في سابقة تعد الأولى من نوعها تقدمت 30 جمعية مغربية بشكاية الى الآلية الوطنية لتظلم الأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل التي أحدثت مؤخرا بالمغرب، وذلك لطلب الانتصاف ضد قرار لمحكمة النقض ألغى حكما مبدئيا أقر بحق طفلة مولودة خارج اطار الزواج في البنوة لأبيها البيولوجي.
تعريف الآلية الوطنية لتظلم الأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل
أحدثت الآلية الوطنية لتظلم الأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل بالمغرب في اطار مراجعة قانون المجلس الوطني لحقوق الانسان حيث تعتبر آلية تظلم خاصة بحماية الأطفال من انتهاكات حقوقهم، تعمل وفق المبادئ التوجيهية للجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، خاصة منها الواردة في التعليقين العامين 2 و5، وقد حددت المادة 18 من قانون المجلس اختصاصات الآليةفي:
- تلقي الشكايات المقدمة مباشرة من قبل الأطفال ضحايا الانتهاكات، أو من قبل ممثليهم القانونيين أو من قبل الغير؛
- القيام بجميع التحريات ذات الصلة بالشكايات الواردة عليها وتحليلها ومعالجتها والبت فيها؛
- تنظيم جلسات الاستماع والتي قد يُدعى إليها الأطراف المعنية بموضوع الانتهاك أو الشكاية، وكذلك الشهود والخبراء وكل الأشخاص الذين قد يفيد الاستماع إليهم للتحقق من موضوع الشكاية؛
- ويجوز للآلية التصدي التلقائي لحالات خرق أو انتهاك حقوق الطفل.
ويكون الطفل في “وضعية انتهاك” عندما لا يتمتع بحقوقه الأساسية، ولا يتم حمايته من المخاطر الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، وما يترتب عنها من ظواهر اجتماعية مقلقة وخطيرة، كعمالة الأطفال، أو استغلالهم، الاتجار بهم، ظاهرة أطفال الشوارع، زواج القاصرات، الأطفال المهاجرين غير المرافقين وغيرها، ويجب أن يكون الانتهاك صادرا عن الدولة أو مؤسسات حكومية، أو أفراد، أو منظمات، أو جمعيات، أو هيئات.
طلب انتصاف لهيئة غير قضائية ضد مقرر قضائي
جاء في مضمون الشكاية المرفوعة الى آلية الأطفال أن محكمة النقض أصدرت مؤخرا قرارا ماسا بمبدأ حماية الطفل في إحدى القضايا المعروضة عليها والتي تتعلق بطلب اثبات بنوة لطفلة من أبيها البيولوجي والحكم لأمها بوصفها نائبا شرعيا بالتعويض، وقد استجابت المحكمة الابتدائية بطنجة لهذا الطلب، معتمدة على مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل، وعلى نتائج الخبرة الجينية، لكن محكمة الاستئناف ألغت في وقت لاحق هذا الحكم ضاربة بذلك عرض الحائط ما نص عليه الدستور من سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الداخلي
وبعد عرض الملف على محكمة النقض وبعد انتظار ثلاث سنوات أصدرت قرارا يؤيد موقف محكمة الاستئناف، معتمدة تعليلا يتعارض مع مبادئ الدستور ومع كل الجهود التي يقوم بها المغرب من أجل توفير حماية شاملة للأطفال.
وأضافت الشكاية أن محكمة النقض استعملت في تعليلها مصطلحات تمييزية في حق الطفلة عند نعثها بأنها “ابنة زنا”، كما ورد في معرض تعليلها “ابن الزنا لا يلحق بالفاعل ولو ثبت بيولوجيا أنه خلق من نطفته، لأن هذه الأخيرة لا يترتب عنها أي أثر يذكر… والبنت أجنبية عن المطلوب في النقض-المقصود به المدعة عليه وهو الأب البيولوجي-ولا تستحق أي تعويض لأنها ناتجة عن فعل غير مشروع كانت أمها طرفا فيه..”.
وخلصت الشكاية الى أن قرار محكمة النقض اعتبر الطفلة منتوجا “لا أثر له” وهذه العبارة في حد ذاتها انتهاك لحق الطفلة في الوجود، وتمييز عنصري في حقها يحقر من وضعية نسبها ويوصم مكانتها الاجتماعية، وهو ما يتعارض مع ما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل من مبادئ عامة، وخاصة الالتزام بالمساواة بين جميع الأطفال دون أي شكل من أشكال التمييز (المادة 2)، ومع مقتضيات الفصل 32 من الدستور الذي ينص على أن الدولة تسعى الى توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية، كما يمس بمبدأ المصلحة الفضلى للطفل (المادة 3) حينما استبعد نتائج الخبرة الجينية التي تعتبر وسيلة من وسائل اثبات البنوة وفق مدونة الأسرة معتمدا على قواعد الفقه التي تقرر أن ولد الزنا يلحق بالمرأة لانفصاله عنها بالولادة بغض النظر عن سبب الحمل، وما اذا كان شرعيا أو زنا، حيث اعتبر القرار أن هذه القواعد الفقهية بمثابة قانون.
والتمست الشكاية من الآلية الوطنية بوصفها آلية لحماية الأطفال من كل أشكال انتهاك حقوقهم، تحريك كل الوسائل المؤسساتية التي يخولها القانون لوقف هذا الانتهاك وتوفير ضمانات فعلية لحماية الطفلة .
أهمية المبادرة تكريس لآليات انتصاف حديثة غير قضائية
تكمن أهمية التظلم المرفوع الىالآلية الوطنية لتظلم الأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل في كونه يكرس ولوج جمعيات المجتمع المدني الى آليات انتصاف حديثة غير قضائية، غير مألوفة بالنسبة الى عموم المتقاضين، وذلك بعد استنفاذ سبل الانتصاف القضائية؛
تتميز هذه الآلية المحدثة بعد مراجعة القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الانسان، بكونها ذات استقطاب غير محدود وغير مشروط بقيود اجرائية، على خلاف آليات أخرى مثل الدفع بعدم دستورية القوانين والذي ما يزال معطلا لتأخر صدور قانونه التنظيمي، وكذا الولوج الى القضاء الذي يبقى مقيدا بالنسبة للجمعيات بحصولها على شرط المنفعة العامة لتنتصف كمطالب بالحق المدني.
الهدف من تحريك هذه الآلية قد لا يقتصر على رفع الانتهاك اللاحق بحقوق طفلة، وانما هو لفت انتباه الرأي العام الى وجود انتهاك يمس حقوق عدد كبير من الأطفال، نتيجة مقتضيات قانونية تمس بمصلحتهم الفضلى وتكرس تمييزا بينهم، ونتيجة سلطة التأويل التي يملكها القضاء الذي قد يستعمل نصوصا فقهية وينقلها بشكل حرفي الى حيثيات قراراته دون أن ينتبه الى كونها قد تحمل وصما أو معاني قدحية، ودون أن يراعي السياقات التاريخية التي صدرت فيها هذه الأقوال.
يمكن اعتبار هذه المبادرة تفعيلا لآلية جديدة من آليات التقاضي الاستراتيجي المعول عليها من أجل تغيير القوانين، وخاصة أن الجمعيات الموقعة على التظلم والتي بلغ عددها 30 جمعية أعلنت أنها عازمة على طرق كل آليات الانتصاف الممكنة، لرفع التمييز الذي يعاني منه الأطفال المزدادون خارج اطار مؤسسة الزواج، وذلك تزامنا مع فتح ورش تعديل مدونة الأسرة.
وتجدر الإشارة الى أنه وبالرغم من قلة الاحصائيات الرسمية، فإن تقديرات المجتمع المدني تؤكد أن 11.43 بالمائة من الأطفال بالمغرب يولدون خارج اطار مؤسسة الزواج، وهو ما يعني أن 153 طفلا منهم يولدون كل يوم، ويتم التخلي عن 24 منهم في الشارع.[1] وقد أوصى المجلس الوطني لحقوق الانسان في توصياته الواردة في تقاريره السنوية بحماية حق الطفل في النسب بغض النظر عن الوضعية العائلية للأبوين.
للاطّلاع على شكاية الجمعيات بنسخة PDF
مواضيع ذات صلة
محكمة النقض بالمغرب تحسم سلباً في بنوة الطفل الطبيعي
محكمة الاستئناف تلغي أول حكم بأبوة طفلة مولودة خارج الزواج: هل آن الأوان لتعديل مدونة الأسرة؟
سابقة قضائية في المغرب: الإعتراف ببنوة الطفل الطبيعي من أبيه والتعويض لأمه
القضاء المغربي ينتصر للمرة الثانية لحق الطفل الطبيعي في انتسابه لأبيه
الولادات خارج اطار مؤسسة الزواج سبب لتنامي ظاهرة أطفال الشوارع بالمغرب
مقترح قانون للاعتراف بالخبرة الجينية كسبب لإثبات النسب بالمغرب
المغرب يفتح ورش مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من صدورها
مُتبنّون يطالبون بحق معرفة جذورهم، مطالب خاصة في طور التحول الى قضية عامة في لبنان
التبني في تونس من مفخرة تشريعية الى موضوع سؤال
[1] بحسب نتائج دراسة أعدتها العصبة المغربية لحماية الطفولة بتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة، سنة 2021.