“طفح الكيل” في طرابلس مع كارثة النفايات


2015-08-19    |   

“طفح الكيل” في طرابلس مع كارثة النفايات

في 17/8/2015 وبدعوة من حملة جديدة عنوانها "طفح الكيل" اعتصم في ساحة التل في وسط المدينة مجموعة من الناشطين. وقد هدف الإعتصام الى رفض عملية إغراق المدينة بالنفايات التي يتم نقلها من عدد من المناطق اللبنانية ورميها وراء جامعة بيروت العربية في الميناء. وعند الساعة السادسة مساء، بدأ الناس بالتجمع في ساحة التل بكل ما تعنيه هذه المنطقة من رمزية كنقطة التقاء لجميع أهالي الشمال على إختلاف انتماءاتهم السياسية والدينية. العدد بدا خجولاً جداً حتى حضور ناشطي "طلعة ريحتكم"، ربما لأن طرابلس لم تتعود يوماً على المظاهرات المطلبية المتعلقة بحقوق أي مواطن عادي يعيش في بلد من البلدان.

الشعارات واليافطات في الشارع كانت قليلة الا انها تختصر حالة السخط التي يحاول هؤلاء التعبير عنها بإسم أبناء المدينة،"ريحة أراضينا يا ريس عم بتبكينا تمشي وتعمينا من التل للمينا"، "طفح الكيل"، "مددوا الوكالة وتقاسموا الزبالة"، "بدنا مطار مش مطمر"، "بدكن تشيلو النفط من البحر والزبالة من الشوارع ما قادرين تشيلو"، "بدنا نتنفس حرية مش زبالة"، "حتى لا تصبح الكمامة زيًّا وطنياً". هذه الشعارات سار بها المعتصمون في موكب مر بالقرب من قهوة فهيم الى شارع الراهبة مروراً بساحة الكورة فشارع السنترال وصولاً الى السراي فيما الناس تنظر اليهم من الشرفات. بعضهم تجتاحه نوبات الذهول والبعض الآخر يصور ويبتسم فيما الموكب سيار يطالبهم قائلا: "انزل عالشارع يا شعبي عن حقك دافع يا شعبي".  

ويتحدث المحامي خالد مرعب من الحملة عن الاعتصام فيقول:"هو تحرك عفوي جاء نتيجة وصول كمية هائلة من النفايات تم رميها في طرابلس. ان وصول النفايات الينا جعلنا نرى الفساد بجميع أشكاله لدى الطبقة السياسية، فهم لم يكتفوا  بسرقتهم لصوتنا الانتخابي من خلال التمديد لانفسهم ويريدون المزيد. وأكد انه في حال تم رصد أي شاحنة سيتم توقيفها وقال:"اليوم هو مجرد إنذار لكن اذا رصدنا شاحنات في طرابلس سوف نقوم بتوقيفها ومصادرتها".

"الذي يقوم بقراءة للنظام اللبناني الحاكم في لبنان والفشل على جميع الاصعدة لا يتفاجأ بالوصول الى أزمة النفايات"، هكذا يحاول الدكتور بشير مواس تبرير أزمة النفايات التي وصلت الى طرابلس. وعن التجمع، قال:" صحيح ان العدد ليس بكبير الا انه لا بأس به كحركة شعبية يبدأها الشباب. المهم ان يكون هناك نوع من الوعي لديهم بعيداً عن الانقسام الطائفي والسياسي وان تقتصر التحركات على الموضوعات المشتركة التي تهم البلد. واعتقد ان انتصار معركة النفايات سيفتح معارك اخرى تتعلق بحقوق المواطن الاساسية الخ.. من المفروض ان يتحرك ويدافع عن طرابلس النواب والوزراء الذين في الحكم وخارجه الا اننا نجد ان احدا منهم لم يتحرك او ينتفض او يقول للناس نحن ندعمكم بل على العكس هناك سكوت وهذا ما يفسر التواطؤ والخطوة الاجرامية بحق طرابلس".

أما الدكتورة هند الصوفي فتتحدث عن ضرورة وجود خطة مستدامة وطويلة الامد للنفايات وتقول: "نحن كجمعية "برلمان الشباب" سوف نعمل على الفرز من المصدر وعليه سنختار أحد الأحياء لنحوله الى حيّ أنموذجي في المدينة. كذلك نعمل مع البلدية والمجتمع المدني لتشغيل معمل النفايات ويبدو أن هناك أناسا مختصون في هذا الموضوع قادرون على ازالته". واكدت استمرار التحركات الى حين حل الازمة.

يعي جهاد جنيد حجم الكارثة التي تهدد طرابلس وعنها يقول: "نحن في طرابلس لا يوجد لدينا مطمر وانما مكب ارتفاعه تخطى الثلاثين متراً ومعرض للإنهيار في أي لحظة كما انه في حين ان لبنان يطالب بإعادة التدوير نجد ان لدينا معمل لاعادة التدوير كلف مليون يورو ولكنه لا يعمل. نحن لسنا ضد 14 و 8 وحسب وانما هدفنا اسقاطهم وان نعريهم ونظهر فسادهم أمام الناس ليعرفوا من ينتخبون. هذه الطبقة السياسية الموجودة حاليا يجب ان تسقط وان يأتي مكانها شباب يتمتعون بالكفآءة".

شركة لافجيت: تمديد بقرار حكومي منذ 2005
لم يصدر عن اي جهة رسمية او معنية في طرابلس اي موقف فيما خص أزمة النفايات وكأن المسألة تعد ثانوية ولا تصب في صميم حياة المواطن، وفيما يتم منذ حوالي الأسبوع تهريب النفايات عبر شاحنات من باقي المناطق ليلاً، رصد عدد من الناشطين، وفي وضح النهار، باخرة أمام شاطئ الميناء انتشرت صورتها على "الفايسبوك"  قيل أنها محملة بالنفايات وقادمة من بيروت. اقتربت من محمية جزر النخيل قليلاً ثم غادرت عائدة من حيث أتت بعد ان أفرغت حمولتها في البحر. وهنا يحضر السؤال عن مصدر الجرأة التي تتمتع بها هذه السفينة لتدخل الى المنطقة علناً وما مدى معرفة بلديتي طرابلس والميناء ممثلة بمحافظ الشمال بهذا الموضوع.

وفي اتصال مع عضو مجلس بلدية طرابلس ورئيس اللجنة البيئة د. جلال حلواني، رأى ان هذا الكلام محض اشاعات وقال:"لقد سألت في المرفأ فتم نفي الموضوع كليا حتى أن رئيس مرفأ طرابلس أحمد تامر قال لي ان أي باخرة تخرج من أي مرفا في لبنان يجب ان يكون معها manifesteيتضمن شرحاً مفصل حول ما تتضمنه الباخرة ومن اين خرجت والى اين هي متوجهة مع موافقة مسبقة من مرفأ البلد الذي يريد استقبالها وذلك تبعا لاتفاقية "فال" الدولية وبالتالي هذه مجرد صورة لباخرة في البحر تم تصويرها".

أما عن حمولات النفايات التي تهّرب ليلا الى طرابلس فقال: "لقد  تواصلنا مع محافظ الشمال وتم اتخاذ قرار بالتعاون بين بلديتي طرابلس والميناء التي يتولى المحافظ مسؤوليتها بضبط الموضوع، وتم على الاثر تسيير دوريات مراقبة ابتداءً من مساء الاثنين 17/8/2015. وقد ضبطت بعض الكاميونات وتمت احالتها الى التحقيق ولم يعد احد يتجرأ على القيام بهذا الامر. فالعيون مفتحة سواء من قبل الشرطة البلدية أو قوى الامن الداخلي أو المجتمع المدني".

يجد حلواني أن أزمة النفايات في طرابلس أكبر بكثير من عملية نقل النفايات من المناطق المجاورة او الحديث عن باخرة محملة بالنفايات، بل ان الازمة الحقيقة تكمن في عملية جمع النفايات والتخلص منها. وفي موضوع جمع النفايات الذي تتولاه شركة "لافاجيت"، لفت إلى أن عقد الشركة منتهٍ منذ العام 2005. أما استمرار عملها فهو نتيجة تمديد للعقد يجري كل فترة ستة أشهر أو سنة بناء على قرار صادر عن مجلس الوزراء ويدفع لها من الصندوق البلدي المستقل من حصة بلدية طرابلس والميناء. وقال:" "اذا نظرنا الى العقد اليوم نجد أنه لا يشمل كل طرابلس. فخلال هذه السنوات، شهدت المدينة تمددا والعقد لا يشمل الأحياء الجديدة . كما انه كان هناك عدد محدد وغير كافٍ من المستوعبات الموضوعة في الخدمة. ففي العام 2005، كان عدد سكان المدينة والضواحي المعنية بها 250 ألف أما اليوم فبات العدد 350 ألف. ناهيك عن أن العديد من المستوعبات للأسف تم إحراقه او استخدامه كمتاريس في الحرب او تعرضت للسرقة والتخريب. كذلك، فإن بعض الآليات الموجودة لدينا أكل الدهر عليها وشرب. أصبحنا بحاجة الى تحديث أسلوب جمع النفايات".ولفت الى ان شركة لا فاجيت لا تملك آليات لجمع النفايات. وقال:"ما تستخدمه الشركة هو ملك لاتحاد بلديات الفيحاء وموضوع بتصرف الشركة لتقوم بالأعمال المطلوبة منها".

المكب تجاوز قدرته الاستيعابية
"نأمل من الله أن يلطف بنا".  هكذا رد حلواني على السؤال حول مكب طرابلس. وقال:" لقد وصلنا منذ نحو السنتين الى الحد الأقصى من الاستيعاب، فهندسيا يبلغ ارتفاعه الاقصى 29 متر ولكنه حاليا وصل الى نحو 33 متراً وهو مهدد بالإنهيار في أي لحظة. ونحن مع  علمنا لذلك، ما زلنا نستخدمه لانه لا يمكننا ان نفعل مثل الناعمة لتبقى النفايات على الطرقات".

وأشار الى أنه يجري العمل على إيجاد بديل من خلال: "استحداث مركز جديد لإدارة النفايات يشمل مطمراً صحياً ومركزاً للفرز ومعالجة النفايات على أنواعها سواء أكانت عضوية أم غير عضوية. وهذا الامر لا ينتهي بكبسة زر وانما يحتاج لنحو سنتين من العمل".
 
معمل الفرز عاطل عن العمل
وعن معمل الفرز الذي قيل انه تم انشاؤه بنحو مليون دولار بمساهمة من الاتحاد الاوروبي، قال:"كان يجب ان يعمل منذ سنة ولكن لاسباب فنية وقانونية وادارية لم يتم ذلك. بداية كان الخطأ بأن دفاتر الشروط لم تكن جاهزة لبدء العمل. ثم أنه نتيجة الاوضاع الامنية، لم تتقدم سوى شركة واحدة وقانونا لا يحق لنا تلزيمها. أما  في الفترة الأخيرة، فأصبح عدد الشركات ثلاثة وقد نجحوا في الملف الاداري ولكن عندما وصلنا الى الملف الفني، حصلت شركتان على ما دون 75% من شروط استكمال الملف. فلا يحق لنا تلزيمها، ويقتضي تاليا إطلاق المناقصة مرة أخرى".
وأكد حلواني "أن موضوع المعمل غير معقد ذلك ان الاتحاد الأوروبي أعطى وزارة التنمية والاصلاح الادارية منحة لتسعة معامل فرز في لبنان من بينها طرابلس على فترة تشغيل مؤمنة لمدة خمس سنوات ومن بعدها يتم تسليمه الى اتحاد بلديات الفيحاء للاشراف عليه".

وفي اتصال مع مصدر مطّلع من بلدية الميناء حول أزمة النفايات، اعتبر ان الاجراءات المتخذة من قبل المحافظ لا تعدو كونها حبراً على ورق طالما أن شاحنات النفايات ما زالت تتسلل الى الميناء وتم ضبط أحدها وانتشر فيديو له عبر "فايسبوك". كما سأل المصدر ان كانت الباخرة التي وصلت الى بحر الميناء محملة بالنفايات إشاعة كما يقولون، فكيف تم رصدها بالكاميرات؟ لم يتسنّ للمفكرة التأكد من صحة هذا الخبر الأخير. ولكن، بمعزل عن مدى صحته، فان التداول بأخبار كهذه بشكل واسع في طرابلس يؤشر الى أن حراكا ما بدأ يتبلور. فلنتابع.   

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني