رئاسيات 2024: طريق المُرَشَّحين الصَّعب إلى الصندوق


2024-07-31    |   

رئاسيات 2024: طريق المُرَشَّحين الصَّعب إلى الصندوق

انطلقت يوم 29 جويلية عملية قبول الترشّحَات لرئاسيات 06 أكتوبر 2024، وشرعَت هيئة الانتخابات منذ بداية الفترة الانتخابية، يوم 14 جويلية 2024، في الإعلان عن مختلف الخطوات المنظّمة لعملية الاقتراع، بدءًا بنموذج التزكيات الشعبيّة للمترشّحين، والقرار الترتيبي الخاصّ بقواعد وشروط الترشح للانتخابات الرئاسية، وصولا إلى فتح باب الاعتمادات للملاحظين والصحافيين، بشكل يوحي أنّ المسار الانتخابي يسير في ظروف عاديّة، والحال أنّ المناخ السّياسي الذي تجري فيه الانتخابات لا يخلو من مظاهر الرقابة والتهديد بالتتبّعات القضائية والسجون، بخاصّة في ظلّ صدور أحكام بالسجن ضدّ أحد الأعضاء السابقين لهيئة الانتخابات على معنى المرسوم 54 بسبب تصريح إعلامي، وإثارة شكوى من هيئة الانتخابات نفسها ضدّ المُرشّحة المحتمَلة عبير موسي المودعة حاليّا بالسّجن والملاحَقة في عدّة قضايا، إلى جانب صدور بطاقة إيداع بالسجن في حقّ المترشح لطفي المرايحي، وفرض إجراءات وتدابير أخرى تُقلّص من هامش تكافؤ الفرص بين المترشّحين، الّذين يقبع البعض منهم في السّجن بتهم “التآمر على أمن الدولة”. إضافة إلى سِجن عدد من المدونين والنشطاء والإعلاميين، بسبب آرائهم وتصريحاتهم الإعلامية، أو تدوينات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي. 

في المقابل، أعلن الرئيس قيس سعيّد ترشّحه لخوض السباق الرئاسي في 19 جويلية من برج الخضراء في أقصى الجنوب التونسي، في فيديو نشَرته صفحة الرئاسة. في ذلك المقطع، قال الرئيس سعيّد: “لو كنت خُيّرت لما اخترت. ولكن حينما يدعوك الواجب الوطني المقدّس فلا مجال للتردّد”، لأنّ ترشّحه يُعدّ بمثابة “مواصلة النضال في معركة التحرير الوطني”، وفق قوله. ولكنّ هذه الفرصة لا تُتاح لمنافسيه من المترشّحين، إذ أن المرشح لطفي المرايحي مودَع بالسجن بعد صدور بطاقتَيْ إيداع في حقّه في قضيّتَين تتعلّق أولهما بشبهة تكوين وفاق قصد غسل الأموال وتهريب مكاسب للخارج، فيما تتعلّق الثانية بتقديم عطايَا مالية قصد التأثير على الناخبين في رئاسيات 2019. عبد اللطيف المكّي المُرشَّح بدوره للانتخابات يُواجه قرارًا قضائيّا صادرًا عن عميد القضاة بالمحكمة الابتدائية بتونس يقضي بتحجير السفر عليه ومنعه من الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام على خلفيّة ملابسات وفاة رئيس بلدية طبرقة الأسبق الجيلاني الدبوسي وتعرّضه للإهمال في السجن، عندما كان المكّي وزيرا للصحة في فترة حكم الترويكا. أمّا المرشّح الصافي سعيد فهو مَحلّ تَتبّع من هيئة الانتخابات التي رفَعَت في شأنه شكاية تتعلّق بشبهات تدليس التزكيات الخاصة برئاسيات 2014، حُوكمَ إثرها بأربعة أشهر سجنًا غيابيًّا.

من جهته، يُلاحَق زكي الرّحموني العضو السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات الّذي كان مُكلَّفًا بالبرمجة والإعلامية في خمس قضايا، منها اثنتان صدرَ بشأنهما حكم، فيما لَم يُحسم مآل القضايا الأخرى  بعد. انطلقت الشّكاية الأولى في 19 أوت 2022 على خلفيّة مُداخلة في إذاعة خاصّة تحدّث فيها عن اختراق الهيئة وتراجع الشفافية داخلها، وانتقدَ التّسجيل الآلي الّذي تسبّب في إقصاء عدد من الناخبين بسبب اعتماد تسجيل الناخبين وفق مقرّ سكناهم، بشكل ساهمَ في تراجع نسب المشاركة في الاقتراع. “هذا التصريح اعتبرته الهيئة جريمة انتخابية وضمّنته في تقريرها، والحال أنّه لا يجُوز لها أن تستغلّ سلطتها وتستخدم المال العامّ للتشهير بالناس ووضع أسمائهم في الرائد الرسمي. في 2011 نُشرَ اسمي في الرائد الرسمي بصفتي عضوًا في الهيئة، والآن يوضَع اسمي كمُشتكَى به”، يصرّح زكي الرحموني للمفكرة القانونية.

أثيرت ضدّ زكي الرحموني قضيّة ثانية في نوفمبر 2022 وتمّ استدعاؤه للبحث في فرقة الأبحاث والتفتيش بسليانة على خلفيّة تدوينتَيْن شاركهَما على صفحته الخاصّة بالفايسبوك، تمّ التحقيق معه على أساسهما من دون صدور حكم. وفي 02 ديسمبر 2022، رُفعَت شكاية ضدّ ثلاثة أطراف؛ هم  زكي الرحموني والعضو السابق للهيئة سامي بن سلامة وشخص آخر يُدعَى الدالي البرهومي على معنى المرسوم 54، لتكوين وفاق لبث الرعب والدّعوة للعزوف. “أُحيل ثلاثتنا أمام الفرقة القضايا الإجرامية بالقرجاني، التي فكّكت القضيّة وحوكم كلّ منّا على حدة، وصدر في شأني حكم بسنة سجنًا. لأجد نفسي محلّ تتبّع مرّة أخرى على خلفيّة التدوينات التي شاركتُها سابقًا والتي لم يصدر في شأنها حكم ضدّي من محكمة سليانة. في هذه الشكاية رئيس الهيئة وضع اسمه وصفته كقاضٍ لمُقاضاتي بتهمة الإساءة للغير”، يضيف الرحموني للمفكرة القانونية.

التفاصيل القانونية: نقطة رماديّة في مسار الترشّح

أمّا السياسيّون القابعون في السجن، والّذين أعلَنوا نيّتهم الترشح للانتخابات الرئاسية، مثل عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري وغازي الشواشي الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي وعبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحرّ، فيُواجِهون مطبّات إجرائيّة تُخفّض من احتماليّة قبول ترشّحاتهم. 

كانت البداية مع غازي الشواشي، حيث ذكر نجلُهُ في فيديو نشره على صفحته الخاصّة بموقع فايسبوك، يوم 10 جويلية 2024، أنّ الهيئة الفرعية للانتخابات ببن عروس رفضَت تسليم استمارة التزكية لأحد أبناء المعتقَل غازي الشواشي رغم حصوله على توكيل، بحجّة أنّ المشاركة في الانتخابات تقتضي توكيلاً خاصًّا. وهو ما استوجَبَ تقديم قرار لدى القضاء الاستعجالي من أجل إلزام هيئة الانتخابات بتقديم الاستمارة لوكيله. هذا التمشّي انتهجَته هيئة الدّفاع عن المُرشَّحة عبير موسي التي جُوبِهت بدورها برفض تسليم محاميها استمارة الحصول على التزكيات الشعبية، ما دفعها إلى تقديم طلب لدى القضاء الاستعجالي لإلغاء قرار هيئة الانتخابات وتمكين محامي عبير موسي من تسلّم الوثيقة. فيما قرّر الحزب الجمهوري سحب ترشيح أمينه العام عصام الشابي للرئاسيات يوم 18 جويلية الماضي بسبب رفض هيئة الانتخابات إنابة محامي عصام الشابي لسَحب الاستمارة من الهيئة الفرعية للانتخابات طبقًا للفصل الثاني من المرسوم المنظّم لمهنة المحاماة، والّذي ينصّ على “اختصاص المحامي دون سواه بنيابة الأطراف على اختلاف طبيعتهم القانونية بالنّصح والاستشارة وإتمام جميع الإجراءات في حقهم والدفاع عنهم لدى المحاكم وسائر الهيئات القضائية والإدارية والتأديبية والتعديلية وأمام الضابطة العدلية كل ذلك وفق ما تقتضيه الأحكام التشريعية المتعلقة بالإجراءات المدنية والتجارية والجبائية والجزائية”.

في هذا السياق، ذكَر الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري في إحدى الإذاعات الخاصّة أنّ شروط الترشح للانتخابات الرئاسية لم تتغيّر منذ سنة 2014. “هذه قواعد عامة تسري على الجميع. الإشكال يُطرَح على مستوى إنابة المحامي وكيفيّة الحصول على توكيل ونوعيّته. إنابة المحامي تتمّ بمقتضى المرسوم ولكن هناك وضعيات خاصّة لا يجوز فيها التوكيل بمجرّد إعلام النيابة. فمثلًا لا يمكن بمجرّد إعلام النيابة سحب مبالغ لفائدة مواطن من دون الحصول على توكيل خاصّ. يكفي أن يكون التوصيف أنّ الإنابة تشمل القيام بإجراءات الترشّح للانتخابات الرئاسية لتسري على كامل المسار”.

في حين يَعتبر القاضي الإداري السابق أحمد صواب أنّ هيئة الانتخابات ضيّقَت بهذا الإجراء ولم تتوسّع بما يخدم الحقوق والحريّات، خاصّة وأنّ الفصل 44 من القانون الانتخابي ينصّ على أنّ الترشّحات تُقدَّم لدى الهيئة في مقرها المركزي من قبل المترشح أو من ينوبه، ويُسلّم وصل في ذلك. “فإذا كانت نية المشرّع المطالبة بتوكيل خاصّ -وهو ما لا يمكن إلاّ بنص تشريعي وليس بقرار ترتيبي- لَكَان شدّد على جملة المترشح نفسه أو من ينوبه بتوكيل خاص في الغرض”، وفق ما ذكره أحمد صواب في تصريح إعلامي.

وقد أعلنت هيئة الانتخابات في ندوة صحفية انعقدت يوم 04 جويلية عن جملة من الشروط الواجب توفّرها لإيداع مطالب الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية، من بينها الحصول على بطاقة السوابق العدلية للمترشح، المعروفة باسم البطاقة عدد 03. وفي هذا السياق يروي أحد المترشّحين للانتخابات، القاضي المعزول والرّئيس السابق الجمعية التونسية للقضاة الشبّان مراد المسعودي في مداخلة له في قناة تلفزية خاصّة أنّه تحصّل على هذه البطاقة قبل إعلان نيّته الترشّح. ولكنّ مركز الشّرطة الّذي سلّمه البطاقة طلب منه إرجاعها، وتعويضها ببطاقة جديدة. من هذا المنطلق، يقول الرئيس السابق للمحكمة الإدارية أحمد صواب إنّ “اشتراط البطاقة عدد 03 هو مخالف لما استقرّ عليه فقه قضاء المحكمة الإدارية التي من الممكن أن تطلبها هي، وهو مخالف نصًّا وروحًا للدستور وللقانون الانتخابي”، خصوصًا وأنّ المحكمة الإداريّة كانت قد أصدرت قرارًا في 09 سبتمبر 2019 أذنت فيه بإيقاف تنفيذ قرار هيئة الانتخابات المتعلّق بوجوب الإدلاء ببطاقة السوابق العدليّة.

وقد أعلنت هيئة الانتخابات ولايتها المطلقة على المسار الانتخابي ومراقبتها الفضاء العامّ منذ نوفمبر 2022، خلال حملة الانتخابات التشريعية، حيث أشارت في قرارها إلى أن ولايتها كاملة على الشأن الانتخابي دون سواها، مستبعِدةً بذلك الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري من مراقبة المضامين الإعلامية الّتي يُنظّمها المرسوم عدد 116 لسنة 2011. منذ ذلك الوقت، انحسرَ دور الهايكا (الهيئة التعديلية للاتصال السمعي البصري) تدريجيًّا، رغم أنّها أصدرت في ذلك الوقت قرارًا توجيهيّا يضبط قواعد النفاذ وتغطية الحملة الانتخابية التشريعية بوسائل الإعلام والاتصال السمعي البصري، كان مُرتكَزًا لوسائل الإعلام السمعية البصرية للالتزام به في ذلك الوقت. ولكن مع تثبيت فكرة إلغاء الأجسام الوسيطة، اقتصر نشاط الهيئة على إصدار تقارير رصد كان آخرها في جويلية 2024، يتعلّق بالفترة الممتدة من 06 إلى 12 ماي الماضي.  

ويُذكَر أن الحكومة راسَلت الهايكا، أواخر ديسمبر 2023، لتُعلِمها بإيقاف أجور أعضاء مجلسها. كما أن التوتر بين الهايكا وهيئة الانتخابات يعود إلى نوفمبر 2022، عندما رفضَت الهايكا قرار هيئة الانتخابات المؤرخ في 18 نوفمبر 2022 والمتعلق بضبط القواعد والشروط التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيّد بها خلال الحملة الانتخابية التشريعية، واعتبرَت في بيان لها “إنّ تنصيص هيئة الانتخابات على أن لها “الولاية الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها” بدل “الولاية العامة” يتضمّن خرقا خطيرا للفصل 134 من الدستور والقانون الانتخابي برمّته على اعتبار ما سينجر عنه من فوضى في إدارة التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية وما سيترتب عنه من إقصاء لمختلف الأطراف المتدخلة في الشأن الانتخابي بما في ذلك الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ومحكمة المحاسبات والمحكمة الإدارية”. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني