أربع سنوات على تفجير 4 آب ولا زالت الدولة غائبة عن ضحايا الكوما. فإن كان بعض الضحايا قد استعادوا وعيهم وشيئًا من صحّتهم مثل فاطمة قرياني وآخرون لا زالوا يحاولون استعادة صحّتهم أو انتزاعها من الموت كليليان شعيتو، فإنّ البعض الآخر لا زال عالقًا في عالم مغاير لا حياة فيه، بانتظار حصول “عجيبة” ما في يوم ما لتبعث الحياة في أجساد هامدة، كما هي حال لارا حايك، ويولا (اسم مستعار). أربع نساء يقفن على العتبة المقابلة للموت منذ أربعة أعوام، ولكن لم تحظ جميعهنّ بفرصة المواجهة.
ليليان شعيتو من المستحيل إلى الحياة من جديد
كانت ليليان شعيتو تحلم بالسفر لاكتشاف العالم، لكن 4 آب حال دون ذلك وبدلًا من ذلك سافرت كي تتلقّى العلاج في رحلة لاكتشاف نفسها من جديد. ليليان التي كانت قد دخلت في حالة “كوما نباتية” بعدما تعرّضت لإصابة في رأسها عندما وقع التفجير، هي المعجزة التي وقفت بصلابتها في وجه “المستحيل” وفي وجه كلّ من قال لأهلها “بنتكن ما رح تعيش”. ولا تزال تحاول رغم حرمان زوجها لها من رؤية ابنها الذي يبلغ من العمر 4 سنوات وشهر، ورفض زوجها في فترات سابقة السماح لها بالسّفر لتلقي العلاج، بحسب شقيقتها نوال. اليوم، وبعد إقامتها لحوالي عام في مركز مختصّ لتلقّي العلاج اللازم في مدينة بورصة التركية، انتقلت ليليان مع شقيقتها نوال لمتابعة العلاج في مصر، وتحديدًا في مركز العلاج الطبيعي في القاهرة، حيث تخضع لعلاج فيزيائي بشكل دائم، إضافة إلى جلسات “أونلاين” لتحسين قدرتها على التواصل والنطق.
ومنذ عام حتى الآن، تمكّنت ليليان من تحقيق تقدّم ملحوظ، الأمر الذي تؤكّده أخصائية التواصل والنطق، شانتال خليل، في اتصال مع “المفكرة”، والتي تواكب ليليان منذ عامين بشكل يوميّ عبر جلسات مكثّفة تتراوح مدّتها بين الساعة والساعة والنصف، تتضمّن تدريبات مخصّصة لتحسين التواصل والنطق.
“كانت ليليان تحتاج إلى tracheostomy (ثقب القصبة الهوائية) لكي تتنفّس، أما الآن فبات بإمكانها أن تتنفّس وتمضغ الطعام بشكل طبيعي، كما أنّ قدرتها على التواصل تتحسن بشكل ملحوظ من يوم إلى آخر، وكذلك قدرتها على النطق، حيث انتقلت من لفظ كلمة واحدة منذ عام، إلى القدرة على تركيب جملة من عدة كلمات والتعبير عن احتياجاتها اليومية الروتينية”، تقول شانتال. وتشير إلى أنّ حالة ليليان كانت بمثابة تحدٍّ لها منذ البداية، بخاصة وأنّ جلسات العلاج جميعها تتمّ “أونلاين”، نظرًا لإقامة ليليان خارج لبنان. ولكنّ الأمر الأساسي الذي أدّى دورًا في تمكّنها من اجتياز مرحلة كبيرة في العلاج هو إصرارها على الحياة، ما يبدو جليًّا في تصرّفاتها، كما تؤكّد شانتال.
جلسة تلوى الأخرى تتضاعف ثقة ليليان في نفسها، ويزداد دافعها للعودة إلى الحياة الطبيعية رغم مشقّة الرحلة، ولعلّ العامل الأكبر المساعد هو تلقّيها الدعم والتشجيع المعنوي والعاطفي من أفراد عائلتها، بحسب الأخصائية التي علّقت “إذا كانت قدرتها على التواصل والاندماج اليوم هائلة مقارنة بالفترة السابقة، فكيف عندما تنطلق إلى الحياة خارج المستشفى؟ إنّ ثقة ليليان الكبيرة في نفسها سوف تمكّنها من تحقيق الكثير، مع أخذ وضعها الصحيّ دائمًا بعين الاعتبار”.
خلال الفترة الماضية، وقبل 6 أشهر تحديدًا، خضعت ليليان لعملية تطويل الأوتار في إحدى قدميها وإزالة التكلّس الناتج عن انعدام الحركة لفترة طويلة. لم تكن العملية سهلة، وترافقت مع نسبة خطورة عالية، حيث استغرقت سبع ساعات، بحسب شقيقة ليليان التي لفتت إلى أنّ شقيقتها ستخضع للعملية نفسها في قدمها الثانية في الفترة المقبلة. كذلك خضعت لعملية في رأسها لتركيب عظمة اصطناعية، بعدما كانت تعيش بنصف جمجمة، وهذه العظمة ستبقى معها مدى الحياة. تكاليف العلاج والعمليات باهظة، بحسب ما تؤكّده شقيقة ليليان، ولكنّ الشخص نفسه الذي تكفّل بعلاجها منذ بدء رحلة علاجها في تركيا، لا زال مستمرًا بتحمّل كلّ التكاليف حتى اليوم. وهنا تعلّق نوال قائلة “مع العلم أنّ الدولة هي من يجب أن تتكفل بعلاج ليليان، ولكن في شدّة حاجتنا إليهم لم يفعلوا ذلك، ولذلك لا ننتظر منهم شيئًا، ونحن شاكرين لفاعل الخير الذي تكفّل بليليان ماديًا”.
وبما أنّ الدّعم المعنويّ مهمّ ويعزّر من قدرة ليليان على التحسّن، فإنّ لرؤية طفلها دور أساسي في هذا الإطار، بحسب شقيقتها، فليليان لم ترَ ابنها منذ آب 2022، حيث تمّ حينها إحضاره لزيارتها في المستشفى بعد عامين من حرمانها منه، وذلك بفضل محاولات كثيرة وتدخّل وساطات عدّة، على الرّغم من امتلاكها قرارًا بحقّ الرؤية. ورغم ذلك، فإنّ ليليان لم تنسَ ابنها. سألت عنه مرّتين في العام المنصرم مردّدة اسمه “علّوشي” من دون أن تسمع جوابًا، فخانتها دموعها في المرّتين. “رؤية ليليان لطفلها ستشكّل حافزًا لها يدفعها إلى التعافي بشكل أسرع، بحسب طبيبتها، وبالتالي فإنّ عدم رؤيتها له يؤخّر من تعافيها” تقول شقيقتها، وتضيف “بالتالي نحن نحاول أّلّا نأتي على ذكر اسمه أمامها، تفاديًا لتعرّضها لأيّ انتكاسة من شأنها أن تعرقل رحلة العلاج، بخاصة أنّه ليس لدينا القدرة على تأمين لقاء عبر الفيديو بينها وبينه”.
تحاول عائلة ليليان أن تطلب من الزوج، عبر محاميها، تنفيذ قرار المحكمة بالرّؤية، لكنّ طلبهم يواجه دائمًا بالرّفض. عبثًا يحاولون اللجوء إلى وسطاء بين العائلتين من جديد، فيما الحجّة التي لجأت إليها جدّة الطفل، بحسب شقيقة ليليان، هي “ليليان صارت مشوّهة ومنظرها بيخوّف، ما بدّنا تتسبّ بعقدة نفسية للولد”. وهنا تتساءل شقيقة ليليان “أختي لم تتشوّه، وإذا كانت تلك حجّتهم، فهل يجوز أن تُحرم أمّ من رؤية ابنها لهذا السبب؟ إلى متى سيستمر هذا الظلم في حق ليليان وابنها؟ هل علينا الانتظار حتى يبلغ الطفل الثامنة عشر من عمره؟”. وتضيف نقلًا عن لسان المحامي، أنّه في هذه الحالة قد تكون الخطوة الأنسب هي رفع دعوى ثانية تتضمّن حق الرؤية عبر الفيديو بالتّحديد.
فاطمة قرياني تخاطر بعلاجها كي تستمرّ
تعيش فاطمة قرياني (40 عامًا) كلّ يوم بيومه، بحذر شديد. فرغم نجاتها من الموت واستيقاظها من الكوما بعد انفجار 4 آب، إلّا أنّ صحّتها من سيّئ إلى أسوأ، تقول في حديث مع “المفكرة”. وأمام تدهور حالة رجلها خلال الفترة الماضية بات المشي مهمّة شاقّة بالنسبة إليها وتتطلّب الكثير من الجهد. وكانت فاطمة قد قضت عشرين يومًا في المستشفى في حالة كوما بعد الانفجار، حيث تعرّضت لإصابة بليغة في رأسها، وخضعت لعدد من العمليات، لكنّ الخطر بقيَ محدّقًا بحياتها. اليوم، وكلّ يوم، تمرّ الليالي صعبة على فاطمة. فهي إن تمكّنت من النوم، لا يتجاوز عدد ساعات نومها الساعتين بسبب وجع رأسها، وعندما تنام تستيقظ لتجد الورم يعلو وجهها. “ميتة بس عايشة”، تقول، وتتابع “ما في راحة، وما في حلّ، بس أوقات كتير ببكي”، تتوقّف عن الكلام للحظة وتتغلّب على دموعها قائلة “بتمنّى المسؤولين بالدولة يجرّبوا بأولادها متل ما جرّبوا فينا. دوّني هذه الجملة كما هي علّهم يدركون مدى الأسى الذي نمرّ به”.
إذًا أربع سنوات مرّت، ولا زالت فاطمة تعاني من آثار الإصابة التي تعرّضت لها، وهي اليوم أمام معضلة جديدة، حيث تخضع لعلاج في رجلها، ورغم أنّ الطبيب الذي يتابعها قد نصحها في بداية الأمر بالخضوع لجلسات علاج فيزيائيّ، إلّا أنّها لم تتمكّن من ذلك، نظرًا لعدم قدرتها على تحمّل كلفة العلاج. فاستعاضت عنها بشراء آلة يمكنها استخدامها في المنزل، ولكنّها أيضًا لم تُعطِ نفعًا. وبعد تحويلها إلى دكتور عظام وإجراء صورة أشعّة، تبيّن أنّها تعاني من التهابات حادّة ومشكلة في عظم رجلها قد تحتاج بسببها إلى عملية في وقت لاحق. لا تحبّذ فاطمة فكرة إجراء العملية فهي لا تستطيع تغطية تكاليفها، فتحاول التقيّد بالأدوية التي وصفها لها الطبيب علّها تساعدها على التحسّن، وتعلّق “أحاول أن أتناسى أمر العملية رغم أنّني أعلم أنّ لا مفرّ منها”. تحتاج فاطمة إلى ممارسة الرياضة بشكل مستمرّ للحفاظ على حياة صحية بعد كلّ ما مرّت به، ولكنّها كثيرًا ما تجد صعوبة في ذلك، وتقول “لا يمكنني أن أُجهد نفسي وأن أعرّض رأسي للكثير من الضّغط، فالخطر رفيقي الدائم في حياتي الجديدة”، وتضيف: “هيدي مصيبة لمدى الحياة، هيدي مش مزحة… بس هيدي إرادة الله”.
تحتاج فاطمة لشراء أدوية مزمنة شهريًا، تصل كلفتها إلى 150 دولارًا وتزيد عن هذا الحدّ في الحالات التي تضطرّ فيها إلى زيارة الطبيب وإجراء بعض الفحوصات، هذا بدون احتساب جلسات العلاج الفيزيائي التي تحتاج إليها ولكنّها لا تستطيع تحمّل نفقاتها. وفي هذا السياق، تتساءل فاطمة: “لماذا لم تفِ السلطة بوعدها؟ لقد سمعنا في بداية الأمر عن تخصيص بطاقة للجرحى، ولكن كلّ ذلك كلام في الهواء، فنحن لم نرَ أيّ شكل من أشكال المساعدة”. وتتابع: “أنا لا أحتاج لشيء سوى أن أتمكّن من الدخول إلى المستشفى عندما أحتاج إلى ذلك، والقليل من المساعدة في تغطية نفقات الطّبابة التي تشهد ارتفاعًا بشكل مستمرّ. أعلم أنّني أعرّض حياتي للخطر عندما أستغني عن أحد العلاجات، ولكنّني أفعل ذلك كي أتمكّن من الاستمرار، ومن إعالة ابنتيّ اللّتين تحتاجان إلى وجودي معهما بعدما انفصلت عن والدهم”.
مدير العناية الطبيّة في وزارة الصحة الدكتور جوزيف الحلو يعتبر أنّ هناك الكثير من الأشخاص الذين أصيبوا في الرابع من آب وتحديدًا ممّن تتطلّب إصاباتهم علاجًا طويل الأمد، لم يتمكّنوا خلال الأعوام الماضية من الوصول إلى الطبابة والاستشفاء والأدوية اللازمة لهم عن طريق وزارة الصحّة، ولاسيّما أنّ الوزارة كانت وحتّى العام الماضي تُغطّي كلفة استشفاء مصابي 4 آب بنسبة 100% ولكن على أساس سعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة، وبالتالي الفرق الذي كان على المصاب تكبّده كان يتجاوز آلاف الدولارات.
وعلى الرغم من أنّ وزارة الصحة وحسب العقود الموقّعة مع المستشفيات باتت تُغطي 65% في المستشفيات الخاصة و80% في المستشفيات الحكومية على سعر صرف دولار السوق، إلّا أنّ من استفاد هو من لجأ إلى الوزارة أو من عرفت فيه. وفي مطلق الأحوال، يشير الحلو إلى أنّ هذه النسبة لا تغطي بعض التحاليل والصور والبروتيز وأمور أخرى أساسيّة في علاج عدد كبير من مصابي الرابع من آب.
وبناءً على ذلك توجّهت فاطمة إلى وزارة الصحة حيث التقت مع الحلو، وشرحت له عن حالتها، ولكنّها وصلت إلى حائط مسدود، حيث لا يمكنها الاستفادة من هذه النسبة لتغطية كلفة دوائها وعلاجاتها لأنّها تنحصر بالعمليات. “كنت أعلم أنّ شيئًا لن يتغيّر، فهذه هي الحال منذ 4 سنوات، وستستمرّ كذلك. سيبقى هذا العبء على كاهلي وحدي”، تقول فاطمة.
ويرى الحلو أنّ هذه الفئة التي تحتاج إلى علاج على المدى الطويل بحاجة إلى تغطيّة كلفة علاجها كاملة أي 100% إلّا أنّ وزارة الصحة لا تستطيع رفع نسبة التغطية من دون سند قانوني أي مرسوم حكومي أو قانون ومن دون إنشاء صندوق خاص لمتابعة علاج المصابين لأنّ موازنات الوزارة والجهات الضامنة الرسميّة لن تكون قادرة على تحمّل تكاليف رحلات العلاج ولاسيّما في ظلّ الانهيار الاقتصادي.
لارا حايك ويولا في انتظار حصول “عجيبة”
من منكم لا يذكر لارا؟ هي الفتاة التي خطفها انفجار 4 آب إلى عالم آخر، فدخلت في حالة غيبوبة تامّة، ومنذ ذلك الحين لا زالت محبوسة في جسدها الهامد في مستشفى بحنّس. فمنذ آب الماضي بدأت حالة لارا بالتدهور يومًا بعد يوم، حتى بات دماغها ميت وجسدها النحيل كذلك، وحده قلبها لا زال ينبض بالحياة، وفق وصف والدتها نجوى في حديث مع “المفكرة”. وكانت لارا قد تعرّضت لإصابة في عينها ورأسها خلال تواجدها في المنزل في منطقة الأشرفية، ولم تفقد وعيها على الفور إلّا بعدما وصلت إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، حاول الأطباء إسعافها، إلّا أنّها دخلت في غيبوبة لم تخرج منها إلى اليوم.
“لا أمل من عودة لارا إلى الحياة”، تعلم والدة لارا هذا الأمر جيّدًا، ورغم ذلك، تتمسّك بأملٍ ما، وتصلّي علّ معجزة ما تحدث وتعيد الحياة لابنتها التي لطالما كانت مفعمة بالحياة، رغم أنّ لا شيء يُنذر بتغيّر الحال. لارا تعاني بشكل يوميّ، سواء من ارتفاع الحرارة بشكل متكرر، أو تعرّضها للبكتيريا بين الحين والآخر، إضافة إلى تقرّحات في الجلد باتت واضحة على جسدها.
لوالدة لارا روتين لم يتغيّر على مدى السنوات الأربعة الماضية. تعمل في أيام الأسبوع من ساعات الصباح الأولى وتعود إلى المنزل في ساعات المساء الأولى، تتأمّل صور ابنتها في المنزل الذي يحمل كلّ ذكرياتهم معًا، وتنتظر عطلة نهاية الأسبوع بفارغ الصّبر حتى تتمكّن من زيارتها في مستشفى بحنّس. تأخذ معها ما يلزم من أدوية وبعض الاحتياجات الروتينية الأسبوعية والتي تصل كلفتها إلى حوالي 150 دولارًا كلّ أسبوع. تجلس بالقرب من سرير ابنتها وتتأمّلها وهي ذابلة أمام عينيها. “لو لم أكن أملك ما يكفي من الوعي لكان أصابني الجنون”، تقول، ورغم أنّ أحد الأطباء أكد لها منذ دخول لارا في غيبوبة “ابنتك ماتت”، إلّا أنّها لم تلمس ذلك في وقت سابق، لكنّها شعرت في الفترة الماضية بالفعل أنّ لارا أصبحت غير موجودة نهائيًا.
تُشيد السيدة نجوى بالطبابة والعناية التي تؤمّنها المستشفى لابنتها، ومع ذلك لا تنفي أنّها تجد صعوبة كبيرة في تسديد كلفة الطبابة التي تتجاوز 2000 دولار شهريًا، فتلجأ لتسديد المبلغ بالتّقسيط بما توفّر معها من المال، بالإضافة إلى تلقّيها مبلغًا بسيطًا من إحدى الجمعيات التي لم تترك لارا منذ لحظة إصابتها.
وكانت السيدة نجوى قد تواصلت مع الدكتور جوزيف الحلو الذي يحاول قدر الإمكان أن يساعدها ولو بالتّحدث إلى إدارة مستشفى بحنّس كي تصبر عليها حتى تتمكّن من تسديد المبلغ كاملًا، نظرًا إلى أنّ المستشفى غير متعاقدة مع وزارة الصحة، وبالتالي لا يمكنها تغطية التكاليف. “قدراتي محدودة، ووتيرة ارتفاع المصاريف سريعة” تقول والدة لارا، وتتابع: “الدولة بمؤسّساتها مجبرة على تقديم الدعم، لكنّها لا تقوم بذلك كما يجب، عليهم أن يخصّصوا مبلغًا لضحايا المرفأ الذين تسبّبوا في مقتلهم. من ينظر إلى حال من بقوا على قيد الحياة ومن يصارعون الموت؟ لا أحد. هذا أمرٌ معيب والحمل بات ثقيلًا جدًا”. لا تطلب والدة لارا الكثير، فهي راضية بأن تتحمّل الألم والعذاب النفسيّ، وتسأل الدولة عن مسؤوليّتها من تقديم المساعدة إلى الضحايا ومنهم ابنتها التي لا ذنب لها كما غيرها ليحصل معها ما حصل.
أمّا يولا (اسم مستعار) التي دخلت في غيبوبة لأربعة أسابيع بعد إصابتها في تفجير المرفأ، واستيقظت من بعدها بلا ذاكرة، فهي لا زالت على حالها، وتعتبر شقيقتها أنّ الكلام لم يعد يجدِ نفعًا مع سلطة لا تعترف ولا تسمع وغير موجودة على الإطلاق. “ما في شي نحكيه” كرّرت شقيقة يولا هذه الجملة مرات عدة خلال اتصال مع “المفكرة”، جملة تختزل كلّ شيء برأيها. “ماذا أقول؟ ولمن أتوجّه؟ وما الذي سوف يتغيّر إذا حدّثت العالم عن شقيقتي؟” تقول.
لا تزال يولا على حالها طيلة السنوات الأربع الفائتة، تعيش في دوّامة، فما إن تتحسّن قليلًا في محاولة منها للتّحرك أو النّطق ولو بكلمات غير مفهومة، حتى تباغتها نوبة صرع من جديد لتعيدها إلى المستشفى وإلى نقطة الصّفر. وكانت يولا التي تبلغ من العمر 44 عامًا، قد تعرّضت لنوبة صرع شديدة في كانون الأول 2022 أدّت إلى تدهور حالتها مجددًا، حيث فقدت القدرة على المشي ولم يعد كلامها مفهومًا على الإطلاق. “أنا بدي إختي ترجع متل ما كانت، وهيدا الشي ما رح يصير… فما بيهمّ أي شي بقى” تقول شقيقه يولا وتضيف: “نحن متكفّلين بعلاج شقيقتنا ولا ننتظر سوى عجيبة أو معجزة ما فقط لتعيدها إلينا”، وتتابع بتمنٍّ أخير “الله يطوّل عمرهن ليعيشوا مع ولادهن يلّي عشناه”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.