تعالت الأصوات في الاونة الأخيرة مطالبة رئيس الجمهورية برد مجموعة من القوانين التي أقرت مؤخرا إلى مجلس النواب كقانون حماية المرأة من العنف الأسري وقانون الايجارات الجديد. فما هي هذه الصلاحية تحديدا وكيف تتم ممارستها؟
تعد صلاحية رد القوانين التي تقرها السلطة التشريعية من الصلاحيات المألوفة التي تمنحها الدساتير للسلطة التنفيذية عامة ولرئيس الدولة بشكل خاص في النظم البرلمانية والرئاسية على حد سواء. وتكمن فلسفة هذه الصلاحية في مبدأ فصل السلطات إذ ان النصوص التي يقرها البرلمان تحتاج كي تنال صفة القانون إلى إصدارها (promulgation)من قبل رئيس الدولة الذي يتأكد من مدى دستوريتها وملاءمتها للظروف السياسية والاجتماعية القائمة.
وقد منحت المادة 57 من الدستور اللبناني رئيس الجمهورية صلاحية رد القوانين وهي من الصلاحيات القليلة التي لم تشهد أي تعديل مهم في اتفاق الطائف. وقد نصت المادة 57 صراحة على التالي: "لرئيس الجمهورية، بعد اطلاع مجلس الوزراء، حق طلب اعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره ولا يجوز أن يرفض طلبه· وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حلّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، واقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً"·
ولا شك أن هذه الصلاحية هي على جانب كبير من الأهمية إذ هي تسمح لرئيس الجمهورية بتأجيل اصدار قانون ما ريثما يدرسه مجلس النواب ويقره في هيئته العامة مرة ثانية. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فالمادة 57 تلزم مجلس النواب أن يقر القانون المعاد بالغالبية المطلقة من أعضائه أي 65 نائبا بينما تفرض المادة 34 من الدستور الغالبية النسبية لاقرار القوانين (أي غالبية الحضور). وهكذا يتبين لنا أن الشروط الدستورية لاقرار قانون ما أعاده رئيس الجمهورية هي أصعب، إذ ان هذا الأخير يعود له أيضا أن يستغل مهلة الاصدار الطويلة التي يحددها الدستور (أي شهر) كي يعيد القانون عندما يكون مجلس النواب في خارج دورات الانعقاد وهكذا يتم تأجيل البت بالقانون إلى فترة أطول بكثير. ولا بد من الاشارة أن مهلة الشهر لا تبدأ في السريان إلا بعد تصديق محضر مجلس النواب وارسال النص الذي جرى اقراره إلى السلطة التنفيذية، هذا علما أن المادة 56 من الدستور تسمح لمجلس النواب باتخاذ قرار باستعجال اصدار قانون ما وفي هذه الحالة يجب على رئيس الجمهورية أن يصدر القانون أو يرده خلال مهلة خمسة أيام.
وقد أثارت المادة 57 جدلا حول كيفية احتساب الأكثرية كي يصبح رئيس الجمهورية ملزما بإصدار القانون. وقد خلصت اللجان النيابية المشتركة سنة 1980 إلى اتخاذ مجموعة من القرارات التوضيحية التي تؤكد أن رئيس الجمهورية عندما يرد القانون لأسباب معينة يكون ملزما بإصدار القانون فقط اذا تم اقراره بالأكثرية المطلقة. بالمقابل، يكون بحل من إصدار القانون اذا عاد مجلس النواب وأقره بالأكثرية النسبية فقط، وحتى ولو جرت الموافقة على جميع الأسباب المبينة في كتاب الرد. وقد أشار تقرير اللجان المشتركة أن مجلس النواب يحق له عدم التقيد بأسباب الرد وادخال تعديلات جديدة على القانون وفي هذه الحالة يصبح القانون بمثابة نص جديد يحق لرئيس الجمهورية رده مرة ثانية.
أما دور رئيس الحكومة، فإنه ينحصر بالتوقيع مع رئيس الجمهورية على إصدار القانون أو مرسوم الرد لكن صلاحية القرار تعود فقط لرئيس الجمهورية بينما توقيع رئيس مجلس الوزراء هو ما يعرف في النظام البرلماني بالتوقيع الاضافي الذي يقوم على فكرة أساسية مفادها أن رئيس الدولة غير مسؤول. لذلك يجب أن تتحمل الحكومة المسؤولية عوضا عنه ويتم تكريس هذا الأمر بتوقيع رئيس مجلس الوزراء أو الوزير[1] المختص على جميع المراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية.
[1]هذا علما أن الوزير المختص ووفقا للمادة 54 المعدلة من الدستور لم يعد يوقع بعد اتفاق الطائف على مرسوم اصدار قانون ما بل يوقع فقط على المراسيم العادية.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.