تكوين مجلس القضاء الأعلى
يشكلّ مجلس القضاء الأعلى إحدى ضمانات استقلالية القضاء. ونجد إشارة إليه مثلاً في المواد9 و11 من الشرعة العالمية للقاضي التي تنصَ على أنه “حيث لا يؤمَّن ذلك بوسائل أخرى متجذّرة في تقاليد ثابتة وأكيدة”، يجب أن تتولى مهام اختيار وتعيين القضاة كما الملاحقة التأديبية بحقهم وادارة مرفق العدالة العام “هيئة مستقلة، تتضمَن تمثيلاً قضائياً واسعاً”[1]. وبحسب المعايير الدولية، على أعضاء الهيئة من القضاة أن يكونوا منتخبين من قبل زملائهم بوسائل تضمن أوسع تمثيل للقضاة. وهذا يعني عملياً أمرين: (1) ضمان أن يشارك جميع القضاة في الانتخابات وليس فئة منهم كما هي الحال في لبنان مثلاً، حيث يُحصر حق الترشَح برؤساء غرف التمييز وحق الانتخاب بأعضاء محكمة التمييز و(2) التوازن في التمثيل داخل المجلس فلا يتحكَم به قضاة من الدرجات العليا فقط.
وتضع المعايير الأوروبية مبدأ وجوب أن يظلَ القضاة المنتخبون أكثرية في مجالس القضاء الأعلى. ويظهر ذلك خصوصاً في الشرعة الأوروبية حول نظام القضاة (فقرتها 1.3). فضلا عن ذلك،أوصى المقرَر الخاص للأمم المتحدةعن استقلالية القضاة والمحامين[2] ب”تشكيلة متعددة تعدداً حقيقياً لهذه الهيئة، بحيـث يُمثّـل فيهـا المشرِّعون والمحامون والأكاديميون وغيرهم من الأطراف المعنية بطريقة متوازنة”، درءا للمصالح الفئوية.
المناقلات القضائية
تحدّد المادة 9 من الشرعة العالمية للقاضي أن على “أي تعيين لقاضٍ أن يأتي نتيجة معايير موضوعية وشفّافة مبنية على المؤهلات المهنية المناسبة”. كما أتت التوصية رقم R (94) 12لتوضح أن “على كل القرارات المتعلقة بالمسار المهني للقاضي أن تُبنى على معايير موضوعية، كما أن على اختيار القضاة ومسارهم المهني أن يُبنى على الجدارة، بالنظر إلى المؤهلات والنزاهة والكفاءة والفعالية”. وهنا أيضاً، يمنع المبدأ نفسه كما المادة 9 من الشرعة العالمية للقاضي السابقة الذكر، التمييز على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية.
وكما رأينا بخصوص تعيين القضاة، يجدر بالدول التي لا تتجذَر فيها ثقافة استقلالية القضاء أن يُعهد بذلك لهيئة مستقلة كمجلس القضاء الأعلى، كي لا تصبح التشكيلات القضائية عرضة للحسابات والأهواء السياسية. وهذا ما نصَت عليه نصوص مرجعية عدةمرتبطة باستقلالية السلطة القضائية[3].
مبدأ عدم جواز عزل القاضي أو نقله الاّ بموافقته
ويشمل هذا المبدأ وجهين. نجد من جهة المفهوم التقليدي للمبدأ وهو الأمن الوظيفي، الذي ينص على عدم جواز عزل القاضي أو إيقافه عن ممارسة وظيفته.من جهة أخرى، توسّع المفهوم ليشمل عدم جواز نقل القاضي من منصبه إلا برضاه. وتنص الشرعة الأوروبية حول نظام القضاة في فقرتها 3.4 على عدم جواز نقل القاضي من منصبه، حتى ولو تمَ ذلك على سبيل الترقية، من دون رضاه.
ولا يُعتبر مبدأ عدم جواز نقل القاضي دون رضاه مطلقاً. فلا بدّ من تآلفه مع مبادئ أخرى سامية، أهمها ضرورة تأمين حقَ التقاضي للأفراد واستمرارية المرفق القضائي العام، كما الحاجة لتنظيم الانتقال الوظيفي والجغرافي للقضاة، مما يُدخل بعض القيود عليه. كما يمكن تحديد فترة زمنية معينة للعديد من الوظائف القضائية.
تجريم التدخَل في أعمال القضاء
تنصَ توصية لجنة وزراء المجلس الأوروبيرقم R(94)12في المبدأ الأول الفقرة 2-د أنه “يقتضي بالقانون معاقبة أي شخص يحاول الضغط على القضاة” في القرارات الصادرة عنهم. وتعمد المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان الى مراقبة استحداث الدول للضمانات ضدَ تدخَل السلطة التنفيذية في أعمال القضاء[4].ونلحظ أنه وفي العديد من الدول العربية، كُرّس مبدأ تجريم التدخَل في أعمال القضاء والقضاة في الدستور (مصر، تونس، المغرب). في لبنان، تعدّ الضمانات الجزائية ضدّ التدخَل في أعمال القضاء ضعيفة جداً. فخارج حالات تهديد القاضيوصرف النفوذ (وهي جرائم يصعب إثبات عناصرها)، لا يُعاقب جرم التدخَل البسيط في شؤون القضاء (“استعطاف قاضٍ كتابة أو مشافهة لمصلحة أحد المتداعين أو ضده”) الاَ بغرامة من عشرين ألف الى مئة ألف ليرة (419 عقوبات).
ضمانات مبدأ المساواة بين القضاة
يشكّل مبدأ المساواة الضمانة الرئيسية للاستقلالية الذاتية/الفردية الداخلية للقضاة، أي الجانب الذي يعني القضاة في علاقتهم مع المؤسسات القضائية، والقضاة الذين يشغلون مسؤوليات إدارية في القضاء. ويتجلَى المبدأ بشكل خاص بين القضاة لجهة مشاركتهم وتمثيلهم في ادارة المؤسسات القضائية المؤثَرة في المسارات المهنية للقضاة، ومن خلال المساواة بين قضاة الهيئة الحاكمة، وأخيراً بعدم التمييز بينهم في المداخيل والامتيازات. فمن شأن أي تمييز في هذا الخصوص أن يفتح باباً واسعاً لنقض الاستقلالية أو لتوسيع هامش الترغيب بمنافع اضافية أو الترهيب بفقدان حقوق معينة.
الحريات الأساسية
يتمتَع القاضي كأي مواطن آخر بالحقوق والحريات الأساسية المكرَسة في المواثيق الدولية، خصوصاً حرّيتي التعبير والتجمّع. وهذا ما يؤكَده المبدأ 4.6 من شرعة بنغالور للأخلاقيات القضائية، كما المادة 8 من المبادئ الأساسية للأمم المتحدة[5] أنه “وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحقَ لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتَع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمَع. ومع ذلك يُشترط أن يسلك القضاة دائماً، لدى ممارسة حقوقه.
نشر هذا المقال في العدد | 37 |آذار/ مارس/ 2016، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
قصص الناس على مسرح القضاء
[1]Art. 9:“ Where this is not ensured in others ways, that are rooted in established and proven tradition, selection should be carried out by an independent body, that includes substantial judicial representation”.
Art. 11: :“ Where this is not ensured in others ways that are rooted in established and proven tradition, judicial administration and disciplinary action should be carried out by an independent body, that includes substantial judicial representation”.
[2]Report of the Special Rapporteur on the independence of judges and lawyers, UN Doc. A/HRC/11/41 (2009), para. 28and Report of the Special Rapporteur on the Independence of Judges and Lawyers, UN Doc A/HRC/26/32 (2014), para. 126.
[3]أنظر الفقرة 1.3 من الشرعة الأوروبية حول نظام القضاة والمبدأ
I.2.c.من توصية لجنة وزراء المجلس الأوروبي رقم
R(94)12والرأي رقم 1 (2001) للهيئة الاستشارية للقضاة الأوروبيين.
[4]أنظر
CEDH 28 juin 1984, Campbell et Fell c/ Royaume-Uni, préc., § 77, JDI 1986. 1058, obs. Rolland et Tavernier.
[5] أنظر أيضاً المبدأ رقم 8 من إعلان
Singhvi.