ملخص ما ظهر في التقرير الإستقصائي الذي أعده الصحفي رامي الأمين وعرضته قناة الجديد، تحت عنوان "العالم السفلي للعدالة في لبنان"، أن المحاميين ماغي وزنة وزوجها وسيم شعرعرضا على أحد الأشخاص وسنسميه "س" التدخل لدى عمّ المحامية، قاضي التحقيق بلال وزنة ليحفظ ملف "س" المعروض أمامه مقابل مبلغ من المال وقدره 150 ألف دولاراً أميركياً. وفي التفاصيل أن المحاميين زارا "س" في مكتبه، مدعيين أنهما يتكلمان بإسم القاضي وزنة ليناقشاه بتفاصيل قضيته التي لا تزال في مراحل التحقيق. ومن تفاصيل التحقيق، ينتقل المحاميان الى التهويل بوجود تدخلات من أحد النافذين في وزارة العدل لا تصب في مصلحته. من بعدها، يسعى الزوجان إلى إثبات قوتهما وقدرتهما على إغلاق الملفات، فيزعمان أن المدعي العام الإستئنافي في بيروت زياد أبو حيدر، حفظ دعوى مرفوعة بحق المحامية وزنة، بطلب مباشر من القاضي وزنة. كذلك الأمر، يوضح المحاميان لـ"س" أن خيار المحكمة العسكرية المتاح أمامه لإنهاء قضيته غير مفيد، ذلك أن القاضي وزنة نفسه هو مفوض الحكومة هناك. وهكذا يحبك الثنائي سيناريو كاملا، لا دلالات على صحته من عدمها، يوحيان به لـ"س" أن خلاصه بين أيديهما الآن. ويظهر القاضي وزنة في هذا السيناريو الذي رسماه، وكأنه يجلس رهن إشارة السماسرة والتدخلات.
علامة الإستفهام الأولى قد تطرح عن مصدر معلوماتهما ما دامت التحقيقات سرية. الحقيقة أن إمكانية تسريب مضمون الملف ليس حكراً على القاضي، ولكنه مصدر محتمل. إلا أن إستخدام إسم القاضي من دون علمه هي أيضاً فرضية قائمة ما دامت إدانته غير ثابتة. الأكيد أن مدى تورط القاضي في المسألة أمر لا يحسمه الا تحقيق قد تبادر هيئة التفتيش القضائي الى فتحه أو نتائج التحقيق الذي يفترض أن يفتح بناءً على الدعوى التي سارع القاضي وزنة نفسه لتقديمها أمام النيابة العامة التمييزية بحق المحاميين بجرم التشهير والتهديد، وفقاً لما جاء في الوكالة الوطنية للإعلام.
يأتي المحاميان إذن مع تسعيرة لصفقة السمسرة التي بين أيديهما. فيجد "س" أن الرقم المطلوب مبالغ به فقضيته ليست "كوكاكيين". وهنا تأتيه الإجابة من المحامية "وزنة": "لو كانت كوكايين كنت بدك تدفع نص مليون دولار". دلالة أولى على وجود تسعيرات متعارف عليها للقضايا، وبالتالي وجود سوابق محتملة لهذا العمل. وغير هذه الدلالة، يوجد إشاراتٌ عدة على وجود حالة سمسرة بطلاها محاميان، إذا صدقت أقوالهما في التسجيل. وبالطبع، تشكل هذه القضية مناسبة تستدعي المزيد من التدقيق للتأكد ما إذا كانت هذه الحالة إستثنائية أم منتشرة. ولا بد كذلك من التركيز على الأمور الواضحة التسجيل للتساؤل عن موقف الجهات المعنية، فماذا عن التدخلات المذكورة في عمل القضاء؟ وماذا عن موقف نقابة المحامين من الفعل الموثق؟ ما هو موقف وزارة العدل وهل تتحرك هيئة التفتيش القضائي؟ أي دور للإعلام في هذه القضايا وكيف يتابعها فيما بعد؟
يقول محام في إحدى المقابلات أنه "بريء الذمة من العلاقات المميزة مع القضاة". وليست تبرئة الذمة هذه إلا تنصلاً من شبهة مفترضة عن تمرير القضايا بفعل العلاقات الشخصية. والحق أن النزاهة لا تقاس بهذا المقياس، لكنه وليد واقعٍ ما. ويجوز هنا إستعادة قضية تطرق اليها الإعلام [1]قبل سنتين عن تحقيق فتحته هيئة التفتيش القضائي "خاض في العلاقات المشبوهة التي تربط 11 محاميا و8 قضاة ببعضهم البعض". وفقاً للمصدر، تم الكشف على حركة إتصالات بين القضاة والمحامين هؤلاء بعضهم بالبعض، ثم حفظ الملف "بقدرة قادر". قبلها بحوالي السنتين، أي عام 2011 ألقي القبض على 4 سماسرة اكتشف تقاضيهم المال من أشخاص لديهم ملفات أمام القضاء، لإنهاء الدعوى أو تخفيض الحكم، من دون ان يكون للقضاة علم بذلك[2]. كما نشرت المفكرة القانونية في عددها الرابع تعليقا على الحكم الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي في صور السابق بلال بدر والذي أدان فيه أحد الأشخاص لعرضه التوسط لدى قاض لتسريع اصدار الحكم لقاء مبلغ مالي[3]. واذ ثبت في الملف آنذاك حركة اتصالات هائلة بين القاضي والسمسار المفترض، صدر حكم تأديبي بصرف القاضي المعني من العمل (حسين نور الدين) قبل أن تعود الهيئة العليا للتأديب وتفسخ الحكم مكتفية بتخفيض أربع درجات.
هذه التوثيقات التي قام بها الإعلام على قلتها، في ظل علاقة الحذر بينه وبين المحامين والقضاة، تعزز فرضية وجود حالة شائعة من سمسرات مشابهة.
تؤكد المحامية "ل" أن لا شيئا مفاجئا بما تراه. فكثر ممن يلجؤون اليها يخبرونها عن وعود تلقوها من محام أو موظف للتدخل لدى قاض ما مقابل مبالغ مالية دفعوها، ليفاجؤوا لاحقاً بزيف الوعود. وهنا تؤكد "ل" أن هذه الأفعال عادةَ ما تتم من دون علم القاضي. وتضيف أن "المحامين يعرفون بعضهم البعض، فلو جاء زبون الى محام يلتزم القانون طالباً منه إنهاء قضية عبر الرشوة، يدله الى المحامي الذي يقبل ذلك". والمعنى إذن، أن هذا الشكل من الفساد ليس منتشراً فقط، بل له أصحابه وهم معروفون من قبل زملائهم، أي يمكن أن يصبحوا معروفين من قبل النقابة نفسها لو بدأت تحقيقاً بهذا الخصوص. هذا ما تؤكده "ل" عندما تقول أن "هذه الحالة ليست خاصة ولا تتعلق بهذين المحاميين فقط، بل هي حالة عامة ولكن لا يوجد إستراتيجية لمكافحة الفساد بشكل عام، وتقف الأمور عند حد تقاذف المسؤوليات بين القضاة والمحامين، فيرمي كل منهما اللوم على الآخر بالفساد".
بالمقابل، يجد المحامي "م" أن ما حصل صادم، وهو أكيد أن الأمر لن يمر مرور الكرام أمام النقابة. فمسألة "السمسرة" وفقاً له "غير موجودة قطعاً". يضيف "م" هؤلاء "ليسوا محامين، والمحامي عندما ينزل الى هذا المستوى يشطب". لا يخفي "م" انفعاله أمام قضية كهذه، فهو يشعر أنها تمس به كـ"محام يمارس هذه المهنة منذ 42 سنة". وفعل "شعر" و"وزنة" هو "إهانة، لكل المحامين ولسمعة النقابة".
النقابة من جهتها ترفض الإفصاح عن أي تفصيل حول الخطوات التي قد تتخذها في هذه القضية، على خطورتها. ويكتفي مفوض قصر العدل في النقابة ناضر كاسبار بالإفصاح لـ"المفكرة" عن بدء تحقيق أولي بالموضوع في النقابة، وأنه يستمع اليوم الثلاثاء للمحاميين. ويرفض كاسبار أن يبدي أي تعليق عما ورد في التحقيق الصحافي كونه لم يطلع عليه بعد.
التحفظ الأخير جاء على لسان المحامي شعر نفسه، حيث صادف إتصال المفكرة معه في وقت تواجده أمام كاسبار للإستماع اليه. وجاء جوابه حرفياً : "هلق أنا بالتحقيق"، يتلقى توجيهاً من كاسبار ليكمل "ممنوع إحكي لا هلق ولا بعدين، القضية صارت بالتحقيق".
غير أن التحقيق الإستقصائي الذي عرض عبر الإعلام، علمت به النقابة سابقاً حسبما أفادنا الأمين، لكنها تريثت في إبداء أي تعليق على المضمون مفضلة انتظار عرضه عبر الإعلام ليبدأ حينها "التحقيق السري". ويتخوف الأمين من سرية التحقيق ويصرح "أن نتائج التحقيق يجب أن تكون امام الرأي العام" وهو ما ينتظره كونه "سيلاحق هذه القضية حتى خواتيمها". والحال أن القضية "عملياً وصلت الى نقطة أساسية، هي أن القضاء وضع يده عليها بفعل شكوى القاضي وزنة".ولكن "لو كان مضمون ما قالوه في التسجيلات صحيح لناحية قدرتهم على إقفال ملفات وحفظها، فإن الأمر يسري على ملفهم". من هنا يجد الأمين دوره في "متابعة الملف". يضيف الامين أن "الكرة الآن في ملعب النقابة، فهي التي تسمح بملاحقتهم او تمنعها، وهنا دوري أن أخوض معركة لإعطاء إذن بملاحقتهما لو توجهت النقابة الى حمايتهما". لا يخفي الامين مدى تمسكه بأي قضية لها علاقة بالقضاء، فهذه القضايا "عادةَ ما تبقى في دوائر مغلقة".
على خط مواز، يلتزم التفتيش القضائي أيضاً السرية، وفقاً لمستشار وزير العدل، القاضي محمد صعب في حديث مع المفكرة. ولكن السرية هنا تطال وجود نية بفتح تحقيق من عدمها. والحال أن الوزارة لا ترغب بالإفصاح عن هذا التفصيل حتى. غير أن كلام صعب يوحي ألا تدقيق في علاقة القاضي بما ورد في التسجيلات، ويبدو أن الشكوى التي قدمها تدعم موقفه لهذه الناحية. حال صعب كأغلب من تابع القضية، لا يجد جديداً في الأمر فـ"عملية إستغلال أسماء القضاة يومية وموجودة". لذلك "عملية البحث عن هؤلاء أصلاً قائمة وليس هذا التقرير هو الذي سيحركها". غير أن إتخاذ إجراءات بشكل مستمر أمر صعب لأن "الإثبات فيه صعب". ولكن، هذه الفيديوهات أول الخيط، هل تكملون؟ "الأمور في مرحلة التبلور، وقد يصدر عن الوزارة موقف أو رأي لاحقاً".
من جهته يرى القاض "ج" أن قضية كهذه تستدعي تحركاً بالتوازي من قبل القضاء ونقابة المحامين على حد سواء. وهنا يجد أن مبادرة القاضي وزنة بالإدعاء على أقاربه مباشرةً، مسألة مهمة جداً وهي "قرينة براءة، فلو كان له يد في الموضوع ما كان ليجازف لا سيما أن المحاميين لن يخفيا أي أمر بفعل الموقف الذي وقعا به". ذلك لا ينفي وفقاً لـ"ج" المشكلة التي يعاني منها لبنان على صعيد "شفافية القضاء وإستقلاله". ذلك أن "القاضي عندما يشهد ما يصيب زميله نظيف الكف عندما يصدر قرارات جريئة، ماذا نتوقع منه؟"
القضية اليوم تتعلق بمحاميين، وقاض يواجهون وفقاً للفيديو شبهة مفادها أنهم قصدوا متهما في عقر داره يسألونه المال لحفظ ملفه. والقضية تتعلق بدائرة نفوذ القاضي الذي إستخدمها المحاميان لإحكام قبضتهما على خناق المتهم (س). وهي تدلل على وجود ظاهرة مفترضة أوسع، تتخطى هذه الحالة وهذه القضية الى قضايا أخرى قد تكون "كوكايين". أبواب الإحتمالات باتت مشرعة، والحسم هنا يحتاج الى تحرك من كل الاطراف المعنية للتحقيق، بشكل خاص نقابة المحامين والتفتيش القضائي. فهل تكون هذه القضية مدخلا لفتح باب الفساد في ردهات القانون والعدالة؟
[1]-رضوان مرتضى، جريدة الأخبار، العدد 2076، "قضاة لبنان صيف وشتاء تحت سقف المساءلة"
[2]– محمد نزال، جريدة الأخبار، العدد 1306، "توقيف أربعة سماسرة قضائيين في قصر عدل صيدا"
[3] نزار صاغية، ثلاثة قضاة يتعاضدون لكشف "صرف نفوذ" في قصور العدل، وعلى الرأي العام ان يكتب التتمة…، المفكرة القانونية، العدد 4، نيسان 2012