“
لم يكن يوم الإثنين يوم تظاهر عادي في صيدا كالأيام التي سبقته فقد بدأ بمواجهة مع الجيش انتهت بسقوط جريحين وبتوقيف عدد من الشباب بعضهم قُصّر أفرج عنهم تدريجياً خلال النهار. وبالتوازي حالت الأمطار دون حضور العديد من المتظاهرين الذين واظبوا على القدوم يومياً إلى الساحة ما جعل عدد المتظاهرين أقلّ من الأيام السابقة.
توقيفات وجرحى
في ساعات الصباح الأولى توجّهت مجموعة من شابات وشبان صيدا إلى مدخلها الشمالي من أجل إغلاق الطريق، ما دفع بعناصر الجيش إلى فتحها بالقوّة. وتعرّض المعتصمون للضرب بأعقاب البنادق ما أسفر عن إصابة شابّين أحدهما بكسر في ضلعه نُقلا إلى “مستشفى حمّود” في صيدا وعن اعتقال ثمانية شباب آخرين.
تقول روان الجعفيل (22 عاماً) التي شاركت في إغلاق الطريق: “أردنا إغلاق الطريق كي نقول للناس أننا فعلاً نخوض ثورة وانتفاضة شعبية، لذلك أردنا إعاقة المرور كي لا تعود الحركة إلى طبيعتها”.
وعلى إثر ذلك حرق عدد من المتظاهرين الإطارات في منطقة “مكسر العبد” وأغلق آخرون مداخل ساحة النجمة احتجاجاً على ما وصفوها “القسوة” التي تعامل بها الجيش معهم.
بالتوازي مع ذلك، أغلق متظاهرون آخرون مدخل السوق التجاري في صيدا على إثر بيان صدر الأحد عن “جمعية تجار صيدا” أعلنت فيه إعادة فتح السوق التجاري بعد أن التزمت الجمعية بالإضراب العام طوال الأيام الأحد عشر السابقة. فيبدو أنّ إغلاق مدخل السوق التجاري أثار امتعاض بعض التجار القلقين من الخسائر المالية التي سيتكبّدونها.
الهدوء يعود إلى الساحة
تراجع التوتّر شيئاً فشيئاً مع تقدّم الوقت واستعادت “ساحة إيليا” تدريجباً نشاطها الذي بلغ أوجه عند قرابة الرابعة بعد الظهر وهو موعد اللقاء مع الدكتورة عزّة سليمان التي قدّمت محاضرة تحت عوان “دولة الرعاية الاجتماعية في لبنان: واقع أم حلم”، نظّمها “تربويون #لبنان_ينتفض”. وتطرقت الدكتورة سليمان في حديثها إلى تأثير النظام الطائفي والمحاصصة السياسية والطائفية على الحياة اليومية للمواطن اللبناني وإلى ضرورة تأسيس دولة المواطنة كبديل فعّال عن النظام السياسي الحالي.
ولكن ما جرى صباحاً لم يغب عن المحاضرة، فقد شهدت جلسة الأسئلة والأجوبة مداخلة انفعالية من والدة أحد الشبان الذين أوقفوا صباحاً والذي لا يتجاوز الـ14 عاماً، قالت فيها إن “الجيش تعرّض للشباب بالضرب قبل اعتقالهم”. ولكن يبدو أنّ هذا الاتهام لم يرق لمسؤول الصوت الذي قطع البث عن الميكروفون مما أثار غضب السيدة التي أبت أن ترحل قبل أن تسترجع فرصتها بالتعبيرعن رأيها بحرية فهي “مسؤولة عن نفسها”، على حد تعبيرها. وبعد حوالي 20 دقيقة من الأخذ والرد، عاد الصوت وتابعت السيدة مداخلتها حيث أوضحت أنه “في كافة مؤسسات هذه الدولة هناك الأزعر وهناك الآدمي ونحن لا نعمم، بيد أن الفساد موجود في كافة المؤسسات ولن نقبل أن يخفت صوتنا في الساحات”. وفي حديثٍ إلى “المفكّرة”، قالت إنّها تشارك مع أولادها في التظاهرات “لأننا بحاجة ضرورية لتغيير الواقع في لبنان وإلا سنخسر أبناءنا إلى الأبد إن لم يتغيّر هذا الواقع”.
الإفراج عن الموقوفين
لاحقاً وعند قرابة الخامسة والنصف أعلنت إحدى الشابات أنّه تم الإفراج عن كافة الموقوفين لدى الجيش الذين عاد بعضهم إلى الساحة فور الإفراج عنهم. وقال أحد المفرج عنهم وهو شاب ثلاثيني، “للمفكرة” “كان يوماً صعباً. اعتقلونا منذ حوالي الساعة الثامنة صباحاً وأفرجوا عنّا عند حوالي الساعة الخامسة. تخلل ذلك عنف نفسي وجسدي ولفظي. وتمحورت الأسئلة حول من يدفعنا إلى إغلاق الطرقات والاعتصام”. غير أنّه أكّد أنّ “ما يحفّزنا على الاستمرار هو إيماننا بصوابية مطالبنا وضرورة التغيير”.
وكسائر الأيام السابقة صدحت حناجر المعتصمين بالهتافات وحملوا لافتات كتب على بعضها “صيدا تطالب بإسقاط النظام الطائفي”، “صيدا قالت كلمتها الحكومة بدا تفل”، “صيدا قالت كلمتها من هون مش رح نفل”. وقال أحد المتظاهرين (23 عاماً) لم يسبق أن شارك في أية تظاهرات أو نشاطات حزبية لـ”المفكّرة” “من الصعب التغلّب على طغيان دام حوالي ثلاثين عاماً. ولكن توحّد الشعب سيقودنا إلى النجاح في تحقيق بعض من مطالبنا، وقد تكون هذه نقطة البداية لنتقدّم. الوضع الحالي أشبه بلعبة سياسية مع السلطة الحاكمة. علينا أن نصبر وأن نكون أقوى من هذه السلطة”.
والجديد في هذا اليوم أيضاً كان حضور جمعية “العطاء من دون مقابل” Donner Sang Compter)) للتبرّع بالدم في “ساحة إيليا”، حيث أقبل العديد من الشباب والشابات على التبرّع بالدم كخطوة “للوقوف إلى جانب إخوانهم وأخواتهم في الوطن”، كما أوضحت إحدى المشاركات.
وتخلل هذا اليوم حدث بارز آخر هو تكريم الفائز بالمركز الأوّل ضمن بطولة أوروبا المفتوحة للكراتيه – كيوكوشنكاي لعام 2019 الشاب الصيداوي مالك الزيباوي الذي رفض الوقوف إلى جانب لاعب إسرائيلي خلال توزيع الجوائز. وترافق ذلك مع رفع شعارات شددت على العلاقة الوثيقة بين مدينة صيدا والمقاومة: “صيدا مدينة المقاومة وعاصمة الجنوب” و”نحن لا ننسى كل من قاوم ودافع عن أرضنا”.
“