صغار تجار سمك صفاقس ينتفضون: “الأبراج” حوت يفتك بالأرزاق


2019-01-19    |   

صغار تجار سمك صفاقس ينتفضون: “الأبراج” حوت يفتك بالأرزاق

دعت الغرفة الجهوية للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بصفاقس منظوريها من بائعي السمك بالتفصيل بسوق الجبلي بالمدينة العتيقة بصفاقس وكل محلات بيع الأسماك الموجودة بالأسواق البلدية إلى إضراب احتجاجي يوم 15-01-2019  هدفه تنبيه السلطة لما بات يعانيه صغار تجار السمك بالأسواق البلدية من كساد تجارتهم بعد سيطرة تجار كبار على قطاعهم.

اتهمت المنظمة النقابية الأكثر تمثيلية لأصحاب العمل بتونس ومن خلفها التجار الذين شاركوا بكثافة في الإضراب أصحاب المؤسسات التجارية- التي يصطلح على تسميتها في صفاقس “بالأبراج” وتتمثل في محلات تجارية عصرية لبيع السمك انتشرت بكل أحياء المدينة- بالتسبب في مصاعب اقتصادية لقطاع بيع السمك بالأسواق التقليدية.

ذكر المحتجون أن أسواقهم التي كانت من خصوصيات مدينتهم وأحد نقاط الجذب التجاري بها باتت مقفرة وخالية من السلع بفعل المنافسة غير المتكافئة التي تواجهها من شركات تجارية كبرى، لا يتجاوز عددها الأربعة. فقد نجحت هذه الشركات في صياغة سياسة استحواذ على السوق عمادها افتتاح محلات بكل الأحياء وخارج الأسواق المعدة للغرض وسلاحها شراء أغلب ما يعرضه صائدو الأسماك خصوصا منهم أصحاب مراكب الصيد الكبرى من سلع للبيع. وقد بيّنوا أن المشتغلين بأسواقهم والذين يقارب عددهم الثلاثة آلاف شخص باتوا بفعل ذلك مهددين بالبطالة. وكان هدف التحرك الاحتجاجي دفع بلدية صفاقس والسلط الإدارية الجهوية لمعالجة الإشكال.

قد تبدو انتفاضة صغار تجار السمك في بعدها الجغرافي والقطاعي حدثا محليّا يخصّ نشاطا تجاريا محددا. ولكن النظر في بعدها المجتمعي والاقتصادي يكشف عن كونها قد تكون أكثر عمقا من ذلك وتحتاج بالتالي لمعالجة تتجاوز القطاع والجهة. فهي تطرح السؤال عن إمكانية تصور حدود لمبدأ حرية التجارة والصناعة، هدفها إرساء الاقتصاد الاجتماعي والنسيج الاقتصادي المحلي.

عرفت تونس خلال ثلاثينيات القرن العشرين لأول مرة في تاريخها ظاهرة الفضاءات التجارية الكبرى. وتطورت تلك الظاهرة لاحقا في سياق تناغم إلى حد كبير مع نسيج اقتصادي محلي ترك إلى حدود بداية القرن الواحد والعشرين أكثر من 80% من التجارة في عهدة محلات تجارية صغيرة خاصة، تنتشر في الأحياء والأرياف وتتزود من محلات بيع من الجملة تتركز في المدن. في فترة لاحقة، وفي سياق تطور سياسة الخصخصة وسطوة أصحاب أعمال نافذين على الاقتصادي التونسي، تطور عدد الفضاءات بشكل لافت وتمددت جغرافيا لتكتسح كل المدن والأحياء بما بات ينذر بقرب اندثار تجارة التفصيل خارج فضاءاتها.

يظهر عند هذا المستوى إضراب تجار السمك بصفاقس انتفاضة ضد نمط اقتصادي استهلاكي ربحي سمح لعدد قليل من أصحاب الأعمال باحتكار منافع النشاط الاقتصادي وأدى إلى إفقار من كانوا عماد ذلك النشاط قبل ذلك. وفيما كانت ولا زالت المنظمة النقابية التي تمثل أصحاب العمل تتمسك بمبدأ حرية العمل والصناعة في خطابها العام، فإن مساندتها للإضراب تؤشر على عمق الأزمة التي تنذر في تقسيم قطاع الأعمال: فمن جهة، كبارٌ يسعون لالتهام السوق، ومن جهة ثانية، صغارٌ يجاهدون للحفاظ على وجودهم فيه. ومن شأن هذا الواقع أن يسهم بما يستولده من نقاشات مجتمعية، في تحقيق وعود السلطة في إرساء منوال اقتصادي بديل أو ما اصطلح على تسميته “الاقتصاد الاجتماعي”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني