“أجساد النساء هي المكان الأول الذي تنخرط فيه المرأة في النضال السياسي”.
(هاركورت، و.، واسكوبار، أ. (2005). Women and the politics of place. (ص. 228). كوماريان برس)
يشكل العنف المرتبط باللجوء تبعاً للحرب أمراً لا مفر منه، خاصة في حال استمرار الحرب لأكثر من ثلاث سنوات. وفي معرض الحديث عن الحروب، يؤكّد خطاب المساعدات الإنسانية دوماً أن النساء والأطفال هم أكثر الفئات عرضة وضعفاً خلالها. وعلى الرغم من أن العنف هو واحد، سواء لحق بأي نوع اجتماعي، من رجال أو نساء أو غير ذلك، غير أن حدّة العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة يبرز بروزاً واضحاً ومضخّماً خلال أزمنة الحروب. والخط الذي يفصل عادة بين العنف ضد المرأة والعنف ضد أي إنسان عموماً هو أن المرأة تختبر العنف من خلال جسدها (تحرش وإتجار واغتصاب). بالإضافة إلى ذلك، لطالما كانت المرأة، ولا تزال، تُعتبر من غنائم الحرب. وتسعى هذه المقالة إلى تقييم الخطاب المستخدم للتصدي لظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي والذي يؤدي الى استعادة الأدوار النمطية للجنسين وتكرارها. وتستند المقالة إلى مقابلات نوعية أجريت مع منظمات غير حكومية دولية ومحلية تشارك في الدفاع عن حقوق المرأة وتوفير الخدمات للنساء من اللبنانيين واللاجئين.
تزايد وتيرة العنف القائم على النوع الاجتماعي: ما من مكان آمن للاجئات السوريات
يتضح من المراجع المتوفرة أنه ليس هناك أي مكان آمن للنساء السوريات اللاجئات، سواء في الحيّز الخاص أو في الأماكن العامة، إذ إنهن يواجهن أشكالاً متعددة من العنف نتيجة الصراع والنزوح. “تشير تقييمات أثر الأزمة السورية على ارتفاع مستويات العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ويلاحظ تزايد انتشار الاغتصاب والاعتداء والعنف من جانب الشريك الحميم والجنس من أجل البقاء. وأمام الهيئات الإنسانية حاجة ماسة للعمل معاً للتعامل مع ذلك التوجه.”[1] اتفقت سائر المنظمات غير الحكومية التي تمت مقابلتها على عدم وجود أي مكان آمن للاجئة السورية في لبنان: في حال مغادرتها المنزل، فهي تتعرض للتحرش الجنسي؛ وفي حال ملازمتها المنزل، فهي تتعرض للاعتداء الجسدي واللفظي من قبل الذكر المهيمن داخل الأسرة.
وقد حددت لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) ثلاثة تحديات رئيسية تواجهها المرأة والفتاة السورية اللاجئة: أولاً، واقع الاستغلال الجنسي والتحرش اليومي. ثانياً، ارتفاع وتيرة حوادث العنف المنزلي، الأمر الذي يفقد المرأة الشعور بالأمان داخل منزلها. وثالثاً، الزواج المبكر والقسري في سياق النزوح وتناقص الموارد.[2]
ووفقاً لسائر المنظمات غير الحكومية التي جرت مقابلتها، تتعرض اللاجئات السوريات للتحرش الجنسي يومياً أينما ذهبن: عند خروجهن لشراء الخبز، أثناء السير في الشوارع، على الطريق إلى المدرسة، أثناء توجههن لاستخدام المراحيض داخل المخيمات. ويساهم الاكتظاظ وانعدام الخصوصية في المخيمات في تفاقم خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي إذ لا يمكن للنساء استخدام مراحيض أو وحدات استحمام منفصلة، كما أنهن غير قادرات على العيش في مكان يؤمّن لهن الخصوصية.
كما تتعرض النساء أيضاً للتحرش أثناء محاولتهن الوصول إلى الخدمات. توضح هبة عباني، وهي منسقة مشاريع في منظمة “كفى عنف واستغلال”، أن النساء اللواتي يُعتبرن أجمل من غيرهن يحصلن على حصص الإغاثة قبل الأخريات، وقد يُطلب منهن أحياناً تقديم بعض الخدمات مقابل الحصول على المساعدة. تستخدم الخدمات الصحية والطبية أيضاً كأدوات للاستغلال. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الصراع في عرسال قد زاد من خطر تعرض النساء للعنف والتحرش الجنسي إذ زاد احتمال خروجهن للحصول على المساعدة أو التسوق بسبب مطاردة الرجال من قبل الجيش اللبناني. تختلف هوية المتحرشين. فبحسب لمى نجا، مديرة برنامج الاستجابة الطارئة في مركز أبعاد، قد يُرتكب التحرش الجنسي من الأقارب أو من أشخاص داخل المخيمات، ولكن أيضاً من أشخاص من خارج المخيمات، سواء كانوا لبنانيين أو سوريين.
وتضيف نجا أن ظاهرة الزواج المبكر تتفشى بشكل كبير. فتجد الأسر نفسها مضطرة إلى تزويج بناتها الصغيرات من أجل حمايتهن أو التخفيف من بعض الأعباء الاقتصادية. الا أن هذه الزيجات غالباً ما تفشل في تأمين الحماية، لا بل أنها تساهم في زجّ النساء في موقف أكثر ضعفاً، كما أنها قد تصل إلى أن تكون شكلاً من أشكال الاستغلال الجنسي. وفي الواقع، معظم هذه الزيجات لا تُسجل بشكل قانوني وغالباً ما يعيد العريس الفتاة إلى أسرتها بعد عدة أسابيع عندما يبدو انه قد ملّ منها.[3]
كما أن المرأة لا تنعم بالأمان في الحيّز الخاص إذ لاحظ العاملون في مجال الإغاثة زيادة في العنف المنزلي ضد النساء أيضاً، خاصة داخل المخيمات. وفقاً للأشخاص الذين تمت مقابلتهم، ينتج هذا العنف الممارس ضد اللاجئات السوريات عن نظرة المجتمع المضيف إلى هؤلاء النساء على أنهن مستضعفات، وبالتالي فريسة سهلة للزواج المبكر أو الإتجار وسلعة يمكن مبادلتها بسلع أخرى أو بدلات الإيجار أو خدمات مقابلة أو الغذاء أو الحماية في المخيمات وهلم جراً.
على غرار المرأة اللبنانية، تصطدم المرأة السورية بضعف الإطار القانوني في لبنان لحماية النساء من العنف القائم على النوع الاجتماعي، الأمر الذي يسمح للمرتكبين بممارسة العنف ضد المرأة من دون خوف من أي عقاب، سواء من الدولة أو من المجتمع نفسه.
تفاقم المخاطر داخل المخيمات: ظاهرة الشاويش
نظراً إلى أن الحكومة اللبنانية ترفض السماح للمفوضية ببناء مخيمات رسمية، يستطيع اللاجئون الحصول على المساعدات الإنسانية ولكن لا يمكنهم الحصول على ملاجئ رسمية تخضع لإشراف المنظمات الإنسانية المباشر. المخيمات، سواء كانت رسمية أو عشوائية، هي عنفية بطبيعتها إذ تعزل اللاجئين واللاجئات وتشكل أرضاً خصبة للعنف القائم على النوع الاجتماعي. وتشجع هيكلية المخيمات، جنباً إلى جنب مع الإطار العشوائي، على قيام هرمية للسلطة بين المجتمع المضيف واللاجئين بحيث يمكن للاستغلال أن يحدث بسهولة. فعندما يمتلك المجتمع المضيف حرية فرض نظامه على المخيمات العشوائية، يصبح اللاجئون أكثر عرضة للاستغلال من قبل مالكي المخيم الذين يتحكمون بمعيشتهم ومأواهم. تتمركز السلطة في هذه الحالة في شخص واحد، لا يخضع لمساءلة أي جهة: إنه “الشاويش”.
لم يتم نشر أي تقارير رسمية حتى هذا التاريخ حول دور الشاويش في المخيمات العشوائية. تستند المعلومات التي تم جمعها لهذا المقال إلى تجارب وملاحظات أشخاص هم على اتصال يومي مع اللاجئين. والشاويش هو ممثل المالك، أي الشخص المفوّض من قبل مالك الأرض التي يقع المخيم فيها من أجل إدارته. واستخدام تسمية “شاويش” ليس بريئاً، إذ عادة ما تُستخدم هذه التسمية في لبنان للإشارة إلى السجين الذي يختاره حراس السجن لمراقبة وإدارة شؤون السجناء الآخرين. أما في المخيمات، فيتمتع الشاويش بسلطة مطلقة تخوّله التحكم باللاجئين: لديه السلطة للسماح لهم بالإقامة على الأرض وجمع بدلات الإيجار وطرد اللاجئين غير المرغوب فيهم، وحتى التحكم أحياناً بقدرة وصول الوكالات الإنسانية إلى المخيم. إنه بمثابة مختار، يتولى إدارة سائر جوانب الحياة اليومية في المخيم. ووفقاً لأحد عاملي الإغاثة الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، “لا شيء يحدث في المخيم من دون موافقة الشاويش”. كما أفادت منظمات غير حكومية أن العديد من النساء يشتكين من تعرضهن للاستغلال من قبل الشاويش. وبحسب ممثل إحدى المنظمات غير الحكومية، يمكن لسلطة الشاويش أحياناً بلوغ حدّ تقرير ما إذا كان يُسمح لفتاة معينة بالذهاب إلى المدرسة أو إذا كانت مستعدة للزواج في سن مبكرة. ولا يمكن لأسرة المرأة تحدي سلطة الشاويش نظراً إلى قدرته على طردهم من المخيم. كما أنه قادر على التحرش بالنساء من دون أي مساءلة إذ يسيطر على سائر الخدمات والموارد.
وقد أكدت رلى المصري، مديرة برنامج المساواة بين الجنسين في مؤسسة أبعاد، أن اللاجئات قد أفدن أن سائر الخدمات الخاصة بالنساء تمر عبر الشاويش، الأمر الذي وصفتهالمؤسسة بعامل خطر. في بعض المناطق، تفوق سلطة الشاويش على النساء والفتيات سلطة الوالدين عليهن. كما أشارت هبة عباني من منظمة “كفى عنف واستغلال” الى أن قدرة الوصول إلى النساء في المخيمات رهن بالشاويش. فهو الذي يسهل دخول المنظمات غير الحكومية إلى المخيم ويجمع النساء للمشاركة في مجموعات التركيز والدعم التي تنفذها هذه المنظمات. وبحسب كارولين مصبونجي، منسقة العنف القائم على النوع الاجتماعي في المجلس الدنماركي للاجئين، ما من دليل على مثل هذا السلوك الاستغلالي للشاويش. وكجزء من برنامج الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، يتم العمل مع الشاويش من أجل توعيته على العمل الذي تقوم به المنظمة للوقايةمن العنف القائم على النوع الاجتماعي وسبل التصدي له في المخيمات. وفي بعض الحالات، يساهم الشاويش أيضاً في إحالة الناجيات من هذا النوع من العنف لخدمات المنظمة.
المشكلة، هنا، هي في مركزية السلطة في شخص واحد، الأمر الذي يفسح المجال للاستغلال، خاصة استغلال النساء، إذ ما من إطار للمساءلة. ولا تشكّل المخيمات العشوائية وحدها أرضاً خصبة للعنف، تلاحظ مصبونجي، إذ أن العنف ضد المرأة قد يحدث أيضاً في المخيمات الرسمية. فمن الأسباب الرئيسية للعنف تشكيلات هرميات السلطة نفسها. فالمخيمات في حد ذاتها، سواء رسمية أو غير رسمية، تتيح المجال لبروز هياكل السلطة فيها وهذه هي المشكلة.
بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر سياسات الحكومة اللبنانية تجاه اللاجئين السوريين بشكل عام من أهم العوامل التي تسهم في ارتفاع نسبة العنف ضد اللاجئات السوريات. فالنساء ينظرن إلى السلطات اللبنانية على أنها مصدر خطر وعنف في حد ذاتها. وتخشى النساء المقيمات داخل المخيمات من اللجوء إلى الشرطة اللبنانية للحصول على الحماية في حال تعرضهن للعنف وذلك بسبب الوضع السياسي والأمني. فالشرطة، بالنسبة إلى اللاجئين واللاجئات، لا تجسد الحماية وإنما عامل تهديد ضدهم بمعزل عن النوع الاجتماعي.
كيف تساهم الخطابات المستخدمة للتصدي لأزمة اللاجئين في تكريس الأدوار النمطية للجنسين؟
تعمل المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية على التصدي لارتفاع وتيرة العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد اللاجئات السوريات. ويتم ذلك بشكل رئيسي من خلال المراكز التي تسهل وصول النساء ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى المساعدة القانونية والطبية والاجتماعية والنفسية. وغالباً ما تشكل هذه المراكز أماكن آمنة للنساء فقط تسمح لهن بالحصول على الخدمات والتدريب المهني والمشاركة في مجموعات الدعم بحيث يمكن لهن مناقشة القضايا المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في جو آمن. كما تسعى المنظمات غير الحكومية إلى منع حدوث هذا النوع من العنف من خلال تمكين النساء من حماية أنفسهن وأفراد مجتمعهن من العنف. وتستهدف بعض المنظمات أيضاً الرجال بهدف توعيتهم على العنف القائم على النوع الاجتماعي ومساعدتهم على التحكم بالإجهاد والغضب اللذين يعتبران من العوامل المساهمة في هذا النوع من العنف. كما تمتلك المنظمات غير الحكومية شبكة إحالة وتنسيق في ما بينها.
ولشرح كيف يتمّ تكريس الأدوار النمطية المنسوبة إلى كلا الجنسين من خلال محاولات التصدي لأزمة العنف في أوساط اللاجئين السوريين، يمكننا إلقاء نظرة معمقة على جانبين من جوانب هذه المحاولات، يتناولان موضوع حقوق المرأة.
يتمثل الجانب الأول بالأدوات التعليمية المقدمة إلى اللاجئات كوسيلة لتمكين المرأة. فهي تشمل، من بين جملة أدوات أخرى، التدريب على الرعاية المنزلية والتطريز والماكياج والزراعة. وعلى الرغم من أن هذه المهارات تساعد النساء على كسب رزقهن، إلا أن نوعية الدورات التدريبية المقدمة تفترض سمات معينة من الأنوثة لدى المرأة لا تتخطى الأدوار المنوطة بنوعها الاجتماعي. وهذا يصح جلياً على خدمات الرعاية المنزلية التي تستعيد دورها كأم. ومن شأن ذلك طبعا، الحدّ من تقبل المجتمع للمرأة غير المتزوجة لأنها ستعتبر وكأنها قد فشلت في أداء الدور المطلوب منها في المجتمع. كما يصح هذا القول بشأن تعليم التطريز الذي يُعدّ هواية تقليدية أو نوعا من أنواع الأعمال المناسبة للمرأة، إذ لا يحتاج إلى مجهود بدني قوي؛ وأيضا بشأن الزراعة التي هي من الأعمال المنسوبة للنساء على مرّ التاريخ. ولا تتأتى المشكلة طبعا من رعاية المرأة لمنزلها أو من قيامها بالأعمال المذكورة وإنما من الافتراض بأن هذا دورها الطبيعي في المجتمع. ووفقاً لجوديث بتلر، ما من نوع اجتماعي أولي وأصلي يقلده النوع الاجتماعي، وإنما النوع الاجتماعي هو تقليد التقليد.[4] ومن خلال هذه الحجة، تؤكد بتلر أن النوع الاجتماعي هو بناء اجتماعي، يبني فيه المجتمع نفسه ويحدد أدواراً معينة لكلا الجنسين ليعيد ويكرر هذه الأدوار عن طريق التقليد أو الضبط. فما من نوع اجتماعي أولي أو أصلي، فالنوع الاجتماعي ليس ظاهرة طبيعية بل ظاهرة مكتسبة عبر التاريخ تتكرّر عن طريق التقليد. إن هذه الأدوار، سواء الرعاية المنزلية أو التطريز أو التدريب على فن التجميل، تعيد التأكيد للنساء على نوعهن الاجتماعي وتحدّ أداءهن بذلك. كما تحدّ أيضاً من قدرتهن على الاضطلاع بوظائف مختلفة أو وظائف تتطلب جهدا فكرياً أكبر، يتخطى الرعاية المنزلية والتربية والتطريز.
أما الجانب الثاني فيتعلق بنظرة محاولات التصدي هذه إلى طرق الحماية والتوعية على العنف القائم على النوع الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، يتم تعليم النساء كيفية التعامل مع العنف والإبلاغ عنه، فيما يتم تزويد الرجال، من جهة أخرى، بدورات تدريبية على التحكم بالغضب. فتستعيد محاولات التصدي الخطاب القائل بأن الغضب هو سبب العنف، فيما تغفل تماما الطبيعة الجندرية لهذا العنف (المرتبطة بالنوع الاجتماعي). ويسود هذا الخطاب أيضاً بين النساء أنفسهن. فوفقاً لعباني، تعزو النساء المشاركات في مجموعات التركيز تزايد وتيرة العنف المرتكب ضدهن في الظروف الراهنة إلى الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها الرجال. كما أشارت النساء أيضاً إلى أن أكثر أنواع العنف إزعاجاً هو العنف الممارس من المجتمع المضيف، وليس العنف المنزلي. وعلى غرار النساء، أفاد الرجال المشاركون في مجموعات التركيز عن تعرضهم هم أيضاً للكثير من العنف العائد في معظمه إلى العنصرية السائدة في المجتمع المضيف ضد اللاجئين السوريين. فمفهوم العنف هنا أكثر تعقيداً إذ تبرر النساء العنف المنزلي بالعنف المرتكب ضد الرجال الذين يقومون بتعنيفهن. وهذا الخطاب الذي يربط العنف الذكوري بالغضب إنما هو مختل في أساسه ويتغاضى عن مسبباته الجذرية. فتتعرض اللاجئات للعنف والعنصرية من قبل المجتمع المضيف على غرار اللاجئين الذكور. كما أنهن يتعرضن للتحرش الجنسي والاستغلال. ومع ذلك، فمعظمهن لا يقمن بتعنيف الرجال في أسرهن. فالسبب الرئيسي للعنف ليس في الواقع الغضب، وإنما بنية أعمق للسلطة، تنسب سمات الذكورة والرجولة إلى الرجال وتبرر عنف الرجل ضد المرأة. فمفهوم العنف ضد المرأة بوصفه نتاجاً لحالة غضب ليس فقط جزءاً من تاريخ من كراهية النساء، وإنما يُعاد تأكيده من قبل وكالات الإغاثة عبر تصميم حلول سريعة للتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي -والعنف الأسري بشكل خاص- من خلال تعليم الرجال كيفية التعامل مع غضبهم لمنع العنف المنزلي. وتوافق مصبونجي على أن العمل مع الرجال لتدريبهم على التحكم بالغضب لا يعالج الأسباب الجذرية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، ألا وهي عدم المساواة بين الرجال والنساء. ومن أجل ايجاد بيئة أكثر مساواة، حيث لا تتعرض المرأة والفتاة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، يقتضي على خلاف ذلك اطلاق أنشطة تثقيف وتوعية طويلة الأمد. غير أن مصبونجي ترى أن هذا النوع من التدريب يعالج أحد العوامل المؤدية إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي. لذلك، تشجع المنظمة مقاربة الرجال ليس فقط على أنهم مرتكبون وإنما أيضاً على أنهم قادرون على أداء دور إيجابي والمساهمة في عملية التغيير.
“كل سياسة قائمة على تقديم المساعدة إنما هي في الوقت نفسه أداة للسيطرة على المستفيدين من هذه المساعدة”.[5] وبوصفها الجهة التي تتولى قيادة الاستجابة للتصدي لأزمة اللاجئين، تضطلع المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بدور محوري في تحديد سياسة المساعدة من خلال التحكم بالتمويل وتحديد طرق تقديم المساعدة. وبالفعل، معظم مشاريع التصدي للعنف ممولة أو منفذة بالشراكة مع المفوضية. لهذا السبب، وللتخفيف من العنف القائم على النوع الاجتماعي، لا بد للمفوضية والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية من إعادة النظر في سياسة استجابتها للعنف من أجل معالجة الأسباب الجذرية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، بدلاً من إعادة إنتاج هذه الأدوار الجامدة المنوطة بالجنسين. ( ترجمة غادة حيدر)
*باحثة وكاتبة نسوية. تحمل شهادة الماجيستير في دراسات الجندر والمرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
نشر هذا المقال في العدد | 23 |كانون الأول/ديسمبر/ 2015 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
اللاجئون السوريون في لبنان من زوايا مختلفة
نشر في العدد صفر من مجلة المفكرة القانونية في تونس
للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك الضغط هنا
[1] عناني، غ.، الأزمة السورية: أبعاد العنف القائم على النوع الاجتماعي الممارس ضد اللاَّجئين السوريين في لبنان، نشرة الهجرة القسرية، عدد 44، أيلول 2013، على الرابط:
http://www.fmreview.org/ar/detention/anani
[2] International Rescue Committee,
Are We Listening? Acting on our commitments to women and girls, 2014
[4] بتلر، ج. (1990).
Gender trouble: Feminism and the subversion of identity.
New York Routledge
[5] آجييه ،م. (2012).
Managing the undesirables. الولايات المتحدة الأميركية:
Polity Press