بعد إشكالات وصلت إلى حدّ التضارب في ظلّ غياب الدولة وتحكّم أصحاب المولدات بالمواطنين من خلال عدم الالتزام بالتعرفة الرسمية، توصلت اللجنة المعنية بملف المولدات الخاصة في بلدية صيدا وعبر مبادرة “صيدا تواجه” إلى اتفاق عُقد مؤخراً حول آلية الجباية تقضي بالالتزام بتسعيرة الوزارة الرسمية المحددة بـ 13545 ل.ل. عن كل كيلو وات، وفي حال تخطي ساعات التغذية التي يؤمنها المولد الكهربائي الـ 14 ساعة يومياً، يُعتمد سعر 16000 ل.ل.عن كل كيلو وات ساعة تغذية.
جاء الاتفاق بعد العديد من المواجهات القانونيّة والشعبية بين اللجان الشعبية من جهة وأصحاب المولدات الخاصة من جهة أخرى، وصلت إلى حد الاشتباك بين أعضاء من هذه اللجان وأفراد من مكتب أبو سيدو، صاحب مؤسسة للمولدات الكهربائية، تخلله إطلاق للنار أدّى إلى إصابة أحد المواطنين بيده.
وعلى الرّغم من التوصّل إلى هذا الاتفاق، فإن نحو 30% من أصحاب المولدات لم يلتزموا به، الأمر الذي دفع عدد من الأهالي والمخاتير إلى تقديم شكاوى لدى المخافر .
هدف مبادرة “صيدا تواجه“
كان ملفّ المولدات بالإضافة إلى غيره من الهموم التي تشغل بال أهالي صيدا حافزاً للنائب أسامة سعد لإطلاق مبادرة “صيدا تواجه” التي تقوم على فكرة تشكيل إطار جامع للمدينة تتمثل فيه مكوناتها السياسية والاقتصادية والأهلية والبلدية لمعالجة المشاكل التي تواجه أبناء عاصمة الجنوب. فالمقصود بعبارة “صيدا تواجه” أن المدينة ستواجه التحديات والأزمات والأوضاع المعيشية وكل أشكال المواجهة المرتبطة بالأزمات الضاغطة على الناس والتي تشكل أولوية بالنسبة لها، وفقاً لسعد.
ويلفت سعد في حديث لـ “المفكرة” إلى أن هذه المواجهة ستشمل كذلك “سياسات السلطة المسؤولة بشكل مباشر عن تردي الأوضاع على مختلف الصعد من الكهرباء إلى المياه والملف البيئي المرتبط بالنفابات والصرف الصحي، بالإضافة الى الملف الصحي من فواتير المستشفيات ونقص الأدوية وعدم انتظام العمل في المستشفى الحكومي وتوقف تشغيل المستشفى التركي. وعلى المستوى التربوي ومع توقع العديد من المشاكل في العام الدراسي المقبل خصوصاً في المدارس الرسمية”.
ويلفت سعد إلى أن المبادرة ستتناول كذلك “ملفات أخرى ولا سيما تنظيم المدينة وخصوصاً أسواقها التي تؤثر على حركتها التجارية والاقتصادية، وستنبثق عن هذه المبادرة لجان تهتم بالجانب الثقافي والرياضي والترفيهي، وكذلك قضية المولدات الكهربائية التي ستكون في صلبها”.
مبادرة الضرورة في ظل غياب الدولة
يشرح سعد المسار الذي سلكته فكرة المبادرة إلى أن تبصر النور، موضحا أنّه باشر اتصالاته بالأطراف السياسية الأساسية في المدينة من النائب عبدالرحمن البزري والنائبة السابقة بهية الحريري والجماعة الإسلامية وتجمع المؤسسات الأهلية ومهندسي صيدا والجوار، وبعض الجمعيات الثقافية والتي تهتم بالشأن العام، وكذلك مجموعة “علّي صوتك” ومجموعة “صوت الناس”، وبلدية صيدا، حيث تم التوصل الى ورقة مشتركة، وعلى هذا الأساس جرى إطلاق “صيدا تواجه” وتم تشكيل أمانة سرّ مؤقتة، على أن يتم توسيعها لاحقاً.
يوصّف سعد هذه المبادرة بأنها “مبادرة الضرورة لأن الدولة مستقيلة من كل أدوارها ولا تقوم بوظائفها على مختلف الصعد. وبالتالي فإن واجبنا أن لا نترك مجتمعنا للفوضى والاحتكارات والتسيُب واستغلال الناس”. كما يُشدد على أنها ليست بديل للدولة وانما تهدف إلى ممارسة كافة أشكال الضغط السياسي والشعبي على مؤسسات الدولة كي تقوم بوظائفها. بالإضافة إلى قيام اللجان المنبثقة عن المبادرة بدراسة الواقع وتقديم رؤيتها للحل أمام جميع الأطراف من مؤسسات الدولة الى البلدية الى الهيئات الدولية ولاسيما المرتبطة بالأمم المتحدة التي يمكن أن تقدم مساعدات في هذا المجال.
وتسير المبادرة على عدّة مستويات، المستوى الأوّل كان من خلال إعلانها وإطلاق هيئة المتابعة المكوّنة من القوى السياسيّة والمجتمعية. أما المستوى الثاني الذي نشهده الآن فيتمثل في تشكيل وتنظيم عمل أمانة السر من خلال تأليف 6 لجان تتبع لها هي لجنة المياه ولجنة البيئة ولجنة الكهرباء ولجنة الصحة ولجنة التربية ولجنة الأمن الغذائي. وهذه اللجان ستتألف من ناشطين وأصحاب اختصاص بحسب كل لجنة، على أن يبدأ عملها خلال الأسبوع خلال الأيام القليلة المقبلة.
دور المبادرة في معالجة أزمة المولدات الكهربائية
إذاً، كثيرة هي الملفات التي يأمل سعد من المبادرة أن تعالجها، ولا شك أن ملف المولدات الكهربائية سيكون من أولوياتها خصوصاً ان الصيداويين يُعانون من عدم التزام أصحاب المولدات بتسعيرة وزارة الطاقة. فوفقاً لناجي درزي، صحاب محل أحذية في سوق صيدا القديم، طلب صاحب المولد الكهربائي منه مبلغ 3 مليون ليرة مقابل 5 أمبير، مع الإشارة إلى أن التغذية الكهربائية التي يؤمنها هذا المولد من التاسعة صباحاً إلى السادسة مساءً، في حين أن التسعيرة الرسمية تستوجب عليه دفع مليونين و500 ألف ليرة فقط، أي أن صاحب المولد تعدّى التسعيرة الرسمية بـ 500 ألف ليرة.
ويلفت درزي إلى أنه قام بمحاولة إقناع المؤسسات التجارية الأخرى في السوق بعدم الدفع أكثر من التسعيرة المحددة من الوزارة إلا أن معظمهم “يخافون من أن يتم قطع الاشتراك عنهم، ولا يملكون الجرأة للوقوف أمام هذه المافيات”، بحسب وصفه.
أما وسيم مروة، صحاب سوبر ماركت كُبرى، فاضطر إلى الاستعانة بمولد خاص اشتراه خصيصاً لمحله، يقول: “أبيع أجبان وألبان وغيرها من المواد الغذائية التي تحتاج إلى تيار كهربائي بشكل متواصل، منذ 4 أشهر أدفع مازوت من مالي الخاص على أمل أن يتحسن الوضع، فهامش الربح الذي نجنيه لا يُغطي هذه المصاريف خصوصاً أننا ملتزمون بتسعيرة وزارة الاقتصاد التي تحدد سعر المواد الغذائية”. وتابع “أتكلف نحو 5 آلاف دولار شهرياً ما بين اشتراك بحدود الألف دولار و4 آلاف دولار لشراء مازوت للمولد الخاص”.
يعول سعد على الأدوات التي تملكها المبادرة لمواجهة هذه المشكلة، “ولاسيما من خلال الضغط الشعبي على القضاء الذي يجب أن يأخذ دوره بحماية المواطنين من الاحتكار”. وأضاف “سبق أن تقدمت بإخبار بحق أصحاب المولدات وبناءً عليه تحركت النيابة العامة واستدعت أصحاب المولدات وطلبت منهم التعهد بالتسعيرة التي تحددها وزارة الطاقة، كما قامت بتوقيف عدد منهم، وجميعهم وقعوا على هذا التعهد. ولكن عادوا ليحاولوا التنصل من التعهد وطالبوا المواطنين بفواتير أعلى من تسعيرة الوزراة”.
ولفت سعد إلى أن “هناك جزءا من المواطنين رضخ لتهديد أصحاب المولدات بقطع الكهرباء عنهم وقاموا بالدفع وفق التسعيرة التي تفوق تسعيرة وزارة الطاقة. في حين أن جزءا آخرا تمنعوا عن الدفع وطالبوا الالتزام بتسعيرة الوزراة”. وتابع “بناءً على ذلك شكلنا لجنة من فعاليات شعبية حتّى تتلقى شكاوى المواطنين، وقامت اللجنة بمواكبة بعض المواطنين لتقديم شكاوى رسمية لدى المخافر التي استدعت أصحاب المولدات المُشتكى عليهم وفرضت عليهم تلقي الفاتورة وفق التسعيرة الرسمية، وتحت الضغط تراجع بعض أصحاب المولدات وعادوا والتزموا بتسعيرة الوزارة “.
يلفت سعد إلى تقصير الجهات القضائية التي تساهلت مع أصحاب المولدات ولم تلزمهم بما تعهدوا به أمامها، مشيرا إلى أنّ اللجان الشعبية أرسلت للنيابة العامة مجموعة فواتير تُثبت أن أصحاب المولدات تجبي فواتير تفوق التسعيرة الرسمية، ورغم ذلك فإن النيابة العامة لم تتحرك. كما يستذكر سعد حديثه مع أحد القضاة الذي أشار له أنه لا يمكنهم إلزام أصحاب المولدات بتسعيرة بسبب النظام الاقتصادي الحر، وفي ذلك “تشريع للإبتزاز الذي يقوم به أصحاب المولدات”، وفقاً لسعد الذي يرفض هذه التبريرات.
دور اللجان الشعبية في مواجهة أصحاب المولدات
من ناحيته، يشرح عضو التنظيم الشعبي الناصري بلال شعبان الظروف التي أدت إلى نشأة اللجان الشعبية، فيُشير إلى أنه تم تأليفها منذ ثلاثة أشهر نتيجة الواقع الذي حاول تكريسه أصحاب المولدات في شهر حزيران بعدما “فرضوا على المواطنين تسعيرة مجحفة وصلت إلى 90 سنتا على كل كيلو وات في الساعة في حين أن تسعيرة الوزارة كانت 45 سنتا”. وأضاف “نشأت على أثر ذلك تجمعات من الناس أطلقوا على أنفسهم تسمية اللجان الشعبية تهدف للدفاع عن مصالحهم، وقام التنظيم الشعبي الناصري بدعمهم وتأييدهم”.
ويلفت شعبان إلى أن “التسعيرة الرسمية تحتسب 20% ربح لأصحاب المولدات إلا أن ذلك لم يرضي هؤلاء رغم أنهم يضعون مولداتهم في المساحات العامة ويستخدمون أعمدة مؤسسة كهرباء لبنان”.
ويُشير شعبان إلى أنه يوجد في صيدا وجوارها نحو 52 مؤسسة خاصة بالمولدات الكهربائية وعدد المولدات يفوق الـ 300 داخل المدينة”. وتابع “حاولت اللجنة الشعبية الحديث مع أصحاب المولدات لحثّهم على الالتزام بالتسعيرة الرسمية إلا أن الأمور تطورت نحو اشكال بين الطرفين”.
أصحاب المولدات: لن نلتزم
من ناحيته، يؤكد صاحب احدى شركات المولدات الخاصة في حي البراد في صيدا، ربيع الصوص، أنه التزم خلال السنوات الماضية بتسعيرة وزارة الطاقة، كما التزم بقرار تركيب عدادات لجميع مشتركيه البالغ عددهم نحو 800 مشترك، “كُنت أدفع خسائر بنحو10 آلاف دولار بسبب ذلك”، بحسب تعبيره.
ويصف الصوص تسعيرة الوزارة البالغة 13500 ليرة لبنانية تسعيرة مجحفة وغير كافية وكيدية. ولكن في المقابل ثمة أصحاب مولدات احتسبوا تسعيرة الكيلو بنحو 24 ألف ليرة وهذا أمر غير مقبول كذلك”. كما ينتقد الصوص ما يسميه “شعبوية النائب أسامة سعد حيال هذا الملف”، مشيراً إلى أن لجنة الشفافية في البلدية حددت التسعيرة بـ 13545 ل.ل. عن كل كيلو وات على أن لا تقل ساعات التغذية عن 14 ساعة يوميا، وفي حال زادت ساعات التغذيه عن 14 ساعة يصبح سعر الكيلو وات 16000 ل.ل.عن كل كيلو وات ساعة تغذية. كما يؤكد الصوص أن “أصحاب المولدات لم يلتزموا بتسعيرة وزارة الطاقة في جميع المناطق اللبنانية ولكن الشعبوية موجودة فقط في صيدا”.
ولا ينفي الصوص أنه تعهد لدى القضاء بالالتزام بالتسعيرة الرسمية على اثر الادعاء الذي قدمه سعد، مشيراً في الوقت عينه إلى عدم قدرته على الالتزام بما تعهد به.
بلدية صيدا: يتوجب علينا التدخل
أما رئيس بلدية صيدا محمد السعودي فيؤكد أن البلدية لا تقوم بوضع تسعيرة، وإنما لجنة الشفافية التي تُمثل جميع فعاليات صيدا ومن ضمنها البلدية التي تنتدب عضواً واحداً فيها”، ليقول “أمام الاشكالات التي تحصل حيال ملف المولدات الكهربائية يتوجب علينا التدخل”.
وحول إمكانية أن تلعب مبادرة “صيدا تواجه” دوراً في حلّ أزمة تسعيرة المولدات، فيرى السعودي أنه “في لبنان لدينا الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، من تدني الرواتب إلى غلاء الأسعار، وكذلك قضية المولدات”. وأضاف “لذا، فإن هذه المبادرة التي تضم جميع فعاليات صيدا تسعى لمواجهة هذه التحديات”.