“بموعد ذكرى وفاتهم كل شهر بفيق من الصّبح دموعي ما بيعودوا يوقفوا، والساعة ستّة بحسّ حدا عم يخنقني”: والدة الشهيدة جيسيكا بازدجيان.
“لما يقرّب اليوم الرابع من الشهر ببطّل نام، برجع بعيش كل مآسي نهار التفجير”: والدة الشهيد النقيب أيمن نور الدين.
يمرّ الرابع من كلّ شهر كالكابوس على أهالي شهداء تفجير مرفأ بيروت الذين نفّذوا مساء أمس الخميس كعادتهم في الرابع من كلّ شهر وقفةً احتجاجيّةً أمام بوّابة المرفأ التي تحمل الرقم ثلاثة. سبعة أشهرٍ تمكّن خلالها الأهالي من تنظيم أنفسهم وتأسيس جمعيةٍ لهم لمعرفة حقوقهم والمطالبة بها، في حين أنّ مؤسّسات “الدولة” برمّتها غير قادرة إلى اليوم بقوانينها وقراراتها ونظمها الداخلية جمعاء على إعطاء الأهالي حقوقهم.
حطيط “كل الحصانات تحت نعال الأهالي”
وبهذه الذكرى الأليمة وجّه إبراهيم حطيّط، شقيق الشهيد ثروت حطيط والناطق الرسمي باسم الأهالي خطابه إلى المعنيين والقضاة قائلاً “هل تظنّون أننا سنبقى نعدّ الأيام والشهور، هل تتوهّمون أننا سنصبر أكثر من ذلك والمجرمون أحرار ومنهم من هم في موقع السلطة والقرار؟”. وهدد داعياً إياهم إلى أن يتحسّسوا رقابهم كلّ يوم مع الفرصة الأخيرة التي منحها الأهالي للقضاة النزيهين على حدّ قول حطيط.
ثم توجّه في رسالته الأولى إلى القضاء والقضاة معتبراً أنّ “القضاء اللبناني على المحك اليوم وأنتم أيها القضاة النزيهون رأس حربته وأمامكم فرصة تاريخية لانتشال القضاء برمته من وحول الفساد والتبعية”، معلناً أنّ أهالي الشهداء سيكونون سيوفاً لهم في المعركة الكبرى ضد الفساد والمفسدين.
الرسالة الثانية وجّهها حطّيط باسم الأهالي إلى قاضي التحقيق العدّلي في قضية تفجير المرفأ طارق بيطار الذي منحه الأهالي تأييدهم ودعمهم له وقال حطيط: إنّ “الأهالي يعلمون تماماً حجم وصعوبة المسؤولية التي تحملها كما ونعرف تماماً أنك كفؤ لها، وسترى بأمّ عينك كيف سنلهب الأرض تحت أقدام من تستدعيه ولا يمثل أمامك”. وبحسب حطيط “كل الحصانات تحت نعال الأهالي طائفية كانت أم سياسية”. وتابع الناطق باسم الأهالي مخاطباً القاضي بيطار: “لا تتردّد أبداً ولتبدأ بالرؤوس الكبيرة ولا تكرّر هفوات القاضي السابق كي لا تتّهم بالاستنسابية ويأتي رعاع القوم ببدعة الارتياب المشروع مجدّداً” .
ثمّ وجّه حطيط تحذيره إلى محكمة التمييز طالباً أن تخرج الاعتبارات السياسية من حساباتها، وعلت نبرة حطيط مهدّداً “لا تلعبوا بالنار”، وذلك على خلفية تسريب بعض المعلومات عن إخلاء سبيل بعض الشخصيات المرموقة التي هي رهن التوقيف.
الرسالة الثالثة كانت للوزير السابق والنائب الحالي غازي زعيتر الذي طلب لقاء الأهالي فجاء رفضهم لاذعاً موجّهين إليه أصابع الاتهام، وقال حطيط “أنت متّهم رئيسي في القضية وارتيابنا بك مشروع جداً، أنت متّهم بقتل فلذات أكبادنا وتهرّبك وخوفك هو إدانة صريحة لك ولا يشرّفنا لقاؤك أبداً”.
وذكّر حطيط بموقف أهالي الشهداء الرّافض لكلّ أنواع التمييع والتسييس لقضيتهم، مشدّداً على أنّ الشهداء ليسوا للمتاجرة وتسجيل النقاط السياسية والانتخابية، معتبراً أنّ “كل المشاركين في هذا النظام الفاسد من أحزاب وسياسيين متّهمون بقتلنا حتى تثبت براءتهم”.
وأخيراً طالب حطيط بتكريس الرابع من آب كذكرى للحداد الوطني، داعياً الشعب اللبناني المتعاطف مع مظلومية الشهداء إلى إنارة الشموع على شرفات المنازل في الرابع من كل شهرٍ بتوقيت السادسة وسبع دقائق.
مخاض الأهالي للحصول على حقوقهم مستمر
سلّط الأهالي خلال مؤتمرهم الصحافي الأخير الذي عقد نهار الإثنين الفائت في دار نقابة المحررين الضوء على الصعوبات والتضييقات التي يتعرّض لها أهالي الضحايا للوصول إلى حقوقهم، وأبرزها أمور متعلقة بالقانون 196/2020 الذي ساوى شهداء تفجير المرفأ بشهداء الجيش اللبناني. وفي حديثٍ لـ”المفكرة القانونية” يقول حطيط إنّ الأهالي ما زالوا بانتظار توضيحاتٍ من وزارة الدفاع حول مسألة حصولهم على بدلات “طبابة وتعليم” حالهم كحال عوائل شهداء الجيش اللبناني. كذلك لا يزال الأهالي بحسب حطيط في انتظار ردٍ من وزارة المالية حول العراقيل التي يواجهونها فيما يتعلّق بوثيقة الوفاة حيث يتم رفض الطلبات التي لم يحدد فيها موعد وفاة ضحايا التفجير إن كان الساعة السادسة وسبع دقائق “مساءً” أم “صباحاً”. ويضع حطيط ما يحدث مع الأهالي في خانة العرقلة غير المنطقية: “كل العالم بتعرف إنّه التفجير صار المسا مش الصبح، وهيدي غلطة المختار”.
أما بشأن تأسيس الجمعية الخاصة بأهالي ضحايا الرابع من آب والذي أعلن عنها خلال لمؤتمر الصحفي الإثنين الفائت في دار نقابة المحررين سجل حطيط استغرابه بشأن التأخير في الحصول على “العلم والخبر”، داعياً كل أهالي شهداء التفجير للإنضمام للجمعية والتواصل معهم عبر أرقام التليفونات الموجودة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ونقابة المحامين.
حزن الأهالي النابض
عند الساعة الخامسة بعد الظهر سارع الأهالي إلى إضاءة الشموع أمام صور أحبّائهم، لم ينتظروا مغيب الشمس، يريدون لطقس الذكرى أن يبدأ باكراً، يتّكئون على أكتاف بعضهم البعض طلباً للمواساة.
“ما ارتحنا من سبعة أشهر لليوم، وما رح نهدأ قبل ما نعرف الحقيقة” تقول والدة الشهيدة روان مستو. بالقرب منها تقف زوجة الشهيد حسين البشر تحتضن صورة زوجها وتقول: ” سبعة أشهر كأنّه اليوم الانفجار، الشهر السابع مثل أول يوم، بطلع على القبر بقلّو قوم لوين تركتني، بنزل على الاعتصام لشوف فاقوا هالزعماء ولا نايمين، مين إجا يواسينا، وينن الشعب اللبناني ما منشوف حدا فيهم”.
قلق الأمهات والخوف الذي يعتريهنّ مع اقتراب الرابع من كل شهر (موعد التفجير) يضاهي خوفهنّ من اقتراب الأعياد، آذار شهر عيد الأم وفي حين تتشوق معظم أمهات لبنان والعالم لقدومه، وحدهنّ أمهات الشهداء لا يردن لهذا العيد أن يمرّ عليهن، لا يردن للذكريات أن تطفوا، لهذا تدعو والدة الشهيدة جيسيكا بازدجيان أمهات لبنان إلى مواساتهنّ في هذا النهار “بدي حسّ إنّه أمهات لبنان معنا، حاسّين فينا”.