“
بحسب بلاغ نادي قضاة المغرب الموجه للرأي العام مؤخرا، فقد استمعت المفتشية العامة للشؤون القضائية، لعدد من القضاة على خلفية تدويناتهم بمواقع التواصل الاجتماعي. وأضاف تصريح لرئيس النادي “إن القضاة مارسوا حقهم في التعبير الذي يضمنه القانون، ولم يثبت في حقهم أي إخلال بالمهنة أو بأخلاقيات العمل القضائي حيث ناقشوا –فقط- على مواقع التواصل الاجتماعي مستجدات حصيلة أشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتأخر المجلس في نشر حصيلة دورته الأخيرة لشهر مايو 2018”.
الواقعة في حد ذاتها لا تعتبر حديثة على الجسم القضائي بالمغرب الذي عاش قبل سنوات على وقع تحريك العديد من المتابعات التأديبية في حق قضاة بمناسبة ممارستهم لحقهم في التعبير داخل الفضاء الأزرق. لكن الجديد أنها أول سابقة تسجل بعد صدور قوانين السلطة القضائية وتنصيب المجلس الجديد، في وقت لم تصدر فيه بعد مدونة السلوك القضائي كما لم يكتمل ورش إصلاح قوانين القضاء، وفي مقدمتها قانون المفتشية العامة.
مفتشية عامة للشؤون القضائية بمقر وزارة العدل
من الناحية الواقعية ما يزال عمل المفتشية العامة للشؤون القضائية يحتاج إلى إطار قانوني واضح، ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 53 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية تنص صراحة على أن المجلس يتوفر على مفتشية عامة للشؤون القضائية يحدد القانون تأليفها واختصاصاتها وقواعد تنظيمها وحقوق وواجبات أعضائها.
لكن قانون المفتشية العامة لم يصدر بعد، بل لم يتم إلحاقها عمليا بمقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية أو توفير مقر مستقر لها، حيث ما تزال موجودة داخل مقر وزارة العدل بكل ما يشكله ذلك من حمولة رمزية.
قاضي حامٍ للحقوق أم قاضٍ مجرّد منها؟
“من غرائب الصدف أن يطلب منك أن تحمي الحقوق والحريات وأنت لا تتوفر عليها!”
بهذه العبارة علق أحد القضاة الذين خاضوا تجربة الاستماع إليهم من طرف المفتشية العامة، وهي عبارة تلخص واقع الضمانات القانونية الهشة المخولة للقضاة أمام هذا الجهاز؛ ذلك أن الاستماع الذي تباشره المفتشية العامة خلال هذه المرحلة يفتقر لأبسط الضمانات التي نجدها مخولة لباقي فئات الموظفين والأجراء.
فبحسب مدونة الشغل مثلا، يتوجب أن يتم الاستماع إلى الأجير من طرف المشغل بصدد المسطرة التأديبية خلال الثمانية أيام من تاريخ ارتكاب الفعل المنسوب له، وأن يتم بحضور الممثل النقابي أو مندوب العمال الذي يختاره الأجير، وأن يسلم نسخة من محضر الاستماع للأجير. ومن شأن الإخلال بأي من هذه الاجراءات أن يغني المحكمة عن مناقشة الأخطاء المنسوبة للأجير في حالة تمسكه بها، وفق اجتهاد قضائي راسخ. إلا أن كل هذه المقتضيات التي يحرص القضاة على تطبيقها لفائدة الأجراء، تصير في حكم العدم حينما يقفون هم أنفسهم أمام جهاز المفتشية العامة.
أي ضمانات للقضاة الذين تم استدعاؤهم أمام المفتشية العامة؟
في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يتطور أداء جهاز المفتشية العامة مع السياق الجديد الذي فرضته صدور قوانين جديدة وتنصيب مجلس أعلى للسلطة القضائية وما واكب ذلك من تحولات لا يمكن إنكارها، يبدو أن رياح التغيير لم تشمل بعد هذا الجهاز. فهو ظلّ يعمل بنفس طريقته السابقة حينما كان تابعا لوزارة العدل. وهو ما يتحصل من الأمور الآتية:
– عدم استدعاء القضاة بشكل كتابي رسمي. ففي غالب الأحيان، يتمّ إشعار هؤلاء شفويا من طرف المسؤول القضائي بضرورة الحضور في توقيت معين بمقر المفتشية؛
-عدم إعلام القضاة بموضوع الاستماع عند استدعائهم شفويا، وهو ما يفوت فرصة إعدادهم لدفاعهم؛ بل ويشكل نوعا من الضغط النفسي عليهم؛
-حرمان القضاة المستمع إليهم من حقوق الدفاع، وحق المؤازرة من طرف أحد الزملاء أو المحامين رغم التمسك بذلك، بعلة عدم وجود نص يبيح ذلك؛
-عدم تسليم نسخ محاضر الاستماع المنجزة بعد التوقيع عليها.
جدلية الحرية والتحفظ في تدوينات القضاة
بعد استماع المفتشية العامة إلى عدد من القضاة، تبين أن موضوع استدعائهم تمحور أساسا حول تدويناتهم بصفحة نادي قضاة المغرب همت أساسا الشأن المهني، وهو ما يعيد اشكالية تدوينات القضاة على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحرية وقيود واجب التحفظ، وهو موضوع يدخل ضمن القضايا الخلافية التي لا يمكن الحسم فيها داخل فضاء التأديب، لارتباطها بحق دستوري تكفله كافة المواثيق الدولية وهو الحق في التعبير؛ وهو موضوع متروك لمدونة السلوك القضائي كإحدى أبرز المحطات التي تنتظر المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المرحلة القادمة.
مواضيع ذات صلة:
تصوّر لمدونة أخلاقيات قضائية في المنطقة العربية: في اتجاه مدونة قادرة على تطوير البيئة القضائية
حين تجمّع القضاة في لبنان
“