عقلة على أصول الدولة التونسية بالبنك التونسي الخارجي: تونس تدفع ثمن فساد ما قبل الثورة من دون أن تسترد أموالها المنهوبة


2019-09-07    |   

عقلة على أصول الدولة التونسية بالبنك التونسي الخارجي: تونس تدفع ثمن فساد ما قبل الثورة من دون أن تسترد أموالها المنهوبة

أعلن يوم 05-09-2019 عن تنفيذ المجموعة المالية ABCI لعقلة تحفظية على موجودات وأصول الدولة التونسية ببنك تونس الخارجي والمتمثلة في أسهم الشركة التونسية للبنك برأسماله1. استندت العقلة التي تعلقت في موضوعها بما بذل من مصاريف تقاضي للقرار التحكيمي النهائي الصادر عن المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (CIRID) والقاضي باعتبار الدولة التونسية مستغرقة لكامل الخطأ في نزاعها مع العاقلة حول البنك الفرنسي التونسي في النزاع بينهما والذي تقدر الغرامة المطلوب التعويض عنها بمليار دولار.

تمسكت الحكومة التونسية ممثلة في وزير أملاك الدولة “الهادي الماكني” بتفنيد خبر العقلة والذي قال “أن الإجراء الذي تم اتخاذه مجرد مناورة سياسية يقصد بها تشتيت النزاع”. وأضاف أن اختصاص النظر في كل متعلقات النزاع يظل من اختصاص الهيئة التحكيمية بما يكون معه الالتجاء للقضاء الفرنسي لتصحيح العقلة التي تم إجراؤها مخالفا للقانون. وقد انتهى للتأكيد على كون “العقلة التي تمت غير قابلة للتنفيذ لأنه ليس لها أي سند قضائي، وأنه ليس هناك أي تهديد لمصالح تونس في الداخل أو الخارج وأن هذا الإجراء لن يطال أي مليم من ممتلكات الدولة التونسية.”2

وردت العقلة في خضم الحملة الانتخابية. وربما كان هذا الأمر مقصودا ممن تولى السعي لها. واختارت الحكومة في تعاطيها معها أن تركز على هذا البعد في تجاهل تام لحقيقة أن تنفيذ هذه العقلة أو رفعها هو مجرد تفصيل في مسار باتت معالمه واضحة الآن ويتعلق بخسارة تونس لمنازعة تحكيمية ينتظر أن يصدر قريبا في شأنها قرار نهائي يحدد مبلغ تعويضات ستتحملها تقدر بمئات ملايين الدولارات.

اهتمت هنا الحكومة مرة أخرى بمسألة تفصيلية وأطلق ممثلوها وعودا تطمئن الشعب وفوّتت على نفسها فرصة لمصارحته بحقيقة النزاع الذي حسم قانونا مآله وينتظر أن يكون له أثر وخيم على التوازنات الاقتصادية التونسية. وهو نزاع كان في منطلقه نتيجة لفساد في إدارة المرافق العامة ومنها القضاء وحكم تطوراته السلبية ما برز من تعاطٍ بيروقراطي معه انتفت فيه الجرأة وروح المسؤولية.

شعب تونس يضطر لأن يدفع ضريبة فساد قديم

يعود الخلاف بين الدولة التونسية والمجموعة المالية العربية للتجارة والاستثمار ABCI إلى سنة 1985 حين أثارت الدولة التونسية مجموعة من القضايا الجزائية ضد ممثل الشركة في مجلس إدارة البنك الفرنسي التونسي بدعوى مخالفة قوانين الصرف وسوء استغلال النفوذ. وقد انتهت لأن فرضت على الجهة المستثمرة التنازل عن حصصها بالبنك والتي كانت في تقدر حينها بما يقارب 2،5 مليون دينار تونسي لفائدتها.

بعد الثورة، وفي إطار تنفيذ مرسوم العفو التشريعي العام، اعترفت الدولة التونسية لممثل المجموعة المالية مواطنها عبد المجيد بودن بكونه كان ضحية لمحاكمة سياسية. تعزز لاحقا هذا الاعتراف بقرار صدر عن محكمة التعقيب التونسية في سنة 2012 أكد بطلان الأحكام التي صدرت في حق ذات الطرف لمخالفتها قواعد المحاكمة العادلة. انتهى هذا المسار بتحرير مسؤولين إداريين بوزارة أملاك الدولة بتاريخ 31-08-2012 اتفاق مصالحة مبدئية كان من بنوده التزام من الدولة بأداء تعويضات في مقابل تعهد خصيمها باستثمار ما سيتحصل عليه بالبلاد التونسية. قبلت المؤسسة الاستثمارية وممثلها باتفاق الصلح فيما رفضته الحكومة التونسية التي ذكرت أن من حرر ذاك الاتفاق كان مدلسا وأضر بمصالحها.

لا يعلم هنا صدق ادعاء الحكومة من عدمه. لكن ما كان معلوما في ذاك التاريخ وبعده، أن نظر التحكيم الدولي في النزاع والذي انطلق منذ سنة 1989 وبعدما صدر من اعتراف رسمي تونسي بالخطأ سيكون في منتهاه ضد الدولة التونسية. لم يمنع وضوح الصورة الحكومات التونسية المتعاقبة من مواصلة المنازعة من دون إلتفات لما ينجر عن هذا الخيار من أعباء مالية ودون أي احتساب لما سيعقبه من تطور. وتأكد هذا المآل فعليا باصدار الهيئة التحكيمية سنة 2017 قرارا نهائيا يحمل الدولة التونسية المسؤولية ويدعوها مع المدعين لتقديم طلباتهم وملاحظاتهم فيما يتعلق بتقدير التعويضات المستحقة.

يكون بالتالي وبصرف النظر عن صحة ما تدعيه الحكومة التونسية من بطلان العقلة التي تمت من عدمه من شبه المؤكد أنه ستصدر في المستقبل المنظور عقل أخرى تستهدف الاستثمارات والأموال العمومية التونسية، بما يستدعي التحضير الجدي لهذا المآل المنتظر ويفرض طرح السؤال حول من يتحمل مسؤوليته.

ماذا بعد؟ أفق غير واضح المعالم

يكشف المرور إلى مرحلة خلاص الفاتورة في قضية البنك الفرنسي التونسي أن الانحراف بالمرافق العمومية والتدخل في القضاء فساد يواصل إنتاج آثاره زمنا طويلا بعد حصوله بما يمس بحقوق الأجيال المقبلة في ثروات وطنها. ويبدو عند هذا الحد من الواجب سؤال من يتصدرون المشهد السياسي اليوم كمرشحين لرئاسة الجمهورية عن موقفهم من استحقاق مكافحة الفساد كسؤالهم بذات المناسبة على قدرتهم على تحمل أعباء ما يطمحون له من مناصب، خصوصا وقد بينت التجربة أن طيفا هاما ممن تولوها قبل الثورة وبعدها، ومنهم عدد منهم، كان جوابهم طلب تأجيل الواقعة لما بعد خروجهم من مناصبهم.

1 مؤسسة بنكية تونسية تعود ملكية حصصها لبنكين عموميين تونسيين مقرها الاجتماعي بفرنسا

2 تصريح لإذاعة جوهرة اف أم برنامج بولتيكا

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني