بتاريخ 19/11/2018 تقدّم الرقيب السابق في الجيش اللبناني إيزاك دغيم بشكوى أمام النيابة العامة لدى المحكمة العسكرية تتضمن ادعاء بتعرّضه للتعذيب. وقد رفع الشكوى ضد كل من إيلي غبش وشقيقه الضابط في الجيش اللبناني بشير غبش. وكان دغيم قد وقع ضحية ايلي غبش الذي لفّق له تهمة تعامل مع العدوالإسرائيلي إثر خلاف وقع بين الضحية وشقيقه. بتاريخ 7 شباط 2019 مثل دغيم أمام المحكمة العسكرية ليدلي بشهادته لناحية جرم التلفيق الذي يحاكم به غبش. وأبرز ما جاء في شهادته يومها كان يتعلق بتعرّضه للتعذيب والإهانات خلال التحقيقات معه بهدف إجباره على الإعتراف بما نسب إليه. تسير قضية دغيم أمام المحكمة العسكرية بالتوازي مع قضية تلفيق تهمة العمالة من قبل غبش نفسه للمثل زياد عيتاني، المدعى فيها على المقدمة سوزان الحاج أيضاً. وكان الأخير قد تقدّم بتاريخ 28 تشرين الثاني 2018 بشكوى لدى النيابة العامة التمييزية ضد كل من الحاج، وإيلي الغبش، وعنصري قوى أمن الدولة إيلي برقاشي وغابي الميسي، ضباط وعناصر ومحققين في جهاز أمن الدولة الذين كانوا مولجين بالتحقيق معه، وكل من يظهره التحقيق. ويدعي عيتاني على المتقدّم ذكرهم بـ “تأليف عصابة أشرار، التحريض على الإفتراء والإفتراء الجنائي، التعذيب خلال التوقيف الاحتياطي وانتزاع إقرار بالإكراه، تعدي على حرية فردية، مخالفة المادة 47 من أصول محاكمات مدنية (إنتهاك حقوق الموقوف)، التهديد، إساءة استعمال السلطة، الإخلال بالواجب الوظيفي، إفشاء سرية التحقيق، التزوير وكل ما يظهره التحقيق من جرائم. وقد أدلى عيتاني أمام العسكرية بتعرّضه للتعذيب الجسدي والترهيب النفسي. وفيما حددت جلسة إستماع لإفادة عيتاني بتاريخ 12 نيسان 2019 بعد تمنع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس لمدة طويلة عن القيام بذلك، فإن مفوض الحكومة عاد وأحال القضية مجددا إلى النيابة العامة التمييزية بعدما أثار عيتاني المادة 15 من قانون أصول المحاكمات المدنية التي تولي صلاحية النظر في قضايا التعذيب للمحاكم المدنية العادية.
يؤكد دغيم في إتصال مع المفكرة “أنه توجّه إلى المحكمة العسكرية لمتابعة ما حصل في شكواه، إلا أنه منع من الدخول إلى حرم المحكمة، وقد اكتفى العسكري عند الباب بالسؤال عبر الهاتف عنها”، حيث أكّد له أن “النيابة العامة حفظت الشكوى”، أي أنّها قررت عدم فتح أي تحقيق فيها. ثم يوضح مثول غبش أمام العسكري في القضية المتعلقة بتلفيق العمالة له، لا صلة لشكواه به، إنما ما حصل هو أن قاضي التحقيق العسكري رياض أبوغيدا، ادّعى على غبش في قضية تلفيق العمالة بناءً على اعترافات غبش أمامه وكذا بناءً على إفادة دغيم أمام شعبة المعلومات التي أرفقت بملف التحقيق أمامه.
تتضمن شكوى دغيم أنه بعد توقيفه بالجرم المفبرك له، جرى التحقيق معه في “مديرية أمن الدولة بأساليب التحقيق التقليدية أي الضرب المبرح والمتقن لمدة أيام”، وأنه “اعترف تحت تأثير الضرب المبرح”. يضيف دغيم في شكواه أن “عناصر أمن الدولة رفضوا تعيين طبيب شرعي للمدعي للكشف عليه، وتركته عمداً لمدة أسبوع موقوفاً لديها كي تزول آثار الضرب والتعذيب التي تعرّض لها”.
وينص قانون معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أنه “عند ورود شكوى أو إخبار إلى النيابة العامة في شأن الجرائم المنصوص عليها في المادة 401 (تعريف جريمة التعذيب)، على هذه النيابة العامة، ضمن مهلة 48 ساعة، أن تقرر إما حفظ الشكوى وإما الادعاء أمام قاضي التحقيق دون إجراء أي استقصاء أو تحقيق أولي في هذا الصدد إلا من قبلها شخصياً، باستثناء القرارات الضرورية للمحافظة على الأدلة وضبطها وتكليف طبيب شرعي للكشف على ضحية التعذيب المفترضة إذا لم تكن مرفقات الشكوى أو الإخبار تضم تقريراً طبياً من هذا القبيل”. والواقع أن شكوى دغيم تتضمن إخباراً واضحاً للنيابة العامة بتعرّض الأخير للتعذيب. هذا الإخبار مقدّم في سياق شكوى تثبت أن المدّعي اعترف خلافاً للحقيقة بجناية التعامل مع العدو الإسرائيلي، أمر يفترض به أن يرجّح صحة إدعاءاته لناحية التعرض للتعذيب. كذا فإن تكرار الشكوى ضد نفس الجهاز، وفي قضية مشابهة (قضي عيتاني). كل هذه العوامل، تفترض منطقياً من النيابة العامة العسكرية أن تأخذ الشكوى على محمل الجدّ وكان عليها أن تحيلها للنيابة العامة التمييزية أو الاستئنافية لكون المرجع المختص للتحقيق في مخالفات الضابطة العدلية أثناء التحقيقات الأولية هو القضاء العدلي. إلا أن النيابة العامة العسكرية لم تتصرف على هذا الوجه، بل على العكس من ذلك، يظهر أنها طعنت بقرار قاضي التحقيق بمنع المحاكمة عن دغيم بعدما تبيّن أنه ضحية لتلفيق قام به غبش. بالنتيجة، قررت محكمة التمييز الجزائية أن قرار قاضي التحقيق المطعون فيه وارد في محله القانوني، فردّت طعن النيابة العامة العسكرية. بهذا المعنى، لا تكون النيابة العامة العسكرية فقط أغفلت النظر في شكوى التعذيب المقدّمة من دغيم. إلا أنها قبل ذلك عمدت بدلاً من التحقيق في كيفية إعتراف شخص بما لم يفعل، إلى محاولة فسخ القرار الذي أنصفه بعدما تبيّنت براءته.