظيفة الوزارية. وقد تمثل ذلك من خلال التّفرقة بين فئتين من الأفعال التي يمكن أن يقوم بها الوزراء: الفئة الأولى وهي التي تندرج تحتها الأفعال النّاجمة عن الإخلال بالوظيفة أو الخيانة العظمى، وتشملها الحصانة الدستورية وتعود صلاحية الإتّهام فيها للمجلس النيابي واختصاص النظر بها للمجلس الأعلى وهي تشمل الأعمال “المتّصلة بصورة مباشرة بممارسة الوزير لمهامه القانونيّة الوزاريّة” والتي تتعلق “بالطّبيعة السياسية لعمل الوزير وجوهر مهامه الوزاريّة كما هو مقرّر في القوانين”. أما الفئة الثّانية فتضمّ الأفعال التي تشكل الجرائم الأخرى، ويعود إختصاص النّظر فيها للقضاء العادي ومنها “الأعمال الجرميّة المرتكبة من الوزير في “معرض” ممارسته لمهامه، أو في حياته الخاصّة، والأفعال المرتكبة منه ذات الصّفة الجرميّة الفاضحة والتي تؤلّف تحويلًا للسلطة عن طريق إحلال المصلحة الخاصّة مكان المصلحة العامّة. وبذلك، تكون الهيئة العامة لمحكمة التمييز قد أكّدت أن الأعمال التي لا تندرج ضمن قيام الوزير بعمله الوزاري كما ينظمه الدستور والقوانين لا تدخل ضمن سلطة الاتهام للمجلس النيابي واختصاص المجلس الأعلى للنظر فيها. ومن البيّن أنّ التعرض للقضاة وتقييمهم والذم بالجسم القضائي برمته لا يدخل بشكل من الأشكال ضمن وظيفة وزير الداخلية. لا بل أن هكذا أقوال تعكس مسّا بمبدأ فصل السلطات الذي يمنع على السلطة التنفيذية وضمنا أي وزير القيام بها

4- تفسير الدستور بشكل يناقض مبادئ الديمقراطية 

تبعا لما تقدم، توصلت النيابة العامة التمييزية بفعل تشويه قرارات محكمة التمييز إلى تفسير للمادة 70 يؤدي عمليا إلى توسيع دائرة الأفعال التي تشملها، وتاليا دائرة الأفعال التي تصبح غير قابلة لأي محاسبة أو خاضعة لإجراءات شبه مستحيلة. وهي بذلك تكون قد توصلت إلى نتيجة عبثية مؤداها تحصين الوزراء حيال أي مساءلة. 

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، سلطات إدارية ، قرارات قضائية ، استقلال القضاء ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني