شكاوى ضد شرطة مجلس النوّاب والقضاء منشغل باستدعاء منتقدي برّي


2020-09-17    |   

شكاوى ضد شرطة مجلس النوّاب والقضاء منشغل باستدعاء منتقدي برّي

يستمرّ الزعماء والمسؤولون السياسيون في لبنان في استعمال القوانين التي تجرّم القدح والذمّ، كأداة لقمع منتقديهم والانتقام منهم؛ وبلغت حصيلة التحقيقات التي أجرتها السلطات اللبنانية مع أشخاص عبّروا بشكل سلمي عن رأيهم منذ العام 2015 فقط آلافاً مؤلّفة. وبدل التعامل مع الصحافيين والناشطين باعتبارهم كاشفين للفساد، يتمّ استدعاؤهم من قبل النيابات العامّة بدلاً من محكمة المطبوعات المخوّلة النظر في جرم “القدح والذمّ والتحقير بواسطة المطبوعات المرئية والمسموعة والمكتوبة”؛ في حال سلّمنا جدلاً أنّ هؤلاء ينبطق عليهم هذا التوصيف.

وبحسب مؤسّسة سمير قصير، فإن أرقام  الانتهاكات بحقّ الصحافة صادمة وتشير إلى خطرٍ كبير يواجه الصحافة الحرّة لا سيّما المنتقدة للسلطة. فمنذ بداية العام 2020 حتى اليوم سُجّل أكثر من 100 انتهاك بحقّ الصحافيين في لبنان 20 حالة منها في حزيران وحده.

وكان “تحالف الدفاع عن حريّة التعبير في لبنان”، الذي يتألف من 14 منظّمة لبنانية ودوليّة من ضمنهم “المفكرة القانونية”، وثّق ارتفاعاً مقلقاً في عدد الاعتداءات على حريّة التعبير والرأي “السلميَّين” منذ تظاهرات 2015، كما تصاعدت الاعتداءات إثر التظاهرات التي عمّت البلاد واندلعت في 17 تشرين الأول 2019، حيث تمّ استدعاء ما لا يقلّ عن 60 شخصاً للتحقيق معهم على خلفيّة منشوراتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي فصل جديد من استهداف حريّة التعبير والرأي “السلميَّين”، استمعت النيابة العامة التمييزيّة برئاسة القاضية كارلا قسّيس إلى إفادة الإعلاميّين ديما صادق ورياض طوق، والناشط فاروق يعقوب، صباح الثلاثاء 15 أيلول 2020 بعدما تمّ استدعاؤهم على خلفيّة شكوى مقدّمة من نبيه برّي، بصفته رئيساً للمجلس النيابي، بِتُهَم “إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، والقدح والذمّ والتحقير” بعد مشاركتهم في حلقة من برنامج “باسم الشعب” عبر قناة “إم تي في” وتحديداً انتقاداتهم لارتكابات شرطة مجلس النوّاب.

صحافيان وناشط في قفص الاتهام والمرتكبون طلقاء

وعن مجريات جلسة الاستماع تقول صادق لـ”المفكّرة القانونيّة”: “استنكرنا الاستدعاء ورفضنا كلّ التُهَم المنسوبة إلينا. يستدعوننا نحن بينما لم يتمّ استدعاء شخص واحد من شرطة مجلس النوّاب التي أطلقت الرصاص الحيّ على المتظاهرين، وجرم عناصرها موثّق بالفيديو والصور ووجوههم معروفة”.

من جهته، يرى يعقوب أنّ “من حقّنا أن نسأل من الذي أعطى الأوامر بأذيّة الناس؟ وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمّد فهمي أعلن بشكلٍ واضح أنّ من أطلق النار على المتظاهرين في 8 آب هم شرطة مجلس النواب، وشرطة المجلس تتبع لرئيس مجلس النوّاب. واليوم، بدل أن تتمّ محاسبة العناصر التي ألحقت الأذى بالناس، يتمّ استدعاؤنا نحن لأننا تحدّثنا عن الموضوع. إذا كانت معرفة الحقيقة تُعتبر قدحاً وذمّاً، فليكُن”.

وكان ملفتاً، بحسب المحامية ديالا شحادة وكيلة صادق، أنّ “القاضية قسّيس أوضحت في بداية الجلسة أنّ محامي المدّعي علي رحّال أسقط ادّعاءه ضدّ قناة ‘إم تي في’ لأنّ المدير العام أظهر حسن نيّة لشخص المدّعي”.

وطالبت صادق في الجلسة “بالاستماع إلى نبيه برّي كشاهدٍ على الأقلّ، كي يشرح من يعطي الأوامر لشرطة المجلس، وبالاستماع إلى إفادة قادة الأجهزة الأمنية المعنيّة ليخبرونا لمن تتبع شرطة المجلس”.

يُشير يعقوب بدوره إلى أنّ “المشكلة ليست شخصيّة مع برّي. هناك مجزرة ارتُكبت بحقّ متظاهرين عُزّل، حين تمّ إطلاق الرصاص الحيّ بشكل مباشر على عيونهم، وهذا ليس تفصيلاً أو صدفة أن يتمّ التصويب على عيون المتظاهرين، ما يعني أنّ هناك قراراً بأذيّتهم”.

تؤكّد شحادة: “نفينا نفياً قاطعاً الجرائم المنسوبة إلينا بموجب هذه الشكوى، موكّلتي لم ترتكب أيّ قدح أو تشهير أو إثارة للنعرات، وإنما قامت بإعطاء الوصف القانوني الملائم للجرائم المشهودة التي ترتكبها المجموعة المسمّاة حرس مجلس النواب، والتي تأتمر بإمرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي”.

وذكرت في الإفادة التي قدّمتها إلى القاضية قسّيس أنّ “شرطة المجلس ينطبق عليها وصف جمعيّة الأشرار وعصابة [ميليشيا] تمارس أعمال اللصوصيّة [البلطجة]، المنصوص عنه في المادة 336/عقوبات”.

وتلفت في حديثها مع “المفكّرة” إلى أنّه تمّ وصف برّي في الحلقة بأنّه “المسؤول عن حرس مجلس النواب الذين ارتكبوا جنايات خطيرة مشهودة بحقّ مواطنين عُزَّل خلال تظاهرات 8/8/2020 (عقب مجزرة تفجير بيروت) لمجرَّد ممارستهم حقّهم الدستوري بالتجمّع”، ولكنها تستغرب كيف أنّ رئيس مجلس النواب طلب الادّعاء على صادق ويعقوب وطوق لهذا السبب، “من دون أن يكلّف نفسه نفي مسؤوليّته عن حرس مجلس النواب، أو تحديد موقفه من الجنايات المشهودة التي ارتكبتها”؛ واعترضت على “مباشرة التحقيق في هذه الشكوى من دون التحقيق أولاً في الجرائم موضوع الكلام المشكو منه ومسؤولية الشاكي (برّي) عنها”؛ ومتسائلة ما إذا “كانت النيابة تطلب من المواطنين أن يسكتوا عن هذه الجرائم المشهودة، فيما هي لم تحقّق حتى الآن مع أيّ شخص على الإطلاق بشأنها”.

وتجمّع عدد من المعتصمون أمام قصر العدل يوم الثلاثاء بالتزامن مع جلسة استجواب صادق ويعقوب وطوق وحملوا صور الشباب الذين أُصيبوا في التظاهرات وفقدوا عيونهم، كما رشّوا على الحيطان وبلوكات الباطون المحيطة عبارات مثل “برّي بلطجي” و”برّي عرّاب الفساد”. وبعد مغادرة المعتصمين قصر العدل، رُصد أحد العناصر يقوم برش العبارات بـِSpray أسود اللون.

شكاوى بالجملة ضد شرطة المجلس: ما مصيرها؟

يعتبر جاد شحرور، المسؤول الإعلامي لمؤسّسة سمير قصير، التي دعتْ إلى الوقفة التضامنيّة، أنّ “النقاش في هذه القضيّة لا يجب أن يكون في النيابة العامة أو أيّ ضابطة عدليّة، إنّما في محكمة المطبوعات، المرجع الأساسي لأيّ شكوى تقدّم بحقّ أيّ إعلامي”. ويطرح السؤال الأبرز “ما مصير الشكاوى المقدّمة ضدّ شرطة مجلس النوّاب من قبَل محامين وناشطين؟ ولماذا لم يتمّ استدعاء أيّ عنصر أو مسؤول من هذه المجموعة حتى السّاعة، في حين تحرّكت النيابة العامة بسرعة البرق في هذه الشكوى”؟

وكانت صادق، خلال استضافتها في برنامج “باسم الشعب” (الذي يقدّمه رياض طوق) يوم 19 آب الجاري، وصفت شرطة مجلس النوّاب بـِ”العصابة البلطجيّة والمجرمة”، وقالت إن “رئيسها يحكمنا اليوم بسبب فلسفة الاستقواء، وليس فلسفة الدولة. هو شخص ميليشياوي أتى بالنّهج الميليشياوي إلى الدّولة وكرّسه”.

بدوره، كان يعقوب، خلال الحلقة، تساءل “لماذا تَعتبر شرطة المجلس أنّ مبنى مجلس النوّاب هو ملكها؟ مُشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ شرطة المجلس “ميليشيا، والمفارقة أنّها الميليشيا الوحيدة التي تتقاضى راتباً من الدولة اللبنانية بعد الحرب الأهليّة”.

وشهدت تظاهرة 8 آب 2020 التي جاءت كردّة فعل على تفجير 4 آب، عنفاً مفرطاً ضد المتظاهرين لم نشهد له مثيلاً منذ 17 تشرين، لا سيّما من ناحية عدد الإصابات التي سجّلت رقماً قياسياً ذلك اليوم، بسبب استعمال الرصاص الحيّ والخردق. هذا الكلام تؤكّده رئيسة “المفكرة القانونية” وعضو لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين المحامية غيدة فرنجيّه التي تقول إن أعداد المصابين في هذه التظاهرة أعلى من مصابي تظاهرة 18 كانون الثاني التي تُعتبر من الأعنف.

وتعتبر فرنجيّه أنّه – وبسبب هذا العنف – “من الطبيعي المطالبة بمحاسبة من يصدر الأوامر لشرطة مجلس النوّاب، أي برّي. نحن، كلجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين، تقدمنا حتى الساعة بـ12 شكوى عن مصابين في هذه التظاهرة ولم يتم استدعاء أي من العناصر أو المسؤولين في الشرطة لغاية الآن في أيّ منها، علماً أننا طالبنا باستدعاء قائد الشرطة عدنان الشيخ علي”.

وقد تأسّس جهاز حرس المجلس حين كان صبري حماده رئيساً لمجلس النوّاب لكن وبعد استلام برّي المنصب، أدخل تعديلات عدّة على مهامه. فمع إقرار النظام الداخلي للبرلمان في تشرين الأول من عام 1994، حصرت المادة 5 مسؤولية حفظ الأمن والنظام داخل المجلس برئيسه، ومنعت المادة 50 تدخّل أي جهاز غير حرس المجلس داخل البرلمان إلا بطلب من رئيسه. هاتان المادتان تعطيان حرس المجلس صلاحيات لا تملكها قوى الأمن الداخلي، وتعطيان لبرّي فقط صلاحية إعطائهم الأوامر، حيث أنّ المحكمة العسكريّة لا تملك أيّ صلاحية على هذا الجهاز.

لا يوجد معلومات واضحة عن أعداد عناصر هذه الشرطة لكنها تتألّف من عناصر تنتمي للجيش وأمن الداخلي وعناصر لا يتبعون أيّ جهاز أمني. وتقول فرنجيّة أنّه “لا يوجد إطار قانوني واضح لتنظيم عمل هذه الشرطة ومرجعية لتأديب عناصرها في حال أخطأوا، وبالتالي لا يوجد آلية واضحة نعرف من خلالها كيف يتمّ تعيين عناصر شرطة المجلس، وكم يتقاضون وكيف يتم محاسبتهم. رئيس المجلس وحده هو من يعطيها الأوامر ويحدد هذه المعايير”.

وتُشير فرنجيّه في هذا الإطار إلى أنّ “المفكّرة القانونيّة” كانت طالبت بالحصول على النصوص القانونية التي ترعى تنظيم وعمل شرطة مجلس النوّاب، إلّا أنّ وزارة الداخليّة وأمانة سرّ مجلس النوّاب والشرطة رفضوا جميعهم تزويدها بالقانون المُستنَد عليه لتنظيم عملها خلافاً لقانون الحق بالوصول الى المعلومات.

وكانت لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين  وثّقت الانتهاكات التي ارتكبتها شرطة المجلس سابقاً، وأعلنت عنها في مؤتمر صحافي عقدته يوم 6 شباط 2020، ومن أبرز هذه الانتهاكات:

  • يومي 14 و15 كانون الأول 2019: سحبت الشرطة حوالى 20 شخصاً من المتظاهرين إلى داخل حرم مجلس النواب، حيث تمّ الاعتداء عليهم جماعياً وتناوبوا على تعذيبهم وضربهم بشكلٍ وحشي من خلال استخدام العصي والسكاكين، ما أدّى إلى دخول معظمهم الى المستشفى بشكلٍ فوري بعد الإفراج عنهم.
  • يوم 10 كانون الأول 2019: اعتدت عناصر شرطة المجلس المولجة بحماية مقر رئاسة مجلس النوّاب على مواكب سيّارة في فردان، والاعتداء موثّق بالفيديو والصور. تقدّم الضحايا بشكوى ضدّ هؤلاء العناصر، من خلال محضر تمّ فتحه بشكلٍ فوري في المخفر، لكن لم يُستدعَ أحد من شرطة المجلس، أو قيادتها، حتى الساعة.

وتقدّمت اللجنة بـ12 شكوى إثر الاعتداءات التي حصلت يوم 8 آب لدى النيابة العامة التمييزية التي حوّلتها إلى النيابة العامة العسكرية، حيث تمّ الاستماع إلى إفادة الضحايا ولم يتمّ استدعاء أحد من شرطة المجلس، أو قيادتها، حتى الساعة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، تحقيقات ، أجهزة أمنية ، أحزاب سياسية ، حرية التعبير ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني