“زيتونة المفقود” في مواجهة نيترات الموت


2024-08-29    |   

“زيتونة المفقود” في مواجهة نيترات الموت
زيتونة المفقود قبالة الاهراءات الشاهدة على تفجير 4 آب

اليوم يشعر أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت أكثر من أيّ وقت مضى بأنّهم ليسوا وحدهم وأنّ هناك من يتقاسم معهم وجعهم. واليوم يشعر أهالي المفقودين والمخفيين قسرًا أنّ هناك من وقع عليه ظلم في زمن السّلْم، كالظلم الذي وقع عليهم، في زمن الحرب. اليوم يدرك الجانبان جيّدًا أنّ عدم تحقيق العدالة لضحاياهم يعمّق ألمهم وقد يجرّ المزيد من الجرائم وبالتالي المزيد من الضحايا، لذلك هم اليوم حاضرون للوقوف إلى جانب بعضهم البعض وتوحيد الجهود لتعزيز مسيرتهم النضالية نحو العدالة والإنصاف. 

وتحقيقًا لهذا التضامن، حملت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، اليوم المعوَل والرّفش، لزرع شجرة “زيتونة المفقود” أمام تمثال المغترب مقابل إهراءات مرفأ بيروت الشاهدة على جريمة تفجير 4 آب وفي المكان الذي تلتقي فيه عائلات ضحايا التفجير في الرّابع من كلّ شهر. زرع الأهالي الزيتونة مع كلّ ما تحمله هذه الشجرة من المعاني، لتكون حافزًا لعودة السلام الحقيقي ولإرساء الأمل والتذكير بضرورة السعي من أجل العدالة والمصالحة.

واختار الأهالي شجرة الزيتون لأنّ “ثباتها في الأرض يشبه نضالنا وثباتنا” بحسب رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان وداد حلواني. وتعتذر حلواني في حديث لـ “المفكرة القانونية” لأنّنا “كنّا في السابق، نحرق الدواليب ونخرّب البيئة، لأنّنا كنّا نريد القيام بأيّ عمل حتى يسمع المسؤولون صوتنا. أمّا اليوم فنحن نؤكّد أنّنا بنضالنا نحن طلّاب سلْم ونسعى وراء السّلْم ولا نريد حربًا (أهلية) جديدة”. 

أهالي ضحايا 4 آب وأهالي مفقودي الحرب يحملون صور أحبّائهم

معاناة عائلات ضحايا المرفأ تنقلها عائلات المفقودين 

وفي كلمة لها تروي حلواني بعضًا من معاناة أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت. فتنقل عن أجود شيّا والد الضحية جواد شيّا، ما قاله لها في الاجتماع التحضيري لإحياء الذكرى الرابعة لضحايا تفجير مرفأ بيروت: “مع كلّ وجعي وحزني، أنا عالقليلة دفنت ابني جواد وبعرف وينو، بس إنتو كتير صعب وضعكن”. وتنقل عن عبدو متّى والد الضحية شربل في اللقاء في بيت بيروت الخميس الماضي: “أنا دقت وجع إنّك تفقد ابنك وما تعرف عنّو شي ولا وينو لـ 3 أيام، فتشت ع شربل ابني حتى لقيتو ودفنتو”. وتنقل عن سهاد كرم زوجة المفقود سالم كرم خلال الحرب: “أنا من جرحى تفجير المرفأ، أنا ضحية بالحرب وبالسّلْم. بشكر الله إنّي ما متت، بس الوجع الكبير والعميق اللي بعدني  حاملتو هوّي فقدان زوجي بالحرب”. 

عالقليلة دفنت ابني جواد وبعرف وينو

وتخلص إلى أنّنا في بلد العجائب: “أهالي ضحايا الحرب يتلاقون مع أهالي ضحايا السّلم وتنيناتن متروكين من الدولة.. يتبادلون الحديث عن الأوجاع ويواسون بعضهم البعض ويشدّون على الجراح ويفكّرون في كيفية التعاون للوصول إلى الحقيقة والعدالة”. 

وتتابع: “نحن على عتبة الذكرى الخمسين للحرب.. والسّلم الذي زفّه الحكام للبنانيين صار عمره 34 سنة، وقتها أعلن المسؤولون السّلم، وقالوا لنا لا نستطيع القيام بشيء لأنّها كانت أيام حرب والكلّ قتل وخطف، ونصحونا أن ننسى المفقودين وننظر إلى الأمام، إلى المستقبل. لكنّنا لم نطبّق النصيحة واعتبرنا أنّ السّلْم الحقيقي يتحقّق حين يعود أحبابنا أو نعرف الخبر اليقين عن مصيرهم”.

وتسأل حلواني: “ما هذا السّلم الكذبة؟ حين يتفجّر مرفأ العاصمة ويحصد مئات القتلى وآلاف المصابين بين جرحى ومعوّقين ومفقودين ويدمّر نصف المدينة ويهجّر الناس من بيوتها ولكن ممنوع على أحد أن يسأل لماذا التحقيق ممنوع؟ لماذا المحاسبة ممنوعة؟ لماذا القضاء معطّل؟ لماذا أصبحت المطالبة بالعدالة  ممنوعة في بلدنا، والعدالة مفقودة. وبعدين؟”. 

وتواصل حلواني: “هل ترضون أن نعيش كمشاريع ضحايا؟ ناس بتسبق ناس.. يعني كلّنا ضحايا لا نعرف متى يأتي دور كلّ حدا منّا؟”. 

هل ترضون أن نعيش كمشاريع ضحايا؟

بدوره، يقول عبدو متى: “لا عدالة إذا لم تكشف الحقيقة ولا حقيقة إلّا إذا وجدت العدالة”، مشيرًا إلى أنّ “المشكلة أنّ الذين لديهم مسؤولية تحقيق العدالة هم  فاسدون، ويريدون طمس الحقيقة ودفنها”. وتوجّه إلى المسؤولين بالقول: “لن نرضى إلّا بإظهار الحقيقة وتحقيق العدالة، لن نسمح بأن يُقال لنا إنّ هناك عدالة سماوية، لن ننتظر، فنحن نريد العدالة  على الأرض. أريد أن أعرف من قتل ابني. من خطف الناس قبل 40 عامًا. نريد معرفة أين دفن الشهداء في الحرب؟ وأين جثث أكثر من 20 ضحية لا يزالون تحت تراب المرفأ”. ويعرب متّى عن رفض الأهالي “بيع الأنقاض  قبل معرفة الحقيقة”. 

الأهالي في صورة جامعة

إحياء يوم المفقودين غدًا في حديقة جبران 

هذا، وستزرع لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان يوم غد الجمعة خلال إحياء 30 آب “اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري” شجرة زيتون في حديقة “جبران خليل جبران” – قرب خيمة أهالي المفقودين المنتصبة هناك منذ 19 عامًا وتحديدًا منذ 11 نيسان 2005. 

وكان من المقرّر أن يزرع الأهالي خمسين شجرة زيتون، على عدد السنوات التي مرّت منذ بدء الحرب اللبنانية (حتى نيسان من العام المقبل)، إلّا أنّه نتيجة للوضع الأمني الناتج عن العدوان الإسرائيلي المستمرّ منذ 11 شهرًا، اكتفت اللجنة، بدعم من البعثة الدولية للصليب الأحمر، بزرع ثماني أشجار زيتون، الأولى في زحلة والثانية في ببنين في عكار، والثالثة في بنواتي في جزين، العزونية.وكان أهالي المفقودين وأهالي ضحايا 4 آب أطلقوا لقاءاتهم المشتركة قبل أسبوع في “بيت بيروت” بمبادرة من مجموعة “لبنان عن جديد” تحت عنوان “العدالة المخفيّة قسرًا“، انطلاقًا من إيمانهم بأنّنا “كلّنا في هذا البلد مشاريع ضحايا، إن لم نقف صفًا واحدة في وجه السلطة السياسية الفالتة من عقابها ومن عقالها”.  

نحن نريد العدالة  على الأرض
لميا شقيقة المفقود أثناء الحرب علي محمد مكي وليلى والدة الضحية في تفجير الرفأ جاك برمكيان
انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في الوصول إلى المعلومات ، الحق في الحياة ، عدالة انتقالية ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، عدالة انتقالية ، جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني