
وجه وزير العدل التونسي بتاريخ 26 ديسمبر 2013 مراسلة ادارية لمختلف المشرفين على المحاكم والمؤسسات القضائية دعاهم صلبها "الى ابقاء القضاة المشمولين بالحركة القضائية الجزئية التي اجرتها هيئة القضاء العدلي بتاريخ 10 ديسمبر 2013 بمراكز عملهم الاصلية الى حين اشعار آخر". وبرر الوزير دعوته" بالخشية من اضطراب العمل بالمحاكم".
استند المقرر الوزاري في تعطيله فعليا للحركة القضائية للمراسلة التي وجهها رئيس الحكومة التونسية لرئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي والتي تضمنت قراره رفض المصادقة على الحركة القضائية لاعتراضه على مشاركة المتفقد العام لوزارة العدل ورئيس المحكمة العقارية، بصفتيهما عضوين فيها، في اعدادها. ومرد هذا الاعتراض هو إصرار رئيس الحكومة على وجوب إحلال القاضيين اللذين عينتهما الحكومة في هذين المنصبين بدلا عن ذينك العضوين، علما أن المحكمة الإدارية كانت أوقفت تنفيذ قراري التعيين. ولم تكتف الحكومة بالتنكر لمقررات المحكمة الإدارية، فقد ذهب رئيس الحكومة أبعد من ذلك، ساعيا الى إلزام هيئة القضاء العدلي بعدم تطبيق الاحكام القضائية، على نحو يتعارض مع سبب وجودها الذي هو ضمان استقلال القضاء. كما رفض رئيس الحكومة اشتمال الحركة تعيينات المدير العام للمعهد الاعلى للقضاء والمدير العام لمركز الدراسات القضائية لكونه يعتبر ذلك من صلاحيات الحكومة ويخرج عن ولاية الهيئة.
شكلت المراسلتان في موضوعهما انقلابا على حركة الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي وابرزتا تجانسا في المواقف بين رئيس الحكومة ووزير العدل. كما بينتا اصرار الحكومة على رفض القبول بولاية هيئة القضاء على التعيينات في المناصب القضائية العليا رغم صدور احكام من المحكمة الادارية حسمت مؤقتا النزاع بشأنها وقضت بضرورة الاقرار بحق الهيئة في اجراء مختلف التعيينات القضائية. وكشف التوجه الحكومي عن رغبة في الاطاحة بقانون الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي من خلال التقويض الممنهج لكل احكامه. فبعد ان تعمدت الحكومة اجراء تعيينات وتحركات قضائية خارج الهيئة ودون رجوع اليها، عادت ذات الحكومة لتستهدف الاستقلالية الادارية للهيئة.
وتعزز نسق الاستهداف الممنهج لهيئة القضاء وقانونها من خلال واقعة رفض المصادقة على الحركة القضائية وتسجيل اعتراضات، علما أنه يستفاد من الفصل 14 من القانون المحدث للهيئة أن رئاسة الحكومة تصدر الامر المتعلق بالحركة بما يتطابق وجوبا مع قرارات الهيئة دون امكانية للاعتراض او التغيير.
وقد اختارت الحكومة التي تتحكم في صرف اجور القضاة ان تستعمل سلطتها تلك لتعطل الحركة القضائية وتفرض عدم تطبيقها على اعتبار ان من سيمتثل لقرارات الهيئة ويمتنع عن الاذعان لقرارات ممثل السلطة التنفيذية سيعد متغيبا عن مركز عمله ويتم اقتطاع اجوره. ويكشف التوجه الرسمي عن سأم ازاء استقلالية مؤسسات القضاء وسعي للالتفاف عليها باستعمال ما تبقى من وسائل فرض التبعية. وتعد من هذا المنظور القرارات الحكومية رسائل لإرجاع القضاء الى بيت الطاعة بعدما بدأ يتحسس استقلالية مؤسساته. ومن المعبر أن هذه الرسائل صدرت عن سلطة تنفيذية تستعد للرحيل، وكأنها ترفض ان تخلف وراءها مكسب قضاء له مؤسسات تضمن استقلاليته.
متوفر من خلال: