جاءنا من العميد منير عقيقي، رئيس مكتب شؤون الإعلامفي المديرية العامة للأمن العام، رد على المقال الوارد في العدد السابع من “المفكرة القانونية” تحت عنوان: “لبنان مدان دولياً: ما يمارسه الأمن العام يسمّى احتجازاً تعسّفياً أو بانتظار غودو” بقلم سارة ونسا من جمعية رواد فرانتيرز. وقد عنون الأمن العام الرد “الأمن العام يحمي المجتمع ويكافح الجرائم بالاستناد الى القوانين المرعية الاجراء” طالبا نشره. واذ تقدر المفكرة مؤسسة الأمن العام وخصوصا في الظروف الصعبة الحاضرة، فإنه يؤسفها أن تكون مضطرة للتعليق على رده، لما لهذه الممارسة من انعكاسات سلبية على حقوق أساسية للاجئين والأجانب في لبنان (المحرر).
“في هذا المقال تم استعراض وقائع مادية وقانونية مغلوطة تتعلق بالمدعو ج. ج – من الجنسية العراقية – الذي دخل خلسة الى لبنان وقد جرى ترحيله، ومن الملفت أن هذه الوقائع المغلوطة والمجتزأة أوحت بأن الامن العام لم ينفذ أحكاما قضائية صادرة عن القضاء اللبناني واحتجز المواطن العراقي المذكور خلافا للقانون و…الخ لذلك، ودحضا للمغالطات الواردة في المقال في الوقائع وفي القانون وانارة الحقيقة للجهات المحلية والدولية ذات الاختصاص وللرأي العام اللبناني.
وبالفعل، ومن العودة الى ملف المدعو ج. ج. يتبين أنه ارتكب أفعالاً جرمية متكررة داخل الاراضي اللبنانية على الشكل التالي:
1-في عام 2004 تم ترحيله من لبنان الى بلاده العراق، بعد الاكتشاف أنه مرتكب لجريمة الدخول خلسة الى الاراضي اللبنانية (وهي جريمة منصوص عنها في المادة 32 من قانون الدخول الى لبنان والاقامة فيه والخروج منه الصادر عام 1962)،
2-في عام 2004، أي في نفس العام الذي تم ترحيله فيه، عاد وكرر ارتكاب جريمة الدخول خلسة الى لبنان، باعترافه بذلك لاحقاً أمام القضاء اللبناني (وعند تكرار جريمة الدخول خلسة فان العقوبات تشدد الى حدها الاقصى وفقا للمادة 35 من قانون الدخول الى لبنان الصادر 1962)،
3-بتاريخ 15-9-2005، أصدرت محكمة جزاء صيدا حكما قضائيا بحقه بسبب ارتكابه جريمة السرقة (المنصوص عنها في المادة 635 من قانون العقوبات اللبناني).
4-بتاريخ 6-11-2007 أوقفته مفرزة النبطية القضائية لارتكابه جريمة الدخول خلسة الى لبنان والاقامة غير المشروعة فيه (وعند تكرار الدخول خلسة تشدد العقوبة الى حدها الاقصى بموجب المادتين 32 و35 المنوه بهما أعلاه)،
ولدى التحقيق معه تبين لمفرزة النبطية القضائية أنه:
– يحمل جواز سفر مزور (اي انه مرتكب لجريمة التزوير المنصوص عنها في المادتين 463 و471 من قانون العقوبات)،
– وانه استخدم جواز سفره المزور في تقديم طلب لجوء الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في بيروت (اي انه ارتكب بذلك جريمة استعمال مزور المنصوص عنها في المادة 469 من قانون العقوبات، وجريمة انتحال هوية المنصوص عنها في المادة 454 من قانون العقوبات)
5- وبتاريخ 15-11-2007 اصدرت محكمة جزاء النبطية حكما قضائيا بحقه لارتكابه جريمة الدخول خلسة الى لبنان وجريمة التزوير، وقضت بإخراجه من البلاد بعد تنفيذه عقوبتي السجن والغرامة المحكوم بهما .
نتيجة هذا السجل الحافل، بافعال جرمية كثيرة وباحكام قضائية عدة صدرت بحقه عن القضاء اللبناني، وتنفيذاً للحكم الصادر عن محكمة جزاء النبطية باخراجه من البلاد، كان من غير الجائز بقاء صاحب العلاقة في لبنان.
عملاً بأحكام المادة 17 من قانون الدخول الى لبنان والاقامة فيه والخروج منه الصادر في 10-7-1962 التي تنص على أنه: “يخرج الأجنبي من لبنان بقرار من مدير عام الأمن العام اذا كان في وجوده ضرر على الأمن والسلامة العامين…الخ”، صدر عن المدير العام للأمن العام قرار اداري بترحيله من لبنان.
إن الزعم الوارد في المقال بأن الأمن العام لم ينفذ حكمين صادرين عن القضاء اللبناني (حكم صدر بتاريخ 20-4-2010، وحكم صدر بتاريخ 5-10-2010، وهما قضيا بابطال التعقبات بحق المدعو ج. ج. واطلاق سراحه فورا، ما لم يكن موقوفا لسبب آخر)، كما الزعم باحتجازه خلافا للقانون، هي كلها مزاعم مغايرة للواقع وللقانون، ويقتضي توضيحها لكل من اختلطت عليه الامور إذا كان حسن النية.
ولا بد من الاشارة الى أن صاحب العلاقة وبسبب ماهية الجرائم التي ارتكبها على الأراضي اللبنانية، كان يخضع لمحاكمات ولمراجعات قضائية عديدة أمام السلطات القضائية اللبنانية المختصة، بحيث كان الأمن العام يسلمه ويستلمه من المراجع القضائية المعنية بتلك الاجراءات بناء لطلبها، وأن الحكمين اللذين قضيا بإخلاء سبيله، ما لم يكن موقوفا لداع آخر، صدرا في شهري 4 و10 من عام 2010، مع العلم أن، وعلى سبيل المثال، الأمن العام عاد واستلمه من النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بتاريخ 2-11-2010، أي بعد مرور أكثر من ستة أشهر على تاريخ صدور الحكم الأول، وبعد مرور أيام على صدور الحكم الثاني، مع التذكير بأنه يمكن مراجعة القضاء المختص لمعرفة مضمون كل الاجراءات القانونية الكثيرة التي كان يخضع لها صاحب العلاقة منذ دخوله الى لبنان وحتى تاريخ ترحيله منه.
وبالتالي فان قرار المدير العام للأمن العام قضى باخراج وترحيل صاحب العلاقة من لبنان لأن وجوده يهدد الأمن العام والسلامة العامة نظرا لما ارتكبه من جرائم دخول خلسة الى لبنان عدة مرات وسرقة وتزوير واستعمال مزور وانتحال هوية والخ.
إن أي حكم قضائي وإن ألزم الإدارة (أي الأمن العام) بإطلاق سراح شخص أجنبي ما لتنفيذه العقوبات المحكوم بها، الا أن مفعول هذا الإلزام لا يحول دون امكان اتخاذ الادارة قرارا اداريا بإخراج ذاك الاجنبي من البلاد استنادا الى أحكام المادة 17 المنوه بها اعلاه والتي ترعى أوضاع الأجانب في لبنان.
أما بالنسبة لاجراءات ترحيل صاحب العلاقة، استنادا للحكم الجزائي والقرار الاداري المشار اليهما أعلاه، ولان المجال لا يتسع التفصيل في هذا الرد، نورد باختصار الوقائع التالية:
-بحالته من النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان الى المديرية العامة للأمن العام بتاريخ 2-11-2010، قام الامن العام بالتنسيق مع مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في بيروت بهذا الخصوص كون المكتب المذكور معنيا بمتابعة ملفات اللاجئين، خاصة وأن المكتب المذكور كان يجري تفاوضاً مع بعثة أميركية تدرس ملف توطين ج. في الولايات المتحدة الاميركية، وأن الامن العام وبطلب من مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في بيروت قام باصطحابه عدة مرات لإجراء مقابلات مع تلك البعثة في حرم مكتب مفوضية اللاجئين، هذا من جهة اولى،أما من جهة ثانية فإن الأمن العام، في تلك الاثناء، قام بالتدقيق في ملف السيد ج. المليء بالمخالفات والجرائم، ومن أخطرها بالنسبة لعمل الأمن العام تزوير جواز سفر واستخدامه في تقديم طلب لجوء الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالذات (فبتاريخ سابق تقدم السيد ج. من مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في بيروت بطلب لجوء بموجب مستندات مزورة، ضمنها جواز سفر مزور) بحيث قامت المديرية بإجراء الكثير من الاستقصاءات المحلية، ومراسلة العديد من أجهزة الأمن الدولية، لمعرفة مدى ارتباط او عدم ارتباط السيد ج. بشبكات ارهابية محلية أو دولية تقوم بتزوير جوازات السفر لارتكاب أفعال اجرامية أو ارهابية تهدد الامن في لبنان، خاصة وأن مكافحة الارهاب هي من أولويات عمل كل الأجهزة الأمنية في لبنان في هذه المرحلة السياسية والأمنية الاقليمية الحساسة والدقيقة،
-بعد أن أفاد مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في بيروت بأن البعثة الاميركية رفضت طلب السيد ج. للتوطين في الولايات المتحدة الاميركية. وبعد اجراء كل الاستقصاءات اللازمة حول ملفه المليء بالجرائم لما يحمل ذاك الفعل من احتمال ارتباطه بشبكات تزوير أو ارهاب منظم. وبعد التأكد من أن ترحيله الى بلاده لا يشكل أي خطر عليه، تطبيقا لكل المعاهدات والاتفاقيات التي وقّع عليها لبنان، كونه لم تكن توجد خلفيات سياسية لمغادرة السيد ج. العراق أو لترحيله عدا عن أفعاله الجرمية المرتكبة في لبنان، تقرر ترحيله من لبنان بموجب بعثة أمنية بتاريخ 4-10-2011، استنادا للحكم الجزائي الذي قضى بإخراجه من البلاد والى قرار اداري يقضي بترحيله لأن وجوده يشكل خطرا على الأمن والسلامة العامين في لبنان، وكل ذلك وفقا لما ورد تفصيله أعلاه، فاقتضى التوضيح.
رد القضاء على الأمن العام:
ما أثاره الأمن العام، وقد نشرناه احتراما لحق الرد، انما يشكل وجهة نظر خاصة به، وهي وجهة نظر تم عرضها وردها من قبل كذا جهة قضائية ودولية. وبالطبع، نفهم أن يكون للأمن العام هواجس نابعة عن مسؤولياته الأمنية وأن يعتمد طرق عمل معينة للرد على هذه الهواجس، ولكن في حال الاختلاف حول قانونية هذه الطرق، فمن هو المرجع الذي يجدر الاحتكام اليه؟ وألا يتعين الاحتكام الى القضاء لحسم المسألة أم أن الأمن العام لا يأخذ الحقيقة الا من نفسه، وليس لأي مرجع أن يعلمه ما عليه أن يفعله أو أن لا يفعله؟ هذه هي الاشكالية الأساسية: فقد يصيب الأمن العام أحيانا أو يخطئ أحيانا أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة الى الهيئات والمنظمات الحقوقية التي تتولى الدفاع عن حقوق اللاجئين، ولكن من هو المرجع المستقل القادر على فصل الصواب عن الخطأ، من دون أي مجاملة أو ممالقة؟ هل يقبل الأمن العام بأحكام القضاء المحلي ويلتزم بتنفيذها أم أن هذه الأحكام لا تشكل بالنسبة اليه سوى توصيات يمكنه التفلت منها ورفض تنفيذها والمجادلة فيها مرة ومرارا حسبما يراه مناسبا؟ واذا كان له ذلك، فماذا يبقى من مبدأ فصل السلطات، وهل علينا أن نستبعد هذا المبدأ كلما استشعر الأمن العام ضرورة لذلك؟ فما يعرضه الأمن العام من حجج وهواجس، هي كلها أمور أثارها بشكل صريح أو ضمني أمام مجمل المراجع القضائية والدولية التي أعلنت عدم صحتها وعدم قانونيتها حسبما نبين أدناه. وكانت قضية اللاجئ ج. قد طرحت ضمن عدد من القضايا في 2009 و2010 اتصلت بممارسة غريبة مفادها ابقاء عدد من اللاجئين قيد الاحتجاز رغم انتهاء محكومياتهم: فإما تنجح مفوضية الأمم المتحدة في إيجاد وطن بديل لهم، وإما تمارس كل أشكال الضغوط عليهم لإلزامهم بالعودة الى أوطانهم خلافا للعرف الدولي ولمعاهدة مناهضة التعذيب اللذين يمنعان ترحيل اللاجئين. وفي مجمل هذه القضايا التي اتصلت بنساء ورجال عراقيين ذنبهم الوحيد (ونشدد الوحيد) أنهم دخلوا الى لبنان خلسة هربا من العنف العراقي، صدرت قرارات قضائية بإدانة ممارسة الأمن العام مع وصفها بالاحتجاز التعسفي. وفي قضية اللاجئ ج. بالذات، انتهى القرار الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت في 18-6-2010 ليس فقط الى عد احتجاز ج. تعسفيا بل أيضا الى الزام الدولة اللبنانية بالافراج عنه فورا تحت طائلة تسديد غرامة اكراهية قيمتها 250 ألف ليرة لبنانية عن كل يوم تأخير فضلا عن تسديد تعويض له قدره عشرة ملايين ل.ل من جراء ذلك، وقد صدق هذا القرار من قبل المراجع الاستئنافية. ورغم ذلك، لم تنفذ الدولة أيا من فقرات هذا الحكم فأبقي ج. قيد الاحتجاز حتى 4-10-2011 أي لفترة تقارب سنة وثلاثة اشهر ونصف مما رتب في ذمة الدولة فوائد تأخير فضلا عن غرامة قدرها 118 مليون ل.ل أي ما مجموعه 131 مليون ل.ل. لامتناعها عن الافراج عنه عند صدور الحكم. وما تزال الدعوى بتصفية الغرامة عالقة أمام القضاء بعدما تخلفت الدولة مرارا عن الحضور بحجة عدم صدور مرسوم تعيين المحامين. الدولة التي تمارس الاحتجاز التعسفي وتتنكر للقرارات القضائية الصادرة عن محاكمها مدعوة الى الاعتذار من اللاجئ ج. وتسديد حقوقه لا الى اهانته والتشهير به، خلافا لكل منطق. فالجرائم التي تنسبها اليه وهي جرائم متصلة باللجوء تبقى جنحا صغيرة مرتبطة باللجوء وهي أقل خطورة بعشرات المرات من جناية الاحتجاز التعسفي التي ثبت ارتكابها بحق عشرات اللاجئين. بقي أن نذكر أن رد الأمن العام تضمن عددا من المغالطات، أبرزها أن ج. كان لاجئا معترفا به من قبل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وأن ما تم رفضه هو طلب إعادة توطينه الى بلد ثالث وهذا الرفض لا يعدل ولا يطال صفة اللجوء[1] وعليه فإن قرار الأمن العام بترحيله الى بلاده هو مخالفة أخرى، للأعراف والالتزامات الدولية المشار اليها أعلاه (المحرر).
هكذا أقر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت زلفا الحسن في 18-6-2010 بأن اللاجئ ج. محتجز تعسفا:
“حيث من الثابت في الملف أن المدعي أبقي محتجزا لدى المدعى عليها مدة أشهر طويلة بعد انتهاء تنفيذه للعقوبة المحكوم بها، دون أي مبرر قانوني أو واقعي، وحيث يكون لحق بالمدعى عليه ضرر ثابت وأكيد، وهذا الضرر مادي بسبب احتجاز حريته طوال هذه الفترة، ومعنوي بسبب عدم وجود المبرر القانوني لسجنه بعد أن نفذ عقوبته، مما يجعل التعويض عن الضرر المذكور اللاحق به ثابتا ومستحقا.. لذلك، يقرر… الزام المدعى عليها (الدولة) بإطلاق سراح المدعي فورا تحت طائلة غرامة اكراهية قيمتها 250 ألف ليرة لبنانية عن كل يوم تأخير في التنفيذ ومنح المدعي سلفة وقتية على حساب حقه بالتعويض بمبلغ 10 ملايين ل.ل والزام المدعى عليها (الدولة) بأن تسدد هذا المبلغ”.
وتبعا لاستئناف الدولة للقرار المذكور، أصدرت محكمة استئناف بيروت في 14-11-2010 قرارا برد طلب وقف تنفيذه.
عن الفريق العامل الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي بالنسبة لحالة السيد ج. كما هو وارد في الرأي رقم 55/2011 المتوفر على الرابط التالي:
http://www.unwgaddatabase.org/un/Document.aspx?id=2817&terms=%28+lebanon+%29
ولمراجعة مواقف قضائية في قضايا اللجوء شملت لاجئين عراقيين، يقرأ: رواد فرانتيرز، اللجوء الى الاحتجاز التعسفي، سياسة فوق الدستور، الاحتجاز التعسفي المطول رغم ادانة القضاء، ضريبة يدفعها اللاجئون ثمنا للجوئهم، وقائع وتحليل، 2010، بيروت.
[1]إن إجراءات وسياسات إعادة التوطين (كوتا المراد إعادة توطينهم، جنسيتهم، خلفيتهم…) مرتبطة بدول إعادة التوطين ولا علاقة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين بذلك.