سكّان الضاحية باقون: الدولة لا تلجم تجّار العقارات


2024-08-08    |   

سكّان الضاحية باقون: الدولة لا تلجم تجّار العقارات
المبنى المتضرر جراء الغارة الاسرائيلية في حارة حريك

زحمة سير خفيفة، أبواب محال تجاريّة مفتوحة، ومارة لا توحي حركتهم بأي إجراءات غير اعتياديّة. هكذا يبدو مشهد شوارع  الضاحية الجنوبيّة لبيروت حيث جلنا بعد أسبوع من استهدافها بغارة إسرائيليّة أودت بحياة 8 أشخاص بينهم طفلان. ولكن خلف هذا المشهد أو ربما بموازاته مشهد آخر تُرسم تفاصيله عبر أحاديث الناس عن حرب دائرة منذ السابع من تشرين الأول، أكتوبر، وعن توسع محتمل لها قد يطال الضاحية، وعن الخيارات المتاحة أمامهم في حال قرّروا ترك منازلهم إلى مناطق مصّنفة، في المبدأ، أكثر أمانا، ولاسيّما أنّ الضاحية نفسها كانت وجهة نزوح عائلات من الجنوب.

من مراسم تشييع الطفلين اللّذين استشهدا في الغارة الإسرائيلية على الضاحية

لم يكن هذا الاستهداف، الأوّل للضاحية الجنوبيّة خلال العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من تسعة أشهر، إذ سبق وأن استهدفت طائرة مسيّرة مبنى في الضاحية واغتالت صالح العاروري، نائب رئيس مكتب حماس السياسي، ولكنّها المرّة الأولى التي يُستشهد فيها مدنيون في الضاحيّة، الأمر الذي ترافق مع تصعيد بالتهديدات الإسرائيليّة، وحديث عن أنّ الضاحية الجنوبيّة والتي كانت خارج قواعد الاشتباك، باتت مستهدفة.

 شعور بالقلق راود سكّان هذه المنطقة والذين يُقدّر عددهم بـ 700 ألف نسمة. 700 ألف شخص تُركوا كما يُترك اللبنانيون في الأزمات وحدهم، فالدولة ذاتها التي لم تتدخّل للجم ارتفاع الأسعار الجنوني للمنازل خارج الضاحية بعدما استشعر بعض السماسرة وأصحاب المنازل ارتفاع الطلب، تنتظر في ما أسمته خطة الطوارئ، توسّع الحرب وبدء العدوان على الضاحية لفتح مراكز الإيواء. “فخطّة الطوارئ تأكّدت من جهوزيّة المدارس التي ستُفتح في حال حدوث أيّ تطوّر” يقول وزير البيئة ناصر ياسين لـ “المفكرة” لأنّ الإيواء “يرتبط بالنزوح القسري”.  

ويأتي غياب الدولة وشعور المواطنين بأنّ لا سند لهم في بلد طائفي يفتقد منذ سنوات إلى أي خطط سكنيّة تنظر إلى السكن كحقّ ما يسهّل تعامل صاحب الملك مع شقّته كسلعة وتعامل المستأجر انطلاقا من إمكانياته وهواجسه، كما تقول منى فوّاز، الباحثة في التاريخ الحضري والتخطيط العمراني والمحاضرة في الجامعة الأمريكية لبيروت، فنرى، كنتيجة، أنّ من لا يستطيع الاستئجار يتخذ قرارات مثل العودة إلى قريته، ولو كانت غير آمنة، أو البقاء في الضاحية، ونسمع أحاديث عن ترحيب أو عدم ترحيب بالنازحين.

  لم تشهد الضاحية الجنوبية موجة نزوح كبيرة حتّى اللحظة، حسب ما تؤكّد لنا مصادر متابعة وسكّان التقينا بهم، مشيرين إلى أنّ هناك عددا من العائلات، وبعد الغارة الإسرائيليّة، نزحت إلى خارج الضاحية الجنوبيّة ولاسيّما العائلات التي لديها أطفال أو كبار في سن. وأنّ النزوح كان بشكل أساسي من  المناطق التي يظنّ سكّانها أنّها أقل أمانا من غيرها، وتحديدا في محيط الغارة الإسرائيليّة الأخيرة. أمّا وجهة معظم من ترك فكانت بيوت أقارب لهم. ومنهم من عاد إلى الضاحية، ولاسيّما يوم الثلاثاء بعد خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الأخير، ومنهم من استأجر خارج الضاحية كخطة بديلة ولم ينتقل، ومنهم من انتقل فعلا.

“النزوح من الضاحية هو آخر خياراتنا” يقول معظم من التقت بهم “المفكرة” في حيّ السلّم وبئر العبد وحارة حريك، مشيرين، وكلّ حسب ظروفه، إلى أسباب تجعل البقاء في منازلهم الخيار الأوّل. فمنهم من لا يريد عيش وطأة النزوح قبل توسع الحرب، ومنهم من كانت الضاحية أصلا وجهة نزوحه من قريته التي تتعرّض لاعتداءات إسرائيليّة، ومنهم وببساطة لا يّريد ترك منزله، ومنهم من يشعر بأن لا خيار أمامه سوى البقاء في منزله كون أوضاعه الاقتصادية لا تسمح له بالانتقال إلى أي مكان ولاسيّما في ظلّ الارتفاع المفاجئ لأسعار بدل الإيجارات في بيروت، وفي أماكن أخرى شكّلت وجهة نزوح أساسيّة في حرب تموز 2006، ومنها جبل لبنان. 

وبعيدا من الخيارات المتاحة وغير المتاحة، يعبّر الكثيرون ممن التقيناهم عن وجع حقيقي يُرافق كلّ الخيارات “بيوتنا تعني أرواحنا، هنا أماننا وذكرياتنا، ترك المنزل انسلاخ” تقول سيّدة تركت منزلها بعد الإستهداف الأخير للضاحية مشيرة إلى أنّها تعود كلّ يوم إلى منزلها ،تتفقّده، وتمضي النهار فيه، وتغادر حيث أحفادها لابنتها “فليّت لأنه ما بدي عرّض الأطفال لتجربة مماثلة في حال التصعيد”. 

حركة نزوح خفيفة وتأمين منازل كخطوة وقائيّة 

 “حركة النزوح محدودة حتّى اللحظة” يقول مصدر متابع لأحوال الضاحية وكذلك السكّان الذين التقيناهم، وهي تتركّز بشكل أساسي في بعض شوارع حارة حريك القريبة من مكان الاستهداف وفي الشوارع التي يظنّ قاطنوها أنّها أقلّ أمانا من غيرها وكانت أكثر استهدافا في حرب تمّوز.

وتُشير فوّاز إلى أنّ معظم الدمار في الضحايا الجنوبيّة تركّز خلال العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، في محيط بلدية حارة حريك، حيث دُمر أو تعرّض لضرر شديد حوالي 265 مبنى سكنيا وتجاريا، مضيفة أنّ إحصاء البلدية تحدّث حينها عن  3119 وحدة سكنية و 1610 وحدة تجارية تدمرت بشكل كامل، وعن خسارة عشرون ألف شخص على أقل تقدير مساكنهم في حارة حريك. 

وتقول فوّاز إنّه وبحسب آخر مسح يعود إلى العام 2007 يبلغ عدد سكّان الضاحية الجنوبيّة حوالي 600 ألف نسمة لافتة إلى أنّ العدد ارتفع منذ ذلك الحين حتّى اليوم ولاسيّما مع توافد السوريين بعد العام 2011 ما يجعلنا نقدّر عدد سكّان الضاحية حاليا بحوالي 700 ألف نسمة. 

مساء، وبعد الضربة الإسرائيليّة التي استهدفت حارة حريك في الضاحية الجنوبية مباشرة مساء الثلاثاء 30 تموز المنصرم، تركت عدد من العائلات الضاحية وتوجّهت إلى أقاربها خارجها أو إلى أحد الفنادق في بيروت، وكلّ هذا كإجراء مؤقّت بانتظار ما ستؤول إليه الأحوال. بعض هذه العائلات عاد وبعضها لم يعد واستأجر، أو بدأ يبحث عن شقق للإيجار في أماكن من المتوقّع أن تكون آمنة في حال توسّعت الحرب.

أمل نزحت عند أختها لمدة يومين في منطقة عرمون ومن ثمّ عادت. “بعد اغتيال إسرائيل هنيّة (رئيس حركة حماس اسماعيل هنيّة) انتشرت أخبار بأن إيران سترد وإسرائيل سترد على الرد، خرجنا بانتظار كلمة السيد، وعدنا بعدها، شعرنا بأنّ لا حرب قريبة، ولا داعي لعيش وطأة النزوح قبل بدء الحرب” تقول.

“المفكرة” التقت عدد من العائلات التي نزحت من الضاحية ومنهم سارة (اسم مستعار) التي تركت منزلها في الحي الأبيض في رويس في الضاحية الجنوبية وانتقلت مع ولديها وزوجها إلى منزل أخيها في خلدة. لا تعرف إن كانت الحرب ستتوسّع أم لا ولكنّها تفضّل البقاء خارج الضاحية الجنوبيّة طالما لديها هذا الخيار. “ما دامت الأوضاع غير مستقرّة أفضل عدم العودة إلى الضاحية” تقول مشيرة إلى أنّ عائلات عدّة من أقاربها نزحت أيضا من الضاحية إلى بيروت.

وتتحدّث سيّدة أخرى أنّه وبعد تصاعد التهديدات الإسرائيليّة الأخيرة بدأت تشعر برغبة بترك الضاحية وأنّها لم تقم بهذه الخطوة إلا بعد الاستهداف الإسرائيلي القريب من منزلها. “مباشرة بعد الضربة بدأت أبحث عن منزل واستأجرت في منطقة الحمرا” تقول.

من جهة أخرى يبدو أنّ عددا ليس قليلا من الناس عمدوا إلى وضع خطّة نزوح في حال تأزّمت الأوضاع. “حرب تموز حصلت فجأة، لم نستطع التخطيط لنزوحنا حينها، هذه المرّة قرّرنا استئجار منزل ننتقل إليه في حال أي توسّع للحرب” تقول ماي (اسم مستعار) مشيرة إلى أنّ أحد أشقائها أرسل لها مالا من الخارج واستأجرت منزلا في بيروت مقابل 500 دولار شهريا. 

ارتفاع غير مسبوق بأسعار المنازل 

يتحدّث من التقتهم “المفكرة” من أشخاص خرجوا من الضاحية أو يبحثون عن منازل بهدف الخروج عن ما يسمونه “جنونا بأسعار الإيجارات” الأمر الذي يؤكّده السماسرة الذين تواصلت معهم “المفكرة” في مناطق عدّة. وتحدّثوا جميعا عن طلب مرتفع على الإيجارات بدأ مباشرة بعد حادثة مجدل شمس وزاد بعد استهداف إسرائيل الضاحية الجنوبية، ويشير السماسرة إلى أنّه بعد أيّام من 7 تشرين الأول، أكتوبر، تحرّك سوق الإيجارات في بيروت وفي عدد من المناطق ولكن ليس بالطريقة نفسها التي حصلت مؤخرا حيث ارتفع الطلب بشكل كبير ومعه طبعا ارتفعت الإيجارات، كأي سلعة أخرى. وتحدّث السماسرة عن اشتراط أصحاب المنازل دفع 3 أشهر مسبقا.

“بدل الإيجار ارتفع في بيروت  حوالي 50% ، ما كان يؤجّر بـ 400 دولار شهريا بات يؤجّر بـ 600 وهذا الحد الأدنى للإيجار حاليا” يقول أحد السماسرة في بيروت لـ “المفكرة”، مشيرا إلى أنّ الطلب زاد إلى حد أن لديه عائلات على لائحة الانتظار. 

أسعار بدل الإيجارات تبقى مقبولة في بيروت مقارنة بمناطق أخرى ولاسيّما تلك التي تلاقي إقبالا نظرا لقربها من العاصمة. “ربما لا يعرفون أننا لسنا سيّاحا وأنّ الموسم السياحي انتهى” تقول إحدى السيّدات التي نزحت من الضاحية إلى منزل أخيها في بشامون، مشيرة إلى أنها حاولت التواصل مع سماسرة كما الكثير من معارفها فكانت الأسعار بمثابة صدمة حقيقيّة. “طلبوا أربع آلاف دولار بدل إيجار منزل في القماطيّة والدفع سلف أيضا، وفي مناطق أخرى كانت الأسعار تتراوح بين ألف دولار و1500 وطبعا دائما 3 أشهر سلف” تقول.

ما تقوله هذه السيّدة يؤكّده أحد السماسرة في الجبل الذي أوضح أنّ الأسعار تتراوح بين 1000 و1500 دولار في بشامون اليهودية وعاليه وصوفر وشانيه وبعلشميه مع التأكيد على أنّ الدفع يكون 3 أشهر مسبقا وعمولة مكتب 500 دولار .

لم يتوقف الأمر عند الارتفاع الجنوني للأسعار، ولكنّ بعض من حاولوا الإستئجار شعروا وكأنّهم في مزاد إذ تُخبرنا إحدى العائلات أنّه بعد اتفاقها على إيجار شقة في دير القمر مقابل 800 دولار شهريا، يتّصل بها السمسار ويعتذر منها، لأنّه اضطّر إلى تأجير الشقّة لشخص دفع بدل إيجار أعلى. 

وبعيدا عن الأسعار يشعر بعض من ترك الضاحيّة بأنه عليه التأنّي باختيار منطقة النزوح ولاسيّما في ظل الحملات التي تظهر على وسائل التواصل من حين إلى آخر ضدّ استقبال النازحين. وفي هذا الإطار تخبرنا سيّدة أنّها تواصلت مع أحد الأشخاص لتسأله عن شقة كان يطلب فيها 900 دولار ولكن ما أن أخبرته بأنها لعائلة نازحة حتى اعتذر متحجّجا بأنّه لا يرغب تأجيرها.

وتخبرنا سيّدة أخرى بأنّ أحد أصحاب البيوت ولما عرف أن الشقة لعائلتها النازحة من الضاحية، قال إنّ سيُعاود الاتصال، ففهمت أنّه لا يريد تأجير نازحين.

ومنذ يومين انتشرت قصّة على وسائل التواصل الإجتماعي لعائلة تعرّضت لمضايقات في إحدى القرى الشوفية، فبعدما استأجرت هذه العائلة النازحة من الجنوب منزلا مقابل 900 دولار، طُلب منها وتحت التهديد مغادرة المنطقة. ونشر رئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب على منصة “إكس” اعتذارا، معتبرا أنّ “الممارسات لا تمت لبني معروف بشيء… فبيوتنا مفتوحة وقلوبنا كذلك “. 

مقابل هذه السلوكيات فتح أهالي عدد من مناطق منازلهم أمام النازحين سواء من الضاحية أو من الجنوب لذلك ترى هنادي التي التقينا بها في حارة حريك أنّ الأصوات الرافضة استقبال النازحين هي “فقاعة على وسائل التواصل الإجتماعي” وأنّ من مصلحة بعض الناس التركيز عليها، في حين أنّها تعرف أن بيوتا عدّة فُتحت وستُفتح مجانا وبكلّ رحابة صدر أمام النازحين.

ما تتحدّث عنه هنادي أيضا يعكسه إعلانات عدّة انتشرت على وسائل التواصل الإجتماعي عن أشخاص يقدّمون بيوتهم مجّانا في مناطق مختلفة.

لا خيارات أمامنا سوى البقاء 

“باقون هنا وراضون بحكم الله” يقول رجل خمسيني يجلس على مدخل كراج لتصليح السيّارات في حي السلّم مضيفا “إلى أين سنذهب؟ هل نستطيع تحمّل بدل إيجار خارج المنطقة؟ بالطبع لا”. يخبرنا هذا الرجل بأنّه لم يسأل عن أسعار الإيجارات خارج الضاحية أصلا لأنّ الأمر لن يغيّر شيئا ففي الحالتين هو غير قادر على دفع أي إيجار، وأنّه لا ينوي ترك الضاحية الجنوبيّة، آملا أن لا يضطّر إلى ذلك في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الحاليّة. 

وفي إطار غياب الخيارات التقت “المفكرة” بعدد من الأشخاص الذين كانت الضاحية أصلا الخيار الوحيد المتاح لهم كوجهة نزوح. “لا نملك أيّ خيار، لا إيجار بسعر مقبول ولا بالأسعار المعروضة حاليا، نحن فقدنا مصدر رزقنا ولا نقوى على دفع أي إيجار” تقول ريم (اسم مستعار) التي نزحت منذ حوالي 9 أشهر مع زوجها وابنتهما الوحيدة من قرية بيت ليف الحدوديّة إلى منزل والديها في الشيّاح.

تعمل ريم حاليا في محل لبيع الألبسة في الضاحية الجنوبيّة، أمّا زوجها الذي كان يملك دكانا في القرية فهو يُساعد أخيه الذي يملك أيضا دكانا في الضاحية الجنوبيّة. “نحاول تأمين مصدر رزق بديل، كما أنّ العمل يخفّف وطأة النزوح علينا” تقول ريم مضيفة بأنّ النزوح مرّة أخرى هو آخر الخيارات ولن يكون قبل توسّع الحرب بشكل يستحيل معه العيش في الضاحية  وهو الأمر الذي تراه مستبعدا حاليا.

كما ريم، يقول علي الذي نزح من القنطرة إلى منزل أهل زوجته في حي السلّم أنّ لا خيار أمامه سوى البقاء في الضاحية ” لا عدنا قادرين نرجع على القنطرة ولا نروح عمطرح تاني، سألنا عن الإيجارات أقل شي 500 و700 دولار من أين نأتي بالدولارات ونحن فقدنا مصدر رزقنا يقول لـ “المفكرة” مضيفا:”مثلنا مثل هالناس، معظمنا لا يملك خيارا، باقون هنا”.

النزوح العكسي والعودة إلى القرى 

فضّل عدد من العائلات، وبعضهم بسبب غياب الخيارات، العودة إلى قراهم في البقاع أو جنوبا ولاسيّما تلك غير الحدوديّة وذلك في وقت دخلت، وخلال الأيام الأخيرة، قرى واقعة على الخط الحدودي الثاني في دائرة الاعتداءات الإسرائيلية المكثًفة.

“أشعر هنا بأمان أكثر، ربما لأنّني سأكون بين أقاربي” تقول إحدى السيّدات التي تركت الضاحية وعادت إلى قريتها الواقعة في قضاء صيدا. من قريتها تسمع هذه السيّدة صوت القصف الإسرائيلي باستمرار ومع ذلك تعتبر المنطقة أكثر أمانا من الضاحية.

وتحدّث بعض من التقيناهم عن إمكانيّة أن تكون قراهم ولاسيّما في قضاء صيدا والزهراني وحتّى صور والنبطية، وجهة نزوح محتملة.

كما أهل الجنوب يعتبر بعض أهل البقاع من سكّان الضاحية أنّ قراهم ستكون على الأغلب وجهة نزوحهم، إذ تقول أم أحمد التي التقيناها في حي السلّم أنّها في حرب تموز توجّهت إلى شمسطار بلدتها، واليوم يبدو أنّها ستعيد الأمر نفسه، في حال توسّعت الحرب.

“كنّا نرى الطائرات ونسمع أصوات القصف من هناك، ولكنّها تبقى أكثر أمانا لنا، ولاسيّما أننا لا نستطيع تكبّد بل إيجار ولا نريد أن نكون في مراكز إيواء” تقول.

الأمر نفسه يكرّره يوسف ابن ريّاق فهو وبعدما استهدفت إسرائيل الضاحية نقل عائلته إلى ريّاق فيما بقي هو في الضاحية الجنوبيّة.

وكانت إسرائيل استهدفت في عدوانها العام 2006 وكذلك في اعتداءاتها المستمرة منذ السابع من أكتوبر عددا من القرى البقاعيّة ومنها شمسطار وريّاق

ويُشار إلى أنّه وبحسب مسح إدارة الإحصاء المركزي لعام 2007 فإن 50.3% من سكان الضاحية هم من الجنوب، و24.3% من البقاع.

البقاء خيارنا 

 بعيدا عن ضيق الخيارات يُعبّر عدد مِن مَن التقيناهم عن رغبة بالبقاء في منازلهم في الضاحية الجنوبيّة وإن كان لديهم خيارات. ففي بئر العبد تتحدّث إحدى السيّدات وهي جنوبيّة من منطقة حاريص عن إصرارها على البقاء: “في حرب تموز تهدّم منزلي قرب مسجد القائم، أعدنا إعماره وعدنا” مضيفة “نحن نعرف أنّ الحرب مع إسرائيل طويلة جدا، وأنّ العدو سيحاول إخراجنا، ونحن لن نخرج، وإن اضطررنا سنعود حتما”.

امرأة أخرى التقيناها في حي السلّم وهي من بلدة ريّاق في البقاع اعتبرت أنّها غير مضطّرة لترك منزلها وأنّها وأولادها ليسوا أغلى من أطفال وشباب ونساء الجنوب وغزّة. “أنا باقية هنا، و أولادي أيضا، لدينا إمكانيات الخروج ولكنّنا نفضّل البقاء ما استطعنا إليه سبيلا” تقول.

رسميا مراكز الإيواء جاهزة!

على الصعيد الرسمي، يوضح وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال لـ “المفكرة” أنّ خطّة الطوارئ التي وضعتها الحكومة في أعقاب السابع من تشرين الأول، أكتوبر، خضعت لتحديثات مرتبطة مباشرة بمراكز الإيواء وذلك لأنّها في الأساس وضعت على أساس أن يكون النزوح لأسابيع وها هو يستمر منذ أكثر من تسعة أشهر جنوبا، مشيرا إلى أنّه مع التطورات الأخيرة وبعد استهداف الضاحية الجنوبيّة تمّت مراجعة الخطّة أيضا.

وأشار ياسين إلى أنّه تمّ التأكّد وبالتعاون مع وزارة التربيّة من جهوزيّة المدارس لجهة الخدمات الأساسيّة من أجل استقبال النازحين فورا في حال توسّعت الحرب، لافتا إلى أنّ الدولة تؤمّن مراكز إيواء وذلك في حالات النزوح القسري لذلك لم تفتتح بعد مراكز إيواء في بيروت.

وأوضح ياسين أنّه تم تأمين جزء من التمويل اللازم للإيواء عبر فتح اعتمادات وهناك جزء تم رصده من بعض الجمعيات والمنظمات.

 ويُشار إلى أنّ خطّة الطوارئ بُنيت على مقاربة معياريّة لما حدث في العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، وعليه أخذت بعين الاعتبار تهجير قسري لمليون لبناني لفترة تمتدّ على مدى 45 يوما، والحاجة إلى مراكز إيواء جماعيّة تستوعب 20% من النازحين أي 200 ألف نازح والضغط على القطاع الصحي والحاجة إلى تأمين المستلزمات الإنسانيّة للنازحين في مراكز الإيواء.

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ترأّس أمس سلسلة اجتماعات وزارية في إطار مواكبة الأوضاع الراهنة ومراجعة جهوزية الوزارات والإدارات اللبنانية في حال حصول أي طارئ.

وناقشت الاجتماعات ملفات عدّة تتعلّق بخطّة الطوارئ من بينها الإيواء وكيفية تحسين وتجهيز مراكز الإيواء بالتنسيق مع وزارة التربية والمنظمات الإنسانية الشريكة.

إلى جانب خطّة الطوارئ، كانت بعض الأحزاب ولاسيّما تلك التي تعتبر حليفة لحزب الله وضعت خطط طوارئ في حال توسّعت الحرب تأخذ بعين الاعتبار وبشكل أساسي استقبال النازحين، فتمّ مثلا تشكيل لجان صحية ولوجستية والتأكّد من جهوزيّة مراكز للإيواء.

الأزمات تفضح غياب السياسات 

مع كلّ أزمة يمرّ بها لبنان تتبيّن هشاشة الدولة وغياب السياسات، فضيق الخيارات أمام الناس في ما خصّ إيجاد سكن بديل واضطرار البعض إلى البقاء في أماكن غير آمنة أو اللجوء إلى أماكن قد لا تكون آمنة، تُعيدهالدتورة الباحثة منى فوّاز إلى أسباب عدّة مجتمعة يمكن تلخيصها بغياب الدولة وشعور الناس في ظلّ هذا الغياب بأنّ لا سند لهم، وكلّ وذلك في بلد طائفي يُعاني من أزمة اقتصادية ويفتقد إلى أي خطط سكنيّة تنظر إلى السكن كحقّ وليس كسلعة.

وتقول فوّاز في حديث مع “المفكرة” أنّ ما يحصل اليوم من استغلال البعض ورفع أسعار الإيجارات لا يقتصر على منطقة أو طائفة ويعود بشكل أساسي إلى غياب القوانين وسياسات سكنيّة تكرّس السكن كحق ما يسهّل تعامل صاحب الملك مع شقته كسلعة وتعامل المستأجر وفق إمكانياته وهواجسه.

كما تُشير فوّاز إلى أنّه وفي ظلّ الفوضى تغيب المواكبة الجماعيّة ويُحاول كلّ مواطن البحث عن حلول فرديّة ما يزيد هامش الاستغلال، لافتة إلى أنّه وفي ظلّ عدم احترام القوانين حتى إقرار قانون لتكريس السكن كحقّ قد لا يكون كافيا لذلك لا بدّ من العمل على تنظيم بين المستأجرين والضغط من أجل المزيد من الشفافيّة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني