سجّلت أمس، لدى قلم شورى الدولة، مراجعة لإبطال المرسوم رقم 14379 والذي منحت بموجبه حكومة ميقاتي في جلستها المنعقدة بتاريخ 4 كانون الأول 2024، السادة مريم ووليد خالد دبوسي ترخيصا بإشغال واستثمار مساحة 53305 م2 من الأملاك العامة البحرية في منطقة ذوق بحنين-عكار. قدمت المراجعة جمعية الخط الأخضر بالتعاون مع المفكّرة القانونية، علما أنّهما كانا أعلنا تقدمهما ب مراجعة أخرى لإبطال أول مرسوم لمعالجة مخلفات حرب 1975-1990، والمتعلّق بمنتجع بالما السياحي في منطقة البحصاص- طرابلس والذي رخّص لها بإشغال واستثمار مساحة 76140 مترا.
وفي استعادة لملفّ ذوق بحنين، كانت حكومة ميقاتي قد أجازتْ للشقيقين الدبوسي إشغال أملاك بحرية عمومية تحت عنوان لا يوحي بأي صلة لذلك، قوامه: “تصديق تخطيط الطريق الساحلي الشمالي البحري”. لنكتشف لاحقا أنه يحتوي على ترخيص إشغال، وأنّ الغاية المرجوة من تصديق التخطيط ليست منفعة عامة إنما خدمة المشروع الخاصّ المنوي إقامته في المنطقة. وعليه، امتدّ سلطان الدولة لتسلب بمرسومها، ليس فقط حق الناس بشاطئهم وأملاكهم البحرية العمومية، بل وضعت يدها على أملاك بعضهم الخاصّة لتأمين شقّ الطرق اللازمة لهذا الاستثمار.
وتأتي هذه المراجعة، بعد تفنيد المخالفات الجوهرية التي تضمنها هذا المرسوم والتي سبق وأشرنا إليها، في ظل موجة الاعتراضات التي أعقبت صدور المرسوم، ونددت بآثاره على صيّادي العبدة وعكار الذين وصفوّه بـ ” توزيع الغنائم”، و”الكارثة البيئية التي تهدد الثروة السمكية التي يعتاش منها آلاف من عائلات عكار”. وكانت المفكّرة قد نشرت ونبّهت إلى المنحى الخطير الذي تنتهجه حكومة ميقاتي، وإمعانها في تسليع الشاطئ والتخلّي عنه، إن لجهة التطبيق المشبوه لقانون 64/2017 وشرعنة تعدّيات جديدة ارتكبت في زمن السلم، وإن لجهة تحويل المراسيم إلى أدواتٍ تقضم بموجبها السّلطة آلاف الأمتار الإضافية لصالح شبكات كبار المصالح على حساب مالية الدولة وحقوق العموم بملكهم البحري.
كما يشار إلى أن خطورة المرسوم المطعون به لا تكمن بما خرقه من قوانين ومراسيم ناظمة للأملاك العمومية البحرية وحسب، بل أيضا في مخالفته المادة 89 من الدستور والتي تنص صراحة على أنه “لا يجوز منح اي التزام او امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة من ذات المنفعة العامة, أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود.”
ومن هنا تبرز أهمية المراجعة المقدمة لمجلس شورى الدولة، والتي ارتكزت على الطعن بـ 8 مخالفات جوهرية شابت المرسوم، وهي:
1. منح امتيازٍ بموجب مرسوم خلافا للمادة 89 من الدستور التي تشترط منح الامتيازات بقوانين وليس بمراسيم.
2. عدم صحّة المرتكزات القانونية، حيث بني المرسوم على القانون رقم 64/2017 الرامي الى معالجة الإشغال غير القانونيّ للأملاك العامّة البحريّة. والواقع أنّنا لا نجد أيّ أثرٍ لمخالفاتٍ أو تعدّياتٍ سابقة في هذه المنطقة فيما توفّر لدينا من مستندات. كما لا نجد أثرًا لأيّ مُخالفات في سجلّات مسح الجيش لعام 1994-1996 ولا في سجلّات مسح الجيش اللبناني في 2023. وعليه فإن المرسوم لا يرمي إلى معالجة مشروع سابق مخالف للقوانين، بل يمنح الحق بإنشاء مشروع جديد. ومن البيّن أن تغيير المرتكز خلافا للحقيقة إنما رمى إلى التملص من الضوابط التي يتضمنها تطبيق نظام إشغال الأملاك العمومية الصادر في 1966 وتسخير قانون 64/2017 ولو بصورة منافية لمضمونه لهذه الغاية.
3. صدور المرسوم بغياب موافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني أو استطلاع رأيه على الصفة العامة للمشروع كما على تخطيط الطريق البحري.
4. تجاوز المدّة الأقصى للترخيص، إذ حددت المدة بثلاث سنوات، خلافا للمادة 17 من القرار 144/س تاريخ 10 حزيران 1925. وفي ذلك خرق لمبدأ هشاشة إشغال الملك العام العمومي.
5. السماح بالردم وبإنشاءًات حرّمها نظام إشغال الأملاك العمومية، خلافا للمادة الأولى من المرسوم 4810/66.
6. خرق مبدأ الشفافية وقانون حق الوصول الى المعلومة، حيث أغفل المرسوم تحديد الأسباب الموجبة بما يتعارض مع نص المادة 11 من قانون حق الوصول للمعلومات.
7. إغفال تحديد الرسوم السنوية
8. منح وزارة الأشغال صلاحيات واسعة في تعديل الإنشاءات المسموح بإقامتها خلافا للقرار 144/1925 الناظم للأملاك العمومية، وخرقاً لمبدأ موازاة الصيغ.
للإطلاع على تفاصيل التحقيق الذي نشرته المفكّرة القانونية تحت عنوان: بحر عكّار للبيع أيضًا و… على اللسّ: آخر أمواج ميقاتي العاتية