تستمر معاناة العاملات الاجنبيات في لبنان في ظل غياب أي مظلة قانونية ترعى استقدامهن او تنظم عملهن وبقاؤهن أسرى "نظام الكفالة" الذي يشرعن عملية استغلالهن من قبل بعض ربات المنازل وأصحاب العمل حتى إشعار آخر.
ومن رحم الظلم اللاحق بالعاملات الأجنبيات في لبنان من الاستعباد الى الحرمان من أبسط الحقوق كالراحة والعطلة والحق في التنفس، ولدت مسرحية "شبيّك لبيك" للمخرجة زينة دكاش التي قدمتها في 13 و14/12/2014 في الـ"آلت سيتي"- الحمرا برعاية وزير العمل سجعان قزي وبدعم من السفارة النروجية، والتي حاولت من خلال عملها التفاعلي الجديد الذي يعتمد على أسلوب المعالجة بالدراما أن تنقل ما تعيشه شريحة واسعة من العاملات والعمال الأجانب في لبنان في إطار جمع ما بين الدراما والفكاهة والإنسانية، وذلك بمشاركة مجموعة من العاملات والعمال من خمس بلدان هي أثيوبيا، بوركينا فاسو، الكاميرون السنيغال والسودان.
في العادة، يبدأ أي مؤتمر او عمل مسرحي بالنشيد الوطني اللبناني. الا انه في "شبيّك لبّيك" غاب نشيد لبنان لينوب عنه النشيد الوطني لكل عاملة شاركت في المسرحية، فكانت كل واحدة منهن تعتلي المنصة بزيها الوطني وتطلب من الجمهور أن يقف احتراماً لنشيد بلادها التي تبدأ بإنشاده. فتبدو على ملامحها سيمات الفرح لا سيما عندما تخبر عن واقع اجتماعي في بلدها يظهر تقدماً على لبنان في قضايا حقوقية كمسألة الزواج المدني وحق المرأة في إعطاء الجنسية لأطفالها. هذا وقد رافق عرض الأناشيد الوطنية رقصات فولكلورية وشعبية تجعلك تسافر في جولة سياحية في البلدان الخمسة فتتعرف على ثقافتها، عادتها وتقاليدها ونظامها السياسي وطبيعتها الجغرافية والسكانية.
العنصرية اللبنانية، معاناة العاملة وصاحب العمل من نظام الكفالة، والمشاكل القانونية التي تصادف العاملة، هي أربعة مواضيع أساسية حاولت زينة دكاش في مسرحيتها تسليط الضوء عليها وهي حتماً تمثل وقائع حية معيوشة نقلتها العاملات المشاركات في المسرحية من خلال مقاطع "سكتشات" سريعة تشكلت بطابع درامي وكوميدي في آن.
معاناة العامل وصاحب العمل من نظام الكفالة
و من أهم الموضوعات التي تم تناولها في المسرحية طرح موضوع مساوئ "نظام الكفالة", فهذا النظام يُفرض على العامل/ة على نحو ينتهك حريته/ا كإنسان/ة. فبإمكان صاحب العمل ان يحرم العاملة لديه من الإجازة والراحة والتنقل.كما ان انتهاء عقد العمل لا يؤدي بالضرورة الى استعادة العاملة تلقائيا لجواز سفرها المحجوز، بل هي تحتاج هنا أيضا لرضى صاحب العمل.
وفي هذا السياق أطلت إحدى العاملة متوجهة الى الجمهور قائلة:" يحتاج اللبناني أيضا لمن يكفله للعمل في بلدان الخليج ولكن مع ذلك لا يتم مصادرة جواز سفره كما انه ليس مجبراً على العيش في منزل صاحب عمله. كما يملك حرية التنقل في كل مكان".
وإحقاقاً للمساواة، عرضت المسرحية المشاكل والصعوبات التي يواجهها صاحب العمل مع العامل/ة لديه في ظل هذا النظام. فحصول العامل الأجنبي على عمل لا يتم من خلال عقد بين الطرفين وانما من خلال اتفاق بين صاحب العمل وصاحب مكتب الخدمات. وكذا الحال بالنسبة للعامل. والنتيجة تكون في كثير من الأحيان ان يحصل صاحب العامل على عاملة لديه لا تفهم لغته. كذلك يواجه معها مشكلة اختلاف العادات والثقافات، وقد يأخذ وقتاً طويلاً قبل ان يعلمها كيف تقوم بالعمل لينتهي بعد ذلك عقد عملها فترحل الى بلادها. ويكون عليه تكرار الامر مع عاملة أخرى من جديد. كذلك، فإن نظام الكفالة أحياناً هو الذي يجبر صاحب العمل على تضييق الخناق على العاملة وعدم السماح لها بمغادرة المنزل لان أي مكروه يصيبها سيتحمل هو مسؤوليته.
عنصرية اللبناني
"انت سريلانكية من وين؟ من أثيوبيا وانت؟ انا من بوركينا فاسو"، ربما هذا السكتش كان الأصدق في تصوير النظرة العنصرية التي يشتهر بها أغلب اللبنانيين الذين اعتادوا إلصاق جنسية معينة على عاملات المنازل نسبة للون بشرتهم ولطبيعة عملهن.
مضى على وجود "آني" من أثيوبيا في لبنان نحو تسع سنوات، بدأت فيها تتأقلم مع العنصرية اللبنانية وتتعلم كيفية مواجهتها. ومشكلة "آني" لم تكن في لون بشرتها السوداء وحسب بل بسحرها وجمالها اللذين ولدا مشكلة أخرى لها. فهذه العاملة لم تكن مدعاة للسخرية في الشارع، وانما كانت تتعرض مراراً للتحرش الجنسي. وعلى الرغم من أنها تعمل حالياً لدى أسرة تعاملها جيداً الا أنها أرادت أن تعبر عن وجع الكثيرات من خلال المسرحية وقالت: "شعرت وأنا أمثل أنه بات هناك من يسمعنا".
دموع "آدم" 19 سنة من السودان كانت كفيلة بالتعبير عما عاشه وتلفظت به شفتاه: "تركنا والدي انا وأمي وأشقائي ورحل الى جهة مجهولة فكان عليّ ان اعيل أسرتي، فنصحني صديقي ان آتي الى لبنان للعمل". لم يركب آدم الطائرة مثل أي مسافر بل أجبر على تزوير جواز سفره وعمره الذي أصبح 40 عاماً كما تم تغيير اسمه الى "كتكوت" في صفقة كلفته خمسة آلاف دولار فضلاً عن كرامته التي هي أغلى من المال. دخل آدم لبنان ركضاً عبر الحدود السورية قال له أحد وسطاء الصفقة ان عليه ان يركض وأن يحاذر السقوط ففعل. وعندما عبر وضع في صندوق السيارة مع عشرات من جنسيات مختلفة الذين تم تهريبهم خلسة في عملية اتجار بشري واضحة، تعذب كثيراً وأهين أولاً لأنه أسود وثانياً لانه لا يملك الدفاع عن نفسه. فالموس مصلتة على عنقه. صبر كثيراً حتى بات اليوم قادراً على ان يعيل أسرته معتبراً ان:"الله لا يترك أحداً".
مداخلة للوزير سجعان قزي
"لم أجد شكواهم أشد قساوة مما اعيشه في منزلي. هم يشكون من مصادرة جواز سفرهم على ستة أشهر او سنة أو سنتين. أما أنا فقد صادرت زوجتي قلبي منذ 25 سنة ولم ترده". كان توقيتاً سيئاً لوزير العمل سجعان قزي لإطلاق دعابة كهذه. ظنّ انه يخفف على العاملات الحاضرات أمامه فبادرنه بإبتسامة فيها الكثير من الاستغراب. ثم ضحك وأردف ان حضور سفراء الدول الخمسة اي أثيوبيا والكاميرون والسودان وبوركينافاسو والسنغال، هو دليل على ان العلاقات الدبلوماسية ليست سياسية فحسب وإنما انسانية في لبنان الذي يفترض ان يكون بلد الإنسان. كما أبدى تأثراً عميقاً بالمسرحية التي رأى أن الموضوعات التي أثيرت خلالها جميعها صحيحة ولكنها ليست محصورة في لبنان بل تحدث في جميع بلدان العالم.
قزّي الذي رفض أن يقاطعه أحد من الحاضرين أو أن يتلقى أي سؤال، اعتبر ان ما يحصل من عملية اتجار بالعمال الأجانب تبدأ من البلد الام. كما ان هناك بعض البعثات الدبلوماسية التي تشارك الوكالات الموجودة في عواصمها بهذه العملية. وتابع عارضاً لإنجازات وزارته: ومنها، منع مكاتب استقدام العاملات الاجنبيات من وضع دعايات تهين كرامتهن مثال "خادمات خلال 24 ساعة" ابتداءً من 15/12/2014 تحت طائلة رفض معاملة اي مكتب مخالف، وإلزام صاحب المعاملة بالمجيء شخصيا الى وزارة العمل لإنجاز معاملته حتى لا يقوم بها طرف آخر تحت غطاء اسمه ومنعاً لعملية الإتجار بالبشر. كما فرضت وزارة قزي كوتا على العدد الذي يحق لكل مكتب ان يستقدمه من الخادمات وهو 200 عاملة وقال: "في لبنان هناك نحو 640 مكتب استقدام ولكن ليست جميعها تعمل وانما البعض يؤجر مكاتبه لمكاتب أخرى. ولكن عندما وضعنا كوتا، عطلنا على هؤلاء عملية الاتجار بالبشر".
وختم قزي بالقول ان وزارة العمل تعمل حاليا على وضع برتوكولات جديدة مع السفارات التي تمنع مواطنيها من المجيء للعمل في لبنان مما يدفهم الى المجيء من خلال سماسرة عبر دول مجاورة. وهذه البروتوكولات تنطلق من إعادة النظر في مسائل كالراتب وكيفية التعاطي مع العاملات وعدد ساعات العمل وأيام العطل الأسبوعية والسنوية الخ..
وانتهت المسرحية، دون أن تسدل الستارة، حيث لم يكن هناك من ستائر أصلاً بل على العكس، هناك حاجة للإضاءة على واقع أليم معروف للعلن ولكن بأصوات ضحايا عاشوا الوجع وصورونا بمشاهد حاكت واقعاً مشيناً ومستمراً نتيجته العشرات من عمليات الانتحار الناجحة سنوياً في ظل غياب حماية القانون وافتقار قلوب بعض البشر لمعاني الإنسانية.
الصورة من أرشيف المفكرة القانونية
متوفر من خلال: