التطاول على رئيس الجامعة اللبنانية ممنوع. الكلام لعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية كميل حبيب في سياق رده على قضية طرد طالبين من الفرع الثالث من الكلية بسبب انتقادهما رئيس الجامعة فؤاد أيوب. وهذه سابقة خطيرة لما فيها من انتهاك صارخ لحرية الرأي والتعبير وقمع لممارسة الطلاب حقهم في انتقاد أداء إدارة الجامعة ورئيسها.
وفي التفاصيل أنّ إدارة الفرع قررت طرد طالبين في الكلية لمدة ثلاثة أيام بتهمة "الإساءة" إلى موقع رئاسة الجامعة اللبنانية من خلال منشور على وسائل التواصل الاجتماعي. وبما أنّ الجامعة مغلقة وتلجأ إلى التعليم عن بعد لإكمال العام الدراسي، سيتم إنزال العقوبة من خلال تعليق مشاركة الطالبَين في كلّ المنصات التعليمية المعتمدة لثلاثة أيام متتالية.
ويقول العميد حبيب في اتصال مع "المفكرة القانونية" إنّه وافق على قرار الإدارة إذ لا يمكن أن تسمح الجامعة لطالب أو طالبة فيها "يبهدل ويكتب عن الجامعة ورئيسها"، مقرّاً بأنّه لم يقرأ ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، واكتفى بإعطاء موافقته على ما نقله إليه شفهياً مدير الكلية محمد علم الدين. ويؤكد حبيب بأنّ أحد الطالبَين المطرودَين كتب عن رئيس الجامعة عبارات غير لائقة، فيما وجّه الطالب الآخر إساءةً إليه "ونحنا ما فينا نتحمّل طلّاب يتطاولوا على رئيس الجامعة"، بحسب حبيب.
وما يصفها عميد الكلية ومجلس الفرع الثالث إساءة طاولت رئاسة الجامعة، تضمّنها منشور لإحدى طالبات الكلية تنتقد فيه تصريحاً صحافياً لأيوب حيال قراره العودة إلى التدريس وتكثيف الدروس بعد 3 أيام من إعلان انتهاء حالة التعبئة العامة، على أن تقام امتحانات الفصل الأول فور العودة إلى الجامعة. فكتبت الطالبة على صفحتها الشخصية على فيسبوك منشوراً انتقدت فيه ما اعتبرته "قرارات غير واقعية" لرئيس الجامعة، معبّرة عن تخوّفها من عودة تفشي الفيروس في حال التسرع في العودة إلى الصفوف بهذه الطريقة. بالإضافة إلى ذلك، انتقدت الطالبة إصرار أيوب على اجراء امتحانات الفصل الأول فور العودة للكلية في حين بدأ الطلاب بدراسة مواد الفصل الثاني عن بعد. "بدرس مواد الفصل الثاني أو برجع بكفّي مواد الفصل الأول أو شو بعمل بحياتي"، تسأل الطالبة في منشورها. وهي لم تورد أي كلمة نابية أو وصف غير لائق بحق رئيس الجامعة، وهذا ما نقلناه إلى حبيب في حديثنا معه. وبناء عليه يقول الأخير إنّه سيطلب من مجلس الكلية الاجتماع مجدداً في حال تبيّن عدم وجود إساءة واردة في تعليقات الطلاب. ولكنه يؤكد في الوقت عينه بأن الطالب الثاني أورد كلمة نابية في تعليقه المتعلق بأداء رئيس الجامعة، (وهو ما تأكّدنا منه بعد الإطّلاع على المنشور ولكن نتحفّظ على ذكر العبارة النابية).
قرار قاسي في الظروف الراهن
المفارقة أنّه بعد تواصلنا مع العميد الذي أشار إلى أنّ القرار جاء نتيجة "التطاول" على رئيس الجامعة أصدر بياناً توضيحياً قال فيه إنّ القرار جاء "بحسب قانون الجامعة استناداً للمواد 58 و59 منه"، مشيراً إلى أنّ المادة 58 تلزم الطالب بألّا يأتي "عملاً يتنافى مع الكرامة أو مع سلامة الجو الجامعي"، وأنّه وضع ما قام به الطالبان حسب المادة 59 في خانة "التعدّي على أفراد الهيئة التعليمية او موظفي الجامعة".
ويقول المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية إنّه "بغض النظر عمّا إذا كان مضمون المنشورين تنطبق عليه نصوص المواد المذكورة، كان لا بدّ لعميد الكلية أن يكون صدره أكثر رحابة ويأخذ الظروف الحالية للطلاب في عين الاعتبار، من حجر منزلي مفروض عليهم مضافاً إلى الظروف الاقتصادية السيئة فبالإضافة إلى ما يكابدوه خلال التعلّم عن بعد، قبل اتخاذ قرار بفصلهم".
ويتلاقى رأي صاغية مع رأي رئيس رابطة الأساتذة المتفرغين يوسف الضاهر الذي وصف القرار الصادر بحق الطالبين بأنه قاسٍ، بخاصة في ظل الأوضاع النفسية للطلاب حالياً، "فهم يتابعون مقررات الفصل الثاني في وقت لم ينجزوا امتحانات الفصل الأول". وأعرب الضاهر عن دعمه حق الطالب في الانتقاد والتعبير عن رأيه ولكن "ضمن الحدود التي لا تسمح له بالتجريح بحق الأشخاص".
ولكن الهيئة التنفيذية للرابطة لم تصدر موقفاً تجاه هذه القضية بسبب التباينات في مواقف أعضائها، ولم تجد من داع لعقد اجتماع استثنائي لها، حيث فضّل أعضاؤها البحث في هذه القضية في اجتماعهم المقبل، بحسب مصدر من داخل الرابطة.
بدوره أصدر تكتل طلاب الجامعة اللبنانية بياناً رأى من فيه بأنّ "الأوْلى برئيس الجامعة أن يتفرّغ لمشاكل الجامعة وتطوير المناهج التربوية بدلاً من كم الأفواه وطرد الطلاب لأسباب اعتباطية". واعتبر التكتل هذه الخطوة دلالة أخرى على "ضرورة انتظام الطلاب للدفاع عن حريتهم وحقهم في مساحة آمنة للتعبير والتعلم دون التعرض للقمع أو التمييز".
تعزو مصادر من داخل الإدارة المركزية للجامعة اللبنانية هذه الخطوة إلى محاولة من الفريق المقرّب من رئيس الجامعة "تأديب" كل من يحاول توجيه انتقادات لأيّوب، بخاصة بعدما عمد عدد كبير من الطلاب إلى توجيه انتقادات لاذعة لأداء الأخير، وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ويعتبر أحد المصادر بأن الفريق المقرّب من أيوب استغل قيام أحد الطلاب بتوجيه إهانة إلى رئيس الجامعة، ليأخذ من ذلك ذريعة لمعاقبته مع طالبة أخرى لم تقم سوى بانتقاد أداء أيوب. بذلك، تكون الجامعة عاقبت من شتم أو أهان رئيس الجامعة من جهة، وردعت الطلاب الآخرين عن توجيه انتقادات لأدائه من جهة ثانية. وقد حاولت "المفكرة القانونية" الحصول على رد من رئيس الجامعة إزاء هذه القضية، الّا أنه لم يجب على الاتصالات المتكررة.
تجدر الاشارة الى أنّ هذا القرار غير المسبوق يضاف إلى سجل حافل من التعرض لحرية الرأي والتعبير من قبل رئيس الجامعة فؤاد أيوب، فقد تقدّم الأخير بأكثر من شكوى لدى القضاء بحق عدد من الزملاء الصحافيين ممن انتقدوا أداءه في رئاسة الجامعة أو ممن كشفوا عن فساد داخل الجامعة (آخر فصول هذه الشكاوى كانت طلب أيوب من قضاء العجلة إلزام أكثر من 50 شخصاً وجهة بين مؤسسات إعلامية وأفراد يمثلون غالبية الوسائل الإعلامية تقريباً حذف مقالات تناولت أيوب)، إضافة لشكاوى رفعت بحق أساتذة متقاعدين وآخرين ممن تناولوا أكثر من ملف مرتبط برئيس الجامعة (أبرزها الشكوى التي رفعها أيوب ضد الأستاذ المتقاعد والرئيس السابق لرابطة الأساتذة المتفرغين عصام خليفة). ويبدو أنّ كليات في الجامعة اللبنانية تسير وفق هذا النهج، عبر التفرّغ لملاحقة منتقدي رئيس الجامعة من الطلاب، في وقت ينتظر الطلاب من عمداء ومديري الكليات ومجالسها في الوقت الحالي التفرغ لحل المشاكل والثغرات في نظام التعليم عن بعد المعتمد حالياً.
يرفض كلا الطالبين المطرودين التطرق للقضية ويفضّلان عدم ذكر اسميهما، بخاصة بعد "الترهيب" الذي مورس بحقهما من قبل إدارة الكلية، ويتخوّفان من إجراءات صارمة أكثر قد تتخذ في حقهما قد تصل إلى الطرد النهائي. وهذه على الأرجح النتيجة التي يريد فريق عمل رئيس الجامعة الوصول إليها من خلال "تأديب" الطلاب.