“
بتاريخ 23/9/2018 أحيت جمعية حركة مناهضة العنصرية ذكرى مرور شهر على رحيل العاملة الإثيوبية ليمبيبو في ظروف غامضة. عُثر على ليمبيبو ميتة في بركة السباحة في منزل المدعو علي حطيط، صاحب مكتب لإستقدام العاملات، وهي ما تزال حتى اليوم قابعة في براد مستشفى في النبطية، وإلى جانبها طفلتها، مجهولة الأب، التي توفيت بعد ساعات من ولادتها.
يمكن اختصار قصة “ليمبيبو” بثمانية أشهر من المعاناة أمضتها في لبنان قبل أن توافيها المنية. وصلت إبنة ال 26 عاماً من العمر إلى بيروت في 25/12/2017، من أديس آبابا للعمل في منزل المعلم الثمانيني يوسف رمال في منطقة الدوير في الجنوب.
وخلال إقامتها في منزل آل رمال، بدأ وزنها يزداد مع الوقت. وظنت الزوجة أن السبب هو إفراط ليمبيبو بتناول الطعام إلى أن أجري لها فحص طبي، واتضح أنها حامل، وبات موعد ولادتها وشيكاً. بعد علمها بحملها، تواصلت العائلة مع صاحب المكتب ليحجز لها تذكرة سفر. ولكن بعد أيام استدعى وضعها الصحي نقلها إلى مستشفى النبطية، حيث وضعت مولودتها التي توفيت بعد ساعات على الولادة، متأثرة بتشوهات خلقية. تركت ليمبيبو طفلتها في براد المستشفى، وعادت إلى المنزل. لكن صاحبة العمل اتصلت بالمكتب مجدداً، وطلبت اصطحابها، بذريعة أنها، وبعدما وضعت طفلتها، باتت بحاجة إلى رعاية. حضر صاحب المكتب واصطحبها ليتم العثور عليها في اليوم التالي ميتة في مسبح منزله.
تضمن حفل إحياء الذكرى تراتيل وصلوات بلغات مختلفة، رفعت عن راحة نفس ليمبيبو، وجميع العاملات المنزليات اللواتي سقطن في ظروف غامضة أو أقدمن على الإنتحار نتيجة ما يعانينه من ظلم وعنف وحرمان. كما تخلله إعادة عرض لتقرير بثته قناة “الجديد” حول حادثة وفاتها مبرزاً أن “طبيب المستشفى لم يعلم إدارتها بأن عاملة آثيوبية وضعت مولودتها ثم توفيت المولودة بعد أيام”. كما ذكرت القناة أن “شهود عيان أكدوا تعرض الفتاة للضرب منذ فضح مسألة حملها”، ناهيك عن عرض مشاهد تظهرها وهي تصرخ “ما بدي..ما بدي” وتبكي رافضة الذهاب مع صاحب الوكالة.
وفاة ليمبيو: أسئلة دون أجوبة
بعد عرض التقرير كانت كلمة حول القضية باللغتين الآثوبية”Amharic“، والعربية ألقتها “بيزو” من جمعية “حركة مناهضة العنصرية” حيث استعادت قصة ليمبيبو وقالت:”لقد تركت ليمبيبو عائلتها لتساعدهم، وحالها هو حال العديد من عاملات المنازل اللواتي يعملن في لبنان. نحن لا نعرف شيئاً عن الفتاة ولكن على الأرجح أن أهلها وافقوا على الابتعاد عنها من أجل تأمين حياةً أفضل لها ولهم. ربما كان لديها زوج وأولاد بإنتظارها حتى تعود إليهم. صحيح أننا لا نعرف شيئاً عنها، ولكننا نعلم أن أهلها يشعرون بالقلق عليها. وشعروا بالذنب أن ابنتهم كانت مجبورة على ترك أثيوبيا والمجيء إلى لبنان. إذا كانت ليمبيبو تتواصل مع أهلها خلال إقامتها في لبنان، فربما هم كانوا على الأرجح يعدون الأيام حتى تعود إليهم”.
وأضافت “كانوا بانتظار إنتهاء عقد عملها بعد سنتين لتعود إلى منزل أهلها لاحتضانها وتقبيلها، ولكن علام حصلوا في المقابل؟ صداع لا ينتهي وأسئلة بحاجة إلى الأجوبة. أين هي ابنتهم الآن؟ هل أقيمت لها جنازة أم هي لا تزال في براد مستشفى النبطية؟ لماذا لم يتدخل أحد عندما كانوا يسمعون صراخها حين كانت تعمل في منزل الكفيل؟ كيف كانت حياة ليمبيبو داخل منزل الكفيل؟ نحن نعلم من خلال التحقيقات التلفزيونية أنهم كانوا يأتون من المكتب إلى المنزل لضربها. من الواضح أن الكفيل لم يكن مهتماً بوضعها حتى أنها عادت إلى المنزل بعد أن وضعت إبنتها، وقالت صاحبة المنزل أنها طلبت من المكتب أن يأتي ويأخذها لأنها تريد فتاة جديدة تخدمها ولم يكن هناك أي تعاطف مع حالة ليمبيبو، لا من خلال نبرة صوتها ولا في كلماتها. كما لم يكن هناك اعتبار لأم مفجوعة خسرت ابنتها. بكل بساطة تمت إعادتها إلى الوكالة كأنها ليست إنسانة. ماذا حصل في الليلة التي ذهبت فيها؟ لماذا كانت في منزل صاحب الوكالة؟ لماذا قامت زوجة صاحب الوكالة بنزع كل الكاميرات من المنزل في تلك الليلة؟ كيف انتهت ليمبيبو ميتة في بركة السباحة؟ أسئلة كثيرة ولا جواب. أو ربما هناك أجوبة حول تلك الليلة ممكن أن تعيد حق ليمبيبو”.
ومن رواية الفتاة الضحية، إنطلقت “بيزو” لتتحدث عن معاناة العديد من الفتيات الآثيوبيات اللواتي يعملن في لبنان في ظروف أقل ما يقال عنها بأنها غير إنسانية، والتي تدفع بهن في كثير من الأحيان إلى الإنتحار. وقالت: “جئنا اليوم إلى هنا لأننا لا نريد أن تكون ليمبيبو رقماً جديداً يُسجل، وألاّ يكون موتها أمراً مهماً. ولا نريد أن تكون قصة جديدة لإنتحار أثيوبية. الأرقام الحكومية تثبت أنه في كل أسبوع هناك عاملتان تموتان في لبنان. الكثير من العاملات اللواتي يمتن يحاولن الهرب من ظروفهن من خلال المخاطرة برمي أنفسهن من النافذة أو البلكون ويخاطرن بحياتهن. لماذا؟ لأنهن وببساطة محبوسات ولا يمكنهن الخروج من المنزل. فالعديد من الفتيات في لبنان لا يملكن حرية التنقل، كما ليس لديهن يوم إجازة، ولا إمكانية الاستقالة لأن الباب مقفل ولا يمكنهن الخروج منه، وإذا كنّ محظوظات كفاية، وبقين على قيد الحياة بعد القفز يتحولن إلى مجرمات، بعدما يقوم مستخدمهن بتوجيه تهمة الهرب إليهن بدافع السرقة”.
إلى رئيس أثيوبيا: معاناتنا أكبر من قدرتكم على التخيل
“بيزو” استغلت المناسبة لتوجيه رسالة إلى رئيس أثيوبيا “آبي أحمد” باسم مئتي الف عاملة آثيوبية موجودة في لبنان وقالت:”الرجاء أن تأتوا لتروننا، هناك العديد منّا موجودات في الحبس، وأخريات على أسرة المستشفيات، وأخريات مسجونات لدى وكالات استقدام العاملات وفي أبشع الظروف، وهناك أخريات يتم بيعهن وشراءهن مثل قطع الأثاث. الوضع صعب جداً وهو أكبر بكثير من قدرتنا على التحمل وقدرتكم على التخيل. يومياً يصل الى لبنان نحو 600 إمرأة وفتاة أثيوبية على الرغم من قرارات منع العمل في لبنان. يصلن بعمر 14 عاماً، ولا يعرفن كيف يدافعن عن أنفسهن، فقد يبقين أشهراً دون راتب أو يتعرضن للإعتداء الجسدي والجنسي، أو أن كفيلهن لا يقوم بإنجاز كل الأوراق التي تجعل وجودهن في البلد نظاميا، أو يتم سحب الهاتف منهن. لقد اختفت العديد من الفتيات دون أن نعرف ما هو مصيرهن. الرجاء الاطلاع على أوضاعنا ومساعدتنا على العثور على حلول. ومراقبة عمل الوكالات الموجودة في اثيوبيا، ومعاقبة من يمارس أعمال إتجار في البشر. ومناقشة الاتفاقية الثنائية مع الحكومة اللبنانية”. وختمت مطالبة “الدولة اللبنانية بإجراء فحوصات الـDNA لطفل ليمبيبو واعتبار هذا الأمر جزءا من التحقيق في قضيتها”.
عبدالله: نتابع القضية حتى النهاية
وفي اتصال “للمفكرة القانونية” مع رئيس “الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله لمعرفة المزيد حول القضية أجاب: “نحن كنقابة “العاملات” نتابع الموضوع ومنذ اللحظة الأولى، حيث اتصلنا بالمخفر حتى لا تمر القضية مرور الكرام. وقد قمنا بتكليف محامية لتتوكل القضية، كما طالبنا بالتوسع في التحقيق، وإجراء فحوصات الحمض النووي DNA. والإجراءت في هذه القضية لا زالت متوقفة، ونحن عملنا أيضا مع السفارة الأثيوبية، وطلبنا منها أن تتدخل. ونحن الآن بإنتظار وصول التوكيل القانوني من أثيوبيا للمحامية حتى تتابع القضية رسمياً”.
لا تزال ليمبيبو وابنتها إلى اليوم في براد المستشفى في النبطية. وقد طلبت السفارة الأثيوبية أيضا إجراء فحص DNA لمعرفة والد الطفلة. وبسؤال عبدالله عن أسباب الوفاة، وإن تم تشريح الجثة أجاب: “لا نعرف حتى الآن. ونحن قمنا بالاتصال حتى تتحول القضية إلى النيابة العامة، لأن أول برقية وصلت بأن فتاة توفيت وانتهت الرواية هنا، وتدخلنا حتى يجري التوسع بالتحقيق”. وختم مؤكداً متابعة القضية إلى النهاية.
“