في الوقت الذي تتقلّص في المساحات الخضراء في مدينة بيروت لصالح الباطون والإسفلت، وبعدما سيطرت سوليدير على وسط المدينة محوّلة آخر الساحات العامّة “الجامعة” إلى ساحة خالية من الروّاد، تسعى بعض المبادرات إلى إعادة إحياء “الحيّز العامّ” وخلق مساحاتٍ تكون بمثابة متنفّس للمدينة وأبنائها. وهذا ما يحدث اليوم في منطقة “نزلة العكاوي” الفاصلة بين شارعي الجميزة ومار مخايل، حيث أطلق “مختبر المدن” في الجامعة الأميركية بالتعاون مع بلدية بيروت، مبادرة تقوم على إنشاء ساحةٍ عامّةٍ عند “درج غلام” في نقطة التقاء شارعي الجميزة ومار مخايل من تصميم المهندس حبيب الدبس الذي تطوّع وعدد من المهندسين لإنجازها. إلاّ أنّ أصحاب النفوذ في المنطقة بدأوا وضع العراقيل في وجه المشروع وصولًا إلى توقيفه منذ أكثر من أربعة أسابيع
ورفع عدد من الأهالي عريضة معترضة على المشروع إلى المحافظ مروان عبود تضمّن تعديلات مقترحة أقلّ ما يقال عنها إنّها تغيّر وجه المشروع بشكل كامل وتمسّ بهدفه الأساسي أبرزها إزالة المقاعد من الساحة “مخافة أن يحتلّها المتشرّدون والمتسوّلون”. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أمرين: الأوّل أنّ القيّمين على المشروع وقبل المباشرة به، استطلعوا آراء السكان في المشروع والتي كانت مؤيّدة، والثاني أنّ أكثر من 60% من سكان الحي لم يتمكّنوا إلى اليوم من العودة إلى منازلهم بعد تفجير المرفأ، ما يطرح سؤالين، الأوّل عن هوية المعترضين على المشروع والثاني عن نسبتهم من سكان الحي.
وقد عبّر رئيس البلدية جمال عيتاني عن امتعاضه من معارضي المشروع، واستغرابه عدم تلقّي أي نسخة رسمية من مطالب السكان، على الرغم من أنّ البلدية هي الجهة المخوّلة إعطاء الموافقة على التعديلات والخرائط الجديدة.
“المفكرة” التي زارت المنطقة قابلت عددًا من الأهالي وأصحاب المحال التجارية والأبنية، منهم من أبدى موافقته وحماسته لإنشاء مساحة عامّة في المنطقة، ومنهم من رفض المشروع لأسباب تتعلّق بمصالح خاصّة أو لمخاوف سياسية وأمنية وحتى أخلاقية، وذلك على الرغم من أنّ المشروع مبنيّ على دراسات تدحض معظم مخاوفهم، وعلى الرغم من أنّ “مختبر المدن” سبق أن قام بتعديلاتٍ عدّة تراعي مطالب الأهالي.
أما مختار المنطقة بشارة غلام الذي اجتمع به “مختبر المدن” والمهندس حبيب الدبس (قبل وفاته في العام 2022) وأبدى حماسته وموافقته على المشروع، فأنكر ذلك في مقابلة مع “المفكرة” واتّهم “مختبر المدن” بتغيير الخرائط، وخلال إجرائنا المقابلة تلقّى اتصالًا من شخص يبدو من مضمون كلامه الذي كان مسموعًا أنّه أحد النافذين في الحي حيث طلب منه حصر إجاباته على أسئلتنا برفض المشروع، وبدا واضحًا مدى تأثّر المختار بكلامه من خلال ترداده جملة “أنا بمشي مثل ما بدهم السكان” على كل سؤال طرحته “المفكرة”.
اليوم توكّل محافظ بيروت حلّ القضية عبر تقريب وجهات النظر بين “مختبر المدن” والأهالي المعترضين ممثلين بشقيق النائب غسان حاصباني، إيلي حاصباني المحسوب على القوات اللبنانية، والذي يعتبر أنّ “المشروع لم يمرّ عبر فعاليات المنطقة”، ذلك على الرغم من حيازة المشروع على موافقة بلدية بيروت التي يتمثل في مجلسها جميع أحزاب المنطقة.
لمحة عامّة عن المشروع
يقوم المخطط الأصلي للمشروع على إنشاء ساحة عامّة عند تقاطع شوارع غورو وأرمينيا وباستور، وذلك عبر اقتطاع المثلّث الواقع داخل التقاطع وإلصاقه بأسفل درج “غلام” وإنشاء ساحة عامّة عبر توسيع الأرصفة وزرع أشجار وتثبيت مقاعد وأعمدة إنارة على الطاقة الشمسية. ويؤكّد القيّمون على المشروع على أنّ المشروع لن يؤثر على حركة السير في المنطقة، وهدفه تحسين حركة المشاة التي تعيقها حركة السيّارات وانتشار المقاهي على الأرصفة الضيّقة.
وتوضح المهندسة منى فوّاز من “مختبر المدن” في اتصالٍ مع “المفكرة” أنّ المشروع ليس جديدًا بل هو جزء من “مخطّط المساحات الخضراء والطبيعيّة لمدينة بيروت” (Plan Vert) الذي بدأ في أواخر التسعينيات، وفصّل عناصر المناظر الطبيعية والتراث المعماري لكلّ الأحياء. ومن ضمن إستراتيجية المخطط كانت “خطة التنقّل السلس” (Plan de Déplacements Doux) التي أقرّها المجلس البلدي في العام 2013 بدعم من الجمعية الفرنسية “إيل دو فرانس”. والخطة من شأنها تشجيع الناس والسكان على السير على الطرقات والأرصفة وعلى التنقّل بالدراجة الهوائية، ما يخفّف من زحمة السير وبالتالي التلوّث البيئي والسمعي وغيرها. وانطلاقًا من تلك الخطة، تطوّع المهندس حبيب الدبس وهو من سكان منطقة الجميزة ولديه اهتمام بالحيّز العام والمساحات المشتركة، لتطوير مسار للمشاة ولإعادة تصوّر “تخطيط أوتوستراد فؤاد بطرس” كمسارٍ أخضر يربط منطقة الحكمة ومار متر بمار مخايل وصولًا إلى الكارنتينا، ويعتبر درج غلام، حيث يتم تنفيذ الساحة العامة، أحد مداخل هذا المسار.
وفسّرت فوّاز أنّه بعد تفجير مرفأ بيروت، وخلال عملية إعادة البناء، تركّز الاهتمام على “الحيّز الخاص” من دون الإلتفات إلى إعادة إحياء الحيّز العام والمساحات المشتركة التي من شأنها أن تؤمّن مساحة التقاءٍ لسكان الأحياء وللجميع. وتضيف فوّاز أنّ “مختبر المدن” تلقّى بعد التفجير المرفأ دعمًا من جميعة “معماريون من أجل بيروت” التي أطلقت حملة باعت خلالها عددًا من الرسومات والتحف الفنية وتبرّعت بالمردود لـ “مختبر المدن”، فارتأى حبيب الدبس استعمال المال لتنفيذ الساحة العامّة كنموذج يصبّ في صالح “خطة التنقّل السلس”. وفي حينها زار المختبر المنطقة وتحدّث إلى السكان وإلى مختار المنطقة الذي وافق على المشروع، إلاّ أنه وبسبب تأخّر الرخصة، انقطعوا، بحسب فواز، عن زيارة المنطقة، ومع نيلهم موافقة المجلس البلدي وحصولهم على الرخصة الأخيرة في شباط العام 2023، عادوا إلى الحي وقاموا بتوزيع قصاصات تتضمّن خريطة المشروع. وبدأ العمل في شهر آذار ليعود ويتوقف في أيار بسبب الاعتراضات التي بدأها إيلي حاصباني.
وتشرح فوّاز أنّ التأخر في تنفيذ المشروع يعود لأسباب عدة منها: تأخّر المجلس البلدي في إعطاء الموافقة حيث تقدّمت الدراسة في آب 2021 ونال المشروع الموافقة في شباط 2023، والسبب الثاني هو الانتظار لحين الانتهاء من أعمال البنى التحتية التي تنفّذها البلدية في المنطقة، أمّا توقّف العمل فيعود إلى اعتراض سكان المنطقة، حيث كان من المقرر إنجاز الأعمال في شهر تموز المقبل.
الساحة “شمّاعة” للمعترضين وفسحة أمل للمتحمّسين
عند دخول منطقة المشروع الذي بدأت فيه الأعمال، لا يمكنك سوى تخيّل أمور كثيرة أغلبها مرتبطة بتفجير الرابع من آب، فالشارع كان من أكثر الأحياء تضرّرًا في ذلك اليوم، وبالتالي ومع المشروع الجديد تبدو الساحة وكأنّها تحاول أن تنفض عنها غبار التفجير والموت، والخروج باشراقةٍ جديدةٍ لاستقبال الناس على مقاعدها وفي فيء أشجارها. ولكن مع سماع حديث بعض السكان الرافضين للمشروع تتراجع هذه الفكرة إذ تجدهم يحمّلون “الساحة” مشاكل “وطن” و”دولة”، ويلصقون بها مشكلة الضوضاء والتنظيم العشوائي للشارع ومشاكل الزحمة والنقل وأزمة اللاجئين والمتسوّلين، حتى تظن لوهلة أنّه لولا الساحة لكانت الدنيا بـ “ألف خير”.
من بين هؤلاء السكان آلان شاوول صاحب أحد الأبنية الرافض للمشروع برمّته، علمًا أنّه لم يطّلع على الخرائط ولم يحضر أيًا من الاجتماعات التي نظّمها المختبر مع السكان. فهو رافض لمجرّد الرفض، يتلو علينا مطالبه وعندما نعلمه بأنّ “المختبر” أجرى التعديلات وحقّق جزءًا كبيرًا من مطلبه، يعود “لاختراع” مبرّر جديد لرفض المشروع، طيلة زيارتنا التي استمرّت لحوالي ثلاث ساعات يروح شاوول ويجيء ويدسّ نفسه بيننا وبين من نجري معهم المقابلات، يقاطع يشوش ويضغط.
ويتبيّن لنا من زيارتنا الميدانية، أنّ معظم المعارضين للمشروع هم الملاصقون جغرافيًا له، أمّا السكان وأصحاب المحال التجارية القريبة منه فمتحمّسون جدًا للساحة. من بين هؤلاء صاحب فرن “سعادة” الذي يعبّر عن حماسته لإنشاء ساحة”تحسّن المنطقة وبيصير فيها جمالية”، معتبرًا أنّ مخاوف البقية غير منطقية وغير مبررة “مش الساحة رح تجيب كل المشاكل اللي حكيوا عنها هيدي المشاكل موجودة من زمان وبكلّ الأماكن، ما دخل الساحة”.
في العمارة ذاتها التي يقع فيها فرن “سعادة” يقطن حوالي ثلاثة أشخاص من كبار السن، هؤلاء يلازمون منازلهم معظم الوقت، “المفكرة” دقّت أبوابهم، بدوا وكأنّهم متعطشون لرؤية الناس والحديث معهم. يقول أحدهم إنّه يمضي معظم وقته مستلقيًا على الكنبة يشاهد التلفاز منذ وفاة زوجته وهجرة أبنائه. تقتصر زياراته على صاحب الفرن، فهو مع غلاء الوقود بات عاجزًا عن استخدام سيارته “أولادي بيبعتولي مصروف لآكل وإشرب مش لكزدر وإنزل عالكورنيش وغيرها”. لذلك فهو متحمّس لوجود ساحة عامّة ومقاعد في فيء الشجر، “الواحد بينزل بيقعد شوي” يقول هذا الرجل متحسّرًا على الأيام الغابرة حين كان سكان الحي متكاتفين يتجمّعون مع بعضهم البعض ولو في الشارع.
على الرغم من حماسته يخبر أنّه وقّع على العريضة التي ترفض المشروع، لأنّ المختار طلب منه التوقيع وهو لا يستطيع مخالفته خوفًا من زعله “يعني أنا ما بقدر زعّل المختار، إذا بدّي شي ورقة أو خبرية بيعرقلّي إيّاهن بعدين” يقول.
وفي إحدى طبقات العمارة نفسها، تسكن سيّدة تخطّت الثمانين من عمرها وابنها الذي تخطى الستين، وهي أيضاً تمضي أوقاتها في المنزل. ابنها لا يمانع إنشاء الساحة ويعتبر أنّ الموضوع يأخذ أكبر من حجمه بكثير، وأن هناك مسائل أهم ينشغل فيها الناس، وهي تعتبرها فرصة للتنزّه في موقع قريب من منزلها.
تدافع رولا حيدر صاحبة أحد المحال التجارية، عن المشروع وتشدد على أهمّيته، معتبرة أنّ زحمة السير موجودة بساحة عامّة أو بدونها، وتؤكّد أنّ الساحة ستعطي طابعًا جديدًا للمنطقة وتكون مكانًا للتلاقي وتنشيط الحياة المجتمعية. وتعتبر أنّ هناك الكثير من الاعتقادات الخاطئة عن المشروع، وأنّه كان من الأجدى بالقيّمين عليه عقد اجتماعات أكثر مع السكان لتوضيح الصورة والتعريف أكثر بالمشروع.
وعلى الجانب المؤيّد للمشروع وبعد دخولنا في الشهر الثاني من توقف الأعمال فيه، صدرت عريضة لدعم استئناف الأعمال عن “متخصّصين في مجالات التخطيط والتصميم المديني وتصميم المناظر الطبيعيّة وهندسة المرور والهندسة المعماريّة”. وأعرب الموقعون عن استيائهم من “توقّف أعمال الموقع لمدّة شهرين نتيجة التدخّلات الداعمة لمصالح القلّة الضيّقة، وبما يتعارض مع المنفعة العامة”. كما عبّروا وعن قلقهم لدى معرفتهم بأنّ “المشروع سوف يُعدّل استجابةً لبعض المطالب والآراء الفرديّة، حتّى وإن كانت مخالفة لمبادئ التنقّل الحضري الحسنة”. وناشدوا البلديّة استئناف الأعمال لاستكمال التصميم الأصلي الذي يضمّ أرصفة أوسع ومساحات خضراء وإنارة ومقاعد.
أسباب الاعتراض والردود عليها
يعترض عدد من أصحاب المحال التجارية على “تضييق الطريق” لصالح توسيع الأرصفة، فهم يظنّون أنّها لن تعود تتسع إلّا لركن سيارة واحدة، وأنّ الزبون لن يتمكّن من ركن سيارته أمام المتجر لشراء حاجيّاته ما يؤثر على حركة مبيعهم. ويقول غسان صاحب محل لبيع الأدوات المنزلية لـ “المفكرة” إنّه مع المشروع شرط توسيع الطريق بحيث تتّسع لركنة سيارة أمام محلّه، كونه يحتاج إلى تحميل وتفريغ البضائع يوميًا “يعني لي جايبلي بضاعة ما رح يصف بعيد ونحمّل بإيدينا”. كذلك اعتبرت “مدام دكاش” صاحبة محلّ لبيع المشروبات الروحية، أنّ المشروع الجديد سوف يخسّرها الزبائن الذين لن يجدوا مكانًا لركن سياراتهم والشراء منها. وتعتبر أنّ المشروع يلحق بهم الظلم حيث ستعود الطريق لتتسع أمام المحال الأخرى الذين سيسترزقون على حسابها، “يعني الزبون اللي ما رح يلاقي صفّة، رح يضلّ مكمّل لقدّام هونيك بتساع الطريق بيصفّ وبيشتري من غيري، في نوع من الظلم”.
أما شاوول فاعتبر أنّ “إلغاء” أماكن ركن السيارات يؤثر سلبًا على السكان المقيمين الذين سيضطرون إلى ركن سياراتهم بعيدًا عن منازلهم وبالتالي السير لمسافةٍ طويلةٍ، في ظل وجود عدد من كبار السن الذين لا يستطيعون السير، “أنا إذا بدي نزّل قنينة غاز للبيت بدي روح صف مدري وين واحملها مش منطق”.
وفي اتصالٍ مع “المفكرة” تقول سينتيا بوعون من “مختبر المدن” أنّ التعديلات الجديدة لحظت توسيع الطريق فبات عرضها سبعة أمتار، أي أنّها ستتّسع لسيارتين، مشيرة إلى أنّه جرى رسم خريطة جديدة لحظت وجود أكثر من 15 مكانًا لركن السيارات، إضافة إلى استحداث “مواقف لحظة” لا تبعد مترين عن المحلّات. وتضيف أنّ “المختبر” يوافق على هذه التعديلات على مضض كون السيارات المركونة تزيد من ازدحام السير ولا تخففه بحسب مهندس التنقّل الاستشاري للمشروع رامي سمعان. وقد عادت “المفكرة ” إلى الأهالي المعترضين للوقوف عند رأيهم في التعديلات، إلّا أنّهم أصرّوا على رفضهم للمشروع، معبّرين عن خوفهم وانعدام ثقتهم في مختبر المدن من تنفيذ مطالبهم.
ويؤكّد سمعان من جهته لـ “المفكرة” أنّ عدد مواقف السيارات بعد المشروع لن ينقص سوى اثنين عما كان قبله، ولكن الفرق أنّ المساحة العامة زادت. ويضيف أنّ المعركة اليوم بين من يريد “الحيّز العام ومن يفضّل الحيز الخاص”، “ما في البلد يركب على قياس مجموعات، مين قال الطريق إلك حتى تستملك صفّة سيارة؟”. واعتبر أنّه من الطبيعي خلال العمل على الحيّز العام أن يفقد بعض الأشخاص جزءًا من مكتسباتهم لصالح الجماعة ولصالح استعادة الجماعة حقوقها العامّة.
كذلك يعترض الأهالي على فكرة وجود مقاعد تحت الأشجار، معبّرين عن خوفهم من تحوّل هذه المساحة العامة إلى “مأوى للمتشرّدين والمتسوّلين ومن يتعاطى المخدرات ويشرب الكحول” الذين سيجدون موطئ قدم يقضّ مضاجع السكان ويقلق راحتهم. ويقول شاوول “تعي شوفي المناظر على درج غلام كل يوم مندق للدرك يجي يضبّ السكرجية والحشاشين، شو منعمل إذا صار في ساحة عامة”. ويضيف: “هذه المنطقة لا تزال نظيفة وهناك خوف من تحوّلها إلى منطقة شبيهة بمار مخايل حيث الملاهي الليلية والمطاعم، بكرا أي حدا بيجي بحط كراسي وطاولات على الرصيف، وبيحط موسيقى ومين في يمنعوا، نحن ما بدنا هيدي الساحة تتحول لمار مخايل ثانية”. أما كارل سركيس وهو صاحب أحد الأبنية فاعتبر أنّ هذه المساحة لن تكون للبنانيين بل ستتحوّل إلى مأوى لجنسياتٍ مختلفة، وأكّد أنّ الساحة لا تخدم سكان المنطقة فأهل الحي “لا يجلسون على الأرصفة وسط أبواق السيارات ودخانها”.
وتردّ سينتيا بوعون على هذا الاعتراض بالقول إنّ “مختبر المدن” لحظ وجود تسعة أعمدة إنارة على الطاقة الشمسية من شأنها الحفاظ على السلامة العامّة، كذلك دعت سكان المنطقة إلى تعيين لجنة للساحة العامّة وتكليف شخص من أبناء الحي بالإشراف عليها وتبليغ المحافظة عن أي انتهاكات. وتشير إلى أنّ “المختبر” اقترح الإبقاء على مقعد واحد كاختبار لدراسة مدى تفاعل الناس وكيفية استخدامه، إلاّ أنّ المعترضين رفضوا ذلك أيضًا وهو ما يعطي انطباعًا بأنّ الهدف هو وقف المشروع لو مهما أدخلت تعديلات عليه تناسب المعترضين.
وتردّ سينتيا أيضًا على خوف بعض الأهالي من استخدام الساحة من قبل بعض أصحاب المقاهي بأنّ المحافظ تعهّد بعدم منح أي ترخيص لاستثمار الرصيف.
أما الاعتراض الثالث لبعض الأهالي فكان على حرف خط سير السيارات قليلًا لصالح توسيع الأرصفة، الأمر الذي باعتقادهم سيتسبب بزحمة سير، فيردّ عليه سمعان بالقول إنّ المشروع برمّته لا يؤثر على حركة السير وليس له أي تأثير سلبي على التيارات المرورية، وهدفه يقتصر على خلق ساحة عامة ولا يدّعي أنّه سيحسّن النقل في المدينة كما يتم التعامل معه من قبل بعض الأهالي. ويضيف أنّ مواقف السيارات العشوائية هي التي تتسبّب بزحمة السير، مضيفًا أنّ المشاة هم الذين يجلبون الرزق كونهم يتجوّلون بعكس الاعتقاد السائد، “لمّا بيكون في عجقة بيخفّوا الناس لي بيجوا عالمنطقة لأن بدهم يهربوا من العجقة”.
أما رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني فيعتبر في اتصالٍ مع “المفكرة” أنّ المشروع هو جزء من ضمن خطة البلدية بزيادة الساحات العامّة وتخفيف زحمة السير وتشجيع المشاة، ويضيف أنّه بعد التصديق على المشروع “فوجئنا بأحزاب تريد إيقاف المشروع بالقوّة وتقوم بتهديد المقاول ‘ممنوع تضرب ضربة ونحن منقرّر المشاريع لي بدنا ياها'”. ويعبر عيتاني عن استيائه من الوضع، حيث يصار دائمًا إلى عرقلة المشاريع، مؤكدًا أنّ البلدية لم تستلم إلى اليوم أي نسخة عن التعديلات الذي يريدها السكان، علمًا أنّ أي تعديل يجب أن يحوز على موافقة المجلس البلدي من جديد، في حين أنّ المحافظ هو من يتوكّل المناقشات للتوصّل إلى حلول.
يشار إلى أنّه وفي تفاصيل حملة الاعتراض وبحسب المعلومات التي جمعتها “المفكرة” من الأهالي المعترضين فإنّه فور مباشرة الأعمال بالمشروع توجّه كارل سركيس مالك أحد الأبنية، بمذكرة اعتراض إلى محافظ بيروت، إلّا أنّها لم تلق آذانًا صاغية، فلجأ إلى شقيق النائب غسان حاصباني، إيلي حاصباني الذي توكّل الكلام باسم أهالي الحي بحجّة أنّه من فعاليات المنطقة وبأنّه الجهة الواجب لـ “مختبر المدن” التعامل معها. ووقع المعترضون على عريضة تضمّنت مطالبهم ورفعوها إلى المحافظ.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.