عندما يصل الحوار إلى طريق مسدود؟ قراءة في ضوء قرار المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب تعليق الحوار مع وزارة العدل


2013-06-05    |   

عندما يصل الحوار إلى طريق مسدود؟ قراءة في ضوء قرار المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب تعليق الحوار مع وزارة العدل

قرر قضاة المغرب المجتمعون في دورة المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب المنعقدة أخيرا تعليق الحوار مع وزارة العدل والحريات والذي انطلق قبل أزيد من ستة أشهر، فبعد توالي اللقاءات الرسمية وغير الرسمية بين نادي قضاة المغرب ووزارة العدل، وبعد تقديم القضاة للخطوط العريضة لمطالبهم، وبعد استعراض هذه المطالب على جدول المفاوضات، بات من المؤكد والواضح عجز الوزارة على القيام بأي خطوة ايجابية من أجل الوفاء بالتزاماتها مع القضاة، وعلى الأقل وضع جدولة دقيقة وواضحة لتنفيذ مطالبهم المستعجلة، وهو ما بات يهدد بعودة شبح الاحتجاجات إلى ساحة المحاكم بعد هدوء حذر دام بضع أشهر.
أولا: الجلوس إلى الحوار
لم يكن جلوس نادي قضاة المغرب على مائدة التفاوض مع وزارة العدل بالحدث السهل وإنما جاء كنتاج لحراك قضائي دام شهورا عدة انطلق بإعلان النادي عن تقديم ملف مطلبي للقضاة في أول سابقة يشهدها الجسم القضائي، ووضع أجل للاستجابة له تحت طائلة خوض أشكال احتجاجية غير مسبوقة، وهو ما رفضه وزير العدل في البداية حين أطلق لاءاته الشهيرة مؤكدا أنه لا حوار مع من يهدد الوزارة، وأن الجمعيات المهنية للقضاة لا تعد نقابات ولا يجوز لها تقديم ملفات مطلبية ولا التفاوض عليها، وأن ما تقوم به جمعية نادي قضاة المغرب يشكل اخلالا بواجب التحفظ.
تمر شهور على هذه التصريحات ويخوض نادي قضاة المغرب مسلسلا نضاليا استهله بحمل شارات الاحتجاج من طرف القضاة ليتوج بوقفة وطنية بالبذل أمام محكمة النقض وما خلفته من إشارات تؤكد أن النادي يبقى الجمعية المهنية الأكثر تمثيلية للقضاة ليس فقط من حيث عدد منخرطيها وإنما أيضا من حيث قدرتها على التعبئة في كل المحطات النضالية.
وهكذا تضطر الوزارة إلى الجلوس إلى مائدة الحوار للاستماع إلى مطالب القضاة.
ثانيا: جلسات الحوار
بتاريخ 05-11-2012 أي بعد حوالي شهر من تنظيم الوقفة الوطنية للقضاة عقد بمقر وزارة العدل أول اجتماع بين نادي قضاة المغرب ووزارة العدل حيث أبدى الطرفان استعدادهما للتعاون من منطلق تشاركي، واستعرض أعضاء المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب عناصر ملفه المطلبي التي تجاوب معها وزير العدل والحريات وأبدى استعداده لإيجاد الحلول اللازمة لها. واتفق الطرفان على إنشاء خلية لتعميق النقاش حول جميع المطالب المذكورة وتحديد تاريخ الاجتماع المقبل في غضون شهر.
وبتاريخ 21-12-2012 عقد اجتماع آخر بين لجنة عن المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب ولجنة من وزارة العدل والحريات حيث تم التطرق لعدد من المواضيع ومن أبرزها:
1-التعويض عن التنقل والديمومة والساعات الإضافية: حيث تقدم أعضاء اللجنة بنماذج مقارنة لهذه التعويضات معززة بتصورات نادي قضاة المغرب في هذا الموضوع، وتم الاتفاق على صياغة مشاريع مراسيم سيتم التشاور بشأن صيغتها النهائية في إطار لجنة مشتركة.
2-التعويض عن الإشراف على العمليات الانتخابية: أكد وزير العدل على أن الوزارة جادة في الاستجابة لهذا المطلب وهي بصدد إعداد النصوص القانونية المؤطرة لهاته التعويضات وإخراجها إلى حيز الوجود في أقرب الأوقات.
3-إيفاد البعثات إلى الخارج: التزمت الوزارة بضمان حضور ممثلي نادي قضاة المغرب في اللجان التي تعمل على وضع المعايير المتعلقة بهذه البعثات مع التزامها أيضا بالإعلان عن برامج التكوين والتعاون الدولي على الموقع الإلكتروني للوزارة.
4-نشر أشغال المجلس الأعلى للقضاء: تم التأكيد على أن الوزارة تضع اللمسات الأخيرة على نافذة إلكترونية تتعلق بأعمال المجلس الأعلى للقضاء سيتم إطلاقها قريبا مع الالتزام بنشر لائحة الأماكن الشاغرة بكل محاكم المملكة قبل حصر لائحة طلبات الانتقال.
5-التكوين المستمر: تم تكوين لجنة مشتركة بين الوزارة والنادي وإدارة المعهد العالي للقضاء من أجل تدارس مشاكل التكوين المستمر وإيجاد الحلول الناجعة لها بما فيها توفير التعويضات المادية المرتبطة به.
6-وضعية القضاة الذين سبق أن اشتغلوا بهيئة كتابة الضبط: تقدم أعضاء اللجنة بمراسلة في الموضوع موجهة إلى السيد وزير العدل بخصوص طلب تسوية وضعية هاته الفئة مرفقة بلائحة أولية للقضاة المعنيين بالأمر مع مجموعة من الاقتراحات من أجل رفع الحيف الذي لحقهم، وقد تعهدت الوزارة بتدارس الحلول الممكنة في جلسات الحوار المقبلة.
7-الانتدابات المتعلقة بالمحكمة الابتدائية بالناظور: التزمت الوزارة بالبت في هذه الانتدابات في أجل أقصاه متم شهر يناير من سنة 2013 علما بأن العدد الذي سيقع عليه الاختيار محدد في 15 قاضيا.
8-مقر النادي: جددت الوزارة التزامها السابق بتوفير مقر للنادي في أقرب الآجال، وبخصوص مطلب النادي بتوفير هذا المقر داخل المركب الرياضي والاجتماعي التابع للمؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية فقد تم التأكيد على أن الأمر تم طرحه بجدول أعمال مجلس الرقابة والتوجيه لهذه الأخيرة على أساس مناقشته في الدورة الاستثنائية التي ستنعقد في شهر يناير المقبل.
9-المنحة المخصصة لنادي قضاة المغرب: أكدت الوزارة بأنه سيتم صرف هذه المنحة والتي مبلغها مائتا ألف درهم بالتزامن مع صرف باقي المنح المخصصة لباقي الجمعيات المستفيدة في أقرب الآجال.
10- تزويد المحاكم بسبورات خاصة بالإعلانات: تأكيد الوزارة على توفر سبورة الإعلانات بالإدارة المركزية ووضعها رهن إشارة النادي، وبخصوص السبورات المخصصة للمحاكم فقد أعطيت التعليمات للمديريات الفرعية بتلقي طلبات ممثلي المكاتب الجهوية حول العدد المطلوب بكل دائرة استئنافية على أساس أن يتم توفيرها في أجل أقصاه 15-02-2013.
11- وضعية قضاة الفوج 34: أثارت اللجنة مشكل الفوج 34 الذي خضع لحركة إعادة الانتشار بعد سنة من تعيينه وألحت على ضرورة إعطائه الأولوية في الاستجابة لطلبات الانتقال مع احتساب السنة الأولى من التعيين في الأقدمية المطلوبة للاستجابة لطلب الانتقال.
12- الوضعية المادية للقضاة :تم التأكيد على الاهتمام الكبير الذي يوليه الوزير لهذا الموضوع طبق ما تعهد به في مناسبات سابقة، في الوقت الذي أكدت فيه اللجنة الممثلة للمكتب التنفيذي على الضرورة الملحة والآنية لهذا الموضوع مذكرة كذلك بالاستياء العام الذي يسود أوساط القضاة بهذا الخصوص.
وقد تواصلت الجلسات والاجتماعات بمعدل جلسة كل شهر كان آخرها اجتماع 03-05-2013 والذي استعرض من خلاله وزير العدل مجموعة المعوقات التي تواجه الوزارة في الاستجابة لمطالب القضاة حيث أكد عدم امكانية الاستجابة إلى مطلب القضاة في الاطلاع على نشرات تنقيطهم، وتعذر تسليم نادي قضاة المغرب للمنحة المقدمة من طرف المؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية التي يترأس وزير العدل والحريات مجلس الرقابة والتوجيه بها، لتوقف الاجراءات على اجتماع مجلس الرقابة والتوجيه الذي سيتم قريبا لمعالجة هذا الموضوع وفق الآليات القانونية، كما جدد الوزير تأكيده على الوفاء بالتزامه بتحسين الأوضاع المادية للقضاة قبل نهاية السنة الجارية وتضمين ذلك ضمن توصيات الحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة.
ثالثا: تجميد الحوار في انتظار تحقيق بعض المطالب الآنية
عقد المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب بتاريخ 25/5/2013 بالمعهد العالي للقضاء دورته العادية المفتوحة للتداول في النقط المدرجة بجدول أعماله وعلى رأسها تقييم نتائج الحوار مع وزارة العدل والحريات،وبعد مناقشات عميقة ومستفيضة بين مختلف مكوناته، سجل المجلس الوطني غياب إرادة حقيقية في الاستجابة لأبسط مطالب نادي قضاة المغرب ولا سيما منها ما يتعلق بالمطالب المستعجلة والمحددة فيما يلي:
إيقاف البت في جميع الملفات التأديبية المتعلقة بالقضاة إلى حين صدور القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي للقضاء الذي يخولهم دستوريا حق الطعن.
– رفع السرية عن نشرات التنقيط والتقارير والكتب المتعلقة بالقضاة في أفق إلغائها وإيجاد صيغ أخرى للتقييم بما يكفل ضمان استقلال القضاة في ممارستهم القضائية.
– تحمل الدولة لمسؤوليتها في توفير الحماية اللازمة للقضاة من التهجمات والتهديدات والاعتداءات التي يتعرضون لها أثناء أو بمناسبة مزاولتهم لمهامهم تفعيلا لمقتضيات المادة 20 من النظام الأساسي للقضاة، و ذلك بالتطبيق الصارم للقانون على جميع حالات الاعتداء التي يكون ضحيتها القضاة.
– اتخاذ تدابير عملية تضمن شفافية أشغال مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء فيما يتعلق بتدبير الوضعية الفردية للقضاة سواء في ما يخص التعيين أو الانتقال أو إسناد مناصب المسؤولية وفق معايير موضوعية مع إيجاد حل عاجل لتأخر ترقية بعض القضاة دون تبرير.
 تحسين ظروف إقامة القضاة المتدربين بالمعهد العالي للقضاء وإعفائهم من واجبات الاقامة اسوة بباقي معاهد التكوين التابعة للدولة، و تسوية وضعيتهم المادية فور الانتهاء من التدريب.
– التعجيل بإصدار المرسوم المتعلق بالتعويض عن الساعات الإضافية والديمومة وعن الإشراف على اللجن المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية.
وقرر المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب وأغلبية أعضائه تعليق الحوار الجاري مع وزارة العدل والحريات إلى حين الاستجابة للمطالب المذكورة ضمن آجال معقولة معلنا عزمه اتخاذ جميع الاشكال الاحتجاجية التي يراها مناسبة دفاعا عن مطالبه العادلة والمشروعة.
رابعا: قراءة في السيناريوهات المحتملة
إن المتتبع لنتائج مسلسل التفاوض مع وزارة العدل والحريات يخرج بملاحظة أساسية أهمها أن النوايا وحدها تبقى غير كافية، وإنما لا بد من القيام بخطوات فعلية من أجل تنفيذ الالتزامات المتفق عليها، فالاقتصار على اطلاق الوعود دون الحديث عن اجراءات تنفيذها أو جدولة زمنية لتنزيلها على أرض الواقع يبقى دون جدوى خاصة وأن تجربة سنوات راكمها القضاة أثبتت بما لا يدع أي مجال للشك بأن الوعود وحدها غير كافية للإصلاح إن لم تواكبها إرادة حقيقية في تنزيل الاصلاحات المطلوبة على أرض الواقع وتتبع عملية هذا التنزيل التي تبقى المحك الحقيقي لاختبار مدى جدية النوايا.
إن شهورا من المفاوضات والاجتماعات كشفت أن وزارة العدل تبقى عاجزة عن القيام بأي دور فعلي، وأن سؤال الاصلاح يتجاوز حدود وإمكانيات الوزارة التي لم يبق أمامها سوى اللجوء إلى سياسة الهروب الى الأمام ومحاولة تصدير أزمتها الداخلية لأندية القضاة.
وبات من المؤكد أن المفاوض في الضفة الأخرى يحاول أن يختبئ وراء أشباح يدعي أنها تمثل جيوب المقاومة ضد مشروع اصلاح القضاء.
إن وصول الحوار الثنائي بين القضاة من خلال ناديهم ووزارة العدل لطريق مسدود يدفع لوضع أكثر من سيناريو للمرحلة القادمة في انتظار انعقاد دورة جديدة للمجلس الوطني للنادي حيث سيقرر اختيار عنوان جديد للمرحلة القادمة التي يبدو أنها ستتلون من جديد بأشكال احتجاجية غير مسبوقة خاصة بعدما ثبت أنه ليس ثمة بوادر انفراج في أزمة القضاة أمام سياسة صم الآذان ومضي الوزارة في تنفيذ مشروعها الأحادي للإصلاح والذي فشلت في اقناع باقي مكونات العدالة بأنه اصلاح عميق وشامل، الشيء الذي يتأكد من توالي سلسلة الانسحابات المتكررة من مشروع حوار بات مؤكدا أنه يتجه نحو طريق مسدود.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني