سدّ المسيلحة أمام القضاء واللجان النيابية: كارثة بيئية ومالية توقّعها كل من يعلم  


2025-05-09    |   

سدّ المسيلحة أمام القضاء واللجان النيابية: كارثة بيئية ومالية توقّعها كل من يعلم  
بحيرة السد كما بدت في آب 2024

شهدت قضيّة سدّ المسيْلحة التي تشغل الرأي العام منذ بدء العمل عليه في 2014، تطوّرين هامّين مؤخّرًا. 

تمثّل التطوّر الأوّل في محاولة الشركات الملتزمة تنفيذ مشروع السدّ، تعطيل التحقيق في الملف عبر اللجوء إلى بدعة مداعاة الدولة عن أعمال قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصّار، على غرار ما سبق وحصل في تعطيل التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت والعديد من الجرائم المصرفية. وهو ما أخرّ سيّر القاضية نصّار في استدعاء خبرة فنية بانتظار نظر الهيئة العامة لمحكمة التمييز، التي شُكّل أعضاؤها مؤخرًا، بجدية دعوى المخاصمة. ويذكّر أن المدّعي العام المالي السابق القاضي علي ابراهيم كان قد أحال ملف سدّ المسيلحة إلى القاضية نصّار في بداية النصف الثاني من العام 2024، بعدما ادعى على شركتي “libanconsult” (الشركة الاستشارية) و”باتكو” (الشركة المنفذة)، بتهمة هدر المال العام.  

أما التطوّر الثاني فتمثّل في وضع لجنة الأشغال النيابية يدها على القضية، وذلك في جلسة عقدتها في 7 أيار 2025، وحضرتها القاضية نصّار ممثلة وزير العدل، بحكم اطّلاعها على الملفّ. وخلال هذه الجلسة، أعلن رئيس اللجنة النائب سجيع عطية كلفة السدّ لغاية الآن (74 مليون دولار)، علما أن وزارة الطاقة كانت امتنعت عن الإفصاح عن كلفته الحقيقية، رغم أنه لم ينجح حتى الساعة في تجميع نقطة ماء واحدة. واللافت أن اللجنة طلبت من القاضية نصّار خلال الاجتماع إزالة ختم الشمع الأحمر الذي كانت وضعته في 6 آب 2024، “في محاولة خلق تسوية لتأمين المياه، تقوم على البحث في إمكانية استكمال وزارة الطاقة المشروع، بموازاة متابعة القضاء تحقيقاته”، وفق ما صرّح به النائب عطية لـ “المفكرة القانونية”. 

إقفال السد بالشمع الأحمر في آب 2024

ادّعاءات بتهم تبييض الأموال وهدر المال العامّ والاستماع إلى وزراء الطاقة السابقين

وبالعودة إلى ملف التحقيق، تشير معلومات وصلت “المفكرة” أنّ القاضية نصّار استمعت إلى وزير الطاقة السابق وليد فياض كشاهد في 18 آذار 2025، وأنها وسّعت دائرة ادعاء النيابة العامة لتشمل الشّركتين الإيطالية “مالتورو Maltauro” والفرنسية “”Coyne et bellier” بتهمة تبييض الأموال وهدر المال العام. كما استمعت إلى وزير الطاقة الأسبق ريمون غجر في 6 أيار بصفته شاهدًا أيضًا. وكان من المقرر الاستماع في الجلسة عينها لوزيرة الطاقة الأسبق النائبة ندى بستاني، ولكن تعذّر تبليغ الأخيرة. 

وعلمت “المفكرة” من مصادر نيابية شاركت في جلسة لجنة الأشغال أنّ النائبة ندى بستاني كانت معترضة على طريقة التبليغ عبر عناصر الدرك من جهة، وعلى احتمال مكوثها لساعات في جلسات الاستماع على اعتبارها نائبة في البرلمان. ولكن القاضية نصّار أكدت خلال الإجتماع، أن التبليغات ترسل عبر الضابطة العدلية بناء على المادة 147 من أصول المحاكمات الجزائية، التي أوكلت المفارز الأمنية بهذه المهمة. وكذلك ذكّرت أنّ النائب مواطن، وأن كل مواطن من واجبه الاستجابة لاستدعائه كشاهد أمام القضاء، وأن الاستماع للشهود يتمّ بمهنية “معززين مكرمين” ووفق الأصول الجزائية، وأن القضاء لا يلتزم بتايمر (تحديد وقت) وهو يسأل ما يجب أن يسأله ويجيب المستمع إليه بما يحب أن يجيب ويتم تدوين كل الأسئلة والأجوبة في محضر رسمي، كما أن التحقيق غير موجّه ضد أحد ويسير وفق القانون والقانون وحده. وعلمت “المفكرة” أنّ النائبة بستاني أبدت استعدادها خلال الجلسة نفسها حضور جلسة التحقيق المقبلة في 15 أيار الجاري، وهي جلسة مخصصة أيضا للاستماع إلى وزير الطاقة الأسبق النائب سيزار أبي خليل كشاهد أيضا، وذلك في إطار الاستماع إلى كل وزراء الطاقة السابقين الذين توالوا على الوزارة منذ اتخاذ قرار تنفيذ سدّ المسيلحة.

ويسجّل تاليًا أنّ جلسة المساءلة في لجنة الأشغال العامة شكلت مناسبة لإقناع نائبة بضرورة الحضور أمام قضاء التحقيق في القضية المطروحة. 

خبرة فنية هندسية وأخرى للتدقيق الجنائي في الأموال

أما فيما يخص طلب لجنة الأشغال النيابية من القاضية نصّار إزالة الشمع الأحمر عن سد المسيلحة، علمت “المفكرة” أن نصّار أبلغت اللجنة أنّ لا مشكلة لديها في إزالة ختم الشمع الأحمر وفتح السدّ عندما تكتمل عملية جمع الأدلّة وإنجاز الخبرة سواء الخبرة الفنية الهندسية وخبرة التدقيق الجنائي لمعرفة مصير الأموال كيف أتت وأين ذهبت وكيف صُرفت، أي إتمام التدقيق الفني الهندسي والمالي، انطلاقًا من أنّ القضاء ليس ضدّ تحسين المرفق العام ووضعه في خدمة المواطن، بل على العكس، تكمن مهمته في التأكد من قابلية هذا المرفق للتحسين والإصلاح.  

أمام هذا الواقع، سألت “المفكرة” النائب عطية، عن طلب اللجنة إزالة ختم الشمع الأحمر، وعن كيفيّة استكمال وزارة الطاقة مشروع السدّ في ظل وضع القضاء يده على الملف والتحقيقات الجارية حول تهم فساد وتبييض أموال وهدر مال عامّ. كما سألته عمَّن سيكمل تنفيذ المشروع طالما أن الشركتين الأجنبيتين الملتزمة التنفيذ والاستشارات مدّعى عليهما بتهمة تبييض الأموال وهدر المال العام. فأيّ شركات ستتابع تنفيذ السد وكيف؟ وعليه اعتبر النائب عطيّة أن لدى القاضية نصّار أسبابها للادعاءات، ونحن طلبنا من وزارة الطاقة كلّ التفاصيل كون السدّ لم يجمع المياه، مؤكّدًا أن لجنة الأشغال النيابية لن تطلب استئناف العمل إلّا بعد إصدار القضاء قراره، وبعد تقرير الخبرة الفنيّة من شركة عالمية مختصّة بالسدود تنفذ دراستها على حساب الدولة وتقيّم مشروع السد وإمكانية معالجة المشاكل”.   

مع العلم أنّ دعوى مخاصمة الدّولة التي قدّمتها شركة “باتكو” قد أخّرت السّير في إجراءات الخبرة. ولكن مع إنجاز التشكيلات القضائية في محكمة التمييز، يتوقّع أن تسارع هيئتها العامة إلى إعلان عدم جدية الدعوى لكونها تستهدف قرارا غير مبرم، وهو الأمر الذي يحتّم ردّها شكلًا. وكانت “المفكرة” قد أعدّت دراسة حول كيفية تحوّل هذه المادة من أداة لحق الدفاع إلى أداة لتدمير أيّ مجالٍ للملاحقة أو المحاكم ولمُحاصرة القضاة.

ويشار هنا إلى أنّ شركة “باتكو” التي يتحكم بإدارتها أنطوان أزعور، شقيق وزير المالية الأسبق جهاد أزعور، هي نفسها التي تلتزم معالجة مكب نفايات مدينة طرابلس، وإلى أنها قدمت دعوى مخاصمة للدولة في هذا الملف أيضا بهدف تعطيل التحقيق فيه بعدما ادّعت نصّار عليها فيه وأصدرت مذكرة توقيف بحق أحد مدرائها بعد تمنّعه عن حضور جلسة استجوابه. كما يشار إلى أن  الشركة تحاول من خلال تعطيل التحقيق معها الاستفادة من الأموال التي كانت رصدتها الحكومة السابقة بناء على طلب وزير الطاقة السابق وزير فياض، بقيمة 11 مليون دولار لإصلاح المشاكل في جسم بحيرة سد المسيلحة. 

وزارة الطاقة التي استهترت بتقارير الهيئات الرقابية والدراسات العلمية

اليوم، ومع تحوّل أنظار اللبنانييّن إلى إجراءات القضاء في ملفّ سدّ المسيلحة وتدمير منطقة وادي الجوز وهدر 74 مليون دولار، يضاف إليه كلفة الاستملاكات وهي من خارج الكلفة الإنشائية للسدّ وملحقاته، يبدو من المهم جدّا أن نذكّر أنّ هذا الضرر الهائل ما كان ليحصل لولا استهتار أغلب وزراء الطاقة المُتلاحقين بالدّراسات العلميّة وتوصيات الهيئات الرقابية.

ومن أهم الأدلة على ذلك، تجاهل وزير الطاقة السابق جبران باسيل ملاحظات ديوان المحاسبة الواردة في قراره الرقم 1867/ر.م الصادر في 2011 بشأن المخالفات الجوهرية التي شابت عملية التلزيم، ومنها صدور الكفالة من مصرف غير معترف به في لبنان، وليس واردًا على لائحة المصارف المعترف بها من قبل مصرف لبنان وتوقيع العرض من قبل شخص غير مخوّل من التوقيع نيابة عن الشركة العارضة، والاستعاضة عن ذكر أسماء الشركات العالمية التي كان من المفترض أن يتعاون معها مقدم العرض بتعهد بسيط منه بالتعاون مع شركات عالمية، وتخفيض عدد سنوات الخبرة المطلوبة مقارنة بمشروع سد بقعاتا المماثل، (الذي اعتمده الديوان مثالًا للمقارنة) وتحديد مدة ضمان الأشغال بسنة واحدة فقط، وهي مدة قصيرة لا تتناسب مع طبيعة المشروع، بالإضافة إلى وجود إشكاليات تتعلق بعدم احتساب الضريبة على القيمة المضافة، على غرار ما حدث في ملف معمل دير عمار. فعلى الرغم من خطورة هذه المخالفات، قرر الوزير باسيل آنذاك استرداد الملف من الديوان بحجة انقضاء مهلة إصدار قرار منح الموافقة المسبقة وحجبها، ليمضي في تنفيذ المشروع. وقد فجّر تغاضي الوزير باسيل يومها عن تقرير ديوان المحاسبة، أزمة بينه وبين المدير العام للموارد المائية والكهربائية د. فادي قمير الذي  تمنى على باسيل الأخذ في الاعتبار أن صرف النظر عن رأي الديوان لا يعفي الإدارة من المسؤولية في الرقابة المؤخرة، ولكن الأخير قرر السير بالملف، فطلب قمير نقله من ملاك وزارة الطاقة.

الأمر نفسه يتصل بتحمل الدولة زيادة كلفة السدّ والتي حددها النائب عطية بعد جلسة لجنة الأشغال النيابية حول سد المسيلحة ب 20 مليون دولار حتى الآن، من دون أن تتمّ معالجة تسريب المياه. ويتعارض تحميل الدولة هذه الكلفة مع تقرير المفتشية العامة الهندسية في التفتيش المركزي اللبناني، رقم 6/ص 4 ب/2020 في تاريخ 21 كانون الأول 2020، ومع استشارة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، رقم 512/2022، في تاريخ 15/6/2022، واللذين أكّدا أن تكلفة إصلاح العيوب في السد يجب أن تكون على عاتق المتعهد، وليس من خزينة الدولة. وكان التفتيش المركزي استقى معطيات تقريره بشأن المسؤوليات من تقرير شركة Safege، الصادر في 2011 وهي شركة استعانت بها وزارة الطاقة. وكانت  شركة Safege قد أعربتْ في تقريرها الذي اطّلعت عليه “المفكرة”، عن مخاوف جدّية تتعلق بالطابع التقني والجيولوجي ارتباطًا بسلامة إنشاء سد المسيلحة، بحيث أكدت وجود شقوق جيولوجية وانهيارات في المنطقة المحيطة بموقع السد، ما يشكّل خطرًا على قدرة المنشأة على جمع المياه واستدامة الهيكل. وقد توقفت الشركة عند وجود فالق البترون أو Batroun Fault، مشدّدة  على ضرورة معالجته الدقيقة والفعالة، نظرًا لدوره المُحتمل في تسريب المياه من الحوض الخلفيّ للسدّ، وتأثيره السلبيّ المباشر على الاستقرار الهيدروليكي والجيولوجي للمنشأة. وكل هذا حصل في 2011، قبل جرف حبّة تراب واحدة أو اقتلاع شجرة واحدة من وادي نهر الجوز. كما أعربت الشركة بشكل واضح عن مخاوف حقيقيّة من احتمالات تسرّب المياه أو حصول فشل تقنيّ مُحتمل في أداء السدّ مستقبلاً، ما لم تُعالج الملاحظات الواردة بدقة وجدية أثناء التنفيذ ومن بعده. وهذا يعني أنّ وزارة الطاقة كانت على علم بهذا الواقع الجيولوجي والزلزالي الذي يؤدي إلى تفريغ السدّ لغاية الساعة، ورغم ذلك مضت في تنفيذه.

فضلا عن كل ما تقدم، اطلعت “المفكرة” على وقائع اجتماع تقني عُقد في وزارة الطاقة والمياه في 14 تشرين الأول 2014، بحضور ممثلين عن شركة Safege، حيث عاد هؤلاء وعبرّوا عن شكوك تقنية حول مدى فعالية أنظمة العزل، لا سيما في ظل تعقيدات التّكوين الجيولوجيّ ووجود فالق نشط.

متزلّجون في صيف 2022 قُبيل الانتخابات النيابية، داخل بحيرة السد في إطار حملة لتكذيب الاتهامات بفشل السد بعد أن تمّ تحويل نهر الجوز بالكامل إليه

اختصاصيّون لـ “المفكرة”: من لديه حدّ أدنى من المعرفة والمنطق لا يبني سد المسيلحة

في الاتجاه نفسه، صرّح د. طوني نمر الاختصاصيّ في علم الزلازل في الجامعة الأميركية في بيروت للمفكرة أنّ الحقائق الجيولوجيّة والزلزاليّة المحيطة بموقع السدّ “إذا ما وُضعت بين يدي أيّ جهة لديها حدّ أدنى من الإلمام بالسّدود والمنطق، فإنها ستقرّر اختيار موقع آخر في حال كان لا بدّ من إنشاء السد”. ويسأل د. نمر في حديثه مع “المفكرة” عن “الدراسة المتعلقة بالزلزال الناجم عن الخزان”، بسبب وجود فالق البترون عند حدود الجنوبية لبحيرة السد مباشرة، أي أن الفالق  “هو الحدود الجنوبية للبحيرة”،  وهو شق صخري والفالق “لا يمكن تسكيره”، أي أن “البواليع عم تفضّي السد، بيسكروا وحدة بتفتح وحدة وبتفضى البحيرة، وقد تكون البواليع والشقوق مفتوحة جوفيًا على بعضها البعض”. ويردف أن هذه المسائل هي “مشاكل بنيوية كبيرة جدًا”.  

ويتوقف د. نمر أخيرًا عند قرب السدّ جدًا من البحر، حيث يقع في “كعب” نهر الجوز، وقبل أن يصبّ في البحر، وهذا يعني أن كلّ الترسّبات التي يحملها معه النهر من أعالي تنورين سوف تملأ بحيرة السدّ بالطمي وتتقلص قدرتها الاستيعابية، “هذا إذا افترضنا أن السدّ سينجح”.

بالإضافة إلى د. نمر، استمعت “المفكرة” للدكتور أحمد الحاج، وهو اختصاصي في الهيدرولوجيا في الجامعة اللبنانية. وقد أكّد لنا أن التكوين الجيولوجي لكامل حوض نهر الجوز هو كارستي متشقق نافذ والدليل على ذلك وجود عدد هائل من الينابيع البحرية (12 نبع مياه حلوة) في المنطقة. وقد ثبتت هذه المعطيات وفق الحاج في دراسة شارك فيها في مدرسة المهندسين العليا في بيروت العام 2008 في إطار مشروع دولي (MEDITATE) يتعلق باستغلال المياه غير التقليدية باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة والمحاكاة الهيدرولوجية، مبنية على الينابيع البحرية في منطقة شكا-البترون، وتحديداً المصدر S2. إذ بينت الأبحاث وجود كميات المياه من المصادر المغمورة غير القابلة للاستغلال، تقدر بمليار متر مكعب سنويا، “وهي كميات لم تتغيّر اليوم”، وفق ما يؤكد للمفكرة. ويرتبط هذا الأمر بالنظام الهيدروجيولوجي للمنطقة، بما في ذلك طبقات المياه الجوفية، وتدفق المياه، والتغذية والتصريف، واصفًا “خصائص الصخور الكارستية، وقدرتها العالية على النفاذية وتكوين شبكات من القنوات والكهوف، وكيفية تأثير ذلك على حركة المياه الجوفية”. ويرى د. الحاج في دراسته أن فالق البترون هو فالق صدعي كبير يمتد في اتجاه شرقي-غربي عبر المنطقة، وأن المنطقة معرضة للنشاط الزلزالي وأن الفالق قد يكون مصدرًا للزلازل، كما يلعب دورًا رئيسيًا في التركيب الجيولوجي للمنطقة، حيث يؤثر على توزيع الصخور وأنماط التصريف. وتأكيدًا لطبيعة التربة القابلة للانهيار في محيط السدّ، يلفت د. الحاج إلى الانهيار الحاصل قبل نفق شكا لجهة حامات: “لقد بيعت الأرض هناك لشركات الترابة. وعندما تم الحفر في موقع السدّ المقابل للطريق، اختلّ التوازن الإيزو ستاتيك للمكان ( Isostatic equilibre ) وانهارت الطريق ولم ينتهوا من إصلاحها على مدار السنوات الماضية.

راس نحاش تدفع ثمن سدّ المسيْلحة

عندما سوّقت وزارة الطّاقة لسدّ المسيْلحة، قدّمته كمشروعٍ إنمائيّ سيغيّر وجه المنطقة. صدّق أهالي بلدة راس نحاش التي تعلو وادي الجوز لناحية موقع السدّ، أنهم سيتمتّعون بمنظر البحيرة وبخيرات مائِها، كما صدقوا وعود الوزارة بأنها ستترك لهم كورنيشًا لناحية أراضيهم يفتحون عليه مقاهي للسيّاح المفترضين، ويبيعون منتجاتهم القروية. لكن البلدة الهادئة المتركّنة على كتف التلة الفاصلة بين قضاءي البترون والكورة، استفاقت وقد صادر السدّ أراضيها، وصدّعت تفجيراته بيوتها وهجّرت بعض أهلها. ونتيجة للخلافات التي نشبت بين سكّانها حول استملاك أراضي البلدة، استقال نصف أعضاء المجلس البلدية وحُلت بلديتهم، وتحوّل السد الإنمائي إلى عبء وكارثة.  

وفيما شملت استملاكات السدّ حوالي 19  ألف متر مربع من مشاع راس نحاش الواقع في أسفل الحرج المنحدر من أعاليها نحو بحيرة السدّ، والكثيف بالأشجار الحرجيّة، تفاجأ الأهالي أنه تمّ الاستيلاء فعلياً وفق المسوحات الميدانية – التي أجراها عضو البلدية السابق تميم مراد، على نفقته الخاصة – على مساحة تجاوزت 30 ألف متر مربع. وقد تعرّض أهالي البلدة خلال محاولتهم مواجهة ما يحصل لضغوطات سياسية من الأحزاب الفاعلة في المنطقة وعلى رأسها التيار الوطني الحر، ممثلًا بالوزير جبران باسيل وشخصيات في تيار المستقبل، وفق ما أكدوا للمفكرة.

ومع مصادرة الأراضي خلافًا للقانون شقّت الشركة، متعهدة المشروع، الجبل المطلّ على السد من جهة راس نحاش، ونفذت حفريات عامودية ضخمة، مما أنتج منحدرًا خطيرًا قضى على الأراضي التي باتت غير صالحة لأي استخدام زراعي أو عمراني، مع خطر دائم بانهيارات صخرية قد تؤدي إلى كارثة. ومُنع الأهالي من الوصول إلى نهر الجوز – شريان الحياة الطبيعي للبلدة – عبر تحويل أراضيهم إلى  “محمية” مغلقة ممنوعة حتى على أصحابها. 

ومع التفجيرات الهائلة التي نُفذت لاستخراج الصخور واستخدامها في بناء حائط السد، تصدّعت العديد من منازل البلدة، وفق ما عاينته “المفكرة” على الأرض، إضافة إلى أبنية سكنية أخرى، ضمّت عشرات الشقق. وقد بقيت هذه التصدّعات من دون تعويضات تُذكر.

كما تمّ تدمير دير أثريّ من طابقيْن كان يقع في منطقة “المجر” التي أكلت البحيرة مساحتها الأكبر، بعد استملاك أراضيه، وقضى السدّ على بساتين الليمون والفاكهة والخضار التي كانت موجودة وتزرع بمساحة عشرات آلاف الأمتار، وكانت تشكل جزءًا من هوية المنطقة في محيط السد وتاريخها.

فضلا عن ذلك، لم تحصل راس نحاش على حصة عادلة من المياه، بل جرى تخصيص المشروع لخدمة بلدات أخرى، في حين تم منع الأهالي من الوصول إلى نهر الجوز – شريان الحياة الطبيعي للبلدة – عبر تحويل أراضيهم إلى “محمية” مغلقة تقف حائلًا حتى أمام أصحابها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، البرلمان ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني