لقد شاءت الأقدار أن أغادر سلك القضاء معزولا لا لفساد مالي أو أخلاقي وإنما دفاعا عن حرية الرأي والتعبير مناضلا عن سلطة قضائية مستقلة حقيقية وفعلية كعضو نادي قضاة المغرب وكفاعل حقوقي ضمن الإطارات المدنية والحقوقية. ولقد شعرت بإهانة القضاء والوطن من طرف وزير للعدل بل للعزل نصب نفسه خصما للقضاة وللمفهوم الحقيقي والوطني لإصلاح القضاء، لا سيما وأن قوانين الانتكاسة والردة الدستورية التي أشرف على وضعها والمسماة "بالسلطة القضائية" صودق عليها بالبرلمان، وهي تختطف استقلال القضاء وتكرس هيمنة السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل على القضاء والمحاكم والمجلس الأعلى للسلطة القضائية دون استقلال مالي أو إداري ودون مقومات استقلال فردي يصون دور القاضي في حماية الحقوق والحريات، ويقيه شر الضغوط والتهديدات والمتابعات التأديبية الموجهة، وذلك في خرق سافر وفاضح للمرتكزات الدستورية والمرجعية الملكية والمعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائية.
إنه لمن المؤسف والمخجل جداً أن يعزل قاض حرّ ومستقلّ بقرار سياسي وحزبي متكامل الأركان، شكاية، ومتابعة وبتّاً، ضداً على مبدأ استقلالية القضاء عن السياسي، وفي خرق سافر لأبسط شروط ومقومات المحاكمة العادلة وانتقاما عن أحكام قضائية ومواقف علمية، وإرضاء لنزوات الحقد الأعمى ممن يعيد إرجاع المغرب لما قبل دستور 2011، ولم يتعلم من دروس الماضي.
ومن خلال الشكاية أساس العزل ومضامينها، يبدو العداء الذي تكنه أطراف سياسية ضد ما جاءت به مقتضيات الدستور الجديد في باب الحريات والعدالة والقضاء والتي أسست للسلطة القضائية، واعترفت بحرية الرأي والتعبير والتنظيم الجمعوي لرجال ونساء القضاء، كما تبدو من خلالها أطماع وأحلام المتربصين بالقضاء، ومن يحسبون أنفسهم أعلى من القانون، الأقوياء بكراسي النفوذ والمواقع، وباحتكارهم للحقيقة والحديث باسم الله و الدين ،ممن يخافون من استعادة القضاء لقوته واستقلاله ،ومن حكم دولة الحق و القانون.
إننا نضع هؤلاء، بعد تزييفهم وتزويرهم للحقائق لملك البلاد رئيس السلطة القضائية، أمام الضمير والتاريخ، وهو أكبر شاهد يسجل على الجميع المواقف، لتبقى للأجيال القادمة علامات للذكرى والدروس في درب الدفاع عن استقلال السلطة القضائية.
الحمد لله، لقد أديت واجبي كقاض بكل ضمير وباستقلالية وبمهنية واحترافية عالية. وذلك يشهد به العام والخاص. وشرفٌ لي أن أعزل دفاعا عن حرية الكلمة، وسأبقى وفيا لقناعاتي ومبادئي ما حييت مستمرا في النضال في الكثير من المواقع رفقة كل الطاقات الحية الحقوقية المنافحة عن استقلال السلطة القضائية. إن ضريبة النضال والتغيير القضائي لفائدة الوطن والمواطن هي شمعة ستضيئ درب كل المخلصين من القضاة والفاعلين الحقوقيين للقادم من الأيام والسنين.
اطمئنوا: لن نموت جوعا أو عطشا ،لأن شبعنا في أفكارنا ومبادئنا لا في بطوننا.
وعاشت السلطة القضائية مستقلة.
الصورة منقولة عن موقع www.mgounanews.com
متوفر من خلال: