على خطى الحكومة الإيطالية إسبانيا تحتجز 800 تونسيا استعدادا لترحيلهم


2020-03-06    |   

على خطى الحكومة الإيطالية إسبانيا تحتجز 800 تونسيا استعدادا لترحيلهم

هاجس اجتياز الحدود نحو شواطئ شمال المتوسط والبحث عن فرصة للاستقرار في البلدان الأوروبية كان ولا يزال حلما لأعداد متزايدة من التونسيين الراغبين في حياة أكثر رفاهة خصوصا مع تواتر قصص نجاح المهاجرين غير النظاميين السابقين وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تونس. إلا أنه وبقدر ارتفاع أعداد المهاجرين غير النظاميين في اتجاه الشواطئ الأوروبية بقدر ازدياد معاناتهم نتيجة الإجراءات التي تتخذها الدول المستقبلة قصد التضييق عليهم. وكأن معاناة الرحلة وخطر الموت الذي يترصد قواربهم في كل لحظة في عمق البحر لا يكفي، ليجد المهاجرون أنفسهم مكدسين في مراكز احتجاز تنتهك أبسط قواعد الكرامة الإنسانية.

 

في إطار الحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين تزامنا مع ارتفاع منسوب سياسات عزل المهاجرين عمدت السلطات الإسبانية إلى احتجاز 800 مهاجر تونسي غير نظامي في منطقة "مليلة" في ظروف إنسانية مهينة منذ أشهر، أمام أنظار المجتمع الدولي ودون مراعاة لحقوقهم الأساسية، تمهيدا لترحيلهم قسرا.  أمام هذا الوضع اللا إنساني، وتقاعس السلطات التونسية عن معالجة الموضوع، أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بيانا في 05 فيفري 2020، للتعبير عن رفضه لهذه الممارسات.لتتواصل المساعي للضغط على السلطات الإسبانية في شكل وقفة احتجاجية نظمها عدد من نشطاء المجتمع المدني وأهالي المحتجزين أمام السفارة الاسبانية في 11 فيفري، قبل أن يتوجه المنتدى برسالة إلى سفير إسبانيا في تونس في التاسع عشر من نفس الشهر داعيا إياه من خلالها إلى ضرورة احترام دولته لحقوق المهاجرين التونسيين.

 

مراكز احتجاز أشبه بالمعتقلات

أمام إصرار السلطات الإيطالية على إغلاق حدودها في وجه المهاجرين غير النظاميين، وابرامها لأربع اتفاقيات تعاون مع تونس ابتداء باتفاقية 6 أوت 1998 مرورا باتفاقية 5 أفريل 2011 وصولا إلى اتفاقية فيفري 2017 والتي تنظم إعادة المهاجرين غير النظاميين قسرا إلى تونس في إطار التصدي لظاهرة الهجرة السرية، اتجه المهاجرون غير النظاميين إلى إسبانيا لاتخاذها نقطة عبور نحو القارة الأوروبية. مسار جديد تؤكده الإحصائيات التي كشفت تطور عدد المهاجرين التونسيين في اتجاه إسبانيا مرورا بالمغرب من 542 مهاجرا سنة 2018 إلى 1236 مهاجرا تونسيا سنة 2019، بحسب تأكيدات رمضان بن عمر المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ارتفاع أعداد المهاجرين غير النظاميين عبر مليلة في اتجاه إسبانيا، جعل سياسات التعامل مع المهاجرين التونسيين تختلف تدريجيا نحو الأسوأ. حيث شيّدت إسبانيا مراكز احتجاز للمهاجرين ويتم الضغط عليهم من أجل العودة إلى دولهم في انتهاك لحريتهم في التنقل.

ويتعرض المئات من المهاجرين غير النظاميين التونسيين للاحتجاز في هذه "المعتقلات" في منطقة "مليلة" شمال المملكة المغربية في ظروف إنسانية مهينة. حيث تم تكديسهم في خيم بلاستيكية وسط غياب كلي للخدمات الأساسية التي تحفظ كرامة الذات البشرية. ووفق بيان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن هذا الإجراء يستهدف بشكل خاص المهاجرين غير النظاميين التونسيين رغم أنهم لا يمثلون سوى 3.8% من جملة الواصلين بطريقة غير نظامية إلى إسبانيا سنة 2019.

وأكد رمضان بن عمر عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريحه للمفكرة أن السلطات الإسبانية باتت تفتعل طرقا مستحدثة لهرسلة المهاجرين نفسيا ومعنويا عبر حرمانهم من حقهم في الدفاع عن أنفسهم. كما تمت مصادرة جوازات السفر الخاصة بهم وحرمانهم من المرافقة القانونية إضافة الى صعوبة التواصل بينهم وبين السلطات نظرا لتعمدها عدم استقدام المترجمين.
ليضيف موضحا؛ لا يمكن أن ننكر أن المهاجرين قد وصلوا بطريقة غير نظامية ولكن هذا لا يبرر تلك الممارسات المهينة، وينبغي أن يمر حجزهم عبر قرارات قضائية وأن تتوفر في عملية الترحيل القسري شروط قانونية دقيقة تضبطها هذه الآليات.

 

الترحيل القسري بين الممارسة والمواقف الرسمية

الضغوط الإسبانية لإيجاد غطاء قانوني لتبرير الترحيل القسري، ليست الأولى من نوعها، حيث سبق أن أبرمت تونس اتفاقيات تعاون مع الجانب الإيطالي تمنح الحق لإيطاليا في إعادة المهاجرين التونسيين الذين يتم إلقاء القبض عليهم في الحدود الإقليمية الإيطالية بعد إقامتهم في مركز الاحتفاظ. نتيجة لهذه السياسة، تمّ ترحيل 2323 شخصاً من إيطاليا إلى تونس سنة 2018 فقط. وتبعا لهذه الاتفاقيات فإن إيطاليا تقوم أسبوعيا بإعادة المهاجرين غير النظاميين قسرا إلى تونس كل يوم اثنين وخميس وفق ما أكده رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي خلال مؤتمر صحفي بمقر المنتدى الأربعاء 19 فيفري 2020 واصفا هذه الاتفاقيات بأنها غير عادلة لتعارضها مع رغبة المهاجرين وأضاف أن إسبانيا تحاول الحصول على الاتفاق نفسه مع تونس حول الترحيل القسري للمهاجرين في ظل غياب الأرقام الرسمية حول عدد المرحلين قسريا إلى حد الآن.

في هذا الإطار اعتبر رمضان بن عمر المكلف بالإعلام بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في حواره مع المفكرة القانونية أن إسبانيا تحاول تكرار نفس السيناريو الذي وقع مع إيطاليا لمنع تدفق المهاجرين غير النظاميين أكثر، فهي تحتجز المهاجرين كرهائن عندها للضغط على الجانب التونسي من أجل إيجاد صيغة قانونية تخول لها ترحيلهم قسرا في المستقبل.

في مقابل ذلك لا يزال الموقف التونسي في ظاهره رافضا لأشكال الترحيل القسري التي تقوم بها إيطاليا أو التي تنوي اسبانيا المضي فيه. حيث أكد وزير الشؤون الاجتماعية السابق محمد الطرابلسي على هامش ندوة حول أهداف التنمية في مجال الهجرة يوم 18 ديسمبر 2018 على "رفض تونس للترحيل القسري  وأنه "لا يمكن حل إشكالية الهجرة غير النظامية الا عبر الملتقيات والاتفاقيات الدولية وليس بقرارات أحادية الجانب". موقف يتناقض تماما مع ممارسات السلطات التونسية على أرض الواقع، في ظل توقيعها للاتفاقيات التي تسمح للحكومة الإيطالية بترحيل التونسيين الواصلين إليها بطريقة غير نظامية، وتكتمها على الرحلات التي تعيد المهاجرين إلى البلاد. لكن ازدواجية الخطاب لا تقتصر على الطرف التونسي، حيث تتعارض ممارسات الجانب الأوروبي، وبالأخص الإيطاليون والإسبان، مع إعلان القمة الأوروبية المنعقدة ببلجيكا سنة 2001 حول مستقبل الاتحاد الأوروبي والتي تم التأكيد فيها على مبدأ أساسي يضبط السياسات الأوروبية في علاقة بالهجرة مفاده أنّ "الحدود الوحيدة التي يضعها الاتحاد الأوروبي هي حدود الديمقراطية وحقوق الانسان".

مع تنامي ظاهرة الهجرة في تونس، وتفاقم الانتهاكات التي تطال المهاجرين غير النظاميين على الأراضي الأوروبية، تجعل من ضرورة طرح هذا الملف أمرا ملحّا. إذ يجب أن تتحمل الدولة التونسية مسئوليتها في الدفاع عن كرامة مواطنيها التي تُنتهك أسبوعيا عبر قوافل الترحيل القسري القادمة من إيطاليا أو في حالة المواطنين المحتجزين في مدينة مليلة كرهائن وورقة ابتزاز ضد الحكومة التونسية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني