بتاريخ 22/9/2015 ومن أمام قصر العدل في بيروت، أطلقت جمعية "صرخة وطن"، صرخة لمطالبة القضاء في لبنان بفتح ملفات الفساد ومحاسبة المسؤولين عنه. كما سألت الجمعية عن العديد من القضايا القابعة في أروقة المحاكم دون أن يعرف المواطن عن مصيرها شيئاً كملف "سوكلين" ومجلس الانماء والإعمار وملف الكهرباء وغيرها. كما قامت لجنة متابعة تضم مجموعة من المحامين والحقوقيين بتقديم كتاب إخبار بهذه المطالب الى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد.
ولعل هذه هي المرة الاولى التي ينظم فيها المجتمع المدني وقفة مطلبية، خارج إطار الحراك الذي انطلق في تموز الفائت والذي يضم تكتل من الحملات التي ترفع قضايا مطلبية تهم المواطن اللبناني. "الصرخة أصبحت كبيرة ولابد للقضاء ان يأخذ دوره، من هنا، نطالب بفصل السلطات ورفع الايادي السياسة عن القضاء لفتح ملفات الفساد. هذا ما قالته أمينة سر الجمعية غيداء محفوظ في حديث للـ "المفكرة القانونية" مؤكدة أن تحركهم ليس انشقاقا عن الحراك المدني الحاصل في البلد وانما:"نحاول تصويب وتحديد المطالب لانه كلما استطعنا تحقيق انجاز ولو بملف واحد عندها ستكر السبحة. تركيزنا هو على ملف واحد ونحن شكلنا لجنة متابعة تضم مجموعة من المحامين والحقوقيين لنطالب القضاء بفتح الملفات او ليعلمنا كشعب ماذا حصل بهذه الملفات".
على الرغم من ان محفوظ أكدت التنسيق الكامل مع حملات الحراك المدني، الاّ أن "الوقفة" شهدت حضوراً خجولاً جداً فيما لم يلحظ وجود يافطات تعبر عن المطالب بإستثناء واحدة تحمل رمز الجمعية المنظمة للتحرك.
وللتعريف أكثر بالتحرك القائم تحدث رئيس جمعية "صرخة وطن" جهاد ذبيان قائلاً:"ان هذه الحملة تضم مختلف الجمعيات والهيئات اللبنانية والمجتمع المدني ضمن حراك شعبي يهدف لبناء دولة المؤسسات وليس المحسوبيات، دولة العدل والعدالة الاجتماعية. حيث يكون الانتماء الاول الى الدستور والقانون وليس الى كل من يعتبر نفسه اهم من الدستور وفوق القانون".
وقبل التوجه الى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد لتسليمه كتاباً بالمطالب تلت شادية أبو زكي بإسم لجنة المتابعة ما يتضمنه هذا الكتاب وقالت: "تصاعدت صرخات المجتمع المدني بكافة فئاته ومختلف أطيافه مطالبين بالإصلاح وتنظيف الوطن من "الزبالة والفساد وهدر المال العام. كما تفاقمت الشكوك، بحجم تفاقم الفساد، بأن القانون يطبق على رؤوس الفقراء فقط أما أهل السياسة ورأس المال فلا من يطالب ولا من يحاسب.
ننقل اليكم صرخة أبناء الوطن الذين يسألون عن مصير الدعاوى العالقة أمامكم والمتعلقة بالفساد والافساد، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: قضية سوكلين التي تحركت بمثابة إخبار من حلقة برنامج الفساد منذ أكثر من 3 سنوات؛ قضية مجلس الانماء والاعمار؛ الكهرباء التي أقرت لها خطة طوارىء بقيمة مليار ومئتي مليون دولار لبناء قوة انتاجية بقيمة 700 ميغاوات التي يحتاجها لبنان لتأمين الكهرباء 24 على 24 علما انه بعد 4 سنوات صرف 700 مليون دولار لتنفيذ المشروع كاملا في العام 2015 والتقنين زاد".
الكتاب تضمن نقداً غير مباشر لسلوك الحراك المدني فقد قالت أبو زكي:" ولأننا نرفض أن تزجّ القوى الامنية في موقع حرج مع الحراك المدني الذي يتزايد يوما بعد يوم، ولأننا نعي خطورة وجود طوابير خارجية وداخلية تنتظر التدخل لإيقاع البلد في أزمة، نطلب منكم الإمساك بزمام الأمور".
وتابعت "ان صرح القضاء اللبناني لا يزال يضم الشرفاء الذين نلجأ إليهم بل ونساندهم لأخذ خطوات جريئة جبارة لإصدار أحكام بالمفسدين أيا كانوا، قامعين التدخلات السياسية والمحسوبيات والمصالح الضيقة لفئات باتت معلومة أمام الرأي العام". وختمت: "نذكركم يا أهل العدل ان القضاء لا يحتاج الى إخبارا أو شكوى فإن النيابة العامة تتحرك عندما تعلم بوجود انتهاك جرمي، لأنها تمثل الحق العام، ونحن الحق العام، آن الأوان ان تمثلونا خاصة إذا كانت أموال هذا البلد تنهب".
وقد كان لافتاً حضور الإعلامية غادة عيد التي تحدثت عن 11 سنة قامت فيها عبر برنامج "الفساد"، بفتح الملفات وتقديم العديد من الاخبارات والمعلومات والمستندات عن فساد في وزارة الصحة وصناديق المجالس والسرقات في وزارة الطاقة والاشغال والاتصالات والزراعة والهيئة العليا للإغاثة. وقالت: "هناك ملف مفتوح لدى القضاء منذ الـ 2003 يطال ضباطاً وقضاة وسياسيين هو ملف بنك المدينة هل يعرف أحدكم عنه شيئا؟ بكل ملفات الفساد في قطاع الكهرباء وبعد ان استدعى النائب العام المالي مدير مؤسسة الكهرباء كمال الحايك، تبين ان هناك فقط عشر اشخاص فقط لم يدفعوا فواتير بأقل من مليون دولار ونسوا فواتير بأكثر من 30 مليار دولار فهل يضحكون على الناس؟".
تابعت: "إذا أردنا الحديث عن المجال الذي يعمل فيه القضاء بالدرجة الاولى، نجد محكمة المطبوعات، فكل الملفات التي قدمنا بها مستندات عوضاً عن ان تتحول الى النيابة العامة، ويتم التحقيق فيها، غرمنا بها في محكمة المطبوعات. أما الاموال التي تؤخذ في هذه المحكمة فيتم توزيعها على القضاة من خلال صندوق التعاضد".
وبالنسبة لقضية "سوكلين" قالت: منذ ثماني سنوات قدمت اخبار بكتاب خاص عن سوكلين يشرح كامل مستندات وفساد سوكلين لكن أحد لم يعرف عنه شيئا. لقد تحول قصر العدل الى مقبرة لملفات الفساد، وجئنا اليوم لندق ناقوس الخطر ونقول لبعض القضاة الشرفاء في هذا الصرح، أنه آن الأوان ان تأخذوا موقفا وتساعدوننا لأنه بعدم فتح ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين لا يمكن بناء الوطن".
وقبل الدخول الى مكتب القاضي "جان فهد"، وقع خلاف بين رئيس حزب التواصل اللبناني حسين مشيك وهو أحد الناشطين ضمن لجنة المتابعة، وممثلة اللجنة نفسها، شادية أبو زكي. ففي مقابلة مع احدى القنوات التلفزيونية وجهت انتقاداً لسلوك الحراك المدني وطريقة عمله وتنظيمه الأمر الذي فهم وكأنها غير موافقة عليه وتحدث مشيك قائلاً:" ان الخلاف مرده، أنها قالت بأنها ضد الحراك الشعبي والاعتداء الذي يحصل على الدولة فيما نحن لا نعتدي على الدولة بل على العكس الدولة هي التي تقوم بالاعتداء على الناس. اننا مع الحراك الشعبي السلمي الدائم والذي يجب ان يستمر الى النهاية، حتى نصل الى الأهداف التي نريدها التي هي تكمن بتغيير الطبقة السياسية الموجودة وذلك من خلال اعتماد قانون انتخابي جديد قائم على النسبية".
ثم توجه الوفد الى داخل قصر العدل لتقديم الكتاب الى القاضي جان فهد، وبعد حوالي الساعة من الوقت خرجوا جميعاً وأبدى رئيس جمعية "صرخة وطن" إنطباعاً إيجابياً فقال:" تم تسليم الكتاب للرئيس جان فهد ونحن بدولة فيها قضاء وسوف نتابع مع القضاء كل هذه الملفات".
بينما اكدت الاعلامية غادة عيد ان القاضي فهد فد وعد بتكثيف الجهود في الملفات وقالت: "القاضي جان فهد قال ان القضاة بأحاسيسهم ينبضون مع الشعب والحراك المدني وأنهم يبذلون جهدهم في ذلك. وقد سألناه عن السبب في عدم اعطاءنا نتائج لملفات الفساد فقال ان الامور في لبنان معقدة ومعه حق فالقضاة لا يملكون مشروع استقلالية".
يكمن التحدي اليوم بتفعيل دور القضاء وبالعمل على ضمان استقلالية السلطة القضائية. فمن المفترض ان يكون القضاء ملاذ آمن للمواطنين كافة، لتمكينهم من التمتع بحقوقهم ولحمايتهم من نظام المحاصصة.