“
صبيحة يوم الأحد في 26/8/2018، استيقظ أهالي منطقتيّ المنية- الضنية ودير عمار على حادثة مقتل الشاب الأربعيني محمد عادل الدهيبي في منطقة برج اليهودية على يد إمام وخطيب جامع “الضيعة الكبير” خالد الدهيبي واثنين من أشقائه في جريمة وصفت على مواقع التواصل الاجتماعي ب “الداعشية”، لجهة دوافعها وأسلوب تنفيذها. فقد جرى الحديث على هذه المواقع بأن الدافع للجريمة تمثل في قيام القتيل بشتم العزة الإلهية أمام الشيخ الذي أفتى بوقوع الحد عليه وتنفيذ حكم الإعدام به، بعد أن نطق بالكفر وخرج من الملة. كما نقلت هذه المواقع أنه جرى التنكيل في جثة القتيل واقتلاع قلبه.
مرّ يومان على الجريمة، قبل أن تنتشر الرواية عبر مواقع التواصل الإجتماعي، ويتناقلها الناس وسط استنكار كبير واستهجان أكبر دفعا بالبعض إلى إسقاط صفة “الداعشية”على أهالي منطقة ديرعمار حيث يقيم المشتبه بهم بالقتل. وقد تعددت الروايات حول دوافع هذه الحادثة المروعة: إحداها تقول أن المغدور دخل ليشتري زجاجة بيرة خالية من الكحول فقرر الشيخ أن يسدي إليه نصيحة بترك الزجاجة لأن من صنعها يبغي استدراج الناس لشرب الكحول، فرد عليه محمد ب “حل عن ربي”. أما الرواية الثانية فتقول أن الضحية محمد دخل للتبضع فكفر لشدة غلاء الأسعار. وهنا تدخل الشيخ واعظاً فشتمه محمد وشتم العزة الإلهية وتطور الإشكال، وأدى إلى وقوع الجريمة.
ومع تعدد الروايات، سلطت وسائل الإعلام الضوء على مسألة الداعشية في المنطقة، وتحولت الجريمة إلى قضية رأي عام، وشعر أهالي منطقة دير عمار أنه صار لزاماً عليهم الدفاع عن سمعة منطقتهم في وجه ما اعتبروه تشويها لها.
انعطافة في خطاب أهالي البلدة: من جرم داعشي إلى تشاجر ودفاع مشروع عن النفس
فور إنتشار الجريمة عبر وسائل التواصل الإجتماعية، كانت مجمل التعليقات تستنكر الذي حصل وتتحدث عن طيبة المغدور. ومن التعليقات قال اسماعيل الدهيبي:”الله يلعن الدواعش”.أما صهيب الدهيبي فقال: “والله شي بيجنن الله يرحمو ويغفرلو..لعنهم الله…”. وعلّق أحمد الوريدي قائلاً:”إذا كان دافعهم دينيا-ولا أظنه كذلك- فليقام عليهم الحد الديني.. وإذا كان دافعهم غير ذلك فليقام عليهم القانون السماوي حسب دينهم وفي الإسلام القاعدة الفقهية الشرعية القاتل يقتل”. وقال عمار الدهيبي:”كان معو بطاقة شؤون كل شهر بيروح بيجيب فيها أغراض عالبيت. الزلمة فقير معتر”. وقال يوسف الدهيبي:”الله لا يسامحون الله يرحم ترابك يا غالي”. وعلق مصطفى ضو على الخبر:”الله يرحمك أبو عادل”. وقال محمد نور: “الله أكبر عليهم الله يحرق قلبكن متل ما حرقتو قلب ولادو وعيلتو وأصحابو هدول لازم يتختخو بالحبوس…. الله يرحمك يا شيخ الشباب وياخد حقك وينتقملك منن”.
لكن مع وصول الخبر إلى وسائل الإعلام الذي وصف الجريمة بالداعشية، حصل ما يشبه الانعطافة في مواقف أهل البلدة في مسعى للتخفيف من هول الجريمة سعياً إلى إبعاد هذه الصفة عن المنطقة. ففيما صمتت الاصوات المنددة بالجريمة، تعالت الأصوات الساعية إلى التخفيف من هولها وإسقاط الوصف الداعشي لها.
ومن التعليقات في هذا السياق، قال أبو خليل عيد: “مشكل فردي وقع بين اثنين أو أكثر وحلت المصيبة على الطرفين. إنا لله وإنا إليه راجعون. الجريمة لا تبرر ولكن لا تلصقوا بها الطابع الديني لأن الاسلام ليس هكذا ولا تلبسوها الثوب الداعشي لأن لا دواعش في دير عمار وأن ما حصل لا يتعدى الجريمة كأي جريمة تحصل على الأرض اللبنانية وسببه الدولة اللبنانية بكل مكوناتها من استشراء الفساد وعدم المحاسبة ويأتي الإعلام الخبيث ببث سمومه وبتأليف الأكاذيب والأضاليل”.
أما زينة سمير الدهيبي فذهبت بالدفاع عن المنطقة بأن حملت المسؤولية للضحية وقالت: “بغض النظر عما ورد في الفيديو، الجريمة لا علاقة لها بداعش ولا بأفكار داعش. المقتول كان سكرانا وفات ع سوبرماركت وصار يكفر، الشيخ قللو صلّ عالنبي وخاف الله. المقتول صار يزيدها بالكفر. الشيخ تركه وبعّد عنه. المقتول هجم عليه بسكين وضربه بكتفه. اتصل الشيخ بأخواته ع اساس جريح وبده مين يساعده. بهل وقت فل المقتول التقى بالأخوة طالعين رجع وراهن واعترض طريقهن وهجم عليهن بنفس السكين وصابهن واحد من الأخوة ضربه بعصا ع ايده طارت السكين منه لقطوها وبلشو فيه ضرب لمات. المقتول هو اللي بلش بالاعتداء عالشيخ وعاخواته الجريمة حصلت والأخوة رح ينالوا جزاءهن إن شاء الله. بس ما في داعش ولا أفكار داعش”.
وقد أسهمت هذه التفاعلات في صياغة روايات عدة عن الحادثة.
رواية أهل الضحية
إلى منزل شقيق الضحية نذير عادل الدهيبي في النبي يوشع-المنية، توجهت المفكرة القانونية بعد أكثر من أسبوع على الجريمة، حيث كان لنا لقاء سريّاً معه، بعدما تلقى “العديد من النصائح الصارمة، بعدم الحديث إلى وسائل الإعلام كي لا يسهم أكثر في تشويه صورة المنطقة أمام الرأي العام”.
قبل أن يباشر بسرد تفاصيل الجريمة التي وصلته، عرض علينا فيديو قام بتصويره بنفسه في غرفة التشريح حيث قام الطبيبان فاروق السمان ونديم الأيوبي بالكشف على جثة شقيقه.
الفيديو يظهر تعرض محمد لنحو 13 طعنة حادة جداً، بدءاً من الرأس حيث تلقى ضربة من الخلف وأخرى على جبينه من ناحية الشمال، انتقالاً إلى الرئتين حيث هناك ضربة من جهة اليمين. بلغ طول الجرح فيها نحو 19 سنتيمتر وعرضه بين 7 و8 سنتيمتر، أما العمق فبين سبعة إلى 8 سنتيمتر. والحقيقة وفق الفيديو الذي تسنى لنا رؤيته أن المتهمين لم ينتزعوا قلب محمد من مكانه، وإنما جعلوه مكشوفاً واضحاً للعيان. أما باقي الطعنات فتوزعت على اليدين والفخذين والساقين، حيث جرى تقطيعها، من دون أن يقدموا على بتر أطرافه، وإنما أبقوها معلقة.
يبدأ نذير الدهيبي بسرد ما بحوزته من وقائع بالقول: “وصلني الخبر عند الساعة الحادية عشرة إلا خمس دقائق ليل السبت 25/8/2018. دخل محمد للتبضع من “سوبرماركت” آل العويك في منطقة برج اليهودية، ثم قال لصاحب المحل “ليش رب هالأسعار غالية”. فرد عليه الشاب أن يسأل والده، فقال رب الفاتورة على ربك. وكان الشيخ خليل الدهيبي موجوداً. فتدخل الأخير سائلاً شقيقي لماذا يشتم العزة الالهية، متابعاً بالقول “أنت خرجت عن الملة”. فردّ أخي عليه “إنت شو إلك علاقة بربي؟ شو انت ربي لتحاسبني؟” ثم حصل تلاسن، وتدافع بينهما، وحاول أشخاص من آل العويك مصالحتهما، وهناك شخص منهم مطلوب للشهادة من أجل ذلك. فردّ الشيخ قائلاً “أبعدوه عني لا تقرّبوه، هذا واحد نجس وكافر ويُقتل شرعاً”.
انتهى الإشكال هنا. يقول نذير مضيفاً “بقي أخي في المحل لأنه يسهر عادة هناك. لكن الشيخ ذهب وجمع إخوته وعاد. وعندما كان أخي يقود سيارته عائداً إلى بيته، اعترضته سيارتان، بحسب ما أخبرني عناصر المخفر، واحدة من نوع rapide وأخرى “كيّا” أو “هيونداي”، ثم أجبروه على النزول من السيارة”.
أما عن واقعة الجريمة، فيتحدث نذير عن روايتين نقلهما إليه الناس الذين تجمعوا في المكان حيث قتل شقيقه. وفق الرواية الأولى، “تلقى محمد ضربة قاسية على يده بانت من جرائها العظام قبل أن ينزل من السيارة، لأن أخي في الأساس رجل ضخم وقوي. وإذا نزل من السيارة سوف لن يتمكنوا منه. ثم تلقى ضربة أخرى على رأسه، ربما كان يحاول حينها رد الضربة بيده فتلقاها برأسه، وفقد الوعي فتمّ سحبه من السيارة إلى الأرض وبدأوا بتشريحه”.
أما الرواية الثانية فتقول ب “أنه ترجّل من السيارة، وكان يحمل موساً بيده، وبأنه ضرب أحدهم، عندها تكاثروا عليه، وضربوه على رأسه ففقد وعيه وسقط أرضاً فبدأوا بتقطيعه”.
وأثناء ذلك مرّت فتاة في المكان، ورأت ما يجري فبدأت بالصراخ. وجاء رجل وحاول إبعادهم عنه فرفع أحد الإخوة الساطور عليه وقال له “بشقفك إذا بتقرب”. لكن عندما تكاثر الناس، هرب الجناة وكانت قد سالت دماؤه وبدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة، فساعده أحد الموجودين على “نطق الشهادة”، ففعل ذلك ثلاث مرات ثم أسلم الروح”.
رئيس البلدية..عمّ المتهمين
وبتاريخ 28/8/2018 انتشرت مقابلة في جريدة الأخبار مع رئيس بلدية دير عمار خالد الدهيبي الذي دافع عن المتهمين معتبراً أن المغدور هو من “كمن للشيخ وأشقائه، واعترض طريقهم بسيارته التي تبين لاحقاً أنها مسروقة من منطقة البقاع، وعمد إلى طعن الشيخ وأشقائه بالسكين التي كان يحملها قبل أن يتمكنوا من انتزاعها منه وقتله، نافياً أن يكونوا قد نكلوا بالضحية، أو قاموا بتقطيع أطرافه أو انتزاع قلبه”.
وفي اتصال “المفكرة” مع رئيس بلدية دير عمار خالد الدهيبي، أكد هذا الأخير على ما جاء على لسانه في جريدة الأخبار. و صرّح أن المتهمين هم أولاد شقيقه، وهو أمر لم تذكره أي من وسائل الإعلام، معتبراً شهادته بهم وبأخلاقهم “مجروحة”. وأنكر رئيس البلدية معرفته بالضحية، مؤكداً أنه قام بتسليم أولاد شقيقه بنفسه إلى الأجهزة الأمنية وقال: “كنا نتمنى ألا نسمع بمثل هذا الحدث طوال حياتنا، ولكن الحمدالله، قدّر الله ذلك ونأمل من الله السترة”. وأضاف “أخبروني أنه نزل من السيارة وبدأ بالهجوم عليهم، ولم يقدروا عليه ولكن الله سبحانه وتعالى، قدّر لهم في لحظة ما أن يتمكنوا من الإمساك به وحصل ما حصل، وعلى الأثر اتصلت بالأجهزة الأمنية وقمت بتسليمهم بيديّ”.
أما نذير (شقيق الضحية) فيؤكد على معرفة رئيس البلدية بشقيقه، وينفي واقعة “الدفاع عن النفس” التي يطلقها مع والد المتهمين، ويؤكد على واقعة “التنكيل” قائلاً: “لولا حرمة الميت لكنت عرضت الصور عبر الإعلام”. ويتابع :”لقد ضربوه على رأسه وسقط أرضاً ولو كانت الغاية الدفاع عن النفس لماذا لم يهربوا؟ أليس كافيا أن يفعلوا ذلك ويهمّوا بالإنصراف؟ إن ما قاله الأب والعم هو إدانة للأولاد في جريمة قاموا بها عن سابق تصميم وإصرار”.
ينفي نذير أن تكون ثقافة التكفير وهدر الدم من نسيج المنطقة، ولكنه في الوقت نفسه لا يجد تفسيراً واضحاً لما جرى مع شقيقه. يتذكره ويروي معانته مع مرض أصابه في ظهره دفعه لأن يترك عمله في أعمال البناء ، وجعله يكتفي بـ “كش الحمام”. تغلبه الدموع ويختنق الكلام في حلقه حين يقول:”كنت أتوقع هكذا جريمة في سوريا أو إن حصلت هنا فعلى أيدي جماعة ارهابية. ولكن كيف لي أن أتوقعها من إبن عمي؟ كيف بإمكاني أن أتوقع أن تحصل هكذا جريمة في منطقة دير عمار التي تحتوي على سراي ووحدة عسكرية “ثكنة عرمان”، وفيها عدد هائل من عناصر الجيش، كذلك يوجد في المنطقة قائمقامية ومحكمة ومخفر وفرع معلومات وآخر للأمن العام والمخابرات؟ هل يعقل أن تقع الجريمة في منطقة بعيدة 200 متر خط نار عن كل ما ذكرته؟ على من ألقي اللوم؟”.
يطالب نذير ب”الإعدام” للقتلة، وإلاّ بإنزال أشد العقوبات بهم. ويختم قائلاً:”إذا لم تأخذ الدولة حقي، ولم تنصفني أنا سآخذ حقي من هؤلاء الثلاثة”.
وأخيرا، يذكر نذير أن محمد رحل تاركاً ولديّن: فتى عمره اثنا عشر عاماً ونصف، وفتاة في السابعة من العمر. “ستتولى العائلة الاهتمام بهما”. وهو يؤكد أنهما “يعانيان من صدمة نفسية سيما، وأنهما خسرا السند في الحياة”.
رواية صاحب السوبرماركت
لم يكن محمد الدهيبي، المعروف بـ”أبو عادل” شخصية عامة في المنطقة، ولكنه كان معروفاً بين الناس ومحبوباً حسبما اشار إليه عدد من الأشخاص الذين جرى التحدث إليهم في منطقته “المنية”. يُعرف عنه بأنه “قبضاي” ولا يسكت عن حقه، وذلك في قرى عدة من المنطقة، من دير عمار إلى بحنين وبرج اليهودية وحريص ومركبتا. ولكن ورغم ذلك، فإن الأسف عليه الحاصل عفويا عند انتشار خبر جريمة قتله المروعة سرعان ما امتزج، بعد وصف الجريمة بالداعشية، مع اتجاه عام بتحميله ذنباً بات من المحال له أن يؤكده أو ينفيه.
الشيء الوحيد الذي تلقى إجماعا عليه كان بأن الحادثة بدأ فصلها الأول في سوبرماركت “آل العويك” في منطقة برج اليهودية. ورغم أن أصحابها رفضوا الحديث إلى وسائل الإعلام المرئية نتيجة ما قاموا به من تشويه للمنطقة، نجحت “المفكرة” بمقابلة إبن صاحب السوبرماركت إبراهيم العويك (18 عاماً) الذي كان موجوداً يوم وقوع الجريمة. ينفى أبراهيم كل ما تناقلته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ومواقع التواصل الإجتماعي من روايات حول أسباب الجريمة ويقول: “دخل محمد إلى المحل بوضع غير طبيعي. كان شبه سكران. وطلب علبة معسل. نحن نعرفه جيداً فهو يسهر لدينا في المنطقة على نحو دائم مع شقيق رئيس بلدية برج اليهودية خضر علي العويك. والذي حصل يومها أنه قام بشتم أخي (إبن صاحب السوبر ماركت) على نحو عفوي، وكان الشيخ خالد موجوداً فقال له صلي على النبي، عندها قام بشتم الشيخ والنبي. والشيخ لم يقترب منه أبداً سيما بعدما غمزنا له أن وضعه غير طبيعي. إلاّ أن محمداً خرج من المحل ورفع السكين وصار يهدد الشيخ قائلاً “لو زلمة إلحقني على طريق حريقص” ومن هذا الكلام. وانهال بالشتائم والسباب والصريخ، فحاولنا التهدئة من روعه فهدأ ثم أدار سيارته وذهب باتجاه طريق حريقص”.
ودائماً وفق رواية ابراهيم، “شعر الشيخ بالخوف فقام بالإتصال بإخوته، وفي هذه الأثناء عاد محمد (أبو عادل)، وأكمل بشتم الشيخ، وكان شقيقاه عمر وعبدالله، وهو يعاني من كهرباء في الرأس، قد حضرا بمعيته. وعندما سمعاه شعر الاثنين بالغضب الشديد سيما أن محمد قال لهم “الزلمة يلحقني”. وانطلق محمد إلى آخر دير عمار فلحق الثلاثة به، وبعدها أحداً لا يعرف ماذا حصل. حصلت الحادثة في دقيقتين، ثم انتشر خبر الوفاة وإصابة عبدالله بيده”.
يتذكر إبراهيم القتيل ويقول أنه”كان رجلاً ضخماً ولديه عضلات وأحداً لا يقدر عليه، ولكن الثلاثة تكاثروا عليه”. ويرى أنه “عاد إلى الموت برجليه”، مؤكدا “أنها المرة الأولى التي يأتي فيها بهذا المظهر الغريب”.
يتحدث الشاب إبراهيم عن القتيل وهو يسميه “أبو عادل” فيما يشير إلى المعرفة الوثيقة به. وفيما يؤكد أن صلة صداقة تربط القتيل بإبن خاله، تراه يطلق عليه أوصافا تقلل من قيمته (كان مشكلجي وكثيرون قالوا لنا بعد الحادثة، أنه لو لم يمت في منطقتنا كان مات لديهم، شبه سكران)، فيما يطيل المدح بأخلاق الشيخ وأخويه اللذين كانا معه في المهنية عينها. وحين تسأله لماذا يصف محمد بالمشكلجي وعن المشاكل التي كان افتعلها سابقا في منطقته، فإنه يجيب بشكل لافت أنه لم يفتعل أي مشكل فيها من قبل.
في سوبرماركت آل “العويك” كاميرات تغرق السقف إلاّ أن إبراهيم يقول بأنها معطلة. وهذا الأمر قاله عندما جاءت الأجهزة الأمنية إلى المحل وفتحت تحقيقاً معه في “عليّة” المحل، بينما استدعوا شقيقه إلى المخفر للتحقيق معه”. يختم إبراهيم كلامه بالتأكيد بأن منطقته برج اليهودية لم تشهد مثل هذه الجريمة مطلقاً من قبل”.
مساع لفرض رواية رسمية؟
في اليوم التالي لوقوع الجريمة، توجه نذير إلى المخفر وقام بالإدعاء على الشيخ خالد الدهيبي وإخوته. كما إدعى على والدهم الشيخ عبد القادر الدهيبي باعتباره “هو من أنشأ أولاده على هذا النهج”. وما أن ذاع نبأ الجريمة، حتى بدرت مساعٍ لأجهزة أمنية أو لوسائل إعلامية محسوبة على قوى سياسية نافذة في المنطقة للتخفيف من الجريمة.
من أهم الدلائل على ذلك هو بيان المديرية العامة للأمن الداخلي الذي جاء فيه “أنه بتاريخ 25 آب حصل إشكال وتلاسن بين محمد دهيبي (مواليد عام 1974) والشيخ خالد دهيبي (مواليد عام 1986) داخل أحد محال السوبرماركت، على خلفية قيام الأول بإهانة الشيخ وشتم العزة الإلهية، مما أثار اعتراض الشيخ وامتعاضه فحصل تلاسن بينهما، وتطور الإشكال في ما بعد على أطراف بلدتي دير عمار وبرج اليهودية بعد تدخل شقيقيّ الشيخ (ع. د.، مواليد 1992، و ع. د.، مواليد 1994)، حيث حصل تضارب بالسكاكين نتج منه إصابة محمد دهيبي بطعنات أدت إلى وفاته. وبتاريخ 26 آب، أوقفت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي أحد الأشقاء في المستشفى بسبب إصابته بجروح، فيما سلم الآخران نفسيهما إلى الشعبة، مع العلم أنهما أصيبا أيضاً بطعنات سكين”. ويلحظ أن هذا البيان انحاز للرواية التي تصور الحادثة على أنها نتجت عن “إشكال” و”تلاسن” و”تضارب” بما يوحي بحصولها عفوا واشتراك الضحية والجاني بالمسؤولية على قدم المساواة. كما يلحظ أن البيان خلا من أي إشارة للتنكيل بالجثة.
بما لا يقل خطورة هو الظهور الإعلامي لأحد الأطباء الشرعيين الذين كشفوا على الجثة (نديم الأيوبي) على شاشة المستقبل، حيث رفض أي حديثٍ عن حصول تنكيل بجثة المغدور وقال: “ما في لا تقطيع قلب ولا شيء، المعلومات التي تنشر عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي غير صحيحة. حرام الميت مات ولا يوجد هناك أي تشوه بشكل عام. طبعا يوجد طعن متعدد وطعنات كبيرة في الجسم ولكن لا يوجد أي انتشال لأعضاء بالكبد أو القلب أو أي شيء”. في الاتجاه نفسه، عرضت شاشة تلفزيون المستقبل مقابلة مع والد المتهمين الشيخ عبد القادر الدهيبي الذي دافع من خلالها عن أولاده، معتبراً أن ما حصل مع أبنائه هو “دفاع عن النفس”، وأنه “تمّ قتل محمد بسكينه” وأن أبناءه “كانوا عزلّا” و”يشعرون بالندم” (تاريخ 27 آب). هذا فضلا عما نقل عن رئيس البلدية نفسه والذي تبين فيما بعد أنه عمّ الضحية.
وقد ردّت عائلة الضحية على لسان شقيقه نذير على بيان قوى الأمن الداخلي ببيان آخر مبدية أسفها لما “يعتريه من تناقض وعدم تماسك مع الروايات كافة”. وقد طالبت في البيان “وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي بالتدخل” وجعل وزارته تضع يدها على القضية”. كما انتقد تصريح والد المتهمين لتلفزيون المستقبل وتصريح رئيس بلدية دير عمار لجريدة الأخبار وقال: “كنت أربأ برئيس البلدية أن يبقى منتخباً من الهيئات العامة، ولا يضع نفسه بهذا الموقع ، لكنه وبما أنه اختار أن يكون بهذا الموقع فإنني أحتفظ بحق الادعاء عليه بتضليل التحقيق”.
أين أصبحت القضية اليوم؟
بعدما انتهت التحريات الأولية بخصوص القضية، مثل شقيق المغدور والمدعى عليهم أمام قاضية التحقيق الأولى في طرابلس سمرندا نصار حيث عين نذير المحامي شادي دحدح، فيما قامت الجهة المتهمة بتعيين المحامية دانيا بيطار. وبتاريخ 6/9/2018 استمعت القاضية نصار إلى طرفي الدعوى في جلسة سرية جمعت الطرفين وحسب.
أبعد من أحداث القضية، من هو القاتل الحقيقي؟
وفي لقاء مع أحد الناشطين في منطقة المنية والذي طلب عدم ذكر اسمه خوفا من ردود الأفعال في ظل التشنج الحاصل في البلدة.
يذكر هذا الناشط أنها ليست الجريمة الأولى في المنطقة. فهو يتحدث عن، أن “الجرائم تحصل منذ فترة وتعود إلى العام 2006 وقد بلغ عددها على الأقل 5 جرائم، وذلك نتيجة الغضب السريع. لكن هذه الجريمة هي الأفظع من حيث التنكيل بالجثة”. في العام 2011، قتل الشاب حسين الدهيبي لأسباب تافهة في المنطقة فيما لم يسجن القاتل سوى ست سنوات بفعل التدخلات السياسية، على حد قول الناشط، وهو قول لم يتسن لنا التحقق من صحته.
والقاسم المشترك بحسب الناشط بين كل الجرائم أنه “دائماً ما يتم البحث من قبل المجتمع المحلي عن تبريرات للتخفيف من وطأة الألم”. ويؤكد هذا الناشط “أن أبرز المشاكل التي نعاني منها هو تبني عدد من رجال الدين في المنطقة خطاباً متطرفاً/ خطاب كراهية وهم يحظون بدعم أحد التيارات السياسية الحاكمة”. وأن الحل يكمن في “مواجهة أنفسنا أولا والاعتراف أن الأمور لا تختزل بقضية إنما هنالك خلل يتعدى أحداثها ووقائعها وقوامه انتشار الخطاب المتطرف المنتشر ليس فقط لدى رجال الدين بل أيضا في عدد من مدارس المنطقة”. ويعود الناشط في سعيه لشرح خلفيات الحادثة إلى (حرب العراق) وما تركته من أثر لدى الشباب المتحفز على الجهاد، ولكن هذا بحث آخر يتعدى بكثير ما أردناه من هذا التحقيق.
“