في اليوم الثالث لسقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، توجّه عشرات من أهالي الإسلاميين في السجون اللبنانية، من الشمال والجنوب والبقاع، يوم الثلاثاء 10 كانون الأول 2024، إلى مدخل سجن رومية المركزي للمطالبة بإصدار قانون عفو عام والإفراج عن جميع الإسلاميين وعلى رأسهم الشيخ أحمد الأسير. واعتبر المشاركون في الاعتصام أنّ أسباب محاكمة الإسلاميين انتفت بعد سقوط نظام الأسد، إذ يُحيلون أسباب وجودهم بالسجن إلى “دعمهم للثورة السورية”. وعبّرت بيانات المشاركين عن ثقتهم في أنّ السجناء الإسلاميين سيخرجون من السجن معتبرين أنّ الفرصة باتت أكبر من أي وقت مضى.
وبدعوة من “أهالي الموقوفين في لبنان” احتشد العشرات أمام سجن رومية المركزي بمشاركة ممثلين عن هيئة علماء المسلمين في لبنان، حزب التحرير، لجنة العفو العام، شباب مسجد بلال بن رباح وحشد من الأهالي الّذين استقلّوا الحافلات منذ ساعات الصباح الأولى من طرابلس وعرسال ومجدل عنجر وصيدا إلى رومية في المتن. وهتف المعتصمون للشيخ أحمد الأسير الذي أوقف عام 2015 في مطار بيروت على خلفية أحداث عبرا في صيدا (جنوب لبنان) في العام 2013 التي أسفرت عن مقتل عدد من العسكريين في الجيش اللبناني ومسلّحين، ولا يزال الأسير يُحاكم فيها وفي ملف آخر يتصّل بالتحريض على إنشاء خلايا لتنفيذ عمليات اغتيال في لبنان، وذلك أمام محكمة التمييز العسكرية. كما حكمت عليه محكمة التمييز العسكرية في أيلول 2024 بالسجن 14 عامًا على خلفية دوره في تدريب وتسليح المسلحين الذين اشتبكوا مع الجيش اللبناني في بحنّين (شمال لبنان).
واعتبر عضو لجنة العفو العام ومسؤول ملف عبرا محمد الشامية أنّ محكمة الأسير لم تخضع لمعايير المحاكمة العادلة، مشيرًا إلى مراسلة فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسّفي عام 2017 الحكومة اللبنانية بشأن معلومات عن “تعرّض الأسير للتعذيب منذ لحظة اعتقاله من الأمن العام، وصولًا إلى نقله إلى سجن الريحانية حيث وضع في زنزانة انفرادية صغيرة تحت الأرض لا يصل إليها النور”.
وطالب الشيخ علي الأطرش في كلمة أمام الحشود “رفع المظلومية عن شبابنا ومشايخنا”. وتوجّه إلى الوزراء والسياسيين المسؤولين مُطالبًا إياهم بـ “فك سجن المظلومين قبل أن يُصبح مصيرهم كما الظالمين في مشارف الأرض وآخرهم بشّار الأسد الذي كان سببًا في ظلم شبابنا وإخواننا”. وطالب عضو حزب التحرير الشيخ أحمد شمالي بالإفراج عن “إخواننا السوريين في سجون الظلم في لبنان ليعودوا إلى سوريا ليفرحوا مع أهلهم بانتصار الثورة”، مشيرًا إلى أنّ هؤلاء “كانوا يُجاهدون في سوريا ولبنان ووضعوا في السجن بسبب الانتماء إلى الجيش السوري الحر”. ومن جهته، أكدّ الشيخ أحمد عمّورة في كلمة ألقاها ممثلًا أهالي صيدا ومتوجهًا فيها لأهالي الموقوفين بقوله “زيّنوا البيوت والساحات فالأمر أقرب ممّا تتوقعون”.
وروت إحدى المُشاركات في الاعتصام لـ “المفكرة”: “زوجي أوقف منذ عدّة أشهر بسبب إيجاد بارودة في سيارته، وتعرّض للتعذيب الشديد”. وتابعت: “وصل الأمر إلى حد انتكاس صحته فأدخلوه المستشفى ولم يُعلمونا بالأمر كي لا نكتشف التعذيب الذي تعرّض له”. وشرحت سيدة أتت للتضامن مع ابن شقيقها الذي أوقف في عرسال عام 2011 أنّه “لم يكن هناك أي أدلّة تُشير إلى ارتكابه جرائم، وحكم 15 سنة”. واعتبرت أنّ “المحكمة العسكريّة غير عادلة وألصقت تُهم الإرهاب بالشباب من دون إجراء تحقيقات جديّة”.
أكثر من 480 سجين في مبنى “الإسلاميين”
يُعرف المبنى (ب) في سجن رومية المركزي بأنّه مبنى السجناء الإسلاميين. ووفقًا لمعلومات “المفكّرة”، يضّم هذا المبنى حاليًا نحو 482 سجينًا من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، من بينهم 25 محكومًا بالإعدام و75 محكومًا بالسجن المؤبد، ومعظمهم لا يزالون موقوفين في انتظار محاكمتهم. وأوقف هؤلاء على خلفية أحداث حصلت في لبنان بين عامي 2003 و2020، مثال الأحداث في نهر البارد، وجبل محسن وباب التبانة، وعبرا، وعرسال، بالإضافة إلى تفجيرات الرويس، برج البراجنة وحارة حريك وغيرها في مختلف المناطق اللبنانية. واتُّهم آخرون بالانتماء إلى خلايا إرهابية ترتبط بتنظيم “داعش” و”جبهة النصرة”، ومن بينهم أشخاص شاركوا في القتال في سوريا مع مختلف الفصائل المعارضة بعد العام 2011 ودخلوا بعدها إلى لبنان، حيث جرى توقيفهم ومحاكمتهم أمام المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت.
وكانت المحكمة العسكرية قد أصدرت أحكامًا عدّة في حق إسلاميين متّهمين بجرائم الإرهاب والاعتداء على الجيش اللبناني، وحكمت عليهم بعقوبات سجنية وصلت إلى المؤبد والإعدام. كذلك ينظر المجلس العدلي في ملفات تفجيرات حصلت في الرويس وحارة حريك والهرمل.
وقد أشار بعض المعتصمين إلى عدم توفّر شروط المحاكمة العادلة أمام القضاء العسكري، وهو أمر يذكّر بضرورة الإسراع في مسار إصلاح قانون القضاء العسكري الذي كان بدأه مجلس النوّاب في العام الماضي. وكانت “المفكّرة” قد وثّقت الوظائف المتعددة للقضاء العسكري في لبنان، من ضمنها استخدامه كأداة لقمع المعارضة السياسية ولحماية المجتمع من الإرهاب. كما خصّصت ورقة بحثية لتقييم مدى توّفر شروط المحاكمة العادلة في قانون القضاء العسكري حيث وجدت أنّه لا يضمن شروط الاستقلالية والحياد الظاهرَين للمحاكم العسكرية، ولا يضمن الإجراءات القضائية العادلة، بخاصّة لجهة حقوق الدفاع واستقلالية المحامين والتقاضي على درجتَين والحصول على قرار قضائي مُعلَّل. كما أنّه يُغيّب ضحايا الجرائم بشكل تامّ من خلال منعهم من الادّعاء الشخصي والمشاركة في إجراءات التحقيق والمحاكمة أمامه.
اقتراح قانون للعفو عام جديد؟
في سياق متّصل، أعلن تكتل “الاعتدال الوطني” النيابي (يضمُ النوابَ أحمد الخير ووليد البعريني ومحمد سليمان وسجيع عطية وعبد العزيز الصمد وأحمد رستم) أنّه “في صدد تقديم اقتراح قانون شامل للعفو العام إلى مجلس النوّاب، وسيطالب الرئيس نبيه بري بتحديد جلسة تشريعية عاجلة يُدرج اقتراح القانون على جدول أعمالها للتصويت على إقراره”. ودعا “الحكومة والقضاء إلى العمل الجدي والسريع على رفع المظلومية الواقعة على الموقوفين في لبنان بتهم دعم ثورة الشعب السوري”. وأكدّ أنه “سيتابع القضية كأولوية وطنية وشمالية، من اجل رفع الظلم عنهم، وإنصافهم، وإحقاق الحق والعدالة في قضيتهم التي يجب أن تنتهي، كما انتهى نظام الأسد”.
وكانت القوى السياسية اللبنانية قد تقدّمت في السنوات الماضية باقتراحات قوانين عدّة للعفو العام عن بعض الجرائم في أكثر من محطّة سياسية، أبرزها الانتخابات النيابية في عام 2018 وانتفاضة 17 تشرين في عام 2019 وجائحة كورونا في عام 2020، وذلك بهدف تلبية مطالب فئات واسعة من الكتل الانتخابية للحفاظ على ولائها أو استعادته، من دون أن تنجح في إقرار أي منها. وقد اعترض أهالي الموقوفين الإسلاميين على بعض هذه الاقتراحات التي لم تشملهم، وطالبوا بعفو عام يشمل جميع الموقوفين الإسلاميين دون استثناء.