خلال الأسبوع الماضي، اجتاز فريق المفكرة القانونية الحواجز التي وضعتها السلطات العامة لمنع الناشطين من الدفاع عن المرج، من تظهير جماله أو الكشف عن المخاطر التي قد تنجم عن إقامة السدّ فيه. حواجز تروم إخفاء الجريمة التي تتهيأ السلطة بمعية البنك الدولي لارتكابها، جريمة قتل المرج. أول هذه الجرائم، بدأ مع قطع الأشجار المعمرة، مع قتل الذاكرة التي تختزنها… أريد أن تتم عملية قتل الأشجار بصمت. لكن ناشطو بسري نجحوا في كسر الصمت من خلال الاعتصام الذي دعوا إليه أملا يتعزيز قوى الدفاع عن المرج، بعدما كانت المفكرة نجحت في توثيق قطع الأشجار بالصور والفيديو. لور أيوب شاركت في الاعتصام وخرجت بالملاحظات الآتية (المحرر).

“سال لعاب” شركات الاستثمارات على مرج بسري. أضحى المرج بالنسبة لمعارضي إنشاء سد منعاً لتدمير الطبيعة وخوفاً من المخاطر الزلزالية، كـ “الدجاجة التي تبيض ذهباً، وما أكثر الذهب في مرج بسري”، وخاصة بعدما بدأت شركة متخصصة ببيع الفحم، السبت الفائت، بتشغيل مناشيرها لقطع الأشجار المعمرة في بسري.

هذا بعض ما جاء في البيان الذي قرأه منسق الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري رولان نصور خلال اعتصام “صنوبر بسري مش للحطب” الذي دعت إليه الحملة في 19 أيلول 2019 أمام مقر مجلس الانماء والإعمار في رياض الصلح، بعدما كانت الحملة نفذت بالأكفان قبل أيام (15 أيلول) اعتصاماً على جسر بسري. وفي رياض الصلح، حمل ناشطو بسري يافطات تندد بقرارات مجلس الانماء والإعمار، فوصفوه بـ “مجلس الكذب والتزوير”، “مجلس التخريب والدمار”، و “مجلس المشاريع الفاسدة”. وكانت أغنيات بيئية تصدح من مكبرات الصوت، إحداها مستوحاة من لحن الأغنية الإيطالية الشهيرة “بيلا تشاو” تقول بصوت طفل: “ما بدنا سد… بمرج بسري… بدنا محمية طبيعية”.

 وعلى مسمع من عناصر القوى الأمنية وأمام دورية للجيش اللبناني مؤلفة من خمسة آليات عسكرية تذهب وتعود في ساحة رياض الصلح، قرأ نصور بيان الحملة واصفاً مجلس الإنماء والإعمار بـ “وكر الفساد الأول”. تابع نصور لافتاً النظر إلى أن مشروع مرج بسري مثل “البيضة التي تبيض ذهباً” وهذا الذهب الذي يجذب المشاريع الاستثمارية إلى مرج بسري هو عبارة عن “غابات بسري التي تعني الفحم والحطب، وبناء السد جنّة لمقاولي السدود وشركات الإسمنت والأراضي الزراعيّة تعني التجارة بالرمول. وتلالها المهيبة تعني المقالع والكسارات. أمّا قروض المشروع من البنك الدولي فما هي سوى إنعاشٌ ماليّ لسلطة ساقطة حتما”.

أكد نصور أن “الأحزاب اتّفقت على تلزيم صنوبر بسري للمدعو “أبو عفيف حيدر لتجارة الحطب والفحم”، ولفت إلى نية السلطة ب “تلزيم باقي الأحراش لشركات أخرى محسوبة على طوائف وأحزاب مختلفة، في أوقح عمليّة تحاصص مذهبي على حساب ما تبقى من طبيعة لبنان. وسأل عما إذا وُجد من “يراقب أو يحاسب؟”.

البيان شدد على أن المجلس النيابي لم يكلّف نفسه عناء التحقّق من فضائح الفساد وإخفاء التقارير وتضارب المصالح في المشروع. ولفت إلى أن “وزير البيئة فادي جريصاتي تآمر على مرج بسري موافقاً على البدء بالأشغال بالرغم من انتهاء صلاحية دراسة الأثر البيئي” ومن دون أي تحقيق. ما يُشير إليه البيان يؤكده المرسوم رقم 8633 المتعلق بأصول تقييم الأثر البيئي الصادر في 9 آب 2012، إذ تؤكد المادة الثالثة عشر منه على أن “مدة صلاحية التقرير الصادر عن وزارة البيئة بشأن “دراسة الأثر البيئي”، أو “الفحص البيئي المبدئي”، صالحاً لمدة عامين في حال لم تتم المباشرة بتنفيذ المشروع”.

ليس جريصاتي وحده من تعتبره الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري متواطئا على المرج، بل أن وزير الثقافة أيضاً يتواطأ ضد آثار المرج وقد وجد تبريرات لتفكيك المعبد الروماني وكنيسة مار موسى ودير القديسة صوفيا وأكثر من 50 موقعا أثريا آخر”. وأضاف البيان، “أمّا وزير الزراعة، فحدّث ولا حرج، رخص لقطع عشرات آلاف الأشجار”. يرى البيان أن “كلّ مؤسّسات الدولة في خدمة مجلس الإنماء والإعمار، كيف لا والمجلس طاولة محاصصة للأحزاب الحاكمة، خارج أي رقابة ودون أي محاسبة. هنا تتدفّق القروض الأجنبية ويسيل لعاب الفاسدين”.

الحملة شككت بأن مشروع إنشاء سد بسري هدفه تأمين المياه، في مقاربة مع مشروع سد بريصا الضنية، الذي بناه أيضاً مجلس الانماء والإعمار، وما زال السد فارغاً حتى الآن، أي أنه لم يخزن المياه. من هذا المنطلق سأل بيان الحملة: “من حاسب المجلس على فشل السد؟ وكم من جيوب امتلأت ولم تمتلئ البحيرة؟ وبالإمكان طرح مزيد من الأسئلة عمن يدفع كلفة هذا السد الفاشل.

يعتبر معارضو السد أن مشكلة المياه في بيروت “ليست في الحاجة إلى سدودٍ كبيرة وديونِ إضافيّة، بل في الفساد المستشري بإدارات المياه، والهدر في الشبكة الذي يتخطّى 48% بسبب التعديات واهتراء الأنابيب، وفي غياب المراقبة وتعطّل محطّات التكرير والفوضى في استثمار الينابيع والمياه الجوفيّة”.

وشجب البيان توجهات السلطة، فهي بدلاً من معالجة المشكلة بتدابير إصلاحيّة وبتكاليف معقولة، توجهت نحو استدانة مئات ملايين الدولارات لجرّ المياه المسرطنة من بحيرة القرعون (الملوثة بمياه نهر الليطاني) وبسري إلى بيروت وجبل لبنان”. ولتحقيق هذا المشروع فإنه سيصار إلى “تدمير 6 مليون متر مربّع من المناطق الحرجيّة والأراضي الزراعيّة والمواقع الأثريّة، وتعريض السكان لمخاطر الزلازل والانزلاقات”.

المعتصمون رفعوا الصوت بخمسة مطالب رئيسية، أولها “وقف قطع الأشجار في مرج بسري وتجميد الأعمال كافّة”. وثانياً، “إجراء دراسة جديدة لتقييم للأثر البيئي للسد والأخذ بالمعطيات المستجدّة حول البدائل والمخاطر الزلزالية وكميّة ونوعيّة المياه والجدوى الاقتصادية”. ثالثاً، “كفّ يد مجلس الإنماء والإعمار عن مشروع سد بسري ومحاسبة المسؤولين فيه عن فضائح الفساد وتزوير الدراسات”. ورابعاً، “اعتماد الحلول المستدامة للمياه في بيروت الكبرى. وخامساً، “العمل على إنشاء محمية طبيعيّة وأثرية في مرج بسري عملاً بالخطّة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية”.

سايد فاضل، أحد المشاركين بالاعتصام شرح بأنه “لمن الغباء قيام مشروع سد على أرض مهددة بالزلازل”، تاريخياً تم توثيق حصول زلزالين في بسري، الأول عام 1905 والثاني عام 1959، ما يعني أن هناك معدلا زمنيا لحدوث الزلازل أي كل 60 عاماً تقريباً، بحسب قوله. ويلفت فاضل أن “أولادي سيدفعون الأموال لإيفاء الديون التي استدانتها الدولة لعشرين سنة على الأقل”.

شاب من بسري لفت إلى أنه تم منع الأهالي من الوصول إلى المرج، وبالأخص مزارعي الليمون، فهؤلاء لم ينتهوا من قطاف الموسم”. ويلفت إلى أن العديد من الأهالي رفضوا تقاضي المبالغ المالية لقاء استملاك الأراضي، مؤكداً أن الاستملاك حصل بالقوة. ويستغرب الشاب سكوت المرجعيات الدينية عن تدمير مرج يكتسب قيمة تاريخية ودينية، من كنيسة مار موسى إلى دير القديسة صوفيا، وسأل: “أين هؤلاء من تدمير الإرث المسيحي؟”.