في الوقت الذي بثت بعض وسائل الإعلام، مساء الجمعة في 25 تشرين الأوّل، خبرا عاجلا عن إشكال حصل بين المتظاهرين ومحزّبين على جسر الرينغ تدخّلت فيه قوى مكافحة الشغب، كان شباب الخندق الغميق والمتظاهرون متربّعين على الأرض هناك يخوضون جلسة نقاش دائريّة عن نقاط الإختلاف والإلتقاء بين الطرفين. هذه الحادثة تعكس بعض هفوات وسائل الإعلام في التعامل مع ما يحصل أحياناً على الأرض.
ذهب عدد من المتظاهرين لقطع الطريق على أوتستراد فؤاد شهاب (الرينغ) مساء الجمعة ليثبتوا أنّ لا شيء تغيّر بعد الإشكالات التي حصلت في ساحتي رياض الصلح والشهداء وبعد خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله، فيما تجمع على المقلب الآخر لناحية الخندق الغميق عدد من شبّان المنطقة. هذا لم يمنع أن يذهب ثلاثة أشخاص من المتظاهرين القاطعين لطريق الرينغ إلى هؤلاء الشبّان، ويعودوا بعدها ليخبروا زملاءهم عن نقاش سيحصل بين المجموعتين شرط عدم التعرّض لنصرالله أو نبيه برّي.
في صورة لم تتحدّث عنها وسائل الإعلام (وكان قد طلب عدم تصوير الجلسة لأسباب عديدة)، بل على العكس نشرت أخبارا عن إشكال وتضارب، جلس شبّان الخندق الذين وصفوا ب”الزعران” لفترة طويلة مع المتظاهرين، وذلك بعد وقت قصير من تعدٍّ وإشكالات قام بها مناصرو حزب الله في ساحة رياض الصلح، ليعبّروا عن سبب انزعاجهم من التحرّكات التي تحصل.
بحسب إحدى المتظاهرات، فإنّ مجرّد فتح هذا النقاش أو حتّى موافقة شباب الخندق على المشاركة فيه في ظلّ استشراس السلطة وفي ظلّ غياب معظم وسائل الإعلام عن تغطية بعيدة عن الإثارة هو أمرٌ إيجابيّ جدّا. وذلك لأنّ هؤلاء الشبّان هم الذين يجب أن يكونوا في صفوف المظاهرات المطالبة بحياة أفضل وبسقوط السلطة السياسيّة التي جعلت الصراع عموديّا: بين سلطة وشعب.
عبّر كلّ من المتظاهرين وشباب الخندق وغيرهم عن آرائهم بالتظاهرات في نقاش دام حوالي نصف ساعة، كانت النقطة الأساسيّة فيه التطرّق للسيد ه كإحدى الشخصيّات التي يقف المتظاهرون في وجهها. أمّا النقطة الأساسيّة التي جمعت هذا النقاش والتي تكرّرت من الجهتين هي أنّ “وجعكن وجعنا”. اعتبر أحد شباب الخندق أنّ نصرالله هو رجل دين معمّم ورجل مقاومة حتّى وإن كان له فريق سياسي ممثّل بالحكومة والمجلس النيابيّ، لذلك من غير المنطق أن يتمّ ذكر اسمه. يؤكّد الشابّ أنّ الفساد موجود عند نوّاب حركة أمل وحزب الله ووزرائهم ويمكن الكلام عنهم دائما، ولكن “يللي سبّوا السيّد هنّي اللي خربوا الدنيا” فانسحب معظم الشباب من المظاهرات بسبب هذا الأمر. وكان الردّ أنّ نصرالله هو شخصيّة سياسيّة أيضا، وأنّ الكلام عنه ينبع من صلب وجع المتظاهرين خاصّة أنّه يسكت عن الفساد الحاصل في فريقه السياسيّ، بحسب تعليق إحدى المتظاهرات.
وردّا على ما ذكره شبّان الخندق عن التصرّفات غير الأخلاقيّة التي تحصل في ساحتي رياض الصلح والشهداء من وجود راقصة أمام جامع الأمين وانتشار المشروبات الكحوليّة، علّق المتظاهرون أنّ بعض التصرّفات غير اللائقة هي لا تعبّر عنهم أو أنهم غير مسؤولين عنها، وعلّق آخرون أنّ للجميع حريّته، فالساحة تضم انتماءات مختلفة دينيّة وثقافيّة، لذلك من الأفضل عدم التصنيف وحصر التحرّكات بتصرّفات معيّنة. ومن النقاط التي تناولها شبّان الخندق أيضا هي قطع الطرقات معتبرين أنّ الأمور تحلّ بطريقة غير قطع الطرقات على الناس، خاصّة أولئك الذاهبين إلى أعمالهم أو المستشفيات.
أجمع المتحاورون على الفساد الموجود في الطبقة السياسيّة وعلى معاناتهم الواحدة من جوع وفقر وقطع للكهرباء. وانتهى أحد شبّان الخندق للقول بأنّ “الشي اللي بدّو يعطّلنا، فينا نستغني عنّه حتّى نوصل للهدف اللي بدنا نوصلّه” (قاصدا الكلام عن نصرالله). وخلال النقاش، تدخّل أحد المتظاهرين ليستنكر التعرّض للناس الذي حصل من قبل مناصري الأحزاب (وكانت شقيقته إحدى اللواتي تعرّضن للضرب)، لأنّ وجع الطرفين واحد، وأنّه مستعد أن يفدي بأولاده في حال تضرّر أحد شبّان الخندق أو مناصري حزب الله.
“نحنا مش قطّاعين طرق ونحنا مش زعران، ونحنا جوعانين، ومنخاف على الناس، ورح بتلاقونا معكن عم نتظاهر” هو لسان حال شباب الخندق الذين تعرّضوا لتهميش إعلاميّ وسياسيّ وصبغوا بصفة “زعران”. وتخلّل النقاش مزاح ومصافحات عدّة بين المتواجدين الذين يوقنون أنّ “هذه الجلسة مع علم واحد تضرّ السلطة كثيرا” و”هنّي بدن لبنان مقسّم شوارع”، وتطرّق البعض إلى الأجندة التي يحاول وسائل الإعلام “شنّها” والتي تقضي بتفعيل خطاب السلطة وبتضخيم الإشكالات لتقسيم الشارع.
بغضّ النظر عن نتائج هذا النقاش إن وجدت، ولكن فعل اجتماع الطرفين الواقفين على جسر الرينغ بعد خطابٍ سائد يحاول تفرقة الناس، وبعد تضخيم المؤسسات التلفزيونيّة لأوّل إشكال حصل في رياض الصلح فيما بينهم ، هو نتيجة إيجابيّة بحدّ ذاتها لتكون الأرضيّة أوضح بين أناس تجمعهم حالة معيشيّة واجتماعيّة واحدة، لم يكن الفرق بينهم إلّا نتيجة للشحن الطائفيّ والسياسيّ الذي كان من أبرز الأمور التي تخطّاها الحراك الحاصل، خصوصا في مناطق كصور والنبطيّة وبعلبك وطرابس.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.