إضراب الليل يمحوه النهار، هو واقع يتكرّر بين فترة وأخرى مهدداً المواطن برغيف خبزه بسبب إصرار اتحاد نقابات المخابز والأفران على زيادة سعر ربطة الخبز أو تخفيض وزنها بحجة ارتفاع كلفة انتاجها، وذلك في وقت تتمسّك فيه وزارة الاقتصاد والتجارة برفض الأمر. فالأخيرة تعتبر أنّ ما يجنيه أصحاب الأفران والمخابز من بيع ربطة الخبز عادلٌ، لا سيّما أنّهم يشترون الطحين بالليرة اللبنانية وكذلك النسبة الأكبر من المازوت.
وكانت الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المخابز والأفران التي انعقدت الجمعة الماضي قد دعت إلى الإضراب المفتوح اعتباراً من يوم أمس الاثنين 24 شباط "إذا لم تتحقق مطالب أصحاب المخابز والافران، بدعم القمح والإبقاء على وزن وسعر ربطة الخبز كما هو اليوم"، ولكنها ما لبثت أن تراجعت الأحد عن القرار.
وتلويح الاتحاد بالإضراب ثمّ الرجوع عنه ليس مستجداً ولا يرتبط بما بات يعرف بأزمة الدولار، أي اختلاف سعر صرف الدولار بين الرسمي والسوق السوداء، والتي أدّت إلى ارتفاع أسعار معظم السلع والمواد الأولية. فاتحاد نقابات المخابز والأفران يطالب منذ أكثر من عام وزارة الاقتصاد بالسماح له إمّا بزيادة سعر ربطة الخبز أو خفض وزنها، الأمر الذي اضطر الوزارة العام الماضي إلى إجراء دراسة بالتعاون مع وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية لتحديد سعر كلفة ربطة الخبز. وتوصلت الدراسة إلى أنّ الكلفة المباشرة لربطة الخبز هي 850 ليرة لبنانبة وتباع بـ 1500 ما يعني وجود هامش كبير من الربح، ما دفع وزير الاقتصاد والتجارة حينها منصور بطيش إلى رفض زيادة سعر ربطة الخبز معتبراً أنها تباع بسعر "عادل".
اتحاد نقابات المخابز والأفران لم تعجبه نتيجة الدراسة، فبقي يطالب وزارة الاقتصاد بالسماح له بزيادة سعر بطة الخبز، ملوّحاً بالإضراب أكثر من مرة، في حين عمدت بعض المخابز إلى تخفيض وزن ربطة الخبز من دون أي قرار رسمي، فسطّرت بحقها عشرات محاضر الضبط، كما تؤكد المديرة العامة للحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد "نادين عون" لـ"المفكرة القانونية".
تؤكّد عون أنّ الوزارة "سعت وتسعى جاهدة لإيجاد حلّ عادل لا يكون على حساب المستهلك"، وتوضح أنّ وزير الاقتصاد رؤول نعمة وقبل نيل الحكومة الثقة استقبل وفداً من الاتحاد واستمع إلى مطالبهم وطلب منهم أن يجدوا حلولاً تخفف أكلافهم على أن تدعمهم الوزارة في الحل المناسب شرط عدم المسّ بالمستهلك. وبعد نيل الحكومة الثقة، اجتمع نعمة برئيس إتحاد نقابات المخابز والأفران كاظم ابراهيم وعرض تشكيل لجنة يُمثّل فيها الاتحاد تحدّد كلفة ربطة الخبز وتضع مؤشراً لها، أي أن يرتفع سعرها مع ارتفاع الكلفة وينخفض مع انخفاضها، إلّا أنّ ابراهيم رفض الأمر حسب عون ولم يقبل تسمية مندوب للجنة.
أما بشأن إعلان الاتحاد الإضراب يوم الاثنين والعودة عنه مساء الأحد، فتشرح عون أنّ الوزير كان حدّد موعداً صباحياً مع معنيين من نقابات المخابز والأفران إلّا أنّ أحداً منهم لم يأت بطلب من ابراهيم الذي أعلن الإضراب مساء مصعّداً الأمر وآخذاً لقمة عيش الناس رهينة.
لا تنفي عون أنّ هامش ربح الأفران والمخابز تراجع منذ نهاية العام الماضي ولكنها تؤكد أنه لا يزال مقبولاً انطلاقاً من معطيات واقعية، فأصحاب المخابز يشترون الطحين بالليرة اللبنانية وهو، أي الطحين، يمثّل 60% من كلفة الرغيف وكذلك يشترون 85% من المازوت بالليرة اللبنانية والباقي أي 15% بالدولار، ليبقى السكر والخميرة اللذين زاد سعرهما بطبيعة الحال، ولكن هذه الزيادة لا تعني اختفاء هامش الربح بل تقليله إلى نسبة يبقى معها سعر ربطة الخبز الحالي أي 1500، عادلاً.
ولكن ما تراه الوزارة عادلاً يعتبره ابراهيم مجحفاً، إذ قال في تبريره التلويح بالإضراب يوم الجمعة الماضي على هامش الجمعية العمومية: "نبيع رغيف الخبز بالليرة اللبنانية ونستورد المواد الأولية بالدولار"، مضيفاً: "في السابق كانت الدولة تدعم الرغيف أما اليوم فانعدم الدعم"، في إشارة إلى وقف الدولة منذ العام 2014 عن دعم الخبز. وطالب إبراهيم الدولة بدعم سعر الطحين "لنتمكن من الاستمرار فأسعار السلع كلها ترتفع".
وعن عدم تلبية دعوة وزير الاقتصاد للاجتماع قبل الإضراب، برر ابراهيم ذلك بأنه كان ملتزماً بموعد الجمعية العمومية و"عندما طلب وزير الاقتصاد مقابلته كان يعلم أنّي مرتبط بالتزامات مسبقة". كما تحدّث عمّا قال إنه "عبء كبير يتمثل بصيانة المعدات والتجهيزات والتي تسدّد نقداً وبالدولار الأميركي إضافة إلى الضرائب والرسوم للإدارات الرسمية".
صحيح أنّ سيناريو إعلان اتحاد نقابات المخابز والأفران لم يكن جديداً وسبق أن تكرّر غير مرّة في الفترة الأخيرة، إلّا أنّ جديد المشهد كان تحرّك الشارع وتحديداً في منطقة المشرفية حيث نظّمت مجموعات من الحراك وقفة احتجاجية ليل الأحد – الإثنين الماضي رافضة تهديد المواطنين بلقمة عيشهم، واللافت كان انضمام عدد من أبناء المنطقة إلى مجموعات الحراك باعتبار أنّ رغيف الخبز مطلب جامع.