سيلفي سعيد مع جثث هامدة


2016-03-09    |   

سيلفي سعيد مع جثث هامدة

اجتاحت صور “سيلفي” تداولها جنود تونسيون مع جثث الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم، يوم الاثنين 7 مارس في مدينة بنقردان جنوب تونس، مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك".ولقيت صور "السيلفي" ترحيبا واسعا من قبل رواد مواقع التواصل التونسيين، منوّهين بمجهودات الجيش في حماية البلد من الإرهاب وببسالته.ولم يصدر إلى حدّ اليوم الثلاثاء 8 مارس أيّ تعليق من وزارة الدّفاع التونسية حول هذه الصورة. كما لم يقع التأكد من صدقيتها. إلا أن ما يهمنا هنا هو ردود أفعال التونسيين التي أظهرت كثيراً من الفرحة المخلوطة بالشماتة والتشفيمن العناصر الإرهابية التي حاولت إقامة قاعدة لعملياتها في هذه المنطقة الرخوة .

قد نتفهم الأمر بصعوبة ولكن…

من الصعب جدا أن يسير الإنسان في الاتجاه المعاكس. كما أنه من الصعب أن يصدح بالحق حين تصطدم الكلمة بالعواطف المتأججة. و لكن بعيدا عن ثورة الأعصاب التي تساهم وسائل الإعلام في نشرها هذه الأيام في تونس والتي تكاد تدين كل من يشير إلى الطابع السيئ لهذه الصورة، فإنه من الضروري أن نتوقف عند هذا المشهد لنبين خلفيّاته. فقد يتفهم الإنسان وإن بصعوبة شديدة فرحة جنود صغار أكثرهم من المنتدبين الجدد بانتصارهم على أعدائهم من الإرهابيين. بل ربما يتفهم التجاءهم إلى هذا التعبير عن الفرحة بأسلوب السيلفي الذي انتشر بشكل مذهل. ولا شك أن كثيرا من النساء والرجال يلتقطون صور "سيلفي"، "لأنهم يرغبون أن تكون لديهم صور جميلة لأنفسهم".

"إنها  في الأخير بمثابة كلمة جميلة نوجهها إلى أنفسنا، وهي جانب النرجسية في ثقافتنا كما تؤكد على ذلك كل التقارير الخاصة بظاهرة الصورة الشخصية ".

إلا أننا نحتاج هنا إلى أن نقدر طبيعة هذه الصورة الملتقطة من جنودنا في ضوء الأسئلة الأساسية التي تثيرها لا في ضوء الإجابات السريعة والقاطعة التي تنشرها وسائل الإعلام تهييجا للرد العام وتعبئة له ضد الإرهاب كما يعتقد البعض. إن طمأنينة الإجابات المدافعة عن تصرف جنودنا لا تلغي قلق السؤال. فمن حقنا أن نشك في جدوى المشهد كما أنه من حقنا أن نقول أن إدانة الصورة بشكل قاطع وحاسم بلا أي تردد ليست بالضرورة  دليلا على انعدام الوطنية أو علامة على التعاطف مع الإرهابيين كما يحلو للبعض أن يصرّح بذلك.
 
صور السيلفي الصادمة

حتى تنظيم داعش نفسه لم يصمد أمام هذا الإغراء المرضي. فهاهم مسلحوه يظهرون مع ضحاياهم في صور سواء كان الضحايا أحياء أو أمواتا بالإضافة إلى صور إعدامات تقدم في مسرحة عالية الجودة من الإخراج الفني، من قطع رؤوس الناس، وإغراقهم، وحرقهم، إلى تكسير عظامهم.بل يقال إن ياسين الصالحي المتورط في جريمة ليون بفرنسا التقط صورة لنفسه مع رأس ضحيته وهو مديره وأرسل بها إلى شخص يعتقد أنه يحارب مع التنظيم في سوريا. فما ما علاقة صورة جنودنا بكل ذلك؟ بل ما علاقتها بالصور التي شاهد العالم بأسره البعض منها وهي لجنود أمريكيين في العراق تم التقاطها مع جرحى وجثث؟ والكثير من هذه الصور تظهر معتقلين عراة أوثقوا مع بعضهم البعض وهم ملقون على الأرض. وتوجد صور لرجال عراة سجناء كوموا فوق بعضهم بينما وقف جنود أمريكيون حولهم في فرحة المزهو بنفسه وببطولاته. ولا يتردد أيّ منّا في وصف هذه الصور وفظائعها باعتبارها جزءاً من "فظائع العصور الوسطى". كما أنه لا أحد يتردد في إدانتها.

هل نحن مع صور الجنود التونسيين مع الجثث التي هلّل لها البعض وعرضوها باعتبارها دليل انتصار ضد الإرهاب؟ هل نحن بصدد الإنسياق نحو هواية مريضة تنتشر في وسائل إعلامنا هذه الأيام وهي تتمثل في التنكيل بالجثث والتعود على رؤية الأدمغة المتناثرة والأمعاء المتدلية واللحم البشري المقطع؟هل هي سادية العقل الجمعي المقدسة باعتبارها سلوك المجموعة بكل ما تعنيه من الانقياد لسلوك العنف والتشفي والهمجية، دون كثير من التفكير في عواقب ذلك؟ هل استبد بنا هذا المرض حتى صارت وسائل إعلامنا الرسمية المملوكة للدولة تعرض رؤوس الضحايا مثلما فعلت ذلك القناة الوطنية بعرضها لرأس الراعي المقتول على يد الإرهابيين وهي  الصورة التي أثارت اشمئزاز الجميع وأدانتها الهيئة العليا المشرفة على القطاع السمعي والبصري؟ رغم التبريرات والحجج في كون الإرهابي مجرما خطيرا جدا على المجتمع التونسي برمته، فإن ردة فعل الجنود التونسيين تكاد تتوافق مع نفس المنطلقات التي نزعم التصدي لها. ففي أي شيء نختلف عن الإرهابيين حين نمارس مثلهم نفس الأساليب ونفس مرض التلذذ بالقتل؟ أيا كان المقتول، فللجثة حرمتها حتى ولو كانت لإرهابي قاتل ومجرم. والصورة المعروضة من قبل جنودنا دليل دامغ على القدرة البشرية المأساوية على الاستمتاع بصور الموت وهي في آخر الأمر إخلال صريح بشرف البدلة العسكرية لجندي نظامي، يفترض أنه درّب على الحرفية والالتزام بأخلاقيات الحرب. وهو ما يستدعي في نظرنا تحقيقا وتشددا من وزارة الدفاع حول صدقية الصورة وحول من أخذها وروّج لها. فمن غير المقبول أن يقترن الدّفاع عن المجتمع في مواجهة خطر الإرهاب (وهو أمر حيوييّ وأساسيّ) بالتماهي مع أيّ شكل من الأشكال الهمجية للغرائز البشرية.

الصورة منقولة عن موقع www.elwehda.com

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني