قالت المخرجة التونسية، إيمان بن حسين، أنها ستكشف عدة حقائق خطيرة في فيلمها الوثائقي الجديد "هل يصنع القتلة الدواء؟" والذي وعدت بأنه سيعرض قريبا. ومن أهم الحقائق حسب ما جاء في تصريحها، تورط معهد باستور المتخصص في اللقاحات ضد الكلب والسموم ووزارة الصحة التونسية مع وزارة الدفاع الأمريكية في استغلال أطفال قصّر بالجنوب التونسي وجعلهم "فئران تجارب" لمرهم لمعالجة مرض “ليمانشيا” الذي أصيب به جنود أمريكيون في حرب الخليج.وقالت مخرجة الفيلم إيمان بن حسين في حوار لها مع صحيفة الشروق التونسية الأربعاء 30 مارس إن أكثر من 100 شخصاً متورّط في ما أسمته بالمؤامرة. كما يتضمن الفيلم الوثائقي شهادات كل من عفيف بن صالح رئيس مخبر الوبائيات الطبية بمعهد باستور بتونس وسمير بوبكر رئيس لجنة الاخلاقيات الطبية ومجموعة من الوزراء الذين مروا بوزارة الصحة في الفترة الممتدة من سنة 2002 حتى 2014، وهي الفترة التي تعرّض فيها أطفال قصّر وكهول بالجنوب التونسي للتجربة المشار اليها سابقاً. ويشار إلى أن المرهم موضوع الإختبار تم تحضيره في أكبر مخبر أدوية إسرائيلي. وصرحت المخرجة التونسية أن مبلغاً مالياً قدره 50 ديناراً كان يسدد لكل من وافق على إخضاعه للتجربة.كما كشفت بن حسين أنها تعرضت لتهديدات عدة، منها تهديد من وزير صحة سابق عندما بلغه أنها بصدد إعداد هذا الشريط، وأطلعت صحيفة “الشروق” على رسالة قصيرة بهاتفها الجوال أرسلها حسب الاسم المسجل بهاتفها وزير سابق بهذا الخصوص. كما أعلنت بلهجة تحدّ لا تخلو من الخوف عن أن العرض الأول للفيلم سيكون في شهر أبريل الجاري في تونس، ليكون بعد ذلك وثيقة تُضاف إلى كل الوثائق التي بحوزتها لتدعم ملف القضية التي سترفعها للقضاء التونسي وللمحكمة الجنائية بلاهاي. وختمت المخرجة التونسية حديثها بالقول إنّ نسخاً من الفيلم موجودة بين أياد أمينة وأن منظمات عالمية تقف إلى جانبها في هذا العمل حتى تأخذ العدالة مجراها.
معهد باستور يردّ
وفي رده على تصريحات المخرجة قال معهد باستور في بيان له الخميس 31 مارس أن الأمر يتعلّق بتطوير دواء في شكل مرهم ضد مرض اللشمانیا الجلدية والقيام ببحوث سریریة، مشيرا إلى أن هذه البحوث لم تمثل أي خطر على صحة المرضى بل بالعكس فهي تعطي أملا كبیرا في إیجاد دواء ملائم وناجع ضد مرض اللشمانیا الجلدیة. وجاء في نص البيان أن معهد "ولتار رید" الامريكي هو من أبرز معاهد البحوث في العالم في مجال الصحة وهو یخضع لإشراف وزارة الدفاع الأمریكیة، كما أنه یمتاز بقدرة عالیة في تطویر أدویة ولقاحات ضد عدة أمراض خطیرة كالملاریا والسیدا، مشيرا إلى أن البرنامج المشترك يهدف إلى دراسة مدى نجاعة هذا المرهم الذي یحتوي على نوعین من المضادات الحیویة مسجلین منذ سنة 1940، والتي یقع استعمالها في تونس بصفة متداولة ضد الأمراض الجرثومیة في شكل أقراص وحقن. وشدّد البيان على "جودة هذا البحث ومصداقیته وما ینبثق عنه من نتائج إیجابیة على صحة وسلامة المواطن وإمكانیة تصنیع هذا الدواء الجدید بتونس، مندّدا بما اعتبره حملة مغرضة تهدف إلى تقویض مؤسسة عریقة تعد صمام أمان للصحة العمومیة ببلادنا". وقد أشار المعهد إلى أن مرض اللشمانیا ظهر بكثافة بولایة القیروان منذ سنة 1982 وانتشر بصفة تدریجیة وبلغ سيدي بوزيد سنة 1990، ثم شمل 15 ولاية تمسح كل الوسط والجنوب التونسي، حیث تبلغ الإصابات من 1000 إلى 10.000 حالة في السنة. وبخصوص موافقة الأشخاص على الخضوع للإختبار، أكد المعهد على أن مشاركة المرضى كانت عن طواعیة ومجانیة ولا تخضع لأي نوع من الضغط المادي أو المعنوي، مشيراً إلى أن القانون الجاري به العمل یسمح بتغطیة بعض المصاریف المنجرة مباشرة عن المشاركة في مثل ھذه البحوث (مصاریف التنقل ، تعویض ساعات العمل..). وهذا ما یفسر أن بعض المتطوعین تحصلوا على مبلغ 50 دینار لتغطیة ھذه الكلفة. وإذ أشار إلى أن نتائج هذه البحوث نشرت في أرقى المجلات العلمیة، فإن بيانه خلا من إحالات إلى هذه الدراسات.
وفي تصريح له يوم 31 مارس لموقع "الصباح نيوز"، اعترف الأستاذ بكلية الطب ورئيس قسم الوبائيات بمعهد باستور الدكتور عفيف بن صالح انه في سنة 2002 قدم المستشفى العسكري في أمريكا لمعهد باستور ولعدة بلدان في العالم على غرار فرنسا وأمريكا اللاتنية بديلا عن الحقن وهو مرهم. وبناء على ذلك قام المعهد بعدة تجارب على الأشخاص المصابين بذلك المرض وأثبت فعاليته ونجاعته التي فاقت 90 بالمائة. وتابع المعهد الأشخاص المصابين الذين تلقوا العلاج في كافة مراحله وتبين أن الدواء ناجع جدا كما أكد الدكتور أن الأشخاص المصابين بالمرض تلقوا العلاج عن طواعية معترفاً أن المعهد قدّم مكافأة بخمسين ديناراً (حوالي 25 دولاراً) لكل مريض لتعويضه عن معاليم التنقل للعلاج.
الإحراج القانوني
وبالنظر إلى ما تزعمه مخرجة الفيلم واعترافات المسؤولين الطبيين سواء في كلية الطب أو في معهد باستور، فإنه من الأرجح أن القضية ستعرف في قادم الأيام مضاعفات ربما تكون خطيرة إذا ما وصل آمرها إلى القضاء. وإذا ما ثبت أن هذه التجارب مورست على قصر أو حادت عن الالتزام بالضوابط الأخلاقية المنظمة للتجارب على الإنسان وذلك خاصة بالنظر إلى التشريعات التونسية في هذا المجال اذ ينص الأمر عدد 1155 لستة 1993 المؤرخ في 17 ماي 1993 ويتعلق بمجلة الواجبات الطبية في عنوانه السادس المخصص للتحارب الطبية على الإنسان وفي فصوله من 99 الى 111 على جملة من الضوابط أهمها:
1- موافقة المريض على التجربة بكل حرية وتبصر،
2- في صورة انعدام الأهلية القانونية، فإن موافقة الممثل القانوني تقوم مقام موافقة المريض وهو ما يعني حظر التجارب على الأطفال إذا لم يوافق على ذلك ممثلوهم القانونيون،
3- ينبغي على الطبيب بيان نوع التجربة ونسبها ومفعولها على حياة وصحة الشخص الذي تجرى عليه التجربة،
4- وبحسب القاعدة المنصوص عليها بالفصل 109 من الأمر المذكور وربما يكون هذا لب المسالة هو أن تكون الموافقة كتابية،
كما ينص الأمر عدد 3657 لسنة 2014 المؤرخ في 3 أكتوبر 2014 ويتعلق بتنقيح وإتمام الأمر عدد 1401 لسنة 1990 المؤرخ في 3 سبتمبر 1990 المتعلق بضبط كيفيات التجارب الطبية أو العلمية للأدوية المعدة للطب البشري في الفصل 2 (جديد): أنه لا يمكن أن تجرى التجارب الطبية أو العلمية للأدوية المعدة للطب البشري إلا على شخص بلغ سن الرشد ومتمتع بجميع مداركه العقلية وأهليته القانونية.
ولا يمكن إجراء التجارب على القاصرين أو المختلين عقليا وكذلك النساء الحوامل أو المرضعات.
لكن استثناء لمقتضيات الفقرة الثانية من هذا الفصل، يمكن أن يشارك المرضى القاصرون أو المختلون عقليا في تجارب طبية لغاية علاجية خاصة بمرضهم أو عاهاتهم العقلية. وفي هذه الحالة يتعين الحصول مسبقا على الموافقة الحرة والرشيدة والكتابية للولي الشرعي طبقا للتشريع الجاري به العمل.
وتجرى التجارب على الأشخاص الراشدين السليمين طبقا للشروط المنصوص عليها بهذا الأمر ونصوصه التطبيقية.
وعلى ضوء هذه الأحكام القانونية، نلحظ أن رد معهد باستور هنا لا يجيب على أسئلة جوهرية تتعلق بإعلام المرضى بطبيعة التجربة كما لا وجود في هذا الرد الرسمي إلى ما يشير إلى الإختبارات الجارية على قاصرين أو إلىحصول المعهد على تراخيص من الممثلين القانونيين لهم مع العلم أن الأوامر والقوانين المنظمة للتجارب على البشر سواء الأمر الصادر في 1992 أو قانون 2014 يلزمان الدوائر الصحية بالحصول على موافقة كتابية. مع العلم انه لم تصدر عن وزارة الصحة إلى حد كتابة هذه الأسطر أي موقف رسمي من القضية.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.