بعد انتهاء فترة تقديم الترشحات لرئاسيات 6 أكتوبر 2024، استقرّت هيئة الانتخابات على قبول ثلاثة ملفّات ترشيح من أصل سبعة عشر، وهي تخصّ كُلًّا من قيس سعيّد وزهير المغزاوي والعياشي زمال، مع انطلاق تقديم الطعون بالنسبة إلى الّذين لم تحظَ ترشّحاتهم بالقبول، وفي هذا السياق قالت المحكمة الإدارية في بيان لها إنها تلقّت ستة طعون مرفوعة في إطار النزاع الانتخابي.
لم تكُن حصيلة الترشحات الأولية المقبولة مُفاجئة للمتابعين للشأن الانتخابي من سياسيّين وحقوقيّين ومنظمات مجتمع مدني، حيث نشرَت شبكة مراقبون يوم 12 أوت على صفحتها الرسمية أنّ هذه الحصيلة “متوقّعة” لتضافر عدد من الأسباب الموضوعية؛ من بينها ضبابية المَسار وإقرار إجراءات جديدة، وخاصّةً “انخراط المنظومة الأمنية والقضائية في فترة جمع التزكيات وقبول الترشحات”. ورغم أنّ السياق الانتخابي والسياسي بشكل عامّ ماضٍ في نسف “الأجسام الوسيطة” وتضييق الفضاء العامّ تدريجيًّا، إلا أنّ المنظمات المختصة في مراقبة الشأن الانتخابي تُواصل عملها في مراقبة مراحل المسار، في إطار الهامش المُتاح لها، حيث ترتكز مُراقبتها على الجانب التقني والتفاصيل الإجرائية والإخلالات التي من الممكن تلافيها، عبر مراقبة كلّ المحطات الانتخابية منذ ما قبل 25 جويلية 2021، وصولا إلى الانتخابات الرئاسية الحالية.
جاء في دستور قيس سعيد لسنة 2022 في فصله الـ89، أنّ تقديم الترشحات لرئاسة الجمهورية تَتمّ حسب الطريقة والشروط المنصوص عليها بالقانون الانتخابي. ورغم أنّ القانون الانتخابي لم يُنَقَّح فإن هيئة الانتخابات سارَعت إلى إصدار قرار ترتيبي يُنظّم عمليّة الاقتراع. “الهيئة كما هو معلوم ليست جهة مبادرة، وطالما لم يتمّ تنقيح القانون الانتخابي من الجهات المخوّل لها قانونًا تقديم مبادرات تشريعية في الوقت اللازم، كان محمولا على الهيئة ضمان سلامة المسار الانتخابي وملاءمة الدستور من خلال القرارات الترتيبية لاستكمال النص التشريعي”، يقول عضو هيئة الانتخابات بلقاسم العياشي للمفكرة القانونية. فيما يرى نافع الحاجّي رئيس شبكة مراقبون أنّه كان لا بدّ من تنزيل هذه الشروط في القانون الانتخابي ليتماشى مع ما جاء من شروط جديدة في دستور 2022. ويقول للمفكرة: “الهيئة حاولت أن تلائم وحدها بالسلطة الترتيبية التي لديها، دون المرور عبر البرلمان وهذا أمر غير سليم قانونيًّا، إذ لا بدّ من احترام الهرميّة القانونية، والهيئة هنا تجاوزت مجلس النوّاب. المسار القانوني فيه بعض الشوائب مثل اشتراط الجنسية التونسية من دون انقطاع والترفيع في سنّ الترشح من 35 إلى 40 سنة، وبطاقة السوابق العدلية”. في السياق نفسه قال بسّام معطر رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات عتيد للمفكرة: “كان من الأجدر ملاءمة القانون الانتخابي مع ما جاء في دستور 2022 من خلال تقديم مبادرة تشريعية للبرلمان حتى يكون المسار القانوني سليمًا، وحتّى لا يتمّ المسّ بمصداقية المسار وثقة الناخبين فيه”.
رغم أنّ الملاحظة الإجرائية لسَير العمليّة الانتخابية ما زالت تسير بشكل طبيعيّ، إلى حدود هذه الفترة، إلاّ أنّها تتنزّل في سياق سياسيّ مُتحامل على الجمعيّات والمنظّمات غير الحكوميّة، بدعوى أنّها تتلقّى تمويلات أجنبيّة وتمسّ من السيادة الوطنية، وقد شملَت الحملة بالأساس الجمعيات المختصّة في الهجرة والقضاء على التمييز العنصري. في هذا السياق يقول رئيس جمعية عتيد إنّ المجتمع المدني تضرّر كثيرًا من حملات الشّيطنة والاتهامات الفضفاضة التي وُجّهت له. والحال أنّه يشتغل في ظلّ القانون التونسي، مُشيرًا إلى أنّ الدولة لم تقم بدورها في مراقبة تمويل الجمعيات ومحاسبة المخالفين للقانون. وهو ما أثّر على قدرة الجمعيات في انتداب متطوّعين لملاحظة الانتخابات. بالنسبة إلى معطر، فإنّ الحافز الأساسي للمتطوعين للإقبال على ملاحظة الانتخابات ورصد مختلف عمليّات الاقتراع هو “الأمل في التغيير. وتلك الهبّة المواطنيّة تراجعت بشكل كبير من حيث عدد الملاحظين. وحملة الشيطنة أثّرت كثيرا في الموارد المالية للجمعيات حيث تَوَقّف المانحون عن تمويل مشاريع مراقبة الانتخابات”.
مقاربة “تشاركية”، ولكن حذرة
نبّهت الجمعيات المختصة في الشأن الانتخابي إلى عدد من النقاط المتعلقة بالمسار الانتخابي، منذ قرار تغيير تقسيم الدوائر الانتخابية قُبَيْل الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2022 وصولا إلى الانتخابات الرئاسية الحالية، حيث يقول نافع الحاجي رئيس شبكة مراقبون المختصّة في الشأن الانتخابي إنّ المجتمع المدني ضَغطَ من أجل تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية، مُذكّرًا بأنّ الممارسات الفُضلى في القاعدة الديمقراطية تقتضي تحديد المواعيد الانتخابية قبل سنة أو تسعة أشهر قبل انعقادها، ويضيف: “دور المجتمع المدني لم يعدْ كما كان عليه في السابق، وكَلِمته لم تعدْ مسموعة. ليس هناك تشاركية وهذا واقع لَمِسناه. ولكنّنا رغم ذلك نحاول أن نشتغل في كلّ الظروف. نعيش ضمن مسار انفرادي ولا تُوجد تشاركية مع هيئة الانتخابات وهي لا تستمع إلى مقترحاتنا. نأمل أن يتغيّر الوضع لما هو أفضل، ولكن إلى حدّ الآن العلاقة بالهيئة غير تشاركية”. هذا الحديث يتقاطع مع ما ذكره معطر، إذ يقول للمفكرة القانونية إنّ المناخ السياسي الحالي “ليس هو الأفضل لإجراء انتخابات” بسبب غياب الحوار والتداول المجتمعي والسياسي والحزبي عن الفضاء العامّ. في حين يشير عضو هيئة الانتخابات بلقاسم العياشي في تصريح للمفكرة القانونية إلى أنّ الهيئة لم تتّخذ أيّ قرار يستبعد المجتمع المدني، بل على العكس من ذلك فإن الهيئة حسب قوله: “يَداها مفتوحتان وعلى تواصل دائم بالمنظمات المختصة في الشأن الانتخابي. نحن نأخذ بعين الاعتبار الملاحظات والتوصيات التي نُقدّر أنّها تخدم المسار الانتخابي وسنظلّ دائما منفتحين على التشاركية بدليل أنّ نمنح الاعتمادات لمن يطلبها”.
في المقابل أصدر مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحوّلات الديمقراطية تقريرا أوليًّا يتعلّق بتفرة تقديم الترشحات، تعرّض فيه إلى تأخّر صدور القرار الترتيبي الّذي يضبط شروط وقواعد الترشّح للانتخابات، وأوصى من خلاله هيئة الانتخابات بـ “وضع سقف لتجميع التزكيات في المحطات الانتخابية القادمة حتى لا يقع احتكارها من طرف بعض المترشحين”، إلى جانب ” إفساح المجال أمام استكمال بعض الملفات من طرف المترشحين خلال فترة البتّ في الترشحات نظرا إلى أن بعض الوثائق ومن بينها البطاقة عدد 3 تُمسِك بها الإدارة، وبالتالي فهي تَخرج عن نطاق المعني بالأمر الذي سعى للحصول عليها وبذل جهدا لذلك”، وفق ما جاء في تقرير المرصد.
تتعامل الجمعيات بحذر في ظل وضع تطغى عليه المزاجية، حتّى تُحافظ على ما تبقّى من مكاسب الديمقراطية، المتمثّلة في المشاركة المدنية في الشأن الانتخابي. فيما خيّرت جمعيات أخرى مثل البوصلة وأنا يقظ أن تقاطع مراقبة المواعيد الانتخابية والمؤسسات المنبثقة عن مسار 25 جويلية برمّتها.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.