أثار حكم قضائي صدر بتاريخ 30/03/2023 عن غرفة الجنايات بالرباط بالسجن النافذ لمدة سنتين فقط في حقّ ثلاثة أشخاص متورطين في اغتصاب طفلة لا يتجاوز سنها 11 عاما جدلا واسعا داخل المغرب.
الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية اعتبرته منظمات حقوقية غير منصف بالنظر إلى خطورة الجريمة التي نتج عنها انتهاك حق الطفلة التي داوم المتهمون الثلاثة على اغتصابها بعد تعريضها للتهديد مما نتج عنه حمل، وهو يعيد الى الواجهة إشكالية الممارسة القضائية في جرائم العنف الجنسي ببلدان المنطقة والتي ترتبط في جزء كبير منها بآراء اجتماعية مسبقة.
ملخص القضية: اغتصاب واستغلال جنسي جماعي لطفلة
تعود فصول القضية إلى شكاية تقدّم بها والد طفلة لا يتجاوز سنّها 11 سنة إلى مصالح الدرك بتيفلت ضواحي الرباط يعرض فيها بأنه اكتشف أن ابنته حامل وحينما استفسرها عن هذا الحمل أخبرته بأنها تعرضت لاغتصاب من طرف جارهم.
وعند الاستماع الأولي إلى الطفلة من طرف خلية العنف بالدرك، أفادت بأنه لم يسبق لها أن دخلت إلى المدرسة وإنما تمكث في البيت للقيام بالأعمال المنزلية لمساعدة والديها بحيث يذهب الأب في الصباح الباكر من كل يوم لرعي الماشية بينما تذهب والدتها للعمل بإحدى الضيعات الفلاحية، فيما يتابع أخواها الدراسة بمدرسة القرية، وأنها تبقى بمفردها في المنزل. وأضافت أنها تفاجأت في أحد الأيام بجارها يقتحم عليها المنزل رفقة ابنة عمه، وأشهر في وجهها سكينا وهددها بالقتل إن هي صرخت، وقام بانزال ملابسها وممارسة الجنس عليها، بمساعدة ابنة عمه التي أمسكتها من يديها. وبعد أسبوع، عاود المشتكى به اغتصابها بنفس الطريقة، وداوم على ذلك لعدة أشهر قبل أن تكتشف أنها حامل، فحاولت إخفاء الأمر عن والديها بعدما هددها المشتكى به بالقتل، قبل أن ينتشر خبر حملها بالقرية، ويعلم والدها بذلك.
وعند الاستماع إلى الطفلة من جديد، أفادت أن لديها معطيات أخرى لم تصرح بها لأنها كانت خائفة، وأوضحت أنه سبق أن تعرضت للاغتصاب من طرف شاب آخر من شباب القرية حيث اصطحبها عنوة إلى منزله، وكتمت الأمر بعدما وعدها بالزواج. كما تعرّضت للاغتصاب من طرف شخص ثالث حينما كانت تحضر زفاف إحدى قريباتها، مؤكدة أن المشتكى بهم الثلاثة التي تجمعهم علاقة قرابة وصداقة داوموا على اغتصابها، وهو ما نتج عنه حمل.
عند الاستماع إلى المشتكى عليهم في محضر قانوني أنكروا المنسوب اليهم، كما تم استدعاء قريبة المتهم الأول وتبين أنها أيضا طفلة حيث أفادت بأنها عاينت المشتكى به الأول وهو يمارس الجنس على المشتكية أكثر من مرة بمنزلها مستغلا غياب والدي الطفلة وأخوتها.
قررت النيابة العامة إجراء تحقيق في القضية وتم الاستماع الى المشتكى بهم ابتدائيا وتفصيليا وتشبثوا بالإنكار، وبناء على الأمر باجراء خبرة طبية تبين نسبة الحمل إلى المشتكى به الثالث، وقرر قاضي التحقيق متابعتهم في حالة اعتقال من أجل التغرير بقاصر وهتك عرضها مع استعمال العنف.
إجراءات المحاكمة وتمتيع المغتصبين بظروف التخفيف
اعتبرت المحكمة أن الأفعال المنسوبة إلى المتهمين ثابتة في حقهم اعتمادا على العلل التالية:
- لئن كان الأصل هو البراءة، فإنه وبالنظر إلى طبيعة الجرائم المرتكبة والمتمثلة في التغرير بقاصر وهتك عرضها مع استعمال العنف وهي أفعال تقع في فضاء مغلق، فإنّ القرائن تعدّ وسيلة هامّة لتكوين قناعة المحكمة طالما أن شهادة الأشياء توازي شهادة الأعيان؛
- تطابق تصريحات الطفلة الضحية مع الطفلة المصرحة التي عاينت المتهم الأول وهو يمارس الجنس على المشتكية؛ كما أن الأوصاف التي سردتها المشتكية بخصوص غرفة نوم المتهم الثاني التي وقع فيها الاعتداء الجنسي جاءت متطابقة مع ما عاينته الشرطة القضائية عند قيامها بتفتيش المحل المذكور؛
- بالنظر إلى ما أثبتته الخبرة الجينية من أن الولد الناجم عن الاعتداء الجنسي هو ابن المتهم الثالث بنسبة 99.99 بالمائة فإن انكاره لأي ممارسة جنسية مع الضحية قد تمّ دحضه بدليل علمي.
وعليه خلصت المحكمة إلى أن الأفعال موضوع المتابعة ثابتة في حق المتهمين.
وبخصوص تقدير العقوبات، اعتبرت المحكمة أن تحديد العقوبة وتفريدها في نطاق الحدين الأقصى والأدنى المقررين في القانون يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة التي تراعي في ذلك خطورة الجريمة وشخصية المجرم ولها أن تمتعه بظروف التخفيف ما لم يوجد نص قانوني يمنعها من ذلك. وعليه قررت المحكمة تمتيع المتهمين بظروف التخفيف والنزول عن الحد الأدنى المقرر للعقوبة نظرا للظروف الاجتماعية لكل واحد منهم، ولعدم سوابقهم القضائية، ولكون الجزاء المقرر في القانون للجريمة قاسيا بالنسبة إلى خطورة الأفعال المرتكبة ودرجة إجرامهم. وقضت بمعاقبة الأول والثاني بالسجن النافذ لمدة سنتين في حدود 18 شهرا، والسجن النافذ لمدة سنتين للمتهم الثالث.
الجمعيات الحقوقية تدخل على الخط : ما وقع تطبيع مع الاغتصاب وتشجيع على الإفلات من العقاب
خلّف منطوق الحكم غضبا حقوقيا واسعا، حيث وصفته فدرالية رابطة حقوق النساء بأنه “صدمة قوية للرأي العام المغربي والجمعيات النسائية وكل القوى الحية؛ لكون العقوبة الصادرة لا تتلاءم مع فظاعة ووحشية الجريمة المرتكبة في حق الطفلة التي اغتصبت مرارا وهددت بالقتل إن هي أخبرت أسرتها بالواقعة”.
وأوضحت الفيدرالية ضمن بلاغ لها أن “جريمة اغتصاب قاصر في القانون الجنائي المغربي تتراوح عقوبتها ما بين 10 و20 سنة سجنا، وفي حالة حدوث فض للبكارة كما هو الشأن مع هذه الطفلة، تتراوح العقوبة ما بين 20 و30 سنة سجنا”. وطالبت بـ”إعادة النظر في هذا الحكم في المرحلة الاستئنافية، مع توفير المواكبة والعلاج النفسي للطفلة الضحية التي أصبحت أما في 11 سنة لطفلة، وجبر ضررها”.
من جهته، أكّد رئيس جمعية منتدى الطفولة عبد العالي الرامي أنّ تخفيف أحكام جرائم الاغتصاب “هو اغتصاب من جديد”. وأضاف : “ننتظر من القضاء المغربي أن يكون صارماً وحازماً في مثل هذه القضايا من أجل القضاء عليها، ويكون المعتدي عبرة للمجتمع لحماية الطفولة من الاغتصاب والاعتداء والعنف”.
وفي رسالة وجّهتها إلى وزير العدل، استنكرت الكاتبة وعالمة الاجتماع سمية نعمان جسوس “الحكم المخفف” في هذه القضية، داعية إلى تشديد العقوبات على المتورّطين في الواقعة. وتساءلتْ هل اعتبرت المحكمة أن عمليات الاغتصاب المتكررة التي تعرضت لها طفلة تبلغ من العمر 11 عاماً ، من قبل 3 رجال بالغين، على قاصر ، تمّت الموافقة عليها؟
في انتظار قرار محكمة الاستئناف كيف تعالج المحاكم المغربية قضايا الاعتداءات الجنسية على الطفلات؟
يعيد هذا الحكم إلى الواجهة إشكالية تخفيف العقوبات الصادرة في قضايا الاعتداءات الجنسية ضد الطفلات، وهي ظاهرة سبق وأن نبّه إليها تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان حول تشجيع التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب وكذا الدراسة الميدانية التي أنجزها حول المبررات القضائية المعتمدة في تزويج الطفلات.
رغم أن الحكم لم يشر ضمن حيثياته إلى تنازل الضحية عن شكايتها طالما أن التنازل ليس شرطا لتحريك المتابعة أو سقوط الدعوى العمومية. إلا أن مصادر إعلامية أفادت أن أب الضحية تنازل عن شكايته، بعدما تمّ الاتفاق على تزويج الطفلة للمتهم الذي تسبب في حملها. ووفقا للمصادر ذاتها، فإن المتهم المذكور تقدّم بدعوى ثبوت النسب للإقرار بالأبوة بعدما أكدت الخبرة الجينية أن الولد الناجم عن الاعتداء الجنسي من صلبه. كما أن المحكمة سمحت للمتهم بإنجاز وثيقة عدلية للإقرار بالبنوة والتزام بالإنفاق على الطفل وقعه داخل المؤسسة السجنية، وذلك بعدما فشلت محاولات تزويج الطفلة من المتهم بسبب صغر سن الطفلة الذي حال دون الحصول على اذن قضائي للموافقة على تزويجها، وهي معطيات من المرجّح أن المحكمة قد أخذتها بعين الاعتبار في إصدارها للأحكام المخففة الصادرة عن المتهمين في القضية.
يلاحظ أنه طيلة إجراءات البحت والتحقيق الاعدادي والمحاكمة، لم يتم تطبيق أي تدبير من تدابير الحماية المقررة في قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء من قبيل المنع من الاتصال بالضحية أو الاقتراب منها أو إيداعها في مركز للإيواء مما يؤكد عدم تفعيل هذه التدابير أمام محاكم الجنايات على عكس محاكم الجنح.
رغم أن البرلمان المغربي صادق في وقت مبكر مع قضية الطفلة أمينة الفيلالي على إلغاء الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي والتي كانت المحاكم تعتمد عليه لإصدار عقوبات مخففة في حق المغتصبين في حالة زواجهم بالضحايا، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار صدور العقوبات المخففة في إطار القواعد العامة بحيث لم ينص المشرع على منع المحكمة من تمتيع المغتصب بظروف التخفيف وهو ما أشار اليه الحكم بشكل صريح حينما اعتبر أن “تحديد العقوبة وتفريدها في نطاق الحدين الأقصى والأدنى المقررين في القانون يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة التي تراعي في ذلك خطورة الجريمة وشخصية المجرم ولها أن تمتعه بظروف التخفيف ما لم يوجد نص قانوني يمنعها من ذلك”.
من الأسباب العملية التي تشجع إعمال التنازل في قضايا الاعتداءات الجنسية ضد الطفلات، هشاشة الحماية القانونية لهذه الفئة وعدم التقائية النصوص القانونية التي تنظم وضعيتها، خاصة في الحالة التي يسفر عنها اغتصاب الطفلات عن حمل غير مرغوب فيه، بحيث ما يزال القانون الجنائي يحظر الإجهاض في هذه الحالة، ويلزم الطفلة بالاحتفاظ بهذا الحمل. لكنه بعد الإنجاب/ لا يعترف بنسب الطفل إلى والده البيولوجي ويعفيه من تحمّل أيّ تبعات مادية اتجاهه، وهو ما يجعل عدة أسر تبحث عن تسوية هذه الوضعية من خلال زواج الضحية بالمغتصب خاصة وأن القانون الجنائي المغربي ما يزال يصنف جرائم الاغتصاب كاعتداء على نظام الأخلاق والأسرة وليس كانتهاك لحقوق الأفراد عموما وحقوق الطفلات والأطفال على وجه الخصوص.
يمكنكم هنا الاطلاع على نسخة من حكم غرفة الجنايات بالرباط
مواضيع ذات صلة
تقرير حول واقع التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب بالمغرب
هكذا يبرر القضاة تزويج الطفلات في المغرب
امينة الفيلالي… حين يعاد اغتصاب المغتصبة
البرلمان المغربي يصادق على عدم افلات المغتصب من العقاب وأمل بان تعمّ هذه الخطوة نصوص الدول العربية الأخرى
إلغاء الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي: هل ينهي افلات المغتصب من العقاب؟
انتحار خديجة.. قضية تلخص معاناة الناجيات من العنف بالمغرب
محكمة أكادير تطلق سراح متهم في قضية اغتصاب طفلة: تفعيل التنازل شرعنة لإفلات المغتصبين من العقاب
نهاية مأساوية لقصة اختفاء الطفل عدنان بالمغرب: عودة الجدل حول طريقة معاقبة مغتصبي الأطفال
ادعاءات باختطاف واغتصاب وتشويه جسد قاصر مغربية .. تنديد، تضامن، واتهامات بالكذب
عودة نقاش حماية القاصرات في المغرب عقب اغتصاب جماعي لفتاة قاصر
اغتصاب جماعي لفتاة في حافلة يعيد النقاش حول العنف ضد المرأة في المغرب
حراك من أجل الحق بالإجهاض في المغرب: كي لا تتكرر مأساة مريم
جدل بخُصوص تأخر مصادقة البرلمان على تعديلات القانون الجنائي في المغرب
توجّهات المحاكم في قضايا الاغتصاب في بيروت وجبل لبنان
منصور لبكي، اغتصاب الأطفال والقضاء اللبناني: نحو طبقية قانونية جديدة؟
قضية اغتصاب 41 طفلا في تونس: حين تنجز التحقيقات في أسبوعين ما عجزت عنه في سنتين
التحقيق المتأخر في واقعة اغتصاب أطفال تونسيين: خدعة بصرية إخفاءً للفشل
تشديد العقوبة في حق عوني الأمن المتهمين باغتصاب فتاة في تونس