ضرب بالعصي وركل وسرقة وتكسير درّاجات ناريّة وتكسير وسرقة آلات تصوير، هذه عيّنة من المعاملة التي تلقّاها أهالي ضحايا تفجير 4 آب والمصوّرين الصحافيين الّذين واكبوا اعتصامهم في دوّار فردان ليل الأربعاء 11 آب عشية ما أصبح يعرف بـ”جلسة العار”. فأثناء اعتصام العشرات من أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت وعند حوالي الساعة العاشرة ليلاً، توجّه من ناحية قصر عين التينة مجموعة شبّان يرتدون قمصاناً سوداء، ويحملون العصي. وبحسب الأهالي والمصوّرين، انهال هؤلاء على الجمع بالضرب المبرح وبالشتائم وهم يصرخون “عم تشتموا الرئيس برّي”، ما أدّى إلى إصابة حوالي العشرين من الأهالي والمصوّرين بجروح بعضهم بليغة.
حسام شبارو: اعتداءان في أقلّ من أسبوعين
ليست المرّة الأولى التي نسمع بها باسم المصور حُسام شبارو في سياق الاعتداء على الصحافيين والمصوّرين. فقبل نحو أسبوعين تعرّض لاعتداء وحشي خلال تغطيته لزيارة لاعب الكرة البرازيلي رولاندينيو من قبل عناصر في الدفاع المدني، والمفارقة أنّه جرى توقيف الفاعلين في الليلة نفسها. على خلاف ذلك، لم يتمّ توقيف المعتدين على شبارو الأربعاء ولم تتحرّك النيابة العامّة حتى للتحرّي عنهم، علماً أنّ هؤلاء صبّوا كامل شراستهم على الأهالي المعتصمين وعلى المصوّرين، ونال شبارو نصيباً كبيراً من العنف. ووفق زملائه، أدّى الاعتداء الوحشي على شبارو إلى إصابته في رأسه وبرضوض في مختلف أنحاء جسده ما استدعى دخوله المستشفى. وعلاوة على ذلك، أقدم المعتدون على تكسير كاميرته وسرقتها كما وسرقة درّاجته النارية.
إذاً، بات واضحاً أنّ الكاميرات هدف رئيسي في أي اعتداء على اعتصام أو تظاهرة
أو في أي إشكال، ومن ورائها الحقيقة فهي توثّق ما يحصل على الأرض لذلك يلجأ المعتدي إلى إطفائها بأي طريقة. وهذا ما يؤكّده المصوّر زكريا جابر الذي تعرّض أيضاً للضرب في اعتصام الأهالي وأصيب بكسر في إصبعه وبرضوض في ظهره وجرح في رأسه، ما استدعى طلب الطبيب منه أخذ استراحة لمدّة شهر وهو ما يعني توقّقه عن العمل.
يؤكّد جابر أنّ “الاعتداء هو اعتداء على جميع من تواجدوا في المحلّة وخاصّة أهالي الضحايا، والأمر أصبح متوقعاً بالنسبة لنا كمصوّرين أن نكون مستهدفين لأنّنا نحمل كاميرات توثق ما يحصل على الأرض”. ويستمد جابر استنتاجاته من التجارب المتعدّدة التي يتعرّض لها المصورين خلال عملهم، وتحديداً منذ بداية التظاهرات في 17 تشرين الأول 2019، التي وقعت خلالها اعتداءات كثيرة على الصحافيين من قوى أمن وأفراد تابعين لأحزاب.
ويُتابع نقل تفاصيل ما تعرّض له وما شهد عليه في تلك الليلة، فيقول: “التحرّك كان سلميّاً جداً، لكن فجأة كل شيء اختلف حين خرج شبّان من ناحية قصر عين التينة وبدأوا يعتدون على الناس أمام أعين القوى الأمنية”. ويؤكد جابر أنّ “المعتدين كانوا يحملون عصي رأسها مطاطي، وبدأ اعتداؤهم بتكسير مكبّرات الصوت التي كان يحملها أهالي الضحايا”.
وفيما كان جابر يحاول أن يجد مكاناً مناسباً لالتقاط الصور، “تأتي الضربة الأولى على ظهري غدراً بالعصا ثمّ على يدي، فبدأت بالركض”. خلال خروجي من المنطقة لاحظت أنّ “القوى الأمنيّة المتواجدة في المكان، التي يعتقد أنها تابعة لحرس مجلس النوّاب، كانت تقوم بتنظيم حركة المرور، فيما يقوم أؤلئك الشبّان بالاعتداء على الأهالي”. ويلفت إلى أنّه “كان هناك سيارات مفيّمة تدور حول المنطقة وتضع أناشيد حركة أمل بصوت عالٍ”.
من جهته، يعتبر المصوّر الصحافي حسين بيضون الذي تعرّض للضرب على ظهره، أنّه “من الواضح أنّ ما حصل رسالة للأهالي، وبطبيعة الحال كان عليهم أن ينالوا من الّذين يحملون كاميرات كي لا يصوّروا الاعتداء”. ويؤكّد بيضون أنّ “الاعتداء لم يشمل فقط الأهالي والمصورين بل أنّ هناك بعض العناصر الأمنية تلقوا الضربات وتعرّضوا للإصابات”. يعتبر بيضون أنّ هذا النوع من الاعتداءات أصبح اعتيادياً ومتوقّعاً، وإن أردنا الحديث عن الأمان، فهو ليس موجوداً في أي مكان وليس فقط في ما يتّصل بالعمل على الأرض، حتى الشوارع والأحياء لم تعد آمنة”.
استهداف ممنهج للصحافيين
مع تكرار الاعتداء على المصوّرين الصحافيين من قبل معظم الأجهزة الأمنية ومناصري أحزاب السلطة، يمكن اعتباره عملاً مقصوداً لا بل ممنهجاً. فمنذ بداية تظاهرات 17 تشرين الأول 2019 وحتى في موجات التظاهرات السابقة، وقعت عشرات الاعتداءات على مصوّرين أشهرها حادثة اعتداء عناصر أمنيّة على عشرات المصوّرين أمام ثكنة الحلو في 15 كانون الثاني 2020، كما وإصابة مصوّرين في تظاهرات مختلفة بالرصاص المطاطي. وكان المصوّرون وبناءً على التجارب، يلجأون خلال أدائهم لعملهم في التظاهرات إلى الوقوف معاً في مكان واحد للفت النظر إلى أنّهم صحافيون إلّا أنّ ذلك لم يردع الاعتداءات في أكثر من مرّة وأبرزها الاعتداء الذي طال بعض منهم في عوكر أثناء تغطية اعتصام أمام السفارة الأميركيّة في 10 تمّوز 2020، حيث وجهت عليهم مباشرة خراطيم المياه. ومن الحوادث الشهيرة أيضاً قطع كابل كاميرا تلفزيون الجديد أثناء اعتداء أنصار حركة أمل على متظاهرين في النبطية.
وتظهر التقارير الدورية التي تنشرها مؤسّسة سمير قصير، “سكايز”، حول الاعتداءات والانتهاكات التي يتعرّض لها الصحافيون والمصوّرون أثناء تغطيتهم للأحداث في الشارع، حصول نحو 30 اعتداءً وانتهاكاً منذ مطلع العام 2021 إلى شهر حزيران، وهذه الاعتداءات حصلت من قبل أشخاص حزبيين أو أمنيين أو مدنيين أو مرافقين لسياسيين. وتلفت تقارير “سكايز” إلى أنّ الاعتداءات تكون على شكل منع الصحافيين من أداء عملهم، وضربهم، وتكسير معدّاتهم، إضافة إلى الاستدعاءات القضائيّة على خلفيّة آراء أو تصريحات. وآخر المستجدّات في تقارير سكايز، أنّه في شهر حزيران وحده وقعت 5 اعتداءات بحق صحافيين أثناء أدائهم لعملهم على الأرض.
تعلّق الصحافية إلسي مفرج من تجمّع نقابة الصحافة البديلة على حادثة الاعتداء مساء الأربعاء بالقول “في موقف كهذا، يكون المصوّرون الصحافيون هدفاً للمعتدين الّذين يريدون النيل من الأهالي، لأنّ كاميراتهم توثّق ما يجري وتنقل صورة عن أفعالهم، لذلك فإنّ الكاميرا تخيفهم”. وتُحمّل إلسي مفرّج جهات عدّة مسوؤلية هذه الانتهاكات التي تحصل بشكل متكرّر على رأسها القوى الأمنية التي “لها دور متوقع أن تقوم به في حماية المواطنين والصحافيين الّذين يتوجهون إلى الشارع للقيام بمهام أوكلوا إليها”. وتأسف لأنّه “في محطّات مختلفة كان المصوّرون يتعرّضون لاعتداءات من قبل قوى أمنية وليس فقط من مدنيين، كحادثة ثكنة الحلو قبل عام ونصف”.
ومن جهة ثانية، تجد إلسي مفرّج أنّه “على وزارة الإعلام أيضاً أن تؤدّي دورها في العمل على حماية العمل الصحافي، وإضافة إلى ذلك، من واجب نقابتي الصحافة والمحررين أن يكونا في صلب المواجهة والاستنكار لهذا الاعتداءات، لكنهما متخلّيتان عن دورهما”. وثالثاً، “يأتي دور القضاء، الذي من واجبه فتح التحقيق في هذه الممارسات، وبخاصّة حين يتوجه الأشخاص للادّعاء أمام النيابات العامّة، أن تلجأ إلى تحريك الملف بدلاً من حفظه كما حصل سابقاً حين ادعى عشرات المواطنين ضد معتدين”. ولفتت إلى أنّ تجمع نقابة الصحافة البديلة يدرس إمكانيّة اللجوء إلى القضاء لفتح تحقيق بهذه الحادثة.
مطالبات للمؤسّسات الإعلاميّة بملاحقة قضايا الاعتداء على صحافييها ومصوّريها
يبرز هنا دور المؤسّسات الإعلاميّة التي من واجبها أن تكون في الصفوف الأمامية لحماية الصحافيين الّذين يعملون لديها. فتلفت إلسي إلى دورين أساسيين متوقّعين من المؤسسات الإعلاميّة، الأوّل أن تكون داعمة للمصوّر الصحافي وأن تقدّر حجم المخاطر التي يضع نفسه فيها لأجل تأمين الصور، وعليه، فمن واجبها أن تؤمّن له التأمين ضد الحوادث وألّا تحمّله أعباء تغطية التكاليف الصحّية الناتجة عمّا يتعرّض له خلال عمله كما التعويض له عن المعدّات التي يخسرها. وتلفت في هذا الصدد، إلى “إصابة أحد المصوّرين الصحافيين خلال أدائه لعمله خلال تحرّك شعبي قبل فترة استدعت دخوله إلى المستشفى وإجراء عمليّة جراحيّة، وقد واجه صعوبة في تأمين تكاليف العملية كما صعوبة في تأمين الدواء، من دون أن تؤدّي المؤسسة الإعلامية التي يعمل لصالحها أي دور في هذا المجال”.
والأمر الثاني الذي تطرحه إلسي هو أن تكون المؤسّسة الإعلاميّة صاحبة موقف حين يتعرّض أحد العاملين لديها لاعتداء، وكان تجمّع نقابة الصحافة البديلة قد دعا المؤسّسات الإعلاميّة إلى مقاطعة الجلسة البرلمانية يوم الخميس احتجاجاً على الاعتداءات التي تعرّض لها المصورون، بخاصّة أنّ الاعتداء حصل على اعتصام كان يندّد بانعقاد هذه الجلسة، لكن لم يبدِ أيّ منها استعداد لاتخاذ هكذا موقف.
من جهتها، شددت نقابة المصورين في بيان أمس على وسائل الإعلام “عدم التخلّي عن العاملين لديها وألّا تكتفي بنشر الخبر كأنّه حدث عادي والسكوت عن ملاحقة قضيّتهم وحمايتهم بالقانون، من خلال السماح لهم برفع الدعاوى بحق من يعتدون عليهم”. وطالبت النقابة بفتح “تحقيق في ما حصل (الأربعاء) ومعاقبة الفاعلين”، داعية الجميع إلى حماية المصوّرين خلال عملهم”. وأكدّت النقابة استعدادها لمؤازرة الصحافيين الّذين يرغبون في رفع دعاوى قضائية.
واستنكرت النقابة ما تعرّض له المصوّر حسام شبارو، مذكّرة أنّ “المصورين الصحافيين ليسوا طرفاً في أي أحداث، وهم يقومون بواجبهم المهني دون أن يتدخلوا بأي صراع، ولا يملكون سوى كاميراتهم ومن خلالها يغطون أفراح الناس وأحزانها، ويدفعون الثمن دائماً بمعداتهم وأجسادهم”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.