علم الثورة السورية يرتفع للمرّة الأولى في بيروت بلا خوف: نحو سوريا ديمقراطية عمادها التعدّدية


2024-12-17    |   

علم الثورة السورية يرتفع للمرّة الأولى في بيروت بلا خوف: نحو سوريا ديمقراطية عمادها التعدّدية

صدحت أغاني الثورة السورية وارتفع علمها للمرة الأولى بلا خوف في شوارع بيروت، بعد 13 سنة من اندلاعها. كان هذا الأمر حلمًا بالنسبة لكثيرين حاولوا في بدايات الثورة تنظيم أيّ تحرّك مؤيّد لها ولم يفلحوا سواء نتيجة المنع أو نتيجة الترهيب. وإن نجحوا، كان الأمر ينتهي بتعرّضهم للاعتداء على يد “شبّيحة” أحزاب مؤيّدة للنظام السوري.  

صدحت أغاني الثورة ورفعت معها شعارات ومطالب لم يكن أحد يتخيّل أن يراها تُرفع في بيروت: “نريد سوريا ديمقراطية”، “نريد دستورًا مدنيًا يعتمد شرعة حقوق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولية مرجعًا له”، “نريد عدالة انتقالية وليس انتقامية”، “دولة مدنية ديمقراطية مستقلّة عمادها التعدّدية ولها كامل الحق في تحرير أراضيها المحتلة”.

حصل ذلك في المسيرة الاحتفالية التي نظمتها شبكة النوادي العلمانية في الجامعات اللبنانية “مدى”، مساء أمس الإثنين 16 كانون الأوّل، شارك فيها نشطاء وصحافيون وصحافيات وطلّاب وطالبات، لبنانيون وسوريون، انطلقوا من أمام الجامعة اليسوعية في شارع هوفلان في مونو إلى ساحة الراحل سمير قصير أحد أبرز منتقدي النظام السوري ووصايته السابقة على لبنان. 

معظم المشاركين في المسيرة، هم من جيل عايش الوصاية السورية في لبنان أو النظام الاستبدادي الذي حكم سوريا طيلة 54 عامًا. وقد تمّ اختيار بيروت للاحتفال بـ “سوريا حرّة”، وبسقوط نظام الأسد الذي ترك وراءه بلادًا مشرذمة واقتصادًا منهارًا ومئات آلاف الضحايا وملايين المهجّرين في أصقاع العالم، وآلاف المعتقلين السياسيين وآلاف المخفيين قسرًا بينهم لبنانيون.  

انطلقت المسيرة، تتقدّمها  لافتة كبيرة كتب عليها: “نحو الديمقراطية والسيادة والتعددية والعدالة في لبنان وسوريا”، من أمام الجامعة اليسوعية مرورًا بساحة الشهداء حيث توقّف المشاركون لالتقاط الصور الاحتفالية، وصولًا إلى ساحة سمير قصير، حيث أضيئت الشموع ونُثرت الورود الحمراء والبيضاء.

إضاءة الشموع في ساحة سمير قصير

وهتف المشاركون للحرّية: “حرّية للأبد غصب عنك يا أسد” و”ما في للأبد عاشت سورية وسقط الأسد”.
وحملوا صور شخصيّات صارت رمزًا للثورة السورية بينها سميرة الخليل ورزان زيتونة المخفيّتين منذ أكثر من 11 عامًا والممثلة الراحلة مي سكاف إضافة إلى صور الصحافي الراحل سمير قصير وغيرهم.

لافتة كبيرة كتب عليها: “نحو الديمقراطية والسيادة والتعددية والعدالة في لبنان وسوريا”

كُسر جدار الخوف

“نحن هنا نحاول استعارة فضاء بيروت للتعبير عن لحظة انكسار جدار الخوف”، يقول الصحافي السوري من أصل فلسطيني معتصم خلف، لافتًا إلى معاناة اللاجئين السوريين في لبنان الذين واجهوا ضغوطات كبيرة، وحملات من العنف والعنصرية، طيلة سنوات، ما جعل الكثير منهم يخسر الكثير من حقوقه بينها حقّه في السكن والعمل وصولًا إلى فقدان الأمان الاقتصادي. 

ويشدّد خلف في حديث إلى “المفكرة” على ضرورة ضبط الخطاب ضدّ اللاجئين في المرحلة الحالية والتروّي في الضغط باتّجاه عودتهم، “فصحيح أنّ السبب الرئيسي للجوئهم انتفى وهو نظام الأسد، إلّا أنّ العديد منهم لم يعد لديهم منازل في سوريا بعد أن دمّرت بالكامل، كما أنّ الوضع الأمني ليس واضحًا بالنسبة لهم. وبالتالي يحتاج هؤلاء إلى فترة زمنية انتقالية تتيح لهم استكشاف الواقع وترتيب شؤون عودتهم من دون إكراه”. 

من جهتها، قالت الناشطة السياسية والنسوية من حماة رولا ركبي في كلمة إنّ “الدولة المتوحشة كما أسماها الباحث الفرنسي ميشيل سورا كانت تطبق على نفس سوريا، واستمرارها لم يكن مردّه فقط إلى جرائم النظام الأسدي، وإنّما أيضًا إلى تجاهل المجتمع الدولي للثورة السلمية في 2011 وما تلاها من عنف حوّل سوريا إلى سجن كبير، وصادر القرار السياسي وحياة الناس، وخلط الأوراق بينها وبين داعش والقوى السلفية وما تبعه من مكافحة الإرهاب حسب تسميتهم”. 

ورأت ركبي أنّ “سوريا اليوم في ولادة جديدة صنعتها دماء الشهداء وآلاف المعتقلين والمعتقلات في السجون الأسدية وغيرها، هو نصر سوري سوري، لم يأت على دبابة أميركية، بالنسبة لي ما حدث أقرب للمعجزة، وهي فرصة تنفتح أمامنا وأمام شعوب المنطقة من أجل إعادة بناء المنظومات الحاكمة، سوريا الجديدة تتسع للجميع، وعلينا أن نبنيها على أساس التعدّدية السياسية وليس الطائفية، من واجبنا العودة والعمل من داخل الأرض السورية”. 

وقال الباحث والصحافي السوري روجيه أصفر في كلمة إنّه “مع سقوط النظام بسوريا وتقلّص النفوذ الإيراني بلبنان، لدينا فرصة تاريخية لرمي كلّ التفكير البالي والأنظمة العتيقة المستبدة، وإزالة البعثية والأسدية من حولنا وبناء بلدين جارين حرّين مستقلّين حديثين، يقدّران التنوع في دولة مواطنة”. 

وتابع: “المطلب اليوم هو انتقال سياسي ديمقراطي، مع كلّ الخطوات اللازمة للوصول لدولة مواطنة حديثة، تحترم حقوق الإنسان، ولا تميّز بين مواطنيها على أساس الدين أو الطائفة أو الإثنية أو الرأي”. 

وختم: “انتهى كابوس أكثر من نصف قرن، وهذه لحظة فرح واحتفال بنجاح نضالنا، واندحار الديكتاتورية، لكن لدينا الآن مرحلة جديدة مليئة بالعمل والمطبّات، بالأمل وخيبات الأمل، لكن، مثل ما قال سمير قصير: ليس الإحباط قدرًا”.


الناشط ضومط القزّي قال “في صبيحة 8 كانون الأول، طويت صفحة مظلمة وثقيلة من تاريخ سوريا ولبنان والمنطقة، ولن تعود أبدًا. لبنان بقي سيّد قراره، وكسر عنجهية آل الأسد، واليوم الشعب السوري أعلن سيادته على أرضه ومصيره وحطّم هالة أكثر عائلة مجرمة عرفتها منطقتنا، عائلة الأسد”.

وأضاف: “من هنا، من بيروت، وفي هذه اللحظة التاريخية، لا بدّ أن أحيّي كلّ ناشط، سياسي، صحافي، صاحب رأي وقّع على “إعلان بيروت-دمشق” ودفع ثمن توقيعه سجنًا ونفيًا. تحية لكل فرد منهم”. وشدّد على ضرورة ألّا “تتحوّل بيروت المدينة التي عانت من بطش هذا النظام إلى مخبئ لفلوله”.

“الشعب السوري انتفض وكسر قيود حكم استبدادي قمع شعبه لعقود، وكثير من اللبنانيين والفلسطينيين عاشوا وذاقوا ظلم هذا الحكم. سقوط النظام دليل على أنّ الشعوب لا تموت، وأنّ إرادة الحرّية أقوى من أي نظام طاغية”، بهذه الكلمات توجّهت رئيسة النادي العلماني في الجامعة الأميركية تاليا كتورة إلى المحتفلين. وأضافت: “اليوم نحتفل بسقوط نظام الأسد، وسنحوّل هذه اللحظة إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل ديمقراطي، سيّد ومستقلّ للبنان ولسوريا”.  

من جهتها، ليلى مولوي رئيسة النادي العلماني في الجامعة اليسوعية، أكدت الرفض الكامل لما حصل في السجون والمعتقلات السورية، والتضامن مع جميع معتقلي الرأي في كلّ دول العالم من دون أي استثناء.
وطالبت الدولة اللبنانية بـ “السعي لتحرير كلّ اللبنانيين المعتقلين سواء في فرنسا أو أميركا أو البلاد العربية”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

عدالة انتقالية ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات ، سوريا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني