صالح بن يوسف واليوسفية: رواية عن زمن الاستقلال


2024-08-12    |   

صالح بن يوسف واليوسفية: رواية عن زمن الاستقلال

تمر اليوم الذكرى الثالثة والستون على اغتيال صالح بن يوسف الأمين العامّ السابق للحزب الدستوري والخصم الأشدّ لبورقيبة الذي تزعم التيار المعارض للاستقلال الداخلي. بهذه المناسبة تنشر المفكرة القانونية مراجعة لكتاب “صالح بن يوسف واليوسفية” للمؤرخ محمد والدي الذي يعود إلى هذه الفترة الحالكة من تاريخ تونس الحديث بهدف استقراء أبعاد هذا الصراع ومناقشة بعض المسلمات التي طبعت السردية المتداولة بشأنه.

يحاول كتاب “صالح بن يوسف واليوسفية” للمؤرخ محمد والدي سبر فترة حسّاسة جدا من تاريخ تونس اعتمادا على عدد من الوثائق الفرنسية والشهادات التاريخية لتقصّي مراحل الصراع والانقسام الذي شهدته البلاد التونسية والبحث في جذوره الاجتماعية والاقتصادية.  يستهلّ الكاتب طرحه باستعراض شهادات مناضلين يوسفيين أمام هيئة الحقيقة والكرامة في 24 نوفمبر 2017. فعدد من المناضلين اليوسفيين سابقا قد دُفن في مقابر جماعية او مجهولة الهوية. ولم يُطرح بعض من الإنصاف للقضية اليوسفية إلا بعد خروج بورقيبة من الحكم، عندما تم جلب رفات صالح بن يوسف إلى ضريح الشهداء في مقبرة الجلاز سنة 1991.

بعد الثورة، حسب محمد والدي، بدأت عملية التصالح مع هذه الحقبة من تاريخ تونس الحديث والنبش في الوثائق عن مسيرة صالح بن يوسف والحركة اليوسفية بشكل مُعمق. بداية، ليس هناك إجماع حول تاريخ ميلاد صالح بن يوسف في إحدى قرى جزيرة جربة قرب مدينة ميدون. ففي ما يذهب والدي إلى أن بن يوسف ولد في 11 أكتوبر 1907، تشير مصادر أخرى من الأرشيف الفرنسي إلى ولادته في 16 مارس 1909 وسط عائلة ميسورة الحال، ومن والد كان تاجرًا من أثرياء الجزيرة. وقد تمكنت عائلة بن يوسف من الانغماس في أوساط البرجوازية “البلدية” التونسية، ويقدم المؤلف طبيعة المشاركين في جنازة والد صالح بن يوسف في 25 فيفري 1954  كدلالة على ذلك، حيث حضر الجنازة كل من ابن محمد الأمين باي وأحد أعضاء الحكومة بالإضافة إلى الشيخ الفاضل بن عاشور ووزير أكبر سابق. ويستنتج الكاتب من خلال هذا الحدث جزءا من نوعية التحالفات التي صاغتها عائلة بن يوسف في مقابل الدعم الذي حظي به بورقيبة لاحقا لدى البرجوازية الصغرى للساحل. وقد كان صالح بن يوسف من حيث التكوين ثنائي اللغة، درس في مدرسة نهج التريبونال ثم معهد كارنو قبل التحاقه بجامعة باريس في فرنسا التي أحرز منها الإجازة في الحقوق سنة 1933 ودبلوم في العلوم السياسية سنة 1934، ليفتح في ما بعد مكتبا للمحاماة في حي باب سويقة بالعاصمة التونسية. مكّّن التكوين الحقوقي لبن يوسف والعلاقات التجارية والاجتماعية لعائلته من الاقتراب أكثر من مُعظم الشرائح الاجتماعية وتوظيف الخطاب السياسي المناسب لتطلعات كل فئة. وقد وصف المٌقيم الفرنسي الأسبق في تونس Louis Périllier هذه المقدرة لدى بن يوسف من خلال التحاور معه بالتركيز على اعتماده “الحجاج المنطقي في حديثه مع التنويه بعنايته بالتفاصيل على عادة رجال القانون”، في ما يُقر جون مونص، وهو مقيم عام فرنسي آخر بأن بن يوسف غالبا ما اتسم بحريته في اللغة أكثر من حريته الفكرية، وكان دائما ما يستذكر بفخر دروسه السابقة في كلية الحقوق في باريس وأساتذته هناك وما يجول في ذهنه من ذكريات عن الحي اللاتيني الذي ساهم في تكوين جملة من مواهبه السياسية. لكن يعتبر الكاتب أن صالح بن يوسف لم يُنظر إليه دائما من قبل الفرنسيين على أنه وسيط محتمل، بل على أساس أنه شخص “ديماغوجي”.

سوسيولوجيا الانقسام

نجحت مقدرة صالح بن يوسف الخطابية والسياسية بحسب الكاتب في تعبئة بعض المكونات الاجتماعية ضمن تحالف يعتمد على إيديولوجيا تتجاوز الحدود الوطنية. ففي أحد الاجتماعات الشعبيّة، تمكن بن يوسف من حشد أكثر من ثلاثين ألف شخص في ملعب جيو أندري في 18 نوفمبر 1955 منادين بضرورة إلغاء اتفاقية الاستقلال الداخلي ودعوته “لتطهير البلاد”. وساهمت اللهجة الحادة التي حملها خطابه في استيعاب قاعدة جماهيرية واسعة تبحث عن المواقف الحاسمة والقطعية. وقد وصلت هذه الحدة في الخطاب أحيانا إلى اعتبار ما قام به بورقيبة من مفاوضات مع فرنسا بمثابة الخيانة العظمى التي تفوق “خيانة باشا مراكش التهامي القلاوي الذي كان مواليا للفرنسيين”. وشهد فكر صالح بن يوسف تحولا هاما تجاه فكرة القومية العربية أثناء فترة مكوثه في مصر وعودته منها، وتأثره بأفكار جمال عبد الناصر. فبن يوسف، الذي عُرف في أربعينات القرن العشرين بمواقفه المعتدلة وحسه التفاوضي العالي، شهد انقلابا هاما في آرائه الفكرية والسياسية من خلال تجربة المشرق التي دفعته إلى توجهات أكثر راديكالية. 

كانت القاعدة الأساسية لليوسفية في مناطق الجنوب التونسي وفي أوساط العناصر المحافظة كما هو شائع، ومنها أساسا طلبة جامع الزيتونة وجمعية صوت الطالب الزيتوني التي انخرط جزء من ناشطيها في العمل المسلح مع بن يوسف. إلا أن الكاتب يعتبر أن هذه الصورة غير دقيقة تماما: فقد كانت معظم الشعب الدستورية في تونس العاصمة وضواحيها في وقت ما مساندة لبن يوسف. كما برز خلاف وسط العائلات العلمية التقليدية من الأعيان في “الحاضرة” حول الولاء لكلا الطرفين، بين كل من عائلة النيفر، وخصوصا الشيخ الشاذلي النيفر الذي كان مقربا من بورقيبة، وعائلة بن عاشور المقربة من ابن يوسف وخصوصا الطاهر بن عاشور، إضافة لمساندة الشيخ المالكي عبد العزيز جعيط لبن يوسف. كما يلاحظ “والدي” أن شعبية ابن يوسف الرئيسية برزت في أوساط الشباب وخصوصا الشرائح العاطلة عن العمل، علما بأن قرابة نصف المجتمع التونسي حينها كان مكونا من الشباب. فمن بين كل مائة شخص في تونس سنة 1955 نجد 42 عمرهم دون ال15 سنة. وقد حدثت احتجاجات في 23 ديسمبر 1955 من قبل بعض الشباب في جامع الزيتونة حينما علموا بأن صالح بن يوسف لن يأخذ الكلمة في أحد الاجتماعات، كما مزق عدد من الشبان الموالين لبن يوسف في سيدي بوزيد إحدى اللافتات التي تُظهر الحبيب بورقيبة، غير أن مجموعة أخرى من الشباب، وإن كانت أقل عدديا، من بين النخبة ذات التعليم العصري ظلت موالية لبورقيبة. ثم إن الاتحاد العام لطلبة تونس، الذراع الطلابي الدستوري حينها الذي آثر الحياد في الصراع الدستوري الداخلي، صار يتجه إلى مساندة التوجه البورقيبي جهرا منذ نوفمبر 1955. كما كانت هناك تمثيلية للنساء في أوساط اليوسفيين، وقد عُرفت الأميرة زكية ابنة محمد الأمين باي والمشهورة بدعمها للحركة الوطنية بقربها من توجه صالح بن يوسف داخل الحزب. وفي مراحل لاحقة، (خصوصا بعد التوقيع على اتفاق الاستقلال الداخلي)، تمكن بن يوسف من استقطاب أطراف أخرى، وعلى رأسها بعض قيادات الحزب الدستوري القديم بقيادة صالح فرحات، غير أن هذا الحزب الذي كان ذا امتداد جغرافي ضعيف جدا، لم يضم سوى 7000 منخرط ضمن 99 خلية على كامل البلاد، مقارنة ب300 ألف منخرط في الحزب الدستوري الجديد. وعُرف عن صالح بن يوسف بالأخص مُساندته للنظام الملكي وقربه من عائلة الباي، حيث كان الشاذلي باي ولي العهد الحسيني قد قدم صالح بن يوسف سابقا إلى والده الباي محمد الأمين، كما أن ابن يوسف بعد يومين فقط من عودته إلى تونس قادما من مصر سنة 1955 قد التقى نجلي محمد الأمين باي، وهما محمد والشاذلي.

أما الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أحد المكونات الهامة في الحركة الوطنية، فقد ظل معارضا في مجمله لبن يوسف، بحيث لعب الحبيب عاشور دورا محوريا في إنجاح مؤتمر صفاقس (15-19 نوفمبر 1955) الذي رسخ سيطرة جناح بورقيبة على الحزب، وساهم في جلب 2000 من العمال لتنظيم الاجتماع وإسكات التيارات المعارضة له. كذلك لم يفسح الاتحاد المجال لعدد كبير من ممثلي جناح الأمانة العامة الذي يترأسه بن يوسف لكي يبرزوا في المناصب القيادية للمنظمة النقابية. وكان موقف الحزب الشيوعي التونسي أقرب لبورقيبة في الصراع بين الشقين، مع نشره بعض البيانات التي تبناها اتجاه بن يوسف في جرائده من حين إلى آخر. أما بالنسبة للاتحاد العام التونسي للتجارة والصناعة والصناعات التقليدية، الذي كان يضم عددا من الأعراف من ذوي الأصول الجربية المساندين لبن يوسف، الذي ساهم بنفسه في تأسيسه، فقد نجح جناح بورقيبة في السيطرة عليه كذلك. وعليه، صدح فرجاني بالحاج عمار أمين عام الاتحاد بانتقاده لتوجهات بن يوسف من القاهرة بالذات أثناء زيارة له هناك في ماي 1955.

هيكلة التيار اليوسفي والعمل المسلح

يعتبر محمد والدي أن الخلايا اليوسفية قد بدأت بالتنظّم بعد مؤتمر صفاقس في نوفمبر 1955، حيث تم توزيع أكثر من 140 ألف بطاقة انخراط للشق المساند للأمانة العامة (حسب الحبيب بولعراس سكرتير صالح بن يوسف حينذاك). ومن الملاحظ أن عديد الناشطين في الحزب قد احتفظوا ببطاقاتهم القديمة المساندة للتوجه البورقيبي مع بطاقاتهم الجديدة من باب الاحتياط. ثم بدأ اليوسفيون بالتحرك في أواخر السنة، عبر حملة دعائية ضخمة قادها عدد من الأطباء والمحامين، وتزعمت جريدة الصباح هذه الحملة عبر نشرها مقالات حرّرها بن يوسف ونائبه الحبيب بولعراس. يستعرض الكاتب التفاوت في المصادر عن الشعب الدستورية التي تمكن بن يوسف من حشدها حيث تشير مصادر الإقامة العامة الفرنسية إلى 86 شعبة على امتداد البلاد، في حين تشير مصادر أخرى إلى وجود 76 شعبة يوسفية في منطقة الشمال الشرقي لوحدها. وبذلك يبين الكاتب زيف الادعاء بأن تونس زمن الفتنة البورقيبية- اليوسفية كانت منقسمة إلى ساحل “بورقيبي” وجنوب “يوسفي”. شمل الانقسام كامل التراب التونسي من دون وجود حدود جغرافية واضحة وفاصلة. ففي بداية نوفمبر كان العديد من أهل جربة مؤيدين لبورقيبة الذي تمّ استقباله في الجزيرة في منتصف ديسمبر؛ وقد تراوح عددهم ما بين 1500 وألفين مناصر. غير أن المزاج العام في الجزيرة كان يميل للمصالحة بين التيارين. كما ينطبق نفس الأمر على الساحل، أين ينحدر حسين التريكي، أحد أهم مناصري ابن يوسف، من مدينة المنستير، مدينة بورقيبة نفسه. وانتشرت شعب دستورية موالية لبن يوسف في كل من القلعة الكبيرة وزرمدين والمكنين وجمال. وبالإضافة إلى الجنوب الذي كانت مدنه مساندة في معظمها لبن يوسف، فقد ظل الجزء الأهم من منخرطي الحزب الدستوري الجديد في تونس العاصمة وضواحيها من مسانديه. وفي تحليله لشبكات الدعم اليوسفية، يعتبر محمد والدي أن الحركة اليوسفية كانت مدعومة بقوة من الشبكات التجارية للجرابة. ويستدل على ذلك بوجود معظم الشعب الدستورية الموالية لليوسفيين في المناطق التي يتواجد فيها تجار من جربة. وفي نفس الوقت، ينتشر اليوسفيون في المناطق التي تضم مدارس زيتونية، وكذلك في المدن والقرى القريبة من الجزائر التي يتشارك فيها السكان من جانبي الحدود عديد القيم والعادات وتسود لدى الكثير منهم أفكار التآزر والتعاون المغاربي المشترك. كما كان الأمر مماثلا على الحدود الليبية. وبالرغم من دعوات التهدئة من جانبي الإنقسام إلا أن المواجهة قد اندلعت بين شقي الحزب الحر الدستوري في عديد المناطق منذ 28 جانفي 1956، وقد سرت معلومات قبل ذلك بعزم بن يوسف إنشاء حركة جديدة باسم حزب التحرير في 14 جانفي 1956. وحاول اليوسفيون أيضا إعادة المفاوضات مع فرنسا على أسس جديدة إثر ذلك، بل وتم طرح فكرة أن يكون ابن يوسف وسيطا بين الفرنسيين وبعض الدول العربية. غير أن الفرنسيين كانوا قد اختاروا مسبقا المعسكر الذين سيتفقون معه ولم يكفوا عن اعتبار ابن يوسف مجرد “مغامر”. وبداية من شهر ديسمبر 1955، تواصلت الحملة ضد اليوسفيين وحصلت مواجهات في منزل ابن يوسف في مونفلوري. وفي بداية السنة الموالية تم حظر جريدة البلاغ الناطقة باسم اليوسفيين والتي صدرت باسم البلاغ الجديد في شهر جانفي، قبل أن يتم إيقاف صدورها في نهاية الشهر. ومنذ أواخر سنة 1955 بدأت الخلايا اليوسفية في تجنيد مقاتلين ضد الشق الآخر من الحزب الدستوري في الفحص وزغوان وفي مناطق من القيروان. أما في الجنوب فقد انحاز الطاهر الأسود، أحد كبار قادة الفلاقة لبن يوسف رسميا في 11 نوفمبر 1955 وتواصل في طرابلس مع مسؤولين مصريين هما فتحي الديب وإسماعيل صديق، ثم أسس أربع فرق كوماندوس، توجهت إلى الساحل والجنوب وتونس العاصمة. كما كان دخول بعض المقاتلين الجزائريين غرب تونس وعلاقتهم ببعض الفلاقة في تونس عامل قلق للفرنسيين وبورقيبة على حد سواء. وقد حصلت محاولة اغتيال للحبيب بورقيبة في اجتماع بالرديف من قبل أحد الفلاقة ذوي العلاقة بالمقاومة الجزائرية يوم 12 جانفي 1956. على إثر ذلك بدأت عملية القمع بشكل حاد ابتداء من 28 جانفي واتخذت مجموعة متكاملة من الخطوات، حيث تم اعتقال ما بين 104 و 150 يوسفيا من بينهم أربعين في جهة القصرين. كما تمّ اقتحام منزل ابن يوسف وحجز بعض الأسلحة إلا أن هذا الأخير نجح في الهروب إلى طرابلس في ليبيا. وفي نفس اليوم تم إحداث محكمة خاصة للنظر في “الاعتداءات على أمن الدولة”. ومنذ أواخر ديسمبر، بدأت محاربة اليوسفيين بشتى الطرق، فقام 500 جندي بالسيطرة على بلدة بني خداش، أحد معاقل اليوسفيين في منطقة مدنين. وتم تدريب قوات كوماندوس في تالة والقصرين من قبل أنصار بورقيبة لمحاربة الخلايا اليوسفية هناك. هذه التحركات الأمنية رافقتها خطوات سياسية أخرى حيث نُشر في 6 جانفي 1956 أمر علي ينص على إجراء الانتخابات على قاعدة الاقتراع على القائمة التي تحرز على أغلبية من دورة واحدة في انتخابات المجلس القومي التأسيسي، وهو ما يصب في صالح البورقيبيين. مما سبب احتجاجات ومظاهرات اليوسفيين الذين كانوا يفضلون نظام الاقتراع النسبي. وبمجرد مغادرة ابن يوسف البلاد تم حل الخلايا اليوسفية في عديد المناطق مثل بنزرت وزغوان والقصرين. ونشطت لجان الرعاية، وهي ميليشيا أمنية مساندة للتوجه البورقيبي، في ملاحقة اليوسفيين بعد مؤتمر صفاقس، وقادها عدد من زعماء الفلاقة مثل الساسي الأسود والأزهر الشرايطي، الذين انتهي بهم الأمر لمساندة بورقيبة، وبعض المتعاونين السابقين مع الفرنسيين. وكانت سوء ظروف الفلاقة عموما وابتعادهم عن مراكز النفوذ المالي والسياسي في فترة الاستقلال عاملا مهما في بروز المقاومة اليوسفية وبروز ما عرفه الكاتب ب”الفلاقة الجدد” الذين ساندوا التوجه اليوسفي وساهموا في العمل المسلح ضد بورقيبة سنة 1956. ثم يستعرض الكاتب في فصوله النهائية المآسي التي حلت بالتيار اليوسفي بعد هزيمته وعلاقته ببعض الأحداث وصولا إلى عملية اغتيال صالح بن يوسف في 12 أوت 1961.

يحاول هذا الكتاب في المجمل، نسج رواية عن التيار اليوسفي في تونس، بدءا بتحليل شخصية صالح بن يوسف نفسه وما تجسده من مميزات وتناقضات، ثم تحولات هذه الشخصية وقدرتها على التكيف مع التغيرات السياسية، حيث يمزج بين التحليل الاجتماعي للحركة اليوسفية وتحليل أفكار بن يوسف نفسه، مع تفنيد بعض المزاعم التي تعتبر اليوسفية حراكا جنوبيا فقط. إلا أن ما يعاب على تحليل الكاتب في هذه النقطة خضوع مصادر معلوماته في كثير من الأحيان إلى روايات بورقيبية وفرنسية قد تغض الطرف عن كثير من الأحداث التماسا لتبرير روايتها الخاصة، وهو ما وجب تنسيبه لإثبات بعض الوقائع أو دحضها مع غياب مراجع كافية تُنبه لوجهة النظر اليوسفية. كما لم يركز الكاتب بشكل دقيق على الدور السياسي لبن يوسف في المراحل الأولى لنشأة الحزب الدستوري الجديد وهي مرحلة جديرة بالدراسة والأهمية. 

يمكن نقد جزء من مقاربة الكاتب في سرد مراحل الصراع البورقيبي-اليوسفي لغياب تحليل العلاقات التي بقيت بين بعض الشخصيات من الطرفين. غير أن الكتاب، رغم النقاط القابلة للنقاش في أطروحته، يقدم في المجمل مادة بحثية ترتكز على جمع للمعلومات دون الغوص بشكل عميق في تحليل الروايتين المتضادتين، وهو ما يمكن القارئ من الوصول إلى مادة ثرية حول الصراع وأبعاده الاجتماعية على وجه الخصوص.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني