عقد المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب مؤخرا ندوة صحفية تنفيذا لتوصيات المجلس الوطني خلال دورته الاستثنائية وكذا دورته العادية الرابعة، لتقديم توضيحات وبيانات حول نتائج الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء، وتسليط الضوء على بعض التراجعات التي تضمنتها مسودة مشاريع النصوص التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية.
استهل رئيس نادي قضاة المغرب، ياسين مخلي،الندوة الصحفية بإشارته الى ان تنظيم الندوة نفسه يعكس انفتاح نادي قضاة المغرب على مختلف وسائل الاعلام التي تعتبر شريكا حقيقيا في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية. وبعد استعراض مختلف جوانب ملاحظات نادي قضاة المغرب على مسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة – صيغة 23 أكتوبر 2013-، والتي سبق لنادي القضاة تقديمها الى وزارة العدل والحريات بتاريخ 19 نوفمبر 2013 من منطق الأمانة والمسؤولية التاريخية، اعتبر مخلي أن ملاحظات النادي تأسست على العديد من المرجعيات الكونية والدستورية، فضلا على الارادة الملكية السامية الداعمة للاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية.
وفيما يتعلق بنتائج المجلس الأعلى للقضاء جدد رئيس نادي القضاة، أن هذه المؤسسة الدستورية لم تنجح في اختيار المسؤولين القضائيين القادرين على التنزيل الميداني للإصلاح، وأن الادارة القضائية تعتبر أحد أهم أعطاب العدالة بالمغرب، كما أنه تم تسجيل عدم احترام المعايير والقواعد المنصوص عليها في النظام الداخلي للمجلس سواء فيما يتعلق بتوزيع القضاة الجدد على المحاكم أو البت في طلبات الانتقال. وفيما يتعلق بالميثاق الوطني لاصلاح منظومة العدالة، أكد رئيس النادي أن استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية يعتبر جانبا مهما من جوانب الميثاق، لأنه من شأنه أن يضمن مساواة المتقاضين أمام القانون والمحاكم بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والسياسية، وأن ذلك هو الكفيل بدعم ثقة المتقاضين في السلطة القضائية وأعضائها. وقد ذكر بوثيقة نادي قضاة المغرب للمطالبة باستقلال النيابة العامة بتاريخ 5-5-2013، مضيفاً أن توسيع مجال شفافية نشاط المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والتوصية بتعديل بعض جوانب المسطرة الجنائية والتنظيم القضائي كانت من مطالب النادي في سبيل ضمان الحكامة القضائية.
من جهة اخرى، اكد رئيس نادي القضاة أن الرفع من شفافية نشاط المجلس الأعلى للقضاء كان مطلبا من مطالب النادي الذي عبر عنه المكتب التنفيذي من خلال بيانه التاريخي الصادر بتاريخ 28-11-2011. ولكنه اعتبر أن التبرير الذي ساقته وزارة العدل والحريات فيما يخص نشر أسماء القضاة المتخذة في حقهم عقوبات تأديبية وتأسيس ذلك على نتائج الحوار الوطني يعتبر تبريرا غير قانوني و ناقصا، بدليل أن مسودة المشروع ذاتها المعلن عنها نصت على أن النشر سيتم وفق الطريقة التي يحددها النظام الداخلي للمجلس نفسه. وقد اضاف أن عدم تقديم تعليلات العقوبات التأديبية المتخذة لا يساهم في ترسيخ قواعد السلوك المعيارية لأعضاء السلطة القضائية ويخالف دستور 2011، وأن نشر أسماء القضاة الذين اتخذت في حقهم العقوبات المذكورة يعتبر مصادرة ضمنية لحقهم في الطعن.
أما لناحية انفتاح نادي القضاة على المجتمع وتخليق العدالة، فقد أكد رئيس نادي القضاة أن هذا الاخير اعتبر الانفتاح على مختلف مكونات المجتمع أحد أهم الرهانات التي يجب العمل عليها. وفي هذا الصدد فقد قام نادي قضاة المغرب بتنظيم دورات تدريبية بالتنسيق مع جمعية ترانسبرنسي المغرب حول آليات محاربة الرشوة، في كل من الدائرتين الاستئنافيتين بطنجة وتازة، كما أنه تم تسجيل الانفتاح على باقي المتدخلين في منظومة العدالة كجمعيات هيئات المحامين بالمغرب والهيئات المهنية لكتابة الضبط، فضلا عن نشر التصريح بممتلكات أعضاء المكتب التنفيذي في الموقع الرسمي للنادي والذي ثمنه المجلس الوطني وأوصى بتعميمه على كل أعضائه والمكاتب الجهوية. وأضاف أن النادي بصدد اعداد جميع المعطيات لنشر التصريحات بممتلكات كافة أعضاء الأجهزة الوطنية والجهوية لنادي قضاة المغرب بالموقع المذكور.
من ناحية اخرى جدد رئيس نادي القضاة تأكيده على أن النادي يشتغل وفق آليات التسيير الديموقراطي، وهي التي تشكل أحد أهم عناصر قوة النادي، والدليل على ذلك أن جميع التوصيات والمبادئ المعبر عنها سواء من خلال مذكرة 23/3/2013، ام في الملاحظات المسجلة من خلال مسودة مشاريع النصوص التنظيمية، تم اقرارها من طرف المجلس الوطني للنادي باعتباره أعلى هيئة تقريرية بعد الجمع العام. وأضاف أن ذلك ليس من شأنه أن يلغي أو يصادر حرية أي عضو من أعضائه في الاختلاف والتعبير العلني عن مواقفه وتصوراته شريطة الالتزام بالضوابط الدستورية في هذا الشأن.
وفي معرض الجواب، أكد أن قضية نائب الرئيس هي قضية نادي قضاة المغرب، لأن تنقيله كرئيس غرفة بمحكمة النقض وتكليفه بمهمة وكيل الملك بأبي الجعد ثم نائبا للوكيل العام للملك بالرباط كان بسبب ممارسته لحقوقه الدستورية ومشاركته في تأسيس نادي قضاة المغرب.
اما لناحية التقارب بين الجمعيات المهنية القضائية، فاعتبر مخلي أن اجتماع الجمعيات المهنية للقضاة بتاريخ 1/11/2013 لتوحيد الرؤى حول جميع المواضيع ذات الصلة بإصلاح منظومة العدالة وتنزيل المقتضيات الدستورية هو من جهة خطوة مهمة في سبيل تطوير الوعي بأهمية الروابط والتكتلات التي تجمع القضاة، وأهدافهم الوطنية في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية والقضاة، وترسيخ قواعد أخلاقيات العمل الجمعوي. ومن جهة أخرى، يشكل هذا الاجتماع تنزيلا لتوصيات المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب خلال دورته الأولى المنعقدة بتاريخ 26-27/11/2011 والذي أوصى جميع الأجهزة بالانفتاح على باقي الجمعيات المهنية للقضاة، لأن من شأن ذلك توحيد الجهود من أجل الدفاع عن استقلال السلطة القضائية التي تعتبر من أهم مقومات دولة الحق والقانون.
وأكد أن هذه الخطوة تعتبر خطوة جد مهمة في سبيل توحيد الجسم القضائي في اطار تعدد الجمعيات المهنية للقضاة، والاحترام المتبادل للمقررات والتوصيات والبلاغات المتخذة من طرف كل جمعية مهنية وفق آليات التسيير الديموقراطي والأخلاقيات القضائية على أساس أن تعددها واختلاف مواقفها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون عاملا سلبيا مؤثرا على وحدة الجسم القضائي، بل هو عامل ايجابي يسهم في اغناء المبادرات الخلاقة التي تؤدي في النهاية الى خدمة السلطة القضائية واستقلالها، وبالتالي حقوق المواطنين وحرياتهم. أما لناحية عدم تأسيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالعيون، فأوضح رئيس نادي قضاة المغرب أنه طبقا للقانون الأساسي للنادي أو في حالة تعذر تأسيس مكتب جهوي لأي سبب من الأسباب فانه يتم انتخاب منسق، وفي هذا الاطار توجد منسقية نادي قضاة المغرب بالعيون. وقد أضاف أن المكتب التنفيذي عازم على استكمال البناء الجهوي في كل التراب الوطني فور ما تتهيأ الظروف المناسبة لذلك.
على صعيد آخر، أكد مخلي أن نادي قضاة المغرب انسحب من الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة نتيجة مؤيدات وأسباب موضوعية مرتبطة بتركيبة اللجنة العليا للحوار الوطني وكذا منهجية ادارة هذا الحوار، وأن ذلك لم يكن يعني أبدا الانسحاب من النقاش العمومي والمجتمعي حول اصلاح منظومة العدالة. ونتيجة لذلك، فقد تم تنظيم العديد من الورشات والندوات حول مسودة مشاريع النصوص التنظيمية وفق صيغة 23/10/2013. واستطرد قائلاً أن ايمان نادي القضاة بالحوار كأحد مقومات الديموقراطية التشاركية كان وراء الدخول في حوار قطاعي مع وزارة العدل والحريات خلال شهر نوفمبر 2012، والذي للأسف لم يسجل أية نتائج ايجابية مما دفع المجلس الوطني للنادي الانسحاب من مكوناته. الا أنه من منطلق الأمانة والمسؤولية التاريخية قرر المكتب التنفيذي وضع جميع الملاحظات والتصورات حول مسودة مشاريع النصوص التنظيمية أمام السلطة الحكومية المكلفة بوضع المشروعين المذكورين، وهو ما تم تنفيذه بتاريخ 19/11/2013.
وعلى صعيد التعتيم الاعلامي الذي تتعرض له أنشطة نادي قضاة المغرب، أكد رئيس النادي أن أنشطة النادي وندواته تعرف التضييق من طرف وسائل الاعلام العمومي، والدليل على ذلك أن وقفة القضاة أمام محكمة النقض لم يتم اعطاؤها الحيز الزمني المناسب، اذ تم تخصيص ثوان معدودة لحدث غير مسبوق في تاريخ المغرب، وكان من الأولى تخصيص نشرة خاصة لمواكبته ومناقشة جوانبه الدستورية والحقوقية. وأضاف أن نادي قضاة المغرب سيطرح هذا الموضوع أمام الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري، في افق ضمان مشاركة الجميع في وسائل الاعلام العمومي بحسب تأثيره ووظيفته المجتمعية.
وحول وجود تيارين داخل نادي قضاة المغرب، تيار متشدد وآخر مسالم، أوضح رئيس نادي قضاة المغرب أن الأجهزة المسيرة تشتغل دائما وفق الآليات الديموقراطية، وأن جميع المواقف التي يتم تقديمها لها مبرراتها وسياقاتها. وفي النهاية، فانه يتم الاحتكام الى التصويت على جميع الخيارات المقدمة، لتبقى تجربة نادي قضاة المغرب أهم تجربة ديموقراطية بعد دستور 2011، مضيفاً أن "الاختلاف لا يرعبنا ولا يخيفنا، و لكنه يمنحنا الأمل في استمرار صوت نادي قضاة المغرب“.
أما حول علاقة تنقيط القضاة باستقلالهم، فأكد رئيس النادي أن تنقيط القضاة وفق الأحكام المحددة له في مرسوم 23/12/1975 كان يعتبر مدخلا للتدخل في استقلال القضاة في غياب أية ضمانات لهم، وخاصة أن مؤشرات التنقيط لم يكن يتم اطلاع هؤلاء عليها. كما أن مسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة لم تقدم أي تصورات جديدة لنظام تقييم القضاة وخصصت فقط ثلاث مواد للتقييم، وهي المواد التي أبقت على نفس الصلاحيات للمسؤولين القضائيين، ومنح امكانية الاطلاع على نشرات التنقيط بشروط. وأنه لضمان شفافية وموضوعية مؤشرات التقييم، يقترح نادي قضاة المغرب، بالإضافة الى إسناد الاختصاص للمسؤولين القضائيين في إنجاز تقارير التقييم، أن يتم اعتماد درجة ثانية للتقييم تعهد للجنة منتخبة من طرف الجمعيات العامة لمحاكم الاستئناف بالنسبة لتقييم قضاة المحاكم الابتدائية، ولجنة منتخبة من الجمعية العامة لقضاة محكمة النقض لتقييم مستشاري محاكم الاستئناف، على أن تتم مناقشة مؤشرات التقييم المنجزة من طرف الجهة التي تولت إعداده مع القضاة المشمولين به. ومن أجل عدم تأثير التقييم على استقلال القضاة، فان نادي قضاة المغرب يقترح عدم ربط مؤشرات التقييم بالمسار المهني للقاضي، إلا عن طريق سلوك مسطرة تأديبية أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
واستطرد في هذا المضمار قائلاً، أن نظام تنقيط القضاة المعمول به حاليا كان أحد أهم مداخل التدخل في استقلال القضاة بدل أن يكون نظاما مساعدا للرفع من النجاعة القضائية وجودة منظومة التكوين المستمر، مشيراً الى أن ما تعرض له قضاة المحكمة الابتدائية بالناظور يعتبر خير دليل على ذلك، فرغم مشاركتهم بمسؤولية في انقاذ المحكمة من حالة التدهور، تم اعتماد مؤشرات غير علمية وغير موضوعية لتقييمهم. و نتيجة لذلك فان المكتب التنفيذي يتابع بقلق بالغ هذا الموضوع وسيعمد الى مناقشته في القريب العاجل واتخاذ الاجراءات المناسبة لضمان استقلال القضاة.
وبخصوص الاستقلال المالي للسلطة القضائية والقضاة، قال رئيس نادي القضاة أنه يجب محاكمة من يمعن في اذلال السلطة القضائية وأعضائها، ولا يوفر الوسائل الضرورية لقيامهم بدورهم الدستوري في حماية الحقوق والحريات.
.