لكي تنتظم صفوفهم في الشارع، قدِم طلّاب كليّات الجامعة اللبنانيّة من مختلف المناطق إلى الإدارة المركزيّة لجامعتهم في المتحف، صباح يوم الثلاثاء 12 تشرين الثاني، يوم الإضراب العامّ الذي دعت إليه الإنتفاضة. بعد أقلّ من أسبوع على الإعتصام الحاشد في فرع الحدت، الذي كرّس دور الطلّاب في تحسين جامعتهم، نظّموا صفوفهم ليعيدوا تأكيد دورهم داخل الجامعة وفي ساحات الوطن. شارك الطلّاب عدد من الأساتذة الجامعيّين الداعمين لتحرّكات طلبتهم المطلبيّة، والتقى هؤلاء بزملاء لهم وطلاب من جامعات أخرى، وتوجّهوا كتلة واحدة نحو ساحة رياض الصلح.
رئيس الجامعة اللبنانيّة فؤاد أيّوب: سلطة الدولة في الجامعة اللبنانيّة
تدعو إحدى اللافتات إلى رفع غبار الخوف عن الوطن، وهو ما فعتله هذه الإنتفاضة حقّا بحيث كسر عدد من المواطنين في المناطق وبيروت حاجز الخوف من أحزاب السلطة. وعلى صعيد الجامعة اللبنانيّة، كان الطلّاب قد نفضوا غبار الخوف باعتصامهم الماضي وبإعلان رفضهم لكلّ أصحاب الأيادي في تراجع الجامعة اللبنانيّة.
لذا، ومن تحت مكتبه في الإدارة المركزيّة، وجّه الطلّاب هتافاتهم لرئيس الجامعة فؤاد أيّوب بوصفه أحد أهمّ المسؤولين عن وضع جامعتهم المتردّي. لا تختلف سلطة الجامعة اللبنانيّة، بحسب الطلّاب، عن سلطة الدولة بحيث ما زالت الأحزاب والمحاصصات الطائفيّة طاغية على فروع الجامعة ومناهجها. لذلك من الطبيعيّ أن ينتفض الطلّاب ويعلنون إضرابهم من أجل تحسين جامعتهم ولعب دورهم في وضع طاقاتهم في خدمة بناء الدولة المدنيّة التي يحلمون بها.
رفع طلّاب اللبنانيّة صرختهم بوجه أيّوب وسلطته في الجامعة، التي أصرّت بعض كليّاتها على فتح أبواب الصفوف برغم إعلان الإضراب العامّ: "والسلطة ضدّ الطلّاب/هيدي سلطة رجعيّة/والطلّاب صاروا ثوّار/وقاموا بثورة شعبيّة"، وهتفوا لمطلب أساسيّ شامل هو الجامعة الوطنيّة بعيدا عن سيطرة الأحزاب على ممثلي الجسم الطلّابي وعلى إدارات الكليّات: "بيكفينا ذل يا طالب/محاصصات يا طالب/واستغلال يا طلّاب"، و" علّي صوتك ت يسمع/صرخات بوجّه إرفع/بدنا جامعة وطنيّة".
وتكرّر اقتراح "جيل فرج الله حنين" القاضي بتحويل إسم الجامعة اللبنانيّة-فرع الحدت من "مدينة رفيق الحريريّ الجامعيّة" إلى "جامعة فرج الله حنين" وتكون جامعة وطنيّة وجامعة كلّ لبنان، وذلك تكريما لحنين الذي كان طالب جامعة يسوعيّة واستشهد من أجل إنشاء الجامعة اللبنانيّة.
الانتخابات الطلّابية ومراكز الأبحاث حبر على ورق
إضافة إلى كلّ المشاكل التي تعاني منها الجامعة، عمدت الدولة في الموازنة إلى اقتطاع قسم من ميزانيّة الجامعة اللبنانيّة ليردّ الطلّاب: "عجز الدولة ما بينسدّ/من الجامعة اللبنانيّة/روحوا جيبوا المصريّات/من جيوب الحراميّي". وبعدما لوّحت الجامعة اللبنانيّة بعودة الإنتخابات الطلّابية هذه السنة، بعد أن ألغيت عمدا لسنوات عديدة تحت حجج غير مقنعة بهدف استمرار سيطرة أحزاب السلطة على الجسم الطلّابي، كشف الطلّاب ما أسموه "عنصريّة" الإنتخابات التي تمنع الطلّاب الأجانب من إمكانيّة الترشّح والمشاركة والتصويت، إضافة إلى حصر الصلاحيّات بيد الرئيس فؤاد أيّوب صاحب العلاقات القويّة والداعمة للسلطة. ولم ينس الطلّاب "ليبان بوست" الشركة التي تسرق المال من رسوم التسجيل في الجامعة: "حرامي حرامي ليبان بوست حرامي".
ونتيجة للسياسة التي تعتمدها إدارة الجامعة وتركيزها على مصالح أحزاب السلطة في كليّاتها وإمعانها مع وزارة التربية والتعليم العاليّ في إهمال تحسين مناهج التعليم، أصبحت مراكز الأبحاث هي أحد أبسط المطالب وأهمّها، فأخذت الحصّة الأكبر من اللافتات التي يحملها الطلّاب: "196 مركز أبحاث وفرقة بحثيّة لا نريدها صوريّة بل نريدها فاعلة بحثيا للكشف عن المشكلات وتحديد معوقات وحاجات التنمية الوطنيّة"، و"حقّنا بمراكز البحوث العلميّة والأبحاث الأدبيّة. حقّنا بمختبرات متطوّرة في الجامعة اللبنانيّة"، و"تأميم قطاع النفط والغاز في البرّ والبحر، كملكيّة عامّة للدولة والمجتمع، تحت سلطة الرقابة الشعبيّة وتوظيف إيرادات القطاع في خطّة تنمية وطنيّة شاملة على رأسها الاستثمار في المعرفة وفي البحث العلميّ". وهذه السياسة المتبعة ذاتها هي التي تحول دون أن يستخدم الخريجون والطلاب قدراتهم في تحسين وطنهم:
"546 اختصاص ومسار تخصّصي يعني "جيش" من الباحثين والباحثات القادرين على رصد ومعالجة مشكلات الوطن"،
و"9500 خريجة وخريج من حقنا العمل في وطننا من دون "استزلام" للزعيم، وعلى قاعدة وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب وفق معيار الكفاءة والمصلحة العامّة".
طلّاب الجامعات المختلفة: ثورة شعبيّة تقابل الحرب الأهليّة
وخلال وقفتهم المندّدة بسلطة الجامعة اللبنانيّة، وجّه الطلّاب التحيّة لجميع طلّاب الجامعات الخاصّة المشاركين في الإنتفاضة والذين دعموا مطالب طلّاب اللبنانيّة في الإضراب الذي استمرّ لأكثر من 50 يوما الصيف الماضي. وتوجّه الطلّاب نحو الجامعة اليسوعيّة لملاقاة الطلّاب المجتمعين هناك وللسير معا نحو رياض الصلح.
وتأكيدا على دورهم في الإنتفاضة وفي العمل نحو بناء دولة مدنيّة غير طائفيّة وعلى دورهم في العمل الإجتماعيّ والسياسيّ، عبّر طلّاب اللبنانيّة عن رفضهم لسياسات الحكومة السابقة والسلطة الحاليّة لناحية خصخصة مؤسسات القطاع العام ّ وزيادة الدين العامّ، واقتطاع الأموال من ميزانيّة الجامعة ومن رواتب الموظّفين، إضافة إلى قيام التعيينات على أسس طائفيّة. ويمضي الطلّاب في انتفاضتهم رغم استقالة الحكومة: "يا بو عقال وكفيّة/وهيدي الثورة شعبيّة/سقطت سقطت الحكومة/وحَ نكفّي عالبقيّة".
وبوجه هذه السلطة التي ما زالت تستخدم التلويح بحرب أهليّة قادمة لترهيب المنتفضين، هتف الطلّاب: "نحنا الثورة الشعبيّة/وهنّي الحرب الأهليّة". وتكرّر هذا الهتاف عند وصول الطلّاب إلى مبنى "بيت بيروت" في السوديكو، الذي ما زالت آثار الحرب الأهليّة ظاهرة عليه، كونه كان يقع على الخطّ الأخضر الفاصل بين بيروت الشرقيّة والغربيّة آنذاك. وبانتفاضة الناس والطلّاب، أعلن الطلاب عن انتهاء الحرب لصالح انطلاق الثورة الشعبيّة المستمرّة منذ 26 يوما.
وعند مرورهم بالسفارة الفرنسيّة، أعرب الطلّاب عن رفضهم للتدخّلات الخارجيّة ولما انتشر في وسائل الإعلام عن محاولة تواصل الموفد الفرنسيّ القادم للقاء الرؤساء الثلاثة، مع "ممثّلي الحراك". وعلت صرخاتهم المطالبة بحريّة جورج عبدالله اللبنانيّ الذي ما زال في السجون الفرنسيّة، برغم انتهاء فترة محاكمته.
وتحت جسر الرينغ الذي شهد الأحداث الأبرز في الإنتفاضة، من إغلاق استمرّ لأيّام متواصلة حاولت خلالها القوى الأمنيّة قمع المتظاهرين، ومن تعرّض هؤلاء لاعتداء بالضرب وتكسير الخيم وحرقها من قبل مناصري أحزاب السلطة، اجتمع طلّاب اللبنانيّة واليسوعيّة والحكمة مع طلّاب الجامعة الأميركيّة في بيروت والجامعة اللبنانيّة الأميركيّة القادمين من اعتصامهم أمام جامعتيهم في منطقة الحمرا، ومع طلّاب الجامعات الخاصّة الأخرى كالجامعة اللبنانيّة الدوليّة والجامعة العربيّة في بيروت. توحّدت جموع الطلّاب الذين توجّهوا نحو ساحة رياض الصلح للتأكيد على وحدتهم كطلّاب وكمواطنين في وجه السلطة السياسيّة ووجه الفساد وسيطرة السلطة الرأسماليّة والسياسيّة على صروحهم التعليميّة.